.........................
تسللت اليافعة من مخبئها.. وهي تسترق الخطى خلف رفيقتها العشرينية
..........................
تحركت الطفلة من السواحل الليبية في رحلة نحو المصير المجهول ولكن ...
.........................
وقف عندها : سراج النعيم
...........................
وقفت (الدار) على قصص إنقاذ طفلة سودانية وعدد من الشباب من قارب الهلاك
والموت بعرض الابيض المتوسط ، فالهجرة غير الشرعية تعني (الموت) أو
(النجاة)، لا خيار ثالث أمام المهاجرين غير الشرعيين الذين يسعون لتحقيق
أحلامهم بالحصول على الجنسية الأوروبية التي يتركون في سبيلهاُ أسرهم
وأوطانهم، هاربين من الحروب أو الظروف الاقتصادية إلى هناك رغماً عما يحيط
بهم من خطر، والأخطر من ذلك كله هو ترسيخ فكرة الهجرة غير الشرعية فى أذهان
بعض الأطفال الذين يستقلون (قوارب الموت)، وهو المصطلح الإعلامى المستخدَم
في حال غرق القارب الذي يعتبر الناقل الأسرع للموت في عرض البحر الذي
يصلون إليه بواسطة تجار البشر من ليبيا إلى الشواطيء الايطالية دون أن
يعلموا أن مصيرهم مُعلَّق ما بين (النجاة والموت).
وقال شاب ناجي من
(مركب الموت) : العناية الإلهية انقذتني من الموت المحقق جوعاً وعطشاً حيث
نفد الطعام والشراب من المركب المتجهة بنا نحو السواحل الايطالية وبالرغم
من ذلك صبرنا إلي أن وصلنا بشق الأنفس إلي قرب الشواطيء الايطالية، فما كان
من قائد المركب المعني إلا أن يأمرنا بالقفز في البحر وإتمام ما تبقي من
مسافة سباحة، والذي يستطيع الوصول إلي هناك فإنه يجد سمساراً في انتظاره،
إذ أنه طلب منا أن نلقي بكل المقتنيات الشخصية التي بحوزتنا حتي نضلل
السلطات الايطالية ولا تستطيع أن تتعرف علي هوياتنا في حال القي القبض
علينا، والمهم أنه لم يحدث شيء من هذا القبيل ليقوم ذلك السمسار بوضعنا في
مكان خاص ومنعنا من الخروج منه أو التسلل إلي داخل ايطاليا حتى يتم تسديد
باقى المبلغ المتفق عليه مقابل ترحيلنا بمركب الموت، ما جري معنا اضطرنا
إلي أن ندفع له بأرقام هواتف أسرنا، فيتم الاتصال بهم وإخبارهم بعدم ترك
أبناءهم في حالهم إلا بعد أن يسددوا ما تبقي من المبلغ المتفق عليه، وهكذا
ظللنا في الحبس الاجباري إلي أن استطاع أهلنا تسديد متبقي المبلغ، والمؤسف
جداً أننا طوال فترة الحبس كنا نتناول القليل جداً من الطعام، وبعد الوصول
الى ايطاليا سعينا لعبورها إلي أي دولة أوروبية أخري من أجل العمل، وأثناء
ذلك تفاجأنا بإلقاء القبض علينا عندها اضطررنا إلي أن نخبر الحكومة
الايطالية أننا لاجئون، وعلى خلفية ذلك تم استغلالنا ، ومن ثم منحونا
أوراقاً للتحرك داخل الدولة.
بدأت رحلتنا من (طرابلس( حتى (زوارة)،
والتى تعتبر نقطة الانطلاق للعشرات من المهاجرين غير الشرعيين، وكان المكان
مليئاً بالجنسيات من دول عديدة، و بعد مرور أيام اتجهوا بنا ناحية
الصحراء، مشيراً إلى أن الدليل الذى كان يرشدهم كان يضع شروطاً قاسية لنا،
وكل الأماكن التى تم نقلنا إليها كانت سيئة جداً وعُوملنا فى بعض الأوقات
بصورة سيئة، منوها بأنهم ظلوا فى السير لمدة تقارب 3 ساعات متواصلة، حتى
نصل إلى المركب الكبير، وبعد مرور الوقت شعرنا جميعا بدوَّار البحر،
فامتنعنا عن الطعام والشراب ، كما أن المركب اشتعل بالنيران بشكل مفاجئ قبل
وصولنا إليه .
وفي السياق كشف الأستاذ (م. ز)، قصة الطفلة السودانية ، ونجاتها من مركب الهجرة غير الشرعية الذي تحرك بها من ليبيا إلي أوروبا.
وقال : في هدأة ليل دامس من ليالي المغامرة المحفوفة بالمخاطر، تسللت
الطفلة السودانية اليافعة (ن) من مخبئها، الذي ظلت حبيسة فيه لأسابيع،
وعيناها تأتلق بالفرح الممزوج بالحزن، وهي تسترق الخطى خلف رفيقتها
العشرينية ، في طريقهما إلي عبور البحر الأبيض المتوسط على قارب الموت،
الذي ينتظرهما وآخرين عندما يتحركون من السواحل الليبية ، في رحلتهم نحو
المصير المجهول، الذي ربما تستطيعان العبور منه بسلام أو ربما تجرف جثثهم
مياه البحر أو تأكلهم (الأسماك)، بالضبط كما حدث مع الكثير من الضحايا
المهاجرين من أفريقيا إلي أوروبا.
وأضاف : الطفلة السودانية تبلغ من
العمر (10) أعوام، وهي يتيمة (الأم)، بينما مصير والدها مجهول، ولا أحد
يعرف إن كان حياً أو ميتاً، أو في أي بلاد من بلاد الدنيا، ولكل هذه
العوامل رأت أختها المقيمة معها في ليبيا، أن ترتب لها رحلة مع رفيقتها
العشرينية من ليبيا الي اوروبا، وإن كانت الطفلة السودانية لا تخرج من
منزلهم إلي البقالة لشراء حلوي، لأنها قد تتوه في طريق الذهاب أو الإياب،
ناهيك أن تسافر بتلك الصورة، هكذا كابدت الصغيرة المصائب والصعاب غير آبه
بمخاطر الرحلة، قاصدة من وراء ذلك الوصول إلي بلد أوروبي يحتضنها وينسيها
مرارة (اليتم) و(الحرمان) و(قساوة) و(مرارة) الدنيا.
واسترسل : الملاحظ
في الطفلة السودانية كانت عيناها تسطعان كنجمتي سحر تشخص بهما إلي السماء
حيناً، تناجي بهما رباً لا ينام، ثم تغلقهما حيناً رجاءاً وأملاً أن يرسو
مركبها بسلام علي سواحل البحر الأبيض المتوسط المائج، وكل شيء يضطَّرب من
حولها حتى كاد قلبها أن ينخلع، لم تُخيِّب عناية السماء أملها، حينما
سخَّرت لها القوات البحرية الإيطالية التي أنقذت قاربها من الهلاك والموت
في عرض البحر، ثم نقلتها منه إلي جزيرة (صقلية) وما أن تم إنزالها علي
الشاطئ، إلا وصرخت مع رفيقتها بكل عنفوان الفرح، ثم تعانقتا بشوق العائدين
من حُضن الموت.
وأردف : جهزت السلطات الإيطالية حافلة للطفلة السودانية
ورفيقتها العشرينية اقلتهما وآخرين إلي (روما)، وطوال هذه الرحلة كانت
الطفلة السودانية يقظة، رغماً عن التعب والإرهاق الذي هدَّ جسدها النحيل.
وتابع : وفي (روما) التقت الطفلة السودانية بآلاف الأطفال الذين وصلوا إلي
أوروبا مثلما وصلت هي بلا عائل يخفف عنها لوعة الرحيل، وتم استيعابهم في
دور الرعاية الاجتماعية، إلا أن صديقتها البالغة من (20) عاماً، والتي
تعرفت عليها داخل الحافلة بالمخبأ في ليبيا، وشاركتها أهوال رحلة الموت عبر
المتوسط، أكدت لها أنها ترغب في أن تواصل طريق هجرتها الي (السويد)، فلم
يكن أمام الطفلة السودانية ، إلا أن تقرر مرافقها إلي حيث وجهتها، بعد أن
وجدت منها الرعاية والاهتمام وحنان وحب ودفء الأم، معتبرة إياها أماً
وأختاً وصديقة، هكذا تعلقت بها لدرجة أنه لم يعد في مقدورها مفارقتها ولو
لكسر من الثانية، بعد أن استطاعت تلك الشابة أن تغسل أحزانها وتداوي جراحها
وتقاسمها ذكرياتها المريرة، التي كانت ترويها لها منذ الوهلة الأولي التي
قابلتها فيها، حيث أنها لاحظت أن الطفلة السودانية تتفرس وجوه الناس بصورة
لافتة، وتنظر بدهشة إلي المباني الشاهقة، والشوارع المغسولة بماء المطر،
وكانت الطفلة السودانية ، لا ترغب في الحديث مع أي أحد عن أيامها الماضية،
سوي هذه الشابة التي أحست معها بالأمن والأمان، وكانت تهُزُّ رأسها رافضة
أن تتفوه بكلمة عن ماضيها لمن كانوا يوجهون لها الأسئلة عن الأسباب التي
قادتها إلي المغامرة بحياتها، فلم تكن تريد مثل هذه الأسئلة، بل كان كل
تفكيرها منحصراً في مستقبلها، الذي تنظر إليه بعينين شاخصتين، وكل الذي
كانت تحلم به الوصول إلي (السويد)، وأن تذهب إلي المدرسة، على أمل أن تصبح
في المستقبل (مهندسة) أو (طبيبة)، وعلي هذا النحو تأمل في غد مشرق، مع
الشابة التي أعتبرتها بمثابة الأم كانت تقول لها : (غداً تصلين بحفظ الله
ورعايته إلي (السويد)، وتستقرين في مدينة أستكهولم المدينة الأجمل في
العالم)، وواصلت حديثها المخفف للواقع الجديد الذي ستعيشه، قائلة : (إن
المدينة التي نتوجه نحوها من المدن المتمددة والباذخة بالشموخ فوق أربعة
عشر جزيرة علي بحيرة (مالارين)، وتنظر منها إلي الجهة الشرقية حيث يوجد بحر
(البلطيق).
واسترسل : وواصلت الشابة حديثها مع الطفلة السودانية ،
مؤكدة لها أن حلمها شارف علي أن يتحقق بالدراسة ، وأن تحرزين من خلال
تحصيلك الأكاديمي علي أرفع الدرجات بإذن الله، وأن تحتفي بك السويد، ويدعوك
العاهل السويدي (كارل غوستاف) إلي مقر إقامته، وتتناقل أخبارك كل الإذاعات
والفضائيات والأسافير.
وتابعت : (غداً تتباهى الخرطوم بأنَّك من بناتها، ويطلب منك أن تعودي إلي الخرطوم للعمل فيها في المجال الذي درستيه).
فيما كانت الطفلة السودانية ، تحدق بعينيها الشاخصتين نحو السماء، وهي
تتضرع إلي الله سبحانه وتعالي بالدعاء أن تصبح حياتها وفق ما خططت له، وأن
تنال شهادتها.