ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﺘﺄﻣﻠﻬﺎ، ﺗﺒﺪﻭ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﻌﻤﻖ ﻭﺍﻟﺜﺮﺍﺀ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻋﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺮﺟﻞ . ﻓﻠﻘﺪ ﺑﻠﻮﺭﺕ « ﺍﻟﻜﻨﺪﺍﻛﺔ » – ﻛﻤﺎ ﺗﻠﻘّﺐ ﺣﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﻨﻴﻠﻴﻦ ﻧﺴﺒﺔ ﻟﻤﻠﻜﺎﺕ ﺣﻀﺎﺭﺓ ﻣﺮﻭﻱ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ – ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺛﺎﺕ ﻭﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺎﻣﻮﺱ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺨﺼﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺮﺟﻞ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺫﻛﻰ ﺧﺼﻮﺻﻴﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻤﺘﺪﺓ ﻟﺘﺸﻤﻞ ﺍﻟﻐﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻞ « ﻏﻨﺎﺀ ﺍﻟﺒﻨﺎﺕ » ﻭﺍﻟﺮﻗﺺ ﺍﻷﻧﺜﻮﻱ « ﺍﻟﻔﺪﻋﺔ ﻭﺍﻟﺮﻗﺒﺔ » ، ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﻋﻄﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻛﺎﻟﺨﻮﻣﺮﺓ ﻭﺍﻟﺪﺧﺎﻥ ﻭﺍﻟﺪِﻟْﻜﺔ ﻭﺩﻫﻦ ﺍﻟﻜﺮﻛﺎﺭ، ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻟﻠﺮﺟﺎﻝ ﺍﻟﺘﻌﺎﻃﻲ ﻣﻌﻪ ﺇﻻ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﻌﺎﻃﻮﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺃﻧﻔﺴﻬﻦ .
ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﺤﻈﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﻛﻮﺭ، ﺑﻤﺎ ﻳﻔﺮﺯ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺭﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﻘﻄﻌﺔ ﺍﻟﻨﻈﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ « ﺍﻟﺘﻤﺎﻳﺰ ﺍﻟﻠﻐﻮﻱ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺫﺍﺗﻪ » .
ﺗﻤﺎﻳﺰ
ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﻟﻘﺎﻣﻮﺱ، ﻓﺈﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ « ﺳَﺠَﻤﻲ » ﺃﻭ ﻗﺎﻝ « ﻭﻭﺏ ﻋﻠَﻲّْ » ﺃﻭ « ﻭﺩ ﺃﻣﻲ » ، ﻓﻮﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﺛﻨﺘﻴﻦ، ﺇﻣﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﺒﺎﻟﻎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺰﺍﺡ ﻭﺍﻟﺘﻬﻜّﻢ، ﺑﻤﺎ ﻳﺜﻴﺮ ﺍﺳﺘﻬﺠﺎﻥ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻭﺍﻣﺘﻌﺎﺿﻬﻢ، ﺃﻭ ﺃﻧﻪ ﻣﺨﺘﻞ ﺍﻟﺠﻴﻨﺎﺕ ﻭﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺮﻣﻮﻧﺎﺕ ﺃﻧﺜﻮﻳﺔ ﺯﺍﺋﺪﺓ ﻓﺎﺿﺖ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻧﻪ، ﻭﻛﺸﻔﺖ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺍﻟﻤﺰﺩﻭﺟﺔ .
ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ، ﻓﺈﻥ ﻟﻠﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﺭﺝ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻇﻴﻔﻬﺎ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻓﻲ ﺗﻮﺍﺻﻠﻬﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻭﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﻌﻴﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﺫﻟﻚ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻫﺬﺍ ﺧﺼّﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻘﺎﻣﻮﺱ ﻻ ﻳﻘﺮﺑﻪ ﺍﻟﺬﻛﻮﺭ، ﺑﻞ ﺗﻮﺑﺦ ﺍﻷﻡ ﻭﻟﺪﻫﺎ ﺇﺫﺍ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﻈﻮﺭ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺗﺠﺪﻫﻢ ﻳﺴﺘﺤﻴﻮﻥ ﺇﺫﺍ ﺃﻓﻠﺘﺖ ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻥ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻨﻪ ﻣﺜﻞ « ﺃﺣّﻲْ » ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺨﻄﺄ، ﻓﻠﺮﺑﻤﺎ ﺃﺩﻯ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺇﺳﺎﺀﺓ ﺍﻟﻈﻦ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻄﺎﻕ ﻭﺍﺳﻊ .
ﺷﺮﺡ
« ﺳَﺠَﻤﻲ » ﺗﻌﻨﻲ : ﻭﺍ ﻣﺼﻴﺒﺘﺎﻩ، ﻭﻗﺪ ﻳﺘﻢ ﺗﻨﻮﻳﻌﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻮﻝ « ﺳَﺠَﻢ ﺧَﺸْﻤﻲ ﺃﻭ ﺳﺠﻢ ﺃﻣﻲ، ﻭﺃﻳﻀﺎً « ﻭﻭﺏ ﻋﻠﻲّْ » ﺗﻌﻨﻲ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻧﻔﺴﻪ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﻣﺘﺮﺍﺩﻓﺎﺗﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻌﺒﻴﺮ « ﻛُﺮْ ﻋﻠَﻲْ » ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻗﺎﻣﻮﺱ ﺍﻟﻜﻨﺪﺍﻛﺔ ﻳﺒﺪﻭ ﺯﺍﺧﺮﺍً ﺟﺪﺍً ﺑﺴﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﺤﺘﺠﺒﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺃﻭ ﺑﺎﻷﺣﺮﻯ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻋﺮﻓﺎً، ﻣﻨﻬﺎ « ﺃَﺟِﻲ «! ﻭﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﺗﻘﺎﻝ ﻟﻠﺘﻌﺠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻲﺀ، ﻭﺃﻣﺎ ﺗﻌﺒﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﺄﻟﻢ ﻭﺍﻟﺘﺄﻭﻩ ﻓﺘﺸﻤﻞ ﻣﻤﺎ ﺗﺸﻤﻞ « ﻭﺍﻱ » ﻭﻛﺬﻟﻚ « ﺃﺣَّﻲْ » ، ﻭﺃﻣﺎ « ﺑﺮﻱ ﺑﺮﻱ، ﺃﻭ ﺃﺑﺮﺃ ﻳﺎ ﻳﺎﺑﺎ » ، ﻓﻬﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﺃﺗﺒﺮﺃ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ .
ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺇﺫﺍ ﺷﺎﺀﺕ ﺃﻥ ﺗﻄﻠﺐ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺣﻮﻝ ﺃﻣﺮ ﺃﺷﻜﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﺳﺘﻌﺠﺒﺘﻪ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺑﺪﻻً ﻋﻦ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻝ : ﻫﻞ ﻫﺬﺍ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻳﺎ ﻧﺎﺱ؟ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻌﺒﺮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺘﻬﺎ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺭﺛﺘﻬﺎ ﻋﻦ « ﺣﺒﻮﺑﺎﺗﻬﺎ » ﻓﺘﻘﻮﻝ : « ﻋﺎﺩ ﺩﺍ ﻛﻼﻡ ﻳﺎ ﺑﻨﺎﺕ ﺃﻣﻲ؟ .«!
ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﺆﻛﺪ ﻋﺪﻡ ﺳﻤﺎﻋﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻘﻮﻝ : « ﻳﻄْﺮِﺷﻨﻲ » ، ﺃﻭ « ﻳﺒﻘﻰ ﻟﻲ ﺑﺎﻟﻌﻤﻰ » ﺇﺫﺍ ﻗﻄﻌﺖ ﺟﺎﺯﻣﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺮَ ﺫﻟﻚ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺒﺘﺔ، ﺃﻭ ﺗﻘﻮﻝ : « ﻳﺒﻘﻰ ﻟﻲ ﺑﺎﻟﺴِﻢ » ، ﻟﺘﺆﻛﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻄﻌﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﺷﻴﺌﺎً ﻗﻂ . ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩﺕ ﺃﻥ ﺗﻐﻠﻆ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻘﺴﻢ ﺑﻨﻮﺭ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻓﺘﻘﻮﻝ : « ﻭﺣﺎﺕ ﻧﻈﺮﻱ » .
ﺍﻟﺤﺒﻮﺑﺔ
ﻭﻋﻠﻰ ﺫﻛﺮ « ﺍﻟﺤﺒﻮﺑﺔ » ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﺠﺪﺓ ﻟﺠﻬﺔ ﺍﻷﻡ ﺃﻭ ﺍﻷﺏ، ﻓﺈﻥ ﻟﻬﺎ ﻗﺎﻣﻮﺳﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺹ ﻫﻲ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﻗﺎﻣﻮﺱ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻭﻣﻦ ﻣﻔﺮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺤﺒﻮﺑﺔ : « ﺟﻨﺎ ﺣﺸﺎﻱ » ﻭﻳﺎ « ﺻﺒﺎﺡ ﺧﻴﺮﻱ » ﻭﺗﻘﺼﺪ ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺎ ﺍﺑﻨﻲ، ﻭﺃﻣﺎ ﻗﻮﻟﻬﺎ : « ﻳﺎ ﻋﺸﺎﻱ » ﻓﺘﻌﻨﻲ ﺫﺧﺮﻱ ﻭﻣﺪّﺧﺮﻱ ﻭﺯﺍﺩﻱ ﺇﺫﺍ ﺍﺣﺘﺠﺖ، ﻭ « ﻳﺎ ﺑﻠّﺎﻟﻲ » ﺗﻘﻮﻟﻬﺎ ﺍﻟﺤﺒﻮﺑﺔ ﺗﻤﻠﻴﺤﺎً ﻟﻼﺑﻦ، ﺣﻴﺚ ﺗﺒﻠﻞ ﺑﻪ ﻳﺒﺎﺳﻬﺎ ﻭﺟﻔﺎﻑ ﻣﺎﻋﻮﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻄﻌﺎﻡ .
ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻻﺑﺪ ﺃﻧﻪ ﻣﺒﺤﺚ ﻭﺍﺳﻊ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺍﺧﺘﺮﻧﺎ ﻣﻨﻪ ﺷﺬﺭﺍﺕ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺷﺪﻳﺪ ﺍﻟﻐﻨﻰ ﻣﺘﻌﺪﺩ ﺍﻷﺑﻌﺎﺩ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﻭﺿﻊ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺃﻧﺜﺮﻭﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻣﻤﻨﻬﺠﺔ ﺗﺴﺘﻘﺼﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻭﻣﻐﺰﺍﻫﺎ ﻭﺁﺛﺎﺭﻫﺎ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق