المهندس احمد يتحدث للاستاذ سراج النعيم |
الخرطوم : سراج النعيم
أواصل سبر أغوار أطول قضية احتجاز من قبل القراصنة
الصوماليين للبحارين السودانيين عبد المنعم عبد الحفيظ واحمد الأمين اللذين عاشا
ظروفاً غاية في الصعوبة وذلك خلال ثلاث سنوات متصلة ظلا فيها مع رفقائهما من
الجنسيات الأخرى داخل غرفة صغيرة بالباخرة (آيس بيرح ) البنمية التي كانت ترسو علي
السواحل الصومالية التي ذاقا فيها كل أصناف العذاب الذي قضياه في غياهب المجهول
الذي عادا منه بفضل الله سبحانه وتعالى اولاً ومن ثم القوات الصومالية بالتنسيق مع
قوات ولاية (بونت لاند) التي سلمتهما بدورها إلى الأمم المتحدة بعد أن استضافتهما بالولاية
سالفة الذكر ثمانية أيام من تاريخ تحريرهما.
العاصمة الكينية (نيروبي)
فيما قال المهندس السوداني احمد الأمين كرهومي : لقد قامت
الأمم المتحدة بالدور المنوط بها على أتم الوجه إذ نقلتنا من مسرح الحادث إلى
العاصمة الكينية (نيروبي) وكان في استقبالنا بها لدي وصولنا مندوبو السفارات لاستلام
البحارة الذين كانوا معنا في الاحتجاز طيلة الفترة الزمنية الماضية بينما تسلمتنا
نحن السودانيين منظمة (ITF)
فما كان من المنظمة إلا وتجري اتصالاً هاتفياً بالسفارة السودانية بالعاصمة
الكينية (نيروبي) ولكن كانت المفاجأة في أنهم طلبوا منهم إيصالنا لهم ولم يكتفوا
بذلك بل رسموا لهم خريطة طريق ولم تخيب المنظمة ظننا فيها وقامت بإيصالنا إلى البعثة
الدبلوماسية السودانية.
الشرطة الدولية (الانتربول )
وفي ذات السياق قال : وما أن استلمتنا السفارة السودانية
بنيروبي إلا وقامت بإنزالنا في سكن خاص بالموظفين العاملين لديها إلى أن استخرجت
لنا وثيقتي سفر اضطراريتين بالإضافة إلى أن موظفي السفارة السودانية جددوا لنا
الجوازين الخاصين بكل واحد منا ولذلك وعبركم نشكرهم ونخص بالشكر الملحق العسكري
بالسفارة السودانية وأيضاً مسئولي الشرطة الدولية (الانتربول) بـ(نيروبي).. ومن ثم
تم تسليمنا تذاكر السفر وتوجهنا بها مباشرة إلى إثيوبيا ومنها إلى مطار الخرطوم
الدولي الذي واجهتنا فيه إشكالية متمثلة في التحقيق معنا بواسطة شرطة (الانتربول) وما
حدث لم يكن خطأ منهم إنما نابع من عدم اتصال سفارتنا السودانية بـ(نيروبي) بالجهات
ذات الاختصاص في الخرطوم وأما إذا عقدنا مقارنة بين ما وجده رعايا الدول المختطفين
من البحارة البالغ عددهم (24) بحاراً سنجد دون أدنى شك أن الفرق شاسع جداًَ بيننا
وبينهم وعندما تنظر إلي واقعهم مثلاً ستجد ان وزيري الدفاع والخارجية الهنديين جاءا
بطائرة عسكرية إلى هناك وقاما باستلام مواطنيهم وفعل نفس الشيء الرئيس اليمني الذي
ابتعث الدكتور واعد باذيب وزير النقل اليمني بطائرة خاصة نقل بها البحارة اليمنيين
الثمانية من الصومال إلى اليمن بصورة مباشرة وكنا نحن نشاهد عن قرب التطورات التي
تحدث ولا نجد من يسأل عنا رغماً عن أن الظروف المحيطة بنا كانت ظروفاً استثنائية ومما
لا شك فيه أن الاهتمام الذي وجده زملاؤنا قد ترك أثره الطيب في نفوس البحارة الذين
لم تكتف دولهم بذلك بل ذهبت إلى ابعد من ذلك ، فعلي سبيل المثال الهند قررت أن
توظف رعاياها المختطفين في وظائف حكومية كما اصدر الرئيس اليمني قراراً يقضي
بتحفيز البحارة الثمانية العائدين من الاحتجاز غير المشروع مليون ريال يمني لكل
منهم وثلاثة ملايين لأسرة الشهيد وجدي أكرم محسن (الضابط الثالث) في الباخرة
المحررة (آيس بيرج) البنمية وربما يكون ذلك غيضا من فيض.
الإشكالية في الوثائق الاضطرارية
ويضيف : عندما تم نقلنا عبر الأمم المتحدة إلى (نيروبي) كان
برفقتنا غانيان وفلبيني واحد لم يتوان مندبو سفاراتهم في الإتيان إليهم داخل صالة
الوصول بالمطار فيما ظللنا نحن نتلفت يميناً ويساراً عسى أن يكون هنالك مندوب من
السفارة السودانية في انتظارنا ولكن خاب ظننا وبقينا واقفين بلا أمل في الموقف
المخصص لسيارات الأجرة لأنه لا حياة لمن تنادي ونحن علي تلك الحالة جاء نحونا
مندوب منظمة (ITF)
وقام مشكوراً باستلامنا بالإنابة عن الدبلوماسية السودانية ومع هذا وذاك نأسف لما
حدث معنا بأرض الوطن الذي سجلنا عنه غياباً استمر لمدة ثلاث سنوات حيث تفاجأنا بعدها بإشكالية تواجهنا في الدخول من
بوابة مطار الخرطوم وتتمثل هذه الإشكالية في الوثائق الاضطرارية المستخرجة بواسطة
الدبلوماسية السودانية بـ(نيروبي).
السواحل الصومالية
ويستمر : وحينما كنا في عرض البحر بمنطقة (جرعد) علي السواحل
الصومالية مارس معنا القراصنة الصوماليون أصنافا من التعذيب الجسدي والنفسي الذي
لا يمكن احتماله بأي شكل من الأشكال وخاصة شخصي الذي ظل رهن الحبس الانفرادي ستة
أشهر ما استدعاني التفكير جدياً في إيجاد وسيلة للهرب من ذلك الجحيم الذي أصبحت معه
لا أميز بين النهار والليل لأنني كنت محبوسا في غرفة لوحدي بالسفينة (أيس يبرج ) البنمية
وذلك على خلفية اتهام القراصنة الصوماليين لي بإخفاء الوقود المحرك للباخرة وفيما
كانوا طوال الفترة الزمنية المشار إليها يقدمون لي الطعام وجبة واحدة طوال اليوم
وهذه الوجبة عبارة عن ارز بالماء فقط بالإضافة إلى كمية قليلة جداً من الماء لا
تروي الظمأ.
وجبة بالأزر بالماء فقط
ويعود بالسنوات والشهور للوراء قائلاً: بعد مضي ثمانية
أشهر على حادثة اختطاف الباخرة نفذ الطعام الذي كنا نحمله معنا في هذه الرحلة ولم
يبخل علينا القراصنة الصوماليين في باديء الأمر بالطعام على أمل أن تستجيب دولنا
لمبلغ الفدية الذي قرروه في تلك الأثناء بواسطة زعيمهم الذي قتل في عملية التحرير
وكانوا يأتون إلينا بالغذاء الدسم معتقدين أن الاحتجاز لن يطول أكثر من ذلك ولكن
مع مرور الأيام والأشهر والسنوات فقدوا الأمل في نيل مرادهم بملامسة الدولارات
الأمريكية .. فبدأوا في تغيير المعاملة من السيء إلى الأسوأ فلم يكونوا يسمحوا لنا
بسوى تناول وجبة الأرز بالماء .
فقدان نعمة البصر
ويذهب إلى قصة فقدان زميله عبدالمنعم عبدالحفيظ لنعمة
البصر قائلاً: ذات مرة أصيب الموتور المحرك للباخرة (آيس بيرج) بعطب فما كان من
القراصنة الصوماليين إلا وطلبوا منه النزول من أجل إيجاد حل لهذه الإشكالية وأثناء
ما هو متوجه لمكان الموتور بحراسة مدججة بالأسلحة انزلقت رجله من السلم المؤدي إلى
الغرفة الشيء الذي أدى بالمهندس عبدالمنعم السقوط على السلم برأسه ما نتج عن ذلك الارتطام
فقده للرؤية في إحدى عينيه كما أصيب بضعف
النظر في الأخرى إلى أن بدأ يتماثل منه تدريجياً .. أما من المواقف المؤلمة خلال
تواجدنا بالباخرة هو موقف إجبار القراصنة الصوماليين للبحار اليمني وجدي أكرم
حسيني (ضابط ثالث ) علي الانتحار من خلال الضغوطات البدنية والنفسية التي تمارس
علينا يومياً .. فلم يحتمل هذا العذاب والإذلال والتهديد المستمر ببيع أعضائنا لمن
يتاجرون فيها ما حدا به الانهيار والدخول في حالة نفسية قاسية جداً دفعته إلى
القفز من السفينة في عرض البحر قبالة السواحل الصومالية ما قاد القراصنة إلى
الإسراع بانتشال جثته ووضعها في الثلاجة الخاصة بحفظ الأطعمة والمشروبات بالباخرة
وبعد مرور أشهر على هذه الواقعة نفذت المواد البترولية ما قاد إلى توقف المحرك
والثلاجة فقام القراصنة على ضوء ذلك برمي جثة البحار اليمني أكرم وجدي محسني في
عرض البحر كما أن هناك بحاراً هندياً يعمل كضابط أول في السفينة اختفي من على
ظهرها بشكل مفاجئ بعد أن نفذ القراصنة عملية تعذيب جماعية للبحارة البالغ عددهم 24
بحاراً من جنسيات مختلفة ولم نكن نعلم أن كان قد انتحر لوحده أو قتلوه فيما احضر
لنا القراصنة الصوماليون ملابسه والقوا بها أمامنا في الغرفة التي كنا محتجزين
فيها على مدى الثلاث سنوات لم نبرحها قيد أنملة.
شجاعة هذا الرجل
ويواصل سرد القصص الحزينة من على متن الباخرة المختطفة منتقلاً
إلى قصة قطع القراصنة الصوماليين لأذني بحاراً يمنياً قائلاً : ما أن ارتكبوا
فعلتهم النكراء إلا وتركوه على تلك الحالة ينزف الدماء نزفاً شديداً إلى ان توقف
النزف واندمل الجرح دون ان يتلقي علاجاً يخفف عنه الألم الذي كان يحس به في تلك
الأثناء وأكثر ما وقفت عنده شجاعة هذا الرجل الذي وقف للقراصنة الصوماليين بكل صبر
وجلد يحسد عليه فالمشهد مؤلم جداً للناظر ناهيك عن البحار اليمني الذي انتهكوا
حقوقه بهذه الوحشية المفرطة .. وكل هذه السلوكيات كانت تتم من أجل إخافتنا من
المصير الذي سنؤول إليه في حال خالفنا التوجيهات الصادرة منهم في تلك اللحظات .
مقتل البحار اليمني
ويسترسل : وخلال الثلاث السنوات الماضية من حياتنا على
متن الباخرة (آيس بيرج) كان القراصنة الصوماليون يتناوبون في تشديد الحراسة علينا
أي يقفون معنا ثلاثة أو أربعة أشهر لممارسة هوايتهم المفضلة قرصنة السفن والبواخر الأجنبية
وكانوا كلما فعلوا أمرا من هذا القبيل يأتون إلينا ويغدقون علينا بالطعام الشهي
ولكنهم حينما يئسوا من دفع الفدية لجأوا إلى معاملتنا بصورة غير إنسانية.. وهكذا
كنا نمضي حياتنا في الغرفة الصغيرة بالسفينة التجارية علماً بأننا أربعة وعشرون
بحاراً قبل مقتل البحار اليمني وجدي أكرم محسني (ضابط ثالث ) والبحار الهندي الذي
اختفي في ظروف غامضة ولم يعد حتى لحظة تحريرنا بواسطة القوات الصومالية بالتنسيق
مع قوات ولاية بونت لاند بزعامة نجل رئيس الولاية والجنرال عبدالرزاق .. أما فيما
يخص الأمراض التي تضرر منها البحارة فهي كانت مختلفة كالضغط والسكري وغيرها بينما
أصبحت الرطوبة عاملا أساسيا بالنسبة للجميع وذلك يعود إلى بقائنا ثلاث سنوات في
مكان لا تشرق فيه الشمس وكنا في ظل ذلك نصلي خلسة فالقراصنة كانوا يمنعنونا الصلاة
رغماً من أنهم يدعون أنهم مسلمون.
أنا أموت شهيداً
ويستطرد : وفي مرة من المرات رأيت القراصنة الصوماليين
يعذبون بحاراً يمنياً يفوق عمره الـ (70 ربيعاً) بلا رحمة بلا رأفة مبتكرين طرق
متعددة في ذلك فقد علقوا ذلك البحار الكبير في السن من رجليه في سقف الغرفة
وانصرفوا في سبيل حالهم تاركينه يصارع الموت على مدى اليومين التاليين إلا أنه كان
رجلاً صبوراً على الأذى الذي حاق به وكان يردد بصوت : (أنا أموت شهيدا) الأمر الذي
يعتبره القراصنة الصوماليون استفزازاً لهم.
مخالطة القراصنة الصوماليين
ويستأنف القصة الحزينة قائلاً : إذا سألتني أين كنتم
تقضون حاجتكم وسأقول لك في الحمامات الخاصة بالباخرة ولكن القراصنة كانوا في كثير
من الأحايين يمنعنونا إلا من خلال مزاجهم هم ويحددون ذلك بدقيقة واحدة فقط وينتظر
احدهم بسلاحه أمام باب التوليت ..والغريب في هذا الاختطاف أننا طوال الثلاث سنوات
المخصومة من عمرنا غصباً عنا بالاحتجاز لم نخالط القراصنة الصوماليين لأننا في
الأساس غير مسموح لنا بمغادرة الغرفة الموجودة داخل السفينة مهما كانت الظروف
المستدعية لذلك أما القراصنة الصوماليون فهم موجودون في المكان الخاص بهم
ويتبادلون ما بين الفينة والأخرى عملية حراستنا.
مقتل زعيم القراصنة
وماذا بعد ذلك؟ السؤال الذي يجيب عليه المهندس البحار
السوداني احمد الأمين قائلاً : عندما حانت لحظات تحريرنا أتت القوات الصومالية
بالتنسيق مع قوات ولاية بونت لاند وقامت بالعملية الشاقة من خلال محاصرة الباخرة
(آيس بيرج) البنمية من كل الإتجاهات بما في ذلك الجو والبحر وعلى خلفية ذلك وجدت
القوات الرسمية مقاومة شرسة من القراصنة الصوماليين حيث أنهم كانوا داخل الغرفة
بالسفينة إلا أنهم سمعوا أصوات إطلاق الأعيرة النارية من الجانبين وأدى تبادل إطلاق
الرصاص إلى تعرض بعض البحارة إلى اصابات وبعد مرور أسبوعين من بداية العملية
التحريرية التي قتل على أثرها زعيم القراصنة طلبوا أن تتصل بهم القوات المهاجمة
للتفاوض دون أحداث خسائر فبعد أن كانوا يطالبون بفدية 5 ملايين دولار أمريكي أصبحوا
يطالبون بايقاف إطلاق الأعيرة النارية خاصة وأن القوات الصومالية تمكنت من اسر
ثلاثة من القراصنة وقتل ثلاثة آخرين من بينهم الزعيم وعندما فقدوا الأمل في
المقاومة أكثر من ذلك لجأوا إلى التفاوض الذي توصلوا من خلاله إلى ان تترك القوات
الصومالية القراصنة الانسحاب من على متن الباخرة دون أن يعترض طريقهم أي فرد من
أفراد القوة المنفذة للعملية النوعية الناجحة وكان ان وافقت القيادات برئاسة نجل
رئيس ولاية بونت لاند والجنرال عبدالرازق شرطاً ألا يعتدى أي منهم على البحارة..
وبالفعل تمت العملية بحسب ما خطط لها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق