محكمة جنايات امبدة تقرر النطق بالحكم في السادس عشر من الشهر الجاري
تفاصيل مثيرة في جلسة خبير خطوط المعامل الجنائية الذي أدلي بشهادته أمام القاضي
ارتداد أو تظهير الشيكات جريمة لا تقل فداحة عن الجرائم الكبيرة
الخرطوم : سراج النعيم
وتستمر سيدة الأعمال المعروفة (ق.ع)
في عرض قضيتها المتهمة فيها بتظهير صك زوجها المتوفي منذ سنوات من تاريخ كتابته
ففي أول مرحلة من مراحل هذه القصة المثيرة أن المتهمة لم تكن تدرك بأن العالم
التجاري مملوء بالأشياء والموضوعات الكثيرة التي تجعل السلوك الخاص لا يحتمي من
خطر (ويبقى لحين السداد ) وهي العبارة التي يبقى في ظلها كاتب أو مظهر الشيك خلف
قبضان السجن إلى أن يفي بالإلتزام المالي لهذا أو ذاك الشاكي الذي يتقدم لوكيل
النيابة بعريضة دعوى جنائية يرفق معها الصك المعني بالإجراءات القانونية التي تبدأ
بوكالة النيابة ومن ثم تتحرى الشرطة وتلقي القبض على المتهم تحت المادة (179) من القانون الجنائي السوداني لعام 1991م وهو ماحدث في حالة سيدة الأعمال
المعروفة التي أمضت أكثر من شهر داخل أسوار سجن النساء أمدرمان
حيث أنها وإلى تلك اللحظة لم تكن تدري ماذا تفعل وهي تتأمل الواقع المفاجيء الذي
دخلت فيه بمحض الصدفة فالنظرة للحاضر تسبق النظرة إلى المستقبل الذي في ظله ظلت تفكر
تفكيراً عميقاً فيما هي فيه من واقع لم تكن تعلم أنه سينحني بها علي هذا النحو كما
أنها لم تكن تدرك أن العمل التجاري يمكن أن ينجرف بها ناحية هذا التيار الجارف
لأنها قبل أن تدرك الشيء بأكمله وتستمد الأفكار القاصرة على الإدراك وتدعو إلى
التحليل الإيجابي الذي يمكنه المساهمة في هدايتها إلى الكيفية التي ترد بها الظلم
الذي حاق بها وذلك باعطاء هذه القضية حجمها الطبيعي دون الاستهانة بخصائصها وأركانها
المختلفة.
جريمة الشيكات وآثارها الاقتصادية
وتستأنف الحكاية قائلة: من هنا
ينبغي أن أوضح شيئاً في غاية الأهمية هو أنني عندما كنت داخل سجن النساء أمدرمان من أجل أن اقضي
عقوبة (ويبقى لحين السداد) وهي العقوبة التي كنت في إطارها فاقده لحاسة من الحواس
الملهمة للكيفية التي أجد وفقها الحلول الناجزة للمعضلة التي أمر بها في تلك
الفترة الزمنية الماضية والحاضرة إذن لم أكن قادرة على أن استمد مقوماتي من
الإحساسات التي ينقلها الجهاز العصبي إلى المخ حيث تتم عملية الإدراك لذلك يختلف
الإدراك باختلاف الأفراد للقضايا التي يتعرضون لها مابين الفينة والأخرى فأنت
مثلاً لا ترى في السماء ما يراه الفلكي ولا ترى تحت المجهر ما يراه عالم الأحياء وإلي
آخره فالإدراك الحسي يتوقف على الشخصية وسنه وثقافته وميوله واتجاهاته ويعني ذلك
أن عملية الإدراك ليست عملية سهلة وبسيطة ولكنها معقدة تتدخل فيها قوى مختلفة تبدأ
بالإحساس ثم يتدخل فيها ذكاء الفرد وخياله وذاكرته بحسب ما يرى علماء علم النفس
الجنائي.
وتضيف : ومن خلال تجربتي هذه استطعت أن اثقف
نفسي ثقافة كاملة بطبيعة جرائم الشيكات وآثارها الاقتصادية على البلاد لأنها تشكل
تحدياًً لكل ما هو عادي ومألوف في العملية التجارية إلتي يقول في ظلها الدكتور
عدنان الدوري : تعد الجريمة في حد ذاتها ثورة على اسباب العيش الهاديء الشريف ومن
هنا تصبح الجريمة مصدراً لمجموعة كبيرة من الإنفعالات أو ردود الفعل فهي تثير
الكثير من المخاوف والحيطة والحذر وقد تحرك في النفس مشاعر الزهو والإعجاب وتؤكد
الذات وهي تجسد لمواقف العنف والتمرد والعدوان وقد تثير مشاعر الجرأة والشجاعة ولو
عن طريق التقمص أي تقمص الافراد والشخصيات للجريمة سواء أكان المجني عليه أو
الجاني.
جريمة الشيكات ككل الجرائم الكبيرة
وتواصل : وهناك من يعتقد بأن
الجريمة ظاهرة طبيعية سوية في المجتمع ولكن هذا لا يعني بأية حال من الأحوال ان
الشخص المجرم نفسه إنسان سوى وطبيعي أو إنه لا يعاني من شذوذ بيولوجي أو نفسي أو
عقلي وفي العصر الحاضر حاول بعض العلماء رد شقف الإنسان بالجريمة إلى العصور القديمة
التي كانت فيها الجريمة والقتل والسلب أحد اساليب المعيشة ومن ذلك المبارزة حتى
الموت حيث كان يعامل القاتل معاملة المنتصر أما في ذهن الإنسان المعاصر فإن
الجريمة تثير
الخوف والرعب وترتبط بالوحشية والبربرية
والفوضي والعدوان والعنف والقلق وعدم الأمان أو الاطمئنان وذلك حتي يتخيل الإنسان
نفسه ضحية لواحدة من هذه الجرائم ولذلك نغضب على الجاني ونطلب القصاص منه وقد
نتعاطف مع الجاني ونطلب تخفيف العقوبة عليه.
المهم أن جريمة
ارتداد أو تظهير الشيكات لا تقل فداحة من كل الجرائم الكبيرة التي يعاقب عليها
القانون عقوبات رادعة لأنها ظاهرة تنشأ في ظل الظروف الاقتصادية القاهرة التي فيها
جرائم ترتكب عن قصد وجرائم أخري ترتكب عن طريق الخطأ او تلك التي تحدث تحت ظروف
عسيرة أو لحاجة قاهرة.
النطق بالحكم السادس عشر
وتضيف: في آخر جلسة في قضيتي بمحكمة جنايات أمبدة استمع
مولانا القاضي للشاهد عبد الكريم حمزة محمد خير خبير خطوط المعامل الجنائية الذي
سألته المحكمة الموقرة على النحو التالي:-
هل تطابق توقيع المتهمة على ظهر الشيك مع المليء في باطنه؟
قال خبير الخطوط في إجابته علي المحكمة : لا تطابق مع الخط
ومن هنا قررت محكمة جنايات أمبدة السادس عشر من شهر الجاري جلسة في القضية التي أواجه فيها اتهاما بتظهير شيك زوجي
المتوفي قبل سنوات من تاريخه.
ومن فحوي هذه القضية يتضح ان جريمة الشيكات تنشأ عن التقاء
شخصين في معاملة تجارية تؤكد ان احدي اضلعها مادية والاخري اقتصادية اجتماعية وقد
عرف خبراء علم النفس هذين العاملين في مثل هذه الظاهرة ارتداد او تظهير الصكوك
المالية إلى شقين عقلي ونفسي والاخير يكون بمثابة العامل المحول إلى الإجرام أما
العامل العضوي لا يتمخض بمفرده عن الجريمة ومثله في ذلك العامل الاقتصادي إلا إذا مرا معاً إلى طريق الجريمة وهو العامل النفسي
أو العقلي فلابد اذن في كل جريمة من عامل عقلي أو نفسي ينتجها وبدونه ما كان يمكن
او تقع.
الاستعانة بخبير الخطوط في المحكمة
ومن هنا دعونا نعود إلي أغرب قضية
تمر بها سيدة الأعمال المعروفة في مجالها
الاستثماري والتي تدعي (ق. ع. ف) حيث أنها تواجه اتهاما يتمثل في تظهيرها شيكاً
يزعم الشاكي أنه كتبه زوجها الذي توفي إلي رحمة مولاه مما استدعي المتهمة الوصول
بقضيتها إلى المحكمة القومية العليا – الدائرة الجنائية -التي نقضت حكم محكمتي
الاستئناف والموضوع وبموجب ذلك أعادت أوراق القضية للمحكمة الابتدائية للنظر في
الدعوي بطريقة غير إيجازية فيما أمرت بإعادة القبض على المتهمة وللمحكمة أن تسمع
بينة باستدعاء صاحب الصك والاستعانة بخبير الخطوط.
استلام المستندات الرسمية الخاصة بالرهن
والوقائع التي نحن بصددها دارت
فصولها مابين الثورة وسجن النساء امدرمان وبطلتها سيدة الأعمال المعروفة التي ظلت خلف القضبان لفترة زمنية امتدت إلي
الثمانية أشهر بعد أن تمت محاكمتها تحت المادة (179) من القانون الجنائي لسنة 1991م
والذي يندرج فيه نظام الحكم (ويبقي لحين السداد) وهو الأمر الذي ترك أثره اقتصادياً
واجتماعياً خاصة وان القانون السوداني أولي الشيكات المرتجعة عناية خاصة وجعل
ارتجاعها جريمة يعاقب عليها القانون.
وبالتالي أضافت المتهمة (ق. ع .ف) :
بدأت تداعيات قصتي أكثر غرابة واندهاشاً ومكمن الغرابة في ادعاء الشاكي أن صاحب
الشيك هو زوجي ومصدر الاندهاش في الاتهام الذي طالني دون سابق إنذار حتى ان مسألة
كتابة الصكوك المالية أصبحت تمثل لي هاجساً في النشاط التجاري الذي لم اعتاد رغماً عما تقتضيه الظروف المحيطة
بالسوق الذي أحياناً يعاني من شح في
السيولة مما يضطر أصحاب المعاملات التجارية للتعامل بنظام الشيكات الذي تعرضت في
إطاره إلى مشكلة قائمة على أنني امتلك مخبزاً تجارياً بالثورة
محلية كرري وكان أن رهنت المخبز لأحد التجار بالمنطقة لحوجتي لسيولة مالية من أجل سفري إلى أمارة دبي
بدولة الأمارات العربية المتحدة وذلك بغرض استجلاب سيارة من هناك ولكي احضرها لابد
من ان يكون في معيتي (20) مليون جنيه أقله حتى أكمل الصفقة التي توسط لي فيها شخص ما آتي إلى بتاجر
مؤكداً أنه يساعد الناس بالمستندات الرسمية التي بحوزتهم وعندما يعيدون المبالغ
المالية المأخوذة منه يرد إليهم المستندات الرسمية الخاصة بالرهن.
ومما ذهبت إليه سيدة الأعمال دعونا
نواصل معها ظاهرة تنامي وتزايد أعداد المحكومين في قضايا الحق الخاص و(يبقي لحين
السداد) المرتبط ارتباطاً وثيقاً بكتابة أو تظهير الصكوك المالية التي تصب رأسا في
نص المادة (179) من القانون الجنائي.
وبينما تظل الظاهرة تشغل بال الكثير من الأسر
التي يكون البعض منها قد دخل في معاملات وهي المعاملات التجارية التي منحت وفقها
السلطة التنفيذية المدنية للقاضي الجنائي.
فيما نجد أن هنالك شريحة من
الموقوفين لا تعرف إدارة السجون تصنيفهم من بين المحكومين في أحكام مختلفة وذلك
لسبب يتمثل في أن المحبوسين وفقاً لما نحن نتطرق إليه في شأن الشيكات المرتدة أو
تظهيرها وهي المسألة التي تحمل بين طياتها الكثير من الغرابة في هذه القصة المثيرة جداً في قضية سيدة الأعمال التي تواجه المادة (179) من القانون الجنائي وهي
المادة القائمة على نظام الاتهام من الفرد وهو نظام معروف عنه أنه نظام (لاتيني
انجليزي) بحيث أن أي شخص في مقدوره فتح بلاغ جنائي بعد وضع الصك ضمن عريضته
وبالتالي (يبقي المتهم لحين السداد) ومتي
ما دفع المبلغ المعني يخلي سبيله في حين ان قانون أصول الأحكام القضائية وفي
أول مادة فيه يقول: (الأصل براءة ذمة
المسلم) ولكن الحكم بالمادة المشار إليها مسبقاً جعلت السجون تكتظ بمحبوسي (ويبقي
لحين السداد).
القبض علىّ والإيداع في الحراسة
وتجيب سيدة الأعمال المعروفة (ق. ع.
ف) على السؤال بقولها: وفي سياق زي صلة قمت ببيع العربة ماركة التايوتا بمبلغ (....)
مليون جنيه إلا أن هذا المبلغ المالي الكبير ضاع مني في طريق عودتي إلى منزل
بالثورة محلية كرري وهو الأمر الذي جعلني مطاردة من الشاكي بتسديد قيمة الصك الذي أدخلت
فيه سجن النساء امدرمان والغريب في هذا
الشيك انه لا صلة لي به من قريب أو بعيد وهو يعود إلى شخص يدعي (ع. أ . م) وفي هذا
تأكيد على أنني لم أكتب هذا الصك ولم أظهره ولا يطلبني صاحبه مبلغا ماليا ولا أنا
أعرفه لكي يسلمني شيكا بقيمة هذا المبلغ الكبير المهم انه القي علىّ القبض وتم إيداعي الحراسة بمدينة امبدة.
ليست لي علاقة زواج بها
وتضيف : وفي تحريات الشرطة سئلت هل
لي معرفة مسبقة بصاحب الشيك؟ فقلت: لا.. فأردفوا هل زوجك؟ فقلت : لا لأن زوجي متوفى
ثم قالوا هل تطلبيه مبلغاً مالياً؟ قلت: لا ولا أعرفه البتة وبعد هذا التحقيق تمت أحالت
ملف القضية إلى محكمة أمبدة الجنائية برئاسة مولانا بابكر عبد الله للنظر في
البلاغ الجنائي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق