{ الأم وأطفالها الأربعة في انتظار
الانتشال من المعاناة فلا مأوي ولا مصدر دخل سوى معاش لا يتجاوز الـ (81) جنيه.
{ الروضة ترفض تخريج طفلتها الصغيرة
بسبب (200) جنيه.
{ الدموع لا تفارق الخدود ولا أمل
في انقشاع المعاناة قريباً !!
الخرطوم : سراج النعيم:
ليس الكاتب وحده المطالب بالتصدي
لمختلف المشاكل التي تعترى مجتمعه من حيث النواحي الإنسانية ..هذا إذا افترضنا
جدلاً أن مهمة الكاتب لا تخرج من هذا النطاق بحكم أن قدره معايشة هموم وقضايا الناس
عموماً . ولكن إذا نظرنا إلي هذه المسألة بوجه عام .. فإن الجميع بصورة عامة مطالب
بالإدراك والوعي بهذه الماسأة الإنسانية أو تلك لأنها في جوهرها انعكاس للتقاعس من
مؤسسات معنية بحل هذه الإشكاليات التي تطل علي بعض الأسر بشكل مفاجئ بالضبط كما في
الحالة الإنسانية التي نعرضها عليكم في السطور التالية والتي ترويها لنا بطلة
السيناريو في هذه المساحة.
ومن هنا دعونا نقف وقفة إنسانية في
الأزمة التي تكاد تعصف بهذه الأسرة التي اضطرتها الظروف الإقتصادية القاهرة إلى ان
تطرح قصتها على المتلقي للانعكاس المرير الذي سيطر على حياتهم بالكامل رغماً عن أن
الأم المكلومة
مشاعر الطيب عبدالقادر البالغة من العمر (27) ربيعاً ظلت
ومنذ أن لقي زوجها مصرعه في حادث مروري اودى بحياته تعمل جاهدة على تربية الأبناء
الذين مازالوا في مراحل حساسة من حياتهم.. علماً بأن والدهم – عليه الرحمة – كان
العائل الأوحد من خلال وظيفته التي كان يتقاضي في إطارها راتباً شهرياً هو الراتب
الذي خصم من الميزانية اليومية لهذه الأسرة مما استدعي إلى أن تختل هذه الميزانية.
مصرع الزوج في الحادث المروري
وفي سياق متصل قالت (مشاعر) : بدأت
تداعيات هذه المأساة ومجابهتنا للظروف
التي أفرزتها في حياتنا اليومية منذ أن وصلنا نبأ مصرع زوجي في حادث مروري قبل
ثلاثة سنوات من تاريخ هذه اللحظة التي
أتحدث إليكم فيها وأنا أعلن بكل صراحة فشلي في الاستمرارية على هذه النحو الذي
أبكى من خلاله ليلاً ونهارا حتى أنني بت أخشي أن أفقد بمرور الزمن هذه الدموع التي
تخفف عني المثير فهي ملاذي الذي ألوذ إليه كلما ضاقت بي هذه الظروف .. فلا أمل في تجاوزي لهذا الفشل.
فيما الحظ أن الناس ترى هذه الماسأة الأسرية ..
ورغما عما ذهبت إليه .. فالفشل لا يخيفني بقدر ما يخيفني المستقبل المظلم الذي
ينتظر أطفالي الصغار .. لذلك لم أكف عن المحاولة.
{ فقد الزوج في الحادث :
وتضيف : حلت علىّ هذه المعاناة مجرد
فقدي لزوجي الذي كنا ننمو في ظلله نمواً إنسانياً مختلفاً .. ما حدا بيَّ العمل
جاهدة على أن لا يتأثر ابنائي بهذا الواقع الجديد ولكنني بكل أسف فشلت فشلاً
ذريعاًَ حالفتني فيه مواجهتي لهموم الحياة كالآلم
والحزن والآسي والسهر .. أليس معني ذلك أننا نعيش تحت خط الصفر ولا حياة
لمن تنادي .. فنحن نرزح تحت هذا الخط.. فبعض الأنظمة المجتمعية تعمق فينا أحاسيس
ومشاعر سالبة في الحاضر المؤلم جداً والمستقبل المجهول الذي كان من أجله زوجي جاهداً
إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى متأثراً بالحادث الذي تعرض له في القبة الكلاكلة
أثناء ما كان يقود سيارة تتبع لإحدى الجهات الحكومية حيث أنها اصطدمت بحافلة ركاب
كبيرة توفي على أثره في الحال .. وما أن مرت فترة العزاء إلا وسعينا سعياً حثيثاً
للتأقلم على الواقع الجديد لايماننا بقضاء الله –سبحانه وتعالى- وقدره .. إذ أننا
بدأنا في اجراءات مستحقاته المالية التي استلمنا في إطارها (24) مليون عبارة عن
استبدال معاش قمنا باستثماره في شراء ركشة ولكنها سرعان ما اصيبت بعطب تأثرنا على
خلفيته تأثيراً كبيراً لما يحدث معنا بشكل مفاجيء لم نكن نضعه في الحسبان من قريب
أو بعيد على أساس أننا كنا نأمل في أن يحل لنا هذا المشروع المشكلة حلاً جذرياً
خاصة وأن المنزل الذي كنا نقيم فيه مؤجراً ضف إليه المنصرفات اليومية للمنزل
والاطفال الذين لا يعرفون أنهم يعيشون في زمن صعب جداً.
{ تدني مستوى الاستجابة لمأساتها:
وتسترسل مشاعر : أنا الآن اواجه
مشاكل إنسانية في المقام الأول والاخير وهي مشاكل اغلقت امامها كل ابواب الحلول
الممكنة .. هي كذلك بحق .. مع وقف التنفيذ.. ومن المؤسف أن أخطر للإستعانه بهذه
اللغة المادية .. ومن المفجع أن يتدني مستوى الإستجابة لمأساة تمس أطفال لا ذنب
لهم في الظروف المحيطة بهم من كل حدب وصوب .. وهي ظروف جعلتهم كأنهم غرباء ..
وغربة الفرد تظهر له بجلاء عندما يفتقد ذلك الدفء الإنساني .. الذي لا ينفي
التعاطي السلبي مع مأساتنا .. التي هي حزنهم الآتي .. فهذه هي سُنة الحياة .. فقد
اقتنعت منذ زمن بعيد أنه لا يوجد فرد بمنأ مما نركن إليه آنياً.. ولكن بالمقابل
يبدو ليَّ ان المجتمع ككل مطالب اليوم بحث الناس للتكافل الاجتماعي وذلك من أجل أن
يكون مصير هذا المجتمع بعيداً عن التهديد الذي تتعرض له هذه الأسرة أو تلك .. التي
تعيش على مقاومة زمن التحديات الجسام .. وهكذا اصبحنا في هذه الاجواء نصرف (120)
جنيه يتمثل في معاش زوجي الذي تم الأستقطاع منه (40) جنيه وعندما سألنا عن الأسباب
التي استدعت إلى هذا الخصم؟ قالوا لنا : الإستقطاع ناتج من استبدال المعاش الذي
صرفناه في وقت لاحق .. وهذا الخصم يستمر معنا لمدة (40) عاماً.
{ الإنتظار على وسادة الحلم:
وتستطرد : وعندما وقع الحادث
المشؤوم.. كنت وقتها حاملاً في شهري السادس باصغر إطفالي .. وبما أننا كنا نؤجر
المنزل انتقلنا للاقامة مع والدتي .. دونما نمتلك وسيلة عيش سوى الركشة التي لم
تعد موجودة بعد أن اصابها عطل لم نستطيع اصلاحه لعدم الإمكانيات المالية .. التي
أدخلتنا في رؤيا جديدة من تاريخ حياتنا التي أصبحت مليئة بالحزن والألم الأمر الذي
حدا بنا عدم معرفة كنا في حلم أم واقع ملموس .. فالإنسان لديه طاقة محددة إذا
تجاوزها يصبح مشلولاً.. وهذا هو الوضع الرهن الذي لاقبل لنا به سوى ان نجلس في
الإنتظار على وسادة الحلم الذي هو أداة للاضطهاد والاذلال .. والمجتمع هو الذي
يضغط على الزناد دون سابق انذار ها نحن نتخذ من الفقر معلما بارزا في
حياتنا لا شيء جديد يلغي هذه الافكار فاذا قلت لك ان المعاش الذي نصرفه يبلغ في
قيمته (81) جنيه لي ولاطفالي الاربعة فهل
يستقيم العود والظل اعوج؟ الاجابة
عندي بلا تردد لا ومع هذا وذاك لا
أدري ان كان في مقدورنا النمو الطبيعي أم نفقد دفء النضج الهاديء ام أنها تبدو
وكأنما ثمة قفزة ما في مرحلة ما نحو اتجاه معاكس كلية كل ما ادرية أنني ابحث عن حلول ناجزة حتي لا
يمضي ابنائي في حياة متناقضة.
انقشاع هذه الظلمة
وتقول: وامام هذه
الظروف الاقتصادية القاهرة اجد نفسي مقهورة حتي قاع عظامي أشعر بأن حرارة هذه
الظروف ستصهر كل أمل يطل علىّ في حياتي احيانا تتلاحق الاحداث والاوجاع والاحزان
فلا أجد ملاذا امامنا يخفف عني ذلك سوي والدتي واشقائي الذين مازالوا في مراحلهم
الدراسية المختلفة. فهم دوما عندي الجوهر المشع صدقا وحبا احفظه لهم ما حييت في
هذه الدنيا التي سوف نرحل عنها عاجلا أو آجلا وأيا كان قالبه المهم ان تنقشع هذه
السحابة المظلمة التي كلما حاولت ان افرغ في ظلها
شحنات حزني وآلمي وقهري تطل على مجدداً ببطء فاصطدم بجدران قوي من حيث
البناء ولا اجد أملا في اختزان الزمن طويلا قبل ان يتدفق الحزن ولاتندمل الجراح
قيد انملة رغما عن أنني لجأت الى ديوان
الزكاة وبعض المنظمات العاملة في الشأن الانساني ولكن النتيجة في النهاية صفر
وهي النتيجة التي تقفز فوق المخيلة للوهلة الأولي وبعدها
بثانية فقط اصرخ ملء صوتي ذلك كله داخل الحكايا لا أنادي الا بالعيش الكريم
لاطفالي الذين انجبتهم وكيف أنسي انهم مازالوا اطفالا هذا جزء من مأساتي التي أتضايق
منها لأنني اعتمد اعتمادا كليا على أسرتي
التي تنتظرها واجبات معيشية لا حصر لها
ولا عد.
وحين تخذلني الدنيا
كلها
وتقف في المرحلة
الدراسية التي لم تكملها قائلة: الظروف
وحدها التي قادتني الى ان اقطع تعليمي في الصف
الثالث ابتدائي مما وضع امامي فكرة ان اعمل في وظيفة لا ينكسر بعدها شيء في عمري واحزن كما
افعل حاليا فلا اتحسس أمل مرئي فأهرول على شاطيء الأمل الا انني لا اجده سوي رهاب
كلما مشيت نحوه تلاشي فأعود للمربع الأول الذي
اشعر فيه بالوحشة المطلقة يوما تلو
الاخر وحين تخذلني الدنيا كلها تظل ثمة مرافيء صغيرة الجأ اليها ولكنها بأي حال من
الأحوال ليست الحلول الناجعة فأنا منحازة لتوريث ابنائي اجنحة حتي لو كانوا
متأكدين من سقوطهم فلا يمكن لاحد ان يتعلم الطيران اذا لم يجربه بنفسه ويكسر جناحه
غير مرة فالأمومة تعني عندي درسا في الحب الحقيقي بمعني العطاء دونما انتظار
مقابل.
200 جنيه تتسبب في عدم
تخرج طفلتي
وتواصل مشاعر:
تعبيري الوحيد عن حالتي الاتية دوما كانت بلغة بكماء والخطأ ليس في
انما في قصور لغة الكلام المعطلة دائما
بالقيود المجتمعية من حيث المآسي الإنسانية التي ارحل معها في تيارها الجارف غصبا
عني واتسأل هل تعلم الانسان كيف ينصت الى
غير صوته الذي تحكمه ظروف معينة لا يد له فيها ولا قبل له بتغييرها خاصة اولئك
البسطاء واكثرهم في عصرنا الحاضر من هنا كان حزني كبيرا لأنني لا املك ثمنا لشراء
رغبات اطفالي الأبرياء الذين كان قدرهم ان يتوفي والدهم في الحادث المروري وان يتم
قطع دراستي من اجل تزويجي لأنني لو كنت
احمل شهادة دراسية كان توظفت في اي مهنة حتي اصرف على ابنائي الاثنين اللذين
يدرسان في المرحلة الأولية وبسبب (200) جنيه رفضت ادارة الروضة تخريج ابنتي
الصغيرة التي حرمت من الفرحة مع زملائها في تلك الاثناء.
باءت كل المحاولات الإصلاحية بالفشل
وتجسد السيدة مشاعر مأساة أطفالها وحجم المعاناة التي يعيشها
هؤلاء ببراءة الطفولة الممزوجة بالحزن
والأسى علي الواقع الإنساني المذري ، إذ أن أكبرهم لا يتعدي الـ4 سنوات مؤكدة أنها
لولا أن الأمور فاقت حدود تحملها لما لجأت لعرض هذه الإشكالية علي المجتمع الذي
تأمل فيه أن يساعدها في حل الضائقة حلاً جذرياً بعمل مشروع خلاف مشروعها الذي
أسسته من استبدال معاش زوجها الذي ترك لها حملاً تنوء عن حمله الجبال كيف لا
والأطفال الأربعة مازالوا في سن الخطر. وهو الشيء الذي جعلني أعيش حالة نفسية سيئة
نتيجة عدم إيجادي الحلول التي تؤطر لهم لمستقبل خالي من الأزمات في النواحي
الحياتية والدراسة الأكاديمية وقبل أن الجأ
إليكم عملت كل ما بوسعي ولكن لا حياة لمن تنادي وبالتالي ها أنا الجأ إليكم علي
أمل أن أجد من يمد لي يد العون في تربية أبنائي تربية لا يحتاجون بعدها إلي أي
إنسان وذلك بمعاونتي علي تأسيس مشروع بعدما تمكن مني اليأس في تحقيق هذه الغاية
الإنسانية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني وما رفض الروضة التي تدرس بها طفلتي
الصغيرة تخريجها مع رصفائها إلا أكبر دليل علي حجم المعاناة التي تسيطر علي حياتنا
منذ أن توفي زوجي في الحادث المروري المؤلم وفي تلك الأجواء ظللنا نعاني ما نعاني،
بينما باءت كل المحاولات الإصلاحية بالفشل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق