"تايم": الحرب بين السودان والجنوب انتهت اي تظاهر بالسلام والجنوب يحضر للاندفاع 90 كلم شمالاً
-
- نشرت مجلة "تايم" الاميركية اليوم الخميس تحقيقاً كتبه مراسلها ألان بوزويل من بلدة هجليج على الحدود غير الواضحة الترسيم بين السودان ودولة جنوب السودان الحديثة الولادة يقول فيه ان الاشتباكات الدائرة بين البلدين الآن انهت اي تظاهر بالسلام، وتحولت حرباً. وهنا نص التحقيق:
- "لتوجد على الطريق الى هجليج علامة او اشارة ترسم الحدود بين شمال السودان وجنوبه، اي حيث بدأت حرب السودان الجديدة يوم السبت. وبدلاً من ذلك هناك خط مفاجيء من الجثث المتعفنة يتجه بصورة مضطردة نحو الشمال. وفي رأس الخط قاعدة عسكرية سودانية شمالية، احتلها الجنوب ونهبها.
لقد عاد السودان، مرةً اخرى، الى الحرب. ولا احد يمكن ان يعلم ما اذا كان الصراع سيستمر لايام او اسابيع او سنوات. لكن الامر الواضح هو انه لم يعد بالامكان التظاهر بالسلام. وقد قاتل نظام الحكم السوداني في الخرطوم الجنوب لاكثر من نصف قرن في صراع اودى بارواح مليوني شخص. والجانبان في سلم من الناحية الرسمية منذ ان ادى اتفاق 2005، في السنة الماضية، الى الانفصال بين الشمال والجنوب الى بلدين. لكن الحدود بينهما ما زالت موضوع نزاع في بضعة اماكن، وقد اندلعت اشتباكات متفرقة بين الجانبين على الحدود لسنوات.
وفي الاشهر الاخيرة، تركزت اشد تلك الاشتباكات واكثرها قتلاً حول وفي هجليج، وهو حقل نفطي موجود رسمياً في الشمال، لكن الجنوب يدعيه لنفسه. وتبادل جنود الشمال وجنود الجنوب اطلتاق النار، واغارت قاذفات القنابل الشمالية على اراضي الجنوب – وغزت قوات الجنوب يوم السبت الماضي منطقة هجليج وسيطرت عليها. وتدعي دولة جنوب السودان انها تدافع عن نفسها من عدوان شمالي. لكن ما يضعف تلك الشكوى هو وجود عناصر حركة العدل والاحسان التي تقضي اجندتها بما لا يقل عن الاطاحة بنظام حكم الرئيس عمر البشير في الخرطوم. ويسرع مقاتلو العدل والاحسان مثل رعاة بقر ذوي عمائم على الطريق جيئةً وذهاباً في سيارات نقل مكشوفة عليها مدافع رشاشة ثقيلة. وعلى سياراتهم كتابات بالعربية، وهم يطلبون تصويرهم ويتوقفون لتلقط صورهم فيما يقولون "دارفور" او "جيم" (الاحرف الاولى لاسم حركتهم بالانكليزية). ورسمياً يقول جنوب السودان انه لا يرتبط بصلات مع ثوار دارفور. ولكن في هجليج، صار هذا تظاهراً آخر لا يمكن تصديقه.
السؤال الكبير: هل يواجه نظام البشير خطراً بالفعل؟ يقول الميجور جنرال ماك بول نائب رئيس الاستخبارات العسكرية في جنوب السودان ان الجنوب يخطط للاندفاع لمسافة 90 كيلومتراً الى الشمال من هجليج. وفي عموم انحاء جنوب السودان، تجري عملية تعبئة جنوبية كاملة. ويتوجه مئات الجنود نحو خطوط هجليج الامامية كل يوم في سيارات شحن عملاقة. وتقول مصادر متعددة ان الجانبين كليهما يرسلان ايضاً تعزيزات ثقيلة الى نقاط حدودية اخرى ساخنة، خصوصاً راجا في الغرب ورنك في الشرق. وتنقل كارول بيرغر، وهي باحثة حاصلة على الدكتوراه في جامعة بريستول البريطانية انها شاهدت قوافل من الجنود المسافرين عبر وسط جنوب السودان. واوضحت بيرغر: "يستقلون اي واسطة نقل متاحة، حتى سيارات التاكسي المحلية، ليعودوا الى ثكناتهم". وقال مصدر مقرب من رئيس جنوب السودان سيلفا كير لـ"تايم" محذراً: "هذه (الحرب) لن تنتهي في اي وقت قريب".
والهجوم زاد فقط من متاعب جيش السودان المنتشر على مساحات كبيرة. وبالفعل فقد هُزمت قوات الحكومة في سلسلة من المعارك القصيرة على جبهة أخرى في الشمال الشرقي في جبال النوبة جنوبي كردفان. ولا يخفي متمردو النوبة هناك نواياهم في طرد جنود الخرطوم من أراضيهم والزحف على الخرطوم- كما انهم منفتحون على التحالف مع متمردين في مناطق أخرى في الجنوب والشرق في ولاية النيل الازرق. (ويعترف ثوار النوبة ان جنوب السودان يوفر لهم الدعم الدبلوماسي والطبي والاستشاري، بينما ينفون حصولهم على دعم عسكري- رغم أنهم يعترفون أن معظم اسلحتهم توفرت خلال وجودهم في جيش جنوب السودان سابقا قبل تمردهم الحالي).
وإذا فشل أي زحف على الخرطوم من اي من هذه الجبهات، فإن الهجوم يضع ضغوطا على الخرطوم من ناحية أخرى: اغلاق حقولها النفطية وحرمان الحكومة السودانية من الدخل. وقد اغلق جنوب السودان بالفعل حقوله النفطية مطلع هذا العام، وحرم نفسه من دخل يبلغ 4 مليارات دولار سنويا، لكنه ضرب الخرطوم على جيبها كذلك نظرا لأن نفط الجنوب يضخ عبر الشمال، وهي خدمة تحصل الخرطوم مقابلها على مليارات من الدولارات كرسوم. ويمكن تضييق الخناق أكثر. فمعظم حقول نفط السودان تقع قرب الحدود مع جنوب السودان، ويمكن أن تصبح أهدافا كذلك.
وبالنسبة الى القوى العالمية التي استثمرت سنوات وملايين الدولارات من أجل السلام في السودان، لم يكن الوضع قاتما كما هو عليه الآن. ورعت الولايات المتحدة بصورة خاصة اتفاقية السلام لعام 2005. وبعد سبع سنوات يتساءل الدبلوماسيون عما إذا كان ما أنجزوه هو مجرد فسحة تنفس ممتدة للسماح للجانبين بـ"إعادة تسلحهما قبل العودة للقتال. وبدا المبعوث الاميركي الى السودانين، برنستون لايمان، متعبا ومعترفا بان هذه هي الحرب. وقال: "أحد المخاطر يتمثل في أن الحرب قد تمتد ابعد بكثير من هجليج، وأن تزداد بشاعتها أكثر فأكثر".
الخرطوم كالمعتاد على الجانب المستقبِل للانتقادات الأميركية. ووصف لايمان الذي كان من المقرر أن يزور عاصمة السودان في وقت لاحق أمس التوجه هناك بانه "حربي للغاية". ولكن الإحباط الأميركي موجه قبل كل شيء لجنوب السودان- الذي ظهر للوجود نتيجة السلام الذي توسطت فيه الولايات المتحدة لمجرد ان يستخدم جنوب السودان حريته للذهاب إلى الحرب- ولأسباب وجيهة. الخرطوم التي كانت ذات مرة مأوى لاسامة بن لادن لديها سجل حافل بجرائم الحرب والفظائع والفساد وكلها تغذيها نظرة عرقية عربية. وفي هذا السياق كان جنوب السودان ضحية يتوجب حمايتها. ومنذ نهاية الاعمال العسكرية عام 2005 ظهر كيان جديد مختلف جدا في الجنوب: نظام مشابه في الفساد للشمال، مع جيش عدواني وله نفس الاسلوب القاسي في الذهاب السياسي نحو حافة الأزمات، وهو إما غير راغب أو غير قادر بسبب- غالبية قبيلة الدينكا فيه- على وقف العنف القبلي الذي أسفر عن مقتل مئات، إن لم آلاف الناس حتى الآن خلال العام الحالي. ويقول لايمان: "صديقنا الطيب جنوب السودان أصبح نافد الصبر بشكل استثنائي. ونعتقد اننا تحملنا مخاطر كبيرة". وهو متفق مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في رغبتهم في نشر السلام في السودان- وكذلك غالبية السودانيين. وحتى الآن ليست هناك مؤشرات على ان قادة الجانبين ينصتون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق