..........................
شيخ النقاد يروي قصص مثيرة مع كبار الفنانين أمثال ابواللمين وعركي
..........................
جلس إليه : سراج النعيم
......................
فيما كانت أصابعي تتحفز للنقر على مفاتيح الكى بورد لتكتب سيرة هذا الرجل
الموسوعة الفنية المهولة إلا أن ذهنى لم يسعفني البته واستعصت عليّ الحروف،
وأنا أبدل العبارة تلو العباراة، وامسح الجملة بعد الجملة، ومع هذا وذاك
رأيت أن استنطق الاستاذ ميرغنى البكرى شيخ النقاد الفنيين.
في البداية سألت شيخ النقاد الفنيين من هو ميرغني البكري، وأين كان الميلاد والنشأة؟
قال : ميرغني شيخ مكي البكري الحلوى، من مواليد مدينة أم درمان حي
(الهاشماب) في العام 1928م، تلقيت تعليمي الأولي بمدرسة أم درمان
(الأميرية) والإبتدائي بين (الأحفاد) ومدرسة (الأقباط) الخيرية ثم انتقلت
للمعهد العلمي الذي نلت فيه الشهادة الإبتدائية، وبدلاً من أن التحق بأحدي
الوظائف الحكومية أصر والدي إصراراً شديداً بأن أواصل تعليمي في المعهد
العلمي إلا أنني تمردت عليه نسبة إلي أن الدراسة في المعهد العلمي تختلف في
المناهج الدراسية فالمقررات بالمدارس الآخري لا تشبه بقية المناهج، فيما
كنت أعشق العمل في هندسة الراديو فما كان من ابن عمتي الدكتور أحمد البيلي
المقيم معنا في المنزل إلا وحدث عمنا بكري عثمان الذي كان يمتلك (دكانا) في
سوق الإفرنجية الذي عملت فيه بعد أن تعلمت هندسة الراديو في شركة (كلبس)
التي كانت تتبع إلى (جيراكل هاند)، وبما أن متجر عمي بكري كان يرتاده
الكثير من أفراد الجيش الإنجليزي وسلاح الطيران الذين عرف من خلالهم أنني
أستطيع التحدث معهم بلغة إنجليزية سليمة الأمر الذي حدا به أن يقدم لي
إغراءات للاستمرار معه في العمل الحرفي الذي مازلت أمارسه كمهنة أفتخر
وأعتز بها أكثر من العمل الصحفي لأنها مهدت لي وساعدتني في تعليم أشقائي
وأبنائي، واستطعت عبرها أن ابني منزلي الخاص بالرغم من أنني ورثت ورثة
كبيرة جداً تتمثل في منازل وأطيان من الوالد عليه الرحمة.
ماذا عن الصحافة؟
قال : كنت أراسل بعض الصحف التي لم تكن تتعدي الصحيفتين وهما (صوت
السودان) التي تعبر عن لسان حال السيد علي الميرغني، و(النيل) التي كانت
تتبع إلي السيد عبدالرحمن المهدي.
ما هو أول مقال صحفي كتبته وما هي الكيفية التي أوصلته بها إلي الصحيفة؟
قال : أول مقال كتبته بعثت به بالبريد إلى جريدة (صوت السودان) التي كان
يرأس تحريرها محمد أحمد السلمابي وعنوان المقال (الممارسات الخاطئة
للمتحرشين بالنساء في الطرماي) الذي تم نشره، ومن ثم أصبحت أراسل صحيفة
(صوت السودان) من خلال البريد مع التأكيد أنني لم أكن أعرف أين يقع مقر
الصحيفة بالرغم من أنني كنت أعمل في الخرطوم.
وماذا بعد ذلك؟
قال :
عندما ظهرت جريدة (التلغراف) في المشهد حققت انتشاراً كبيراً في سوق
الصحافة، فبدأت أراسلها إلى أن أفردت لي عموداً أسبوعياً كتبته بعنوان (صور
من الحياة)، وأول مقال فني حمل عنوان (أحمد المصطفي السامبسة)، واخترت ذلك
العنوان علي أساس أن عميد الفن كان أول مطرب يقوم بإدخال إيقاع (السامبة)
في الأغنية السودانية، كما أنني لم أتوقف عن مراسلة صحيفة (صوت السودان).
كيف انتقلت للعمل في صحيفة الأيام؟
قال : صدرت صحيفة (الأيام) في العام 1952م، وكان رئيس القسم الرياضي صديقي
عدلي ابوعجيب ابوطيارة الذي صرت أراسله في مجال الرياضة، وحينما صدرت
جريدة (الصباح الجديد) في العام 1956م كان مكاتبها في منزل رئيس تحريرها
الشاعر حسين عثمان منصور بشارع الجمهورية بالخرطوم، المنزل المقابل إلى
(الدكان) الذي كنت أعمل به، فاستفدت من ذلك مدعماً بالعلاقة التي تربطني
بـ(هاشم عثمان منصور) الشقيق الأكبر للشاعر (حسين)، طالباً منه أن يتوسط لي
بطرف شقيقه لأكتب في مجلة (الصباح الجديد)، وبالفعل لم يخيب ظني وأخبره
برغبتي في الكتابة معه فقال له : (دعه يكتب لنا بعض المواد الرياضية)،
وعندما كتبتها له : ( الزول دا وين)؟، فرد عليه قائلاً : يعمل في دكان
(كمال دياب) فقال لشقيقه هاشم : (دع ميرغني البكري يأتي إلي)، فكان أن ذهبت
إليه بملابس العمل، فلاحظت أنه استغرب أن عاملاً مثلي يكتب فقال لي : (خطك
الذي تكتب به الصفحة بي صفحتين، لذلك أكتب المواد علي صفحة واحدة)، وأنا
أكتب في السطر الأولاني جاء ووقف علي رأسي ثم قال : (خلاص عيناك محرر
رياضي)، قلت له : يا أستاذ حسين عثمان منصور لازم تختبرني حتى تتأكد من
أنني لدى مقدرة أم لا فقال : اختبرتك من مراسلتك لجريدة (التلغراف) التي
كنت سكرتير تحريرها الذي يجيز موضوعاتك التي كنت تبعث بها عبر البريد وأنت
عندك مستقبل في الصحافة، ومن ساعتها استمريت في مجلة (الصباح الجديد) مع
مواصلة عملي في دكان كمال دياب وعندما توفي الحويج في العام 1964م أصبحت
الصفحات الفنية بمجلة (الإذاعة) بدون مشرف، فعرض محمد العبيد نائب مدير
الإذاعة السودانية وقتها أن أشرف علي الصفحات الفنية بالمجلة، فلم أرفض
العرض خاصة وأن رئيس تحريرها كان حسان سعد الدين الذي بدأت معه الصحافة في
توقيت واحد في مجلة (الصباح الجديد) منذ العام 1965 إلي العام 1989م، وعلي
خلفية ذلك تم تثبيتي في الخدمة الدائمة إلى أن أصبحت نائباً إلى رئيس تحرير
مجلة (الإذاعة السودانية)، وأثناء عملي بها تعاونت مع عدد من الصحف مختصاً
في النقد الفني.
لماذا اعتزلت ممارسة النقد الرياضي؟
قال : بصراحة
النقد الرياضي في ذلك الزمن لم تكن فيه عنصرية والتعصب للهلال أو المريخ،
كما يحدث الآن كنا نكتب بعيداً عن الميول الرياضية.
متي ظهر التعصب الرياضي؟
قال : في العام 1964م ظهر أول تعصب في النقد الرياضي، وكان سببه المرحوم
مرسي صالح سراج مؤلف أغنية العملاق محمد وردي الوطنية (هام ذاك النهر) ومعه
الشاعر السر احمد قدور، وكان النشر الذي ينشرانه في شكل قصائد تتغزل في
الهلال والمريخ، والأستاذ حسين عثمان منصور أحضرهما للكتابة في المجلة دون
أن يستشيرني، فرأيت أن ذلك فيه تجاوزاً للنهج الذي تنتهجه الصفحة رغماً عن
أنني كنت أشجع الهلال ولازلت، وبالرغم من ذلك كنت أقسو عليه في نقدي، وهو
نفس التوقيت الذي كسرت فيه رجل اللاعب صديق منزول، وهو السبب الأساسي الذي
جعلني أعتزل الكتابة في النقد الرياضي وطوال الأعوام التي عملت فيها بالنقد
الرياضي لم أترك مهنتي الأساسية وحتى وأنا موظفاً رسمياً في وزارة الثقافة
والإعلام.
ما الذي فعلته عندما تم إيقاف مجلة (الصباح الجديد)؟
قال : اخترت وأثنين من الزملاء لكي ننضم إلى وكالة السودان للأنباء التي
عملت فيها محرراً للأخبار العالمية والولايات والتحقيقات إلى جانب الأشراف
علي النشرة الإخبارية وهي تصدر يومياً، وهكذا إلى أن تمت إحالتي إلى
المعاش.
كيف استطعت الاستمرارية بعد التقاعد للمعاش؟
قال : في
العام 1989م كنت متعاوناً مع جريدة (السياسة) في الجانب الفني، وكان
الأستاذ خالد فرح مالكها ورئيس تحريرها قد قرر إصدار صحيفة آخري باسم
(الحوادث) واختارني من بين كوادرها، وكان لأول مرة يتم إبرام عقد بمرتب (
500 ) جنيه لم أكن أحلم به، ونحن نستعد لإصدار الصحيفة وفي اليوم الذي
عانقت فيه المكتبات حدث انقلاب ثورة الإنقاذ الوطني، فشعرت بصدمة كبيرة
لأنني لأول مرة أعين براتب كبير ولا أحظي باستلامه، فقررت منذ تلك اللحظة
أن لا أكتب في صحيفة في النقد الفني إلا أن أخونا الأستاذ أحمد البلال
الطيب الذي سأل عني صديقاً مشتركاً فقال له : (البكري أعتزل الكتابة) فقال :
(دعه يقابلني وأنا سأقنعه بالعودة إليها) وبالفعل قابلته إبان كانت صحيفة
(الدار) بالخرطوم بحري والتي صرت فيها متعاوناً، وبذلك أكون من أوائل
المؤسسين للصفحات الفنية للصحيفة.
وماذا بعد العودة للكتابة؟
قال :
استمريت في العمل الصحفي الذي انتقلت في إطاره إلى صحيفة (آخر خبر) ثم
صحيفة ( عالم النجوم ) التي جمعتني بك سراج النعيم، هيثم كابو، مزمل
ابوالقاسم، حسن عبدالرحيم، الرشيد بدوي عبيد، عاطف الجمصي، نادر حلفاوي
وصديق ابونبيل، وكل من تخرجوا من هذه المدرسة، فكل كتاب الرياضة وبعض كتاب
الفنون تخرجوا من مدرسة عالم النجوم وصحيفة (الكورة) للأستاذ عدلان يوسف
والتي كنت محرراً فيها للصفحة الفنية.
كيف بدأت علاقتك بالفنان محمد الأمين؟
قال : علاقتي به بدأت كأي مستمع عادي وذلك عندما سجل له المذيع الراحل حسن
محمد علي في برنامجه (معرض الأقاليم) عبر أثير الإذاعة السودانية، وبدأت
أغنياته تتسرب إلى البرنامج العام ما أتاح لي فرصة الاستماع إليها، ولم تكن
لي معرفة مسبقة به، وأنا في مجلة (الصباح الجديد) كان لدى صفحة فنية إلى
جانب صفحتي الرياضية تحت عنوان (إذاعة وإذاعيون)، وفي عام 1961م قال لي
محمد خوجلي صالحين أنه سجل سهرة مع فنان من مدني، وكان أن نشرت الخبر، وفي
يوم بث الحلقة وبالصدفة كنت خارج من المنزل فسمعت صوتاً غريباً يغني عبر
أثير الإذاعة السودانية، صوت فيه تطريب وأداء فيه تمكن ومفردات النص
الغنائي غريبة علي الأغنية السودانية، والعزف علي آلة العود متفرداً بالله
دا الفنان اللقالوا لي الأستاذ فهمي محمد صالح !، فأنا أحسست أن مطرباً
تتوفر فيه كل هذه الإمكانيات الفنية لابد أن يصبح فناناً له شأن، وأذكر شيء
غريب جداً هو أننا كنا نساهر بالمقرن وأثناء سهرتنا سمعت صوتاً قريباً من
صوت الفنان محمد الأمين يغني (وحيات ابتسامتك)، فاستأذنت من الأصدقاء وقلت
لهم إنني ذاهب للتعرف علي الباشكاتب، وكانت المفاجأة أنني وجدت لاعبي
الموردة الذين رحبوا بمقدمي، وعندما أنتهي الفنان من أداء الأغنية قلت له :
والله يا أستاذ محمد الأمين أنا من أشد المعجبين بك، فإذا بلاعبي الموردة
يضحكون عليّ ثم قالوا : (ليس هو بالفنان محمد الأمين) وقالوا لي من غني هو
بهاء الدين ابوشلة، وتمر بنا الأيام ويأتي ابواللمين وابوعركي البخيت
للإقامة بام درمان مع أبوشلة إلي أن أصبحت بين محمد الأمين وابوشلة مصاهرة،
وكنت علي ارتباط قوي بمدينة مدني التي كنت أزورها كل نهاية أسبوع، وفي يوم
(خميس) أقيم مهرجان طلعت فريد للولايات، وشاركت فيه فرقة (الجزيرة) ومن
ضمنها الفنان محمد الأمين، فقلت للتاج حمد مراقب عام الإذاعة السودانية
والتلفزيون والمسرح القومي : يا التاج مهرجان طلعت فريد للولايات فرخ
مطربين كثر فلماذا لا تشركهم في ليالي المسرح؟ فقال : (مطربي الولايات
البعيدة بكلفونا إقامة وترحيل وبروفات ولا قدرة مالية لنا، ولكن إذا وجدنا
فنان من مدينة مدني ممكن نشركه باعتبار أن مدني قريبة من الخرطوم) فقلت له :
غداً سأتوجه إلى مدني فمن من فناني مدني أحدثه لك لكي يشارك في ليالي
المسرح، فقال : (محمد الأمين) وإلى هذه اللحظة لم تكن لي به معرفة شخصية،
وعندما وصلت هناك وشرعت في الالتقاء به من خلال نزولي في منزل السر السيد
الذي قررت علي ضوئه فرقة الجزيرة أن تقيم لي حفل تعرف في نفس اليوم الذي
وصلت فيه مدينة مدني فقلت لهم : هل الفنان محمد الأمين سيأتي معكم؟ قالوا :
من أوائل الحاضرين والمطالبين بتكريمك، وصادف في ذات اليوم كان هنالك زفاف
لاعب الموردة عبدالغفار كبري، وهو يقيم معنا بام درمان حي (البوستة)، وكان
كل ما ذهب لفنان يقال له أنه محجوز لحفل تكريمي، فسألهم أين ودالبكري؟
فقالوا له : في منزل السر السيد وكان جاء إلى المنزل فوجد المجموعة التي
تنوي الاحتفاء بي، فقال للسر عثمان كلما أذهب لفنان للارتباط أتفأجا به
سيغني في تكريم البكري الذي أود مقابلته لكي يتنازل لي عن فناناً واحداً
فتدخلت وقلت له أين ستقيم حفل زفافك؟ فقال : في منزل أحد أعضاء لجنة
تكريمك، فقلت له : هل في الإمكان أن تجد لنا منزلاً خالياً يجاور منزل
المناسبة؟ فقال : عدد من المنازل، فقلت : المشكلة إذن محلولة نحن نساهر في
ذلك المنزل وكل فنان من الفنانين يغني لك فاصلاً، وكان أن استمرت حفلته حتى
الصباح، وهو اليوم الوحيد الذي التقيت فيه بالفنان محمد الأمين وجهاً
لوجه، فقلت له : يا أخي الأستاذ التاج حمد مراقب الإذاعة السودانية
والتلفزيون والمسرح القومي كلفني بأن أخطرك بالمشاركة في حفلة (المسرح
القومي)، ولكن أنت لا تأتي للخرطوم إلا حينما نرتب لك حفلاً تجارياً تستفيد
من دخله، وبالفعل في الزمان والمكان أقمنا له الحفل الجماهيري الذي شاركه
فيه الفنان شرحبيل أحمد بـ(القران هوتيل).
ما الذي جعل محمد الأمين يعود مرة ثانية إلي مدينة مدني؟
قال : عندما قرر الاستقرار بالخرطوم قوبل بمعاكسات كثيرة جداً، وهو مازال
فناناً ناشئاً، وفي يوم من الأيام دلفت إلى مبني الإذاعة السودانية وجدت
أمامي الفنان محمد الأمين غاضباً جداً، فسألته ما الذي ألم بك؟ فقال لي :
(أنا الآن ذاهب إلى منزل بهاء الدين أبوشلة لكي أشيل شنطتي وأرجع إلي
مدني)، ثم قال : (تصور علي مكي عندما قدمت له أغنية وحيات أبتسامتك من أجل
أن أسجلها بالإذاعة طردني) وقال لي : أنت غير مجاز ولا أغنيتك مجازة نصاً
ولحناً فقلت له : يا محمد الأمين ممكن تنتظرني في كافتيريا الإذاعة لأنني
سأقابل الأستاذ التاج حمد مراقب عام الإذاعة السودانية، وكان أن أنتظرني
فيما توجهت أنا مباشرة إلى التاج حمد ودلفت إلى مكتبه مباشرة فقلت له : يا
أستاذ أليس هنالك قرار صادر من طلعت فريد يؤكد فيه أن أي فنان أشترك في
معرض الولايات وقدم أغنيات من خلال المهرجان تعتبر مجازة وتسجل للإذاعة
فوراً، قال : نعم.. فقلت له : طيب شوف علي مكي كاتب للفنان محمد الأمين
شنو؟، فما كان منه إلا وشطب تعليق علي مكي رئيس الفرقة الموسيقية بالإذاعة
وكتب (تسجل فوراً)، وقال لي شيلها ووديها إلى الموسيقار علي مكي، وعندما
وضعتها علي منضدته قال لي : عملتها يا البكري، وعندما أزفت ساعة التسجيل
رفض كبار العازفين أن يعزفوا مع الباشكاتب أغنية (وحيات ابتسامتك) وهي
اسمها الحقيقي (لقاء وعهد)، فيما بقي القليل منهم الذي عجز عن عزف (صولو)
الكمان، وصادف ذلك حضور أستاذ الكمان الإيطالي (مايسترلو) الذي سأل ما هي
المعضلة التي تقف أمامك في المقدمة الموسيقية؟ فقال له موسي محمد إبراهيم
المشرف علي تسجيل الأغنية : لم يستطيعوا عزف المقدمة فقال له : نوتها لهم،
وبالتالي التسجيل الذي يسمع الآن لمقدمة الأغنية الموسيقية لم تعزفها فرقة
الإذاعة السودانية بل عزفها أستاذ الكمان الإيطالي ما يسترلو، وعندما جاءت
الفرقة لتسجيل بقية لزمات أغنية (وحيات ابتسامتك) أخطئوا، مما أدي إلى
إعادة التسجيل وعندما أحس فني التسجيل بضيق الوقت قال لهم : (سجلوا
الكوبليهات كل واحد علي حدا وأنا سأقوم باللازم)، وبالفعل هذه الأغنية
ومعها أغنية (المستحيل) للعملاق الراحل محمد وردي و(موكب الذكريات) للتاج
مصطفي تم تسجيل ثلاثة أغنيات بطريقة المونتاج.
ماهي قصة كسر رجل الموسيقار محمد الأمين؟
قال : كسرت رجل الفنان محمد الأمين عندما كان بهاء الدين ابوشلة يقيم
حفلاً لجارته التي يقع منزلها في شارع الإدريسي، وحينما شاهد ابواللمين عدد
الفنانين كبير حاول الانسحاب من مكان المناسبة، وبدلاً من أن يسلك الطريق
الذي جاء به سلك الطريق الغربي المؤدي إلى (خور ابوعنجة)، وكما تعلم أن
الوقت كان مظلماً، فسقط إلى أن انكسرت رجله التي أسعف علي إثرها إلى
المستشفي وأدخلت في (الجبص)، ثم توجه إلى مسقط رأسه، وفي تلك الأيام شددت
الرحال إلى مدني وزرته في منزلهم، وجلست إليه في الديوان الذي تفتح نوافذه
علي الشارع، وإذا بالشاعر الكبير فضل الله محمد يأتي لمعاودة الباشكاتب
الذي وجه إليه خطابه قائلاً : (لماذا انقطعت عنا)؟ فرد عليه فضل الله
قائلاً : (والله يا محمد جئت مرات عدة، ولكنني أجدك تغط في نوم عميق،
وعندما سألت عنك ناس البيت قالوا لي بعيد عنك محمد الأمين دا متحسس شوية)،
وأنا من تحت الشباك قلت : يا فضل الله دا ما مطلع أغنية، حينها سأل محمد
الأمين هل البكري في البلد؟ قال : نعم، فقال لي فضل الله : (أنا دايرك) ومن
هذه الجلسة قرروا المشاركة في زفافي، وكان أن شاركني محمد مسكين، ابوعركي
البخيت، محمد الأمين، وقدم كل واحداً منهم أربع أغنيات خاصة، وكان أن
عسكروا في مدرسة مدني الثانوية للبنات بقيادة العازف حافظ عباس وجاءوني قبل
يوم الزفاف فقلت لهم أنتم لن تجدوا فرصة لكي تقدموا أغانيكم الجديدة، ولكن
سأخصص لكم يوماً في حفلات الحنة وفي إطار زواجي غني محمد الأمين (قالوا
متألم شوية)، وهي أغنية تم تأليفها خصيصاً للباشكاتب، هنالك حدث مهم في
حياة محمد الأمين الذي لا يذكره في حواراته إلا وهو أن اتحاد الفنانين أقام
أول حفل في العام 1965م كان يجلس الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري ويمينه
إبراهيم الكاشف مدير أعمال النادي وشماله الوزراء خضر حمد وعبدالماجد
ابوحسبو وزير الإعلام آنذاك، وعندما قدموا الفنان محمد الأمين صار يترنح
يمنه ويساره نسبة إلى ضعف نظره، فإلتفت الأزهري إلىّ وكنت أجلس خلفه مباشرة
شخصي ومحمد العبيد مدير الإذاعة السودانية والسياسي الجنوبي وليم دينق
والبرفيسور علي إبراهيم شمو وسمعنا الحوار الذي دار بين إسماعيل الأزهري
والكاشف الذي قال له الزعيم الراحل : ليلة مهمة زي دي يا الكاشف يحضرها
رئيس الحكومة والوزراء والسفراء تجيبوا فنان ناشئ، فرد عليه الكاشف قائلاً :
دا ما فنان ناشيء دا عندو مشكلة في النظر، فما كان من الأزهري إلا والتفت
إلى عبدالماجد ابوحسبو، وقال له بصوت عال : (يا ماجد فنان أكتوبر عندو
مشكلة في النظر وأنت موجود)، فقال له : (من الغد سأعمل علي أن يتلقى الفنان
محمد الأمين العلاج وفعلا تم تسفيره إلي المملكة المتحدة مرتين).
وماذا عن ابوعركي البخيت؟
قال : رفض البقاء في الخرطوم نسبة إلي أن احمد الزبير رفض أن يذيع له
أغنية عبر أثير الإذاعة السودانية حيث أنه عاد إلي منطقة مدني الصناعية
وكان وقتئذ صبي لحام لديتر.