لم يكن الحوت فناناً
عادياً، بل هو فناناً ومطرباً أطرب الجميع حد الثمالة بالإجادة في أداء أغانية
الخاصة، وأبرزها (أكتبي لي)، (تروح إن شاء الله في ستين)، (ما تشيلى هم)، (نور
العيون)، (وعد اللقيا)، (برتاح ليك)، (سيب عنادك)، (لهيب الشوق) وأخريات، كما أنه
أجاد التغني بكل الألوان الغنائية، وبالتالي جذب إليه الجماهير منذ الوهلة الأولي
التي أطل فيها علي المشهد الفني.
لأبد من التأكيد بأن
الحوت خلق لنفسه مكانه بصوته المتميز ولونيته الغنائية المتفردة باختيار الأعمال
الغنائية من حيث جودة النصوص والألحان الشجية، مما جعله مدرسة لا تضاهيها أية
مدرسة غنائية في جيله، وعليه تأثر به الكثير من الفنانين الشباب.
وأعتبر عدد من
الخبراء في الموسيقى والصوت أن الفنان الراحل محمود عبدالعزيز يعد ظاهرة تستحق
الدراسة وحالة إستثنائية استطاعت أن تخرج عن المألوف في الغناء مميزاً نفسه بمدرسة
خالدة في ذاكرة الأمة السودانية ومدرسة متفردة في الطرح، ولم يخيب ظن الجماهير
التي التفت حوله منذ تسعينات القرن الماضي إلى أن أصبح فنان الشباك الأول لأكثر من
(25) عاماً، ولم يبرح هذه القمة التي تربع علي عرشها يوماً واحداً.
من أكثر المشاهد
الراسخة في المخيلة مشهد جماهير الحوت وهي تغلق شارع المطار وتقتحم المدرج برغم
مرور خمسة سنوات على هبوط الطائرة التي كانت تقل جثمان فنان الشباب محمود عبد
العزيز، وتحط رحالها بمدرج مطار الخرطوم الدولي إلا أنه ما يزال راسخاً من واقع
الحشود الكبيرة التي توجهت صوب مطار الخرطوم، فواجهت على إثره الطائرة صعوبات في
الهبوط بسبب التدافع الجماهير، واقتحام أعداد كبيرة منها لمدرج لمطار الداخلي، ما
اضطر الشرطة للتدخل لتفريق تلك الجموع إلا أنها رفضت مغادرة المدرج.
بما أن المشهد كان
على ذلك النحو لم تجد السلطات الرسمية بداً سوى أن تغلق شارع المطار في وجه
السيارات المتجهة إلى قلب الخرطوم، وغيرت حركة المرور إلى شارع محمد نجيب وبعض
الطرق الفرعية الأخري، فيما نجد أن مجموعات
كبيرة من الحواتة ذهبت منذ إعلان وفاة فنانها إلى منزله بحي المزاد بالخرطوم بحري، بعد إعلان وفاته رسمياً بمستشفى (إبن الهيثم) الأردني الذي حول جثمانه
إلى مشرحة مستشفى (الجامعة) الحكومة، وشهد
وصول جثمان الحوت حدوث حالات إغماء وسط والمعجبين بينما اهتمت وسائل إعلام عالمية
بالحدث وأفردت له مساحات في نشراتها الإجبارية مؤكدة أن الحوت المطرب السوداني
الأكثر شعبية بين الشباب في السودان وأشارت إلى أن جماهيره عاشت حالة من الحزن العميق المصحوب بالبكاء
والنحيب مع انتظار وترقب أمتد أسبوعاً كاملاً بعد أن تم تسريب أنباء عن وفاته
دماغياً، وصادف إعلان وفاة الفنان الجماهيري الذكرى السنوية لوفاة الفنان العملاق
مصطفى سيد أحمد في 17 يناير 1996م، وما يربط بين الفنانين جماهيريتهما التي ترتبط
بأغانيهما إلى حد الهوس، وتمتع
الراحل محمود عبدالعزيز بإمكانيات صوتية مهولة، وظل يتلقى الإشادة تلو الأخرى من
النقاد، بعد أن بدأ الغناء في تسعينيات القرن الماضي، ومن ساعتها أصبح يحظى بقبول
منقطع النظير، وظلت جماهيريته تزداد يوماً تلو الآخر حتى أنه لقب بـ(فنان الشباب
الأول( ومحمود عبدالعزيز من مواليد حي المزاد بالخرطوم بحري في العام 1967م، وأحب التمثيل منذ بدايات نشأته، وكان يتخذ من منزله مسرحاً
بوضع الكراسي ليمثل عليها مع إقرانه وخلال الفترة ما بين 1988م حتى عام 1994 كان
محمود يغني في الحفلات العامة والأعراس وشهدت هذه الفترة ميلاد العديد من الأغنيات
مثل (سمحة الصدف) في العام 1994م، وشهد ميلاد أول ألبوم له باسم (خلي بالك) من إنتاج
شركة (حصاد) وحوي خمسة أعمال خاصة.
بدأت قصة مرض الحوت
في يونيو 2012م بتعرضه لآلام حادة
بالبطن، فتم عرضه على الأطباء بمستشفى (رويال كير) بالخرطوم، وتم تشخيص المرض كـ(قرحة)
متفجرة تحتاج لتدخل جراحي مستعجل، وأجريت العملية،
لكن تكررت الآلام وأجريت له عملية ثانية في
ذات المستشفى إلا أنه وخلال الأيام الأربعة التي تلت الجراحة تدهورت الحالة الصحية،
فتم تدخل جراحي آخر، وأصبح بعدها يعتمد على التنفس الصناعي بنسبة 100% ليتم نقله للعلاج
في الأردن.
الحوت يعتبر
ظاهرة فنية لم تشهد الأوساط الفنية السودانية مثيلها في السنوات السابقة أي أنه
ظاهرة ليس لها مدي زماني أو مكاني لذلك التف حولها الملايين من الشباب داخل وخارج
الوطن، وإذا فكر عمالقة النقد الموسيقي في الوقوف عند هذه الظاهرة من كل الزوايا
والجوانب لن يستطع أحداً منهم أن يحصرها أو يحللها ولكنها تظل ظاهرة فنية قابله
للدراسة علي كافة المستويات الأصعدة وبما أنها كذلك فهي تبقي ظاهرة للاندهاش والانبهار
الذي تلحظه لدي الدارسين والنقاد والجمهور، لأنها ثرية وشاملة سواء كانت فنياً أو
إنسانياً، ولا يمكن رصدها رصداً دقيقاً أو وصفها بما يروق لكل منا، فإذا فعلت فانك
بلا شك ستجد نفسك عاجزاً أمامها لعظمتها التي وضعتها في القمة التي حاز في إطارها
علي عشرات الألقاب والكتابات التي لم تستطع حتى الآن أن توفي الحوت حقه.
ومن
الجوانب المهم تناولها في حياة الحوت أنه بالإضافة للإبداع الذي طرحه في الحركتين
الثقافية والفنية كان إنسانياً قبل كل شيء ووطنياً غيوراً علي وطنه، لذا تبقي
ذكراه السنوية لها طابع خاص في نفوس محبيه من السواد الأعظم وهذا لأن شأنه شأن
الكثير من القامات الإبداعية الراحلة التي أثرت في مجالها ورحلت بصمت دون أن تلتفت
لها الجهات المعنية بأمر الإبداع والمبدعين في بلادي رغماً عن عطائها الثر و مع ذكري
فناننا الراحل محمود عبدالعزيز تعتريني بعض الهواجس التي ينتفض لها كياني كله خاصة
كلما فكرت في غيابه عنا جسدياً بعد أن بات خبراً نقدمه كل دقيقة كيف لا وهو نهر من
الإبداع الذي لا يموت وفلسفه في الحراك الفني لن يفهمها الكثيرون، فليس بالفن تصنع
لنفسك النجومية، وإنما بالثقافة والاهتمام بالقضايا الإنسانية والمجتمعية والوطنية
لنشر الحب والسلام وهكذا ظل هو فناناً يصدح بصوته للغلابة مؤكداً أن الفن في
المقام الأول والأخير رسالة إنسانية سامية تعبر عن الحياة بصيغة تدل على الإبداع
والتأثير، لذلك كان يعمل جاهداً من أجل أن يكون ذلك الرابط المشترك بين شعوب الأرض
والتقارب فيما بينهم من واقع أن ثقافته تخلد في ذاكرة المتلقي بالروح المنصهرة في
جسد البشرية لتشيع فيها الحياة وتنشر بها الحب والسلام الطمأنينة، ومحمود
عبدالعزيز استطاع أن يقدم هذه الرسالة السامية التي خلق بها قاعدة جماهيرية كبيرة
يجمع بينها المحبة والسلام.
الحوت غني 205 أغنيه
في ألبوماته منها 125 أغنية خاصة 74 أغنية مسموعة استطاع أن يوثق لنفسه فنياً في
العام 1994م عبر شركة (حصاد) للإنتاج الفني التي أنتجت له البوم (خلي بالك) كلمات
يس أمير وألحان عمر صلاح و(مسافتك) كلمات عز الدين هلالي وألحان يوسف الموصلي و(لما
ردتك) كلمات مدنى النخلى وألحان ميرغنى الزين و(قربك بفرحني) و(كلما سألت عليك)
وفي العام 1995م أصدرت له نفس الشركة (سكت الرباب) بالعاصمة الروسية موسكو بمشاركة
فرقة روسية أشادت بصوته، وأشارت إلي أن الحوت يعد صوتاً نادراً في العالم، وأنه
يمتلك حنجرة مثل الآلة الموسيقية يمكن أن ينتقل بها لأي درجة.
وواصل الفنان الراحل
محمود عبدالعزيز إنتاج الألبومات الغنائية من خلال شركة (البدوي) للإنتاج الفني حيث
أنها أنتجت له في العام 1995م الألبوم الضجة الذي حمل عنوان (عمري)، أما في العام
1996م فقد أصدرت الشركة المحتكرة لصوته البوم (سيب عنادك)، وهكذا استمر في حركته
التوثيقية بإنتاج البوم (جواب للبلد) في العام 1996م بمشاركة زوجته السابقة
الفنانة حنان بلوبلو، ويحتوي على سبعة أعمال، كما أنتجت له شركة (السناري) في
العام 1996م البوم (سبب الريد)، والذي ضم سبعة أغاني منها خمسة أعمال خاصة، وفي
العام 1997م أصدر من ذات الشركة البوم (يا مدهشة) و(يا مفرحة)،
أما في العام 1997م فأنتجت
له شركة (البدوي) البوم (في بالي)، ويحتوي علي تسعة أعمال، وفي بداية عام 1998م أصدرت
البوم (لهيب الشوق) الذي أثار ضجة كبيرة، وفي العام 1999م كان البوم (زمني الخاين)
بمشاركة الفنان جمال فرفور، وفي أواخر العام 1999م أنتجت له الشركة البوم (الحجل
بالرجل)، وفي العام 2000م أصدرت له البوم (ما تشيلي هم)، وفي الربع الأخير من
العام 2000م أصدرت البوم (نور العيون) وفي بداية العام 2001م البوم (برتاح ليك)،
وفي منتصف العام 2001م أصدرت (قائد الأسطول)، وفي الربع الأخير من العام 2001م أنتجت
البوم (عاش من شافك)، وفي بداية العام 2002م أصدرت البوم (أكتبي لي)، وفي منتصف العام
2002م أصدرت البوم (عامل كيف)، وفي الربع ألأخير من العام 2002م انتجت البوم (شايل
جراح)، وفي بداية العام 2003م أصدرت البوم (عدت سنة)، وفي منتصف العام 2003م أصدرت
البوم (القطار)، وفي بداية العام 2004م أصدرت البوم (خوف الوجع)، وفي بداية العام
2005م أصدرت البوم (مرت سنة)، وفي نهاية العام 2005 م أصدرت
البوم (ساب البلد)، وفي نهاية العام 2006م أصدرت البوم (أتفضلي)، وفي نهاية العام
2007م أصدرت له شركة (السناري) البوم (الحنين)، وفي نهاية العام 2008م أصدرت له
شركة السناري أيضاً البوم (يا زول ياطيب).
ومن خلال تلك الإحصائية
نجد أن الفنان الراحل محمود عبدالعزيز وثق (205) أغنية في ألبوماته الغنائية منها (125)
أغنية خاصة، أما المسموع منها 74 أغنية أما أغاني التراث فهي أربعة أغاني بالإضافة
إلى أغنية (دنيتنا الجميلة)، وهناك أغنيتين وهما (جاهل وديع) و(العودة تاني)، هذا
بالإضافة إلى العديد الأغاني الخاصة التي لا توجد في البومات مثل أغنية (لو نهديك
عيونا) وأغنية (جاي ليه) وأغنية (على قدر الشوق) إلى جانب الأغاني الدرامية مثل
أغنية (أقمار الضواحي) التي كانت في مسلسل (أقمار الضواحي) الذي عرض في تلفزيون
السودان عام 2000م، بالإضافة إلى ست أغاني من مسرحية (تاجوج) من تأليف الشاعر قاسم
أبو زيد والمسرحية عرضت في قاعة الصداقة.