................................................
أستغل البعض وسائط الميديا الحديثة للنصب والإحتيال وبث السموم في الجسد السوداني المتعافي من الأمراض الإلكترونية، وظل هكذا إلي عهد قريب، ولكن ما أن بدأت (العولمة) ووسائطها المختلفة تلوح في الأفق، إلا وبدأ معها تلوث الفضاء السوداني اذ ظهرت الكثير من الظواهر السالبة، ومنها ظاهرة إنشاء الحسابات بأسماء مستعارة (وهمية)، ومن ثم ينسجون القصص المؤثرة، ونشرها عبر (الفيس بوك)، ويهدفون من ورائها لإستدرار عطف النشطاء والرواد خاصة الفتيات اللواتي لديهن عاطفة جياشة، ويفبركون لهن الروايات (المحبوكة) بصورة تدفعهن إلي تصديقها، وآخرها القصة المثيرة للمهندس السوداني (مستر حنظلة) المزعوم بأنه مريض بـ(السرطان)، هكذا شخصت الاسافير حالته الصحية، وقررت له إجراء عملية ثم شيعت جثمانه عبر وسائط التقنية الحديثة، وبهذا الأسلوب وجد من يدعو الناس للتفاعل معه تعاطفاً لجمع مبالغ مالية يتلقي بها العلاج خارج البلاد، وعندما أعلنت وفاته طالبوا بمساعدة والدته وشقيقته.
وبما أنني فقدت الثقة في المنشورات غير المسنودة بمصدر موثوق فيه رأيت أن أتحري الدقة ولا أنجرف وراء تيار عاطفتي قبل استبيان أين تكمن الحقيقة؟، وأثناء بحثي في محرك (قوقل) عن معلومات وصورة للمدعي عليه، جاءتني النتيجة الأكيدة بأن الصورة المنسوبة للمهندس السوداني زوراً وبهتاناً، ما هي إلا صورة لمصور مصري اسمه (طارق)، والذي هو علي أتم الصحة والعافية، ولا علاقة له بما نشر من قصة مؤثرة حول المهندس السوداني، وهذا يؤكد حقيقة واحدة لا ثانية لها، هي أن التحذيرات التي ظللت أطلقها ما بين الفينة الأخري بدأت تتعمق في الأوساط السودانية، وتأخذ موقعها في المجتمع بكل قوتها وجبروتها وخطورتها وذلك من خلال الإستخدام السالب للتكنولوجيا الحديثة، وأتضح ذلك بجلاء في إستغلال وسامة المصور المصري ووضع صورته مع المنشور علي أساس أنه مهندس سوداني مريض بـ(السرطان) للإيقاع بالضحايا من الفتيات اللواتي سريعاً ما وقعن في (الفخ) الذي رسمه من يهدفون للإحتيال العاطفي إلكترونياً.
بدأت القصة الأكثر مأساوية من خلال حساب شخصي عبر (الفيس بوك) يحمل اسم (مستر حنظلة)، والذي أخذ في الإنتشار سريعاً من خلال وسائط التواصل الاجتماعي المختلفة، ويطلب منشئه من العامة التضرع له بالدعاء، باعتبار أنه مقدم علي إجراء عملية، مشيراً إلي أنه يشعر في تلك الأثناء بالقلق والتوتر الشديدين، مؤكداً أنه العائل الأوحد لوالدته وشقيقته اللذين يعتمدان عليه، خاصة وأن والده توفي إلي رحمة مولاه.
وواصل ناشر القصة مداعباً عواطف الناس قائلاً : (أنا مصر إصراراً شديداً علي أن أصمد أمام المرض الذي ابتلاني به الله سبحانه وتعالي)، وبهذه الكلمات البسيطات حاز علي تعاطف الكثير من الفتيات، وما أن مر علي ذلك (البوست) أياماً، إلا وظهرت إحدي الفتيات عبر (الفيس بوك) مدعيه أنها خطيبة (مستر حنظلة)، ثم نشرت بوستاً تعلن من خلاله وفاته بعد إجراء العملية، فتأثر النشطاء والرواد تأثراً بالغاً، بل هنالك من نصب خيام العزاء عبر الأسافير، وذرفوا الدموع على هذا الرحيل المر، إلي جانب من وضع صورة (حنظلة) تعبيراً وتعاطفاً مع الحالة الإنسانية الخاصة به والتي وجدت تجاوباً كبيراً من الفتيات اللواتي حرصن علي تغيير صورهن في البروفايل بصورة المهندس السوداني المتوفي.
وعندما وقفت وقفة تأملية في آخر القصة وجدت أن الفتاة المدعية أنها خطيبة (حنظلة)، ومعها بعض النشطاء و الرواد قاموا بنشر محادثات (مفبركة) عبر (الفيس بوك) و(الواتساب) علي أساس إنها دارت بينهم والمرحوم في آخر أيامه، وبهذا السيناريو تكتمل عناصر القصة لتحظي بالمزيد من التعاطف نسبة إلي معاناة (مستر حنظلة) مع مرض (السرطان) ومن ثم وفاته.
وأكثر ما أحزنني هو أن المريض المزعوم كتب بوستاً قبل دخوله لغرفة العمليات يعبر فيه عن قلقه علي والدته وشقيقته إذا أصابه مكروه، ومع هذا وذاك نشرت عدد من الفتيات مقاطع فيديوهات مباشرة عبر (الفيس بوك) يبكين فيها الشاب السوداني الوسيم الذي توفي وعلي رأسهن من أدعت أنها خطيبته التي أكدت أنها لا تدري ماذا تفعل؟ ولا تريد بحزنها عليه أن تعذبه في قبره، فما كان من المتعاطفين مع القصة، إلا أن أقترحوا عليها التصدق لروح المرحوم بعمل الخير، ليلتقط الشباب المشاركين في الرواية الفكرة ويبدأوا في نشر أرقام هواتف وحسابات مصرفية داخل وخارج السودان للتبرع للمشروع الخيري كصدقة جارية على روح المرحوم، وأيضاً من أجل مساعدة أمه الحزينة وشقيقته لتكمل دراستها، وعلي خلفية ذلك أنطلقت حملة كبري للتبرع عبر الفضاء الاسفيري، إلا أن إحدي المغردات أعترضت على المبادرات مؤكدة أن هنالك كثيرين توفوا إلي رحمة مولاهم، لم تنشأ لهم مبادرات كهذه، وقالت إذا كان رسولنا الكريم تحت التراب، فماذا يعني (مستر حنظلة)؟