.......................
حينما تستقل المركبات العامة المتجهة من مدني إلي الخرطوم أو العكس أو من عطبرة إلي الخرطوم والعكس تكون قد غامرت مغامرة شديدة بالنفس التي كرمها الله عز وجل، فأنت لا يمكنك التنبؤ بما يمكن أن تسفر عنه هذه الرحلة أو تلك، فالطريقين أشتهرا بـ(الموت) الذي هو سبيل الأولين والآخرين ولولا أن الله سبحانه وتعالي لطيف بعباده لما نجا من هذين الشارعين أحداً، فالطرق في السودان عموماً تستحق أن نمنحها اسم أسوأ شوارع الإسفلت فى العالم، بالإضافة إلي أنها ضيقة جداً، بل هي أضيق الشوارع التي عرفتها الإنسانية طوال العقود الماضية، وأكثر ما يميزها أنها لا تستقل من البشر لوحدهم، بل هنالك الحيوانات المتمثلة في (الأغنام، الحمير والأبقار) وغيرها كما الحال في طريق التحدي عطبرة الخرطوم الذي أنتزع لقب (طريق الموت) في الفترة الماضية بجدارة يحسد عليها، ولكن يبدو أن صاحب اللقب الأصلي لم يعجبه ذلك فعاد أكثر بشاعة من ذي أول.
تبقي الطرق في السودان لا تحتمل أن تكون إتجاهين بأي صورة من الصور، ضف إلي ذلك كثرة (الحفر) و(المطبات) الناتجة عن الإهمال وعدم الصيانة، لذلك ينتج منها بعض الحوادث المرورية المرعبة والمخيفة في آن واحد، فكم أسرة استقل أبنها أو أحد أفرادها هذا الطريق أو ذاك فتم تشييع جثمانه إلي مثواه الأخير ، فالغالبية العظمي من مرتادي الطرق الإسفلتية يروحون ضحايا للحوادث الناجمة عن إصطدام سيارة بأخري أو إنقلابها، وظلت هذه الطرق تشهد أبشع الحوادث المرورية، والتي تسجل يوماً تلو الآخر رقماً قياسياً في حصد الأرواح والتسبب في الجراح التي لا تندمل بمرور الزمن، هذا إذا استبعدنا من حساباتنا الجوانب الاقتصادية الناجمة جراء إصطدام السيارات بعضها البعض أو الإنقلاب.
فيما قمت بتوجيه سؤالي المباشر لبعض الخبراء في المجال الهندسي الخاص بالطرق المسفلتة إذ اجمعوا علي أن هنالك شيء ما مفقود ربما يكون ذلك لعدم إلتزام من يقودون المركبات بقواعد المرور العامة وربما يكون لضيق طريق مدني الخرطوم أو طريق التحدي عطبرة الخرطوم أو خلافهما من طرق المرور السريع عاملاً أساسياً في الحوادث المتتالية واتفقوا جميعاً علي البحث عن حلول ناجزة توقف حصد الأرواح وتدفق الدماء علي السيارات والطرق المسفلتة.
بينما أصبحت الحوادث المرورية تشكل هاجساً في السودان وغيره من دول العالم الشيء الذي أدخل الظاهرة في إطار القضايا الشائكة والمتشابكة رغماً عن نشر وسائل الإعلام المختلفة لها والتي تجد فيها مادة خصبة للطرح والتناول بغرض توعية مرتادي الطرق من مخاطر القيادة بسرعة جنونية، ضف إلى ذلك ما تتناقله مجالس المدينة فالإحصائيات السنوية في تصاعد مطرد، ونسبة الوفيات في تزايد مرعب ومخيف جداً، فلا يمضي يوم إلا ويقع حادث مروري مؤلم في ولاية الخرطوم أو في الولايات السودانية الأخرى، وهي تنتج عن الإصطدام بين سيارتين.
وهذا يقودنا إلي مخاطر السيارات في الطرق والشوارع السودانية المختلفة التي تذهب من جرائها الكثير من الأرواح، وتصيب أيضاً الكثير بإصابات متفاوتة منها الخطيرة، وهذه الظاهرة لا تؤرق السودان وحده إنما ممتدة في كل أنحاء العالم، لذلك لابد أن نكون أكثر دقة، فمنظمة الصحة العالمية قالت في تقرير لها : (إن هناك متوف كل ثلاثين ثانية في العالم وهناك أرقام تتجاوز بكثير أرقام الكوارث والحروب التي نشاهدها كل ليلة).
إحصائيات الحوادث المرورية كما أسلفت مسبقاً في تزايد مخيف جداً لأن نسبة الوفيات متصاعدة ومثيرة للقلق والرعب، وربما هذا ما أدخل الكثيرين في حيرة وألم شديدين لاستمرارية الحوادث المرورية وبشكل مأساوي ظلت تشهده الطرقات السودانية طوال السنوات الماضية، ما جعلها تأخذ أشكالاً وألواناً، حتى أنها أصبحت بمرور الزمن هماً كبيراً يسيطر على تفكير مرتادي الطرقات بالخرطوم والولايات، ومع هذا وذاك، نجد أن الإدارة العامة لشرطة المرور تعلن عن ضوابط صارمة، إلا أن هذه الضوابط لا نجدها ملموسة على أرض الواقع، كما يتم بالضبط في الإيصالات المرورية التي يطلق عليها بعض الناس اسم ( جباية )، الأمر الذي جعلني أطرح سؤالاً مباشراً لسيادة اللواء شرطة خالد بن الوليد مدير الإدارة العامة لمرور السودان، هل نظام الإيصالات أثبت نجاحه أم أنه فشل في الحد من المخالفات المرورية ووقوع الحوادث في طرق ولاية الخرطوم وطرق المرور السريع؟؟.
ومن الملاحظ أن غالبية الحوادث تحدث نتيجة إصطدام بين سيارة وشاحنة أو بص سياحي وشاحنة، يروح ضحيتها عدد كبير من الركاب، فلا يمضي يوم إلا ونطالع خبراً عن حادث مروري مؤلم يشير إلى وفيات بالجملة أو من أسرة واحدة أو من أسر عديدة، دون أن نحرك ساكناً يحد منها.
وهذا الدور يجب أن تضطلع به الإدارة العامة لشرطة المرور، خاصة وأن الحوادث المرورية أصبحت تندرج في الإطار المأساوي الذي يزهق الأرواح بشكل بشع جداً، فهل إدارة شرطة المرور بالسودان منتشرة في الطرقات بالصورة المثلى، خاصة وأنها الإدارة الشرطية المنوط بها تشريع وتطبيق الأنظمة المرورية الحافظة للأرواح البشرية، وبالتالي المسؤولية ملقاة على عاتقها، فهل تكتفي بقطع الإيصالات في المخالفات المرورية، أم أن هنالك خطط وبرامج مستقبلية لا تترك أثراً في الإخلال بالالتزام بالأنظمة التي تجعل سائقي بعض العربات يجهزون مبالغ الإيصالات المالية منذ الصباح حتى يتمكنوا من إستغلال عرباتهم في طرقات ولاية الخرطوم دون أن يعترض طريقهم أحد؟.
ومن المعروف أن الأنظمة المرورية يجب تطبيقها على أرض الواقع دون التركيز على نظام المخالفات المالية الذي في رأيي أثبت عدم جدواه، لذا السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا لا تعود إدارة شرطة المرور إلى النظام السابق الذي لم تكن في ظله الحوادث المرورية بهذه الإحصائيات الكبيرة؟؟.