سراج النعيم
مفتتح
فكرة مؤلف(الاسلام
ينادينا ) نبعث من فيضان المتغيرات العالمية الى حد الاحتلال والاغراق احيانا خاصة
واننا نعيش فى عالم منفلت عما الفناه من قبل تداعيات الحادى عشر من سبتمبر
"فلبشرية بصورة عامة تعانى " وبالاخص الاسلامية والعربية" فكم هى
الولايات المتحدة الامريكية متسرعة فى معالجات سطحية بلاانفعال " وكل ذلك
بدوافع طرح الرؤيا الاحادية بلا رجعة بينما يقودها اللوبى الصهيونى بالشك والخوف
من افساد مشروعهم باهدار فرصة تاريخية ممكنة لاعادة ترسيم خارطة الوطن الاسلامى
والعربى بارضاء "اسرائيل " التى تمارس جرائمها علنا فى الدولة الجريحة
"فلسطين" وجنوب لبنان .
ومن الواضح ان مقولة
عالم الاجتماع الالمانى "ماكس فايبر " تنطبق على هذا العصر الجاهلى تمام
الانطباق"حيث قال : (ان العالم الذى نعيش فية اليوم لا يبدو لنا او نستعشر
انه يشابه ذلك العالم الذى تنبا به المفكرون . فبدلا من ان نقبض عليه ونخضعه بصورة
متزايدة لسيطرتنا" فانه يبدومستعصيا على الخضوع لها " ( انه عالم منفلت
) ومن هذة العبارة اختار "جيدنز" "عالم منفلت" عنوانا لمؤلفة
مكرسا لهذا الانفلات"بل اقر به"ليستشرف افاقا لكبح جماح هذا الانفلات فى
حالة "العولمة" .
وهذا مايدعو للتوقف
امام تفاصيل (النظام العالمى الجديد) - فى ظل العصر الجاهلى الذى تظلله سحابة صيف
يكتنفها الكثير من الغموض والابهام الذى حجب عنا الحضارة والثقافة الاسلامية التى
بلغ بها المسلمين شأوا عظيما مكنهم من نشر دين الله - سبحانه وتعالى - فى كافة
بقاع الدنيا بالاعتماد على الاسلوب القرانى والسنة المطهرة "فهى اداة نتحدى
بها كل الامم- مهما توصلت بعلمائها ومفكريها وخبيريها الى امركة العالم
ب"العولمة " ووسائل اتصالها المختلفة الحديثة لتصبح بذلك الفعل هوية
البشرية - هوية امريكية " وضعنا باتباعها فى هذا المأزق " الذى لا خروج
منه الا بالاسلام " ففيه العلاج الناجع لكل داء من خلال بلاغتة وفصاحتة
وبيانة .
ان محمل ما يصيب عالمنا
الاسلامى والعربى من نكبات وازمات ايا ماكانت اثارها المترتبة عليها " فان
اعتماد الدين الاسلامى شريعة عامة يمكننا ان نتجاوز بها ظلام " الجاهلية
الحديثة " ضف اليها سنة رسولنا الكريم(ص)
الذى بلغ ما امره به المولى - عز وجل- برغم المحاولات الفاشله من مشركى
قريش واليهود "بافساد الاجواء الصالحة وابدالها بالاجواء المليئة بالضبابية
المشوشة لطريق النور الذى انبثق منه مدينة مكة المكرمة فى اوائل القرن السابع للميلاد.
وعلى اثر بزوغ فجر رسول
الله (ص) - انطفئ كل ماهو حائر عن الحق" بآرثه وماضية المظلم" ولكن
بمرور الزمن هانحن نعود الى ما اندثر قديما بالأفه اليهودية الجارفة لنا لعوالم
الظلال القاتم الذى انقاد اليه الكثير ما عدا قلة قليلة تتقاذفها المحن والهزات والخطوب
بأحاكة الخطط الخبيثة التى تتحطم على صخورهم "فلكل آفه أو نائبه من النوائب -
علاج " هو التمسك بكتاب الله -العلى القدير- والسنة المطهرة " فبلا شك
العمل بهذا النهج " ستكون المنطقة الاسلامية والعربية مضيئة المشاعل وممزقة
للفيهيب ومحققة للبطولات والانتصارات على اليهودية المستدفة للاسلام ورسولة
العظيم(ص) فامتنا لا بد ان تعى بان الرساله المحمدية " اعظم الرسالات
السماوية" وهى طوق النجاة فى ظل ما نواجهه من تحديات جاهلية قديمة عائدة
الينا بعد ان طويت بمئات السنين فى واقعنا لظروف حياتية تسمى بالحياة المتطورة
خلال اربعة عشر قرنا من الزمان .
ان الاسلام اذهل ابناء
امته وغيرها للحقائق التى سبق بها العلوم والمخترعات الغربية الامريكية الصهيونية
القائدة لحملات التشكيكية سافرة فى صلاحية القرآن ولغته العربية- فى هذا العصر
الجاهلى- عصر سفك دماء الابرياء ودعوتهم الى الالحاد والكفر والفجور والفسوق
" وللخروج من هذة الورطة - علينا العودة للذى لا يغنى ولا يبلى - فالقرآن
المعجزة التى لا تحد ولا تعد - فهو (كلام الله) - سبحانه وتعالى - لقوله : (لا
ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) - وايضا جاء فى محكم تنزيله : ( يأيها
الناس قد جأءكم برهان من ربكم وانزلنا اليكم نورا مبينا) .
الباب الاول:
مابين الجاهلية القديمة
والحديثة
1) مابين الجاهلية القديمة والحديثة
وبالنظر الى التاريخ
الجاهلى القديم فى عمومه " نفهم انه كان الجو الدينى يبحث عن اشباع للذات
بالمعانى التطيريه كوسائل وغايات وطرائق تتصل بالعقيدة التوحيدية "برغم ان
الرؤية الاصلية تتجه نحو الوثنية وعبادة الاصنام المصنوعة بايدى البشر" وما
يذهبون اليه - ماهو الا مسيرة البحث عن الاجواء الدينية المسيطرة على فكرهم على
اختلا تياراتهم وانتماءتهم ولغاتهم ولهجاتهم المحلية " وتاخذ هذة الفكرة التحولات
نحو البحث الجاد عن الالهوية" للاحساس بوجودها الفطرى المتشكل مابين الاشارة
الى وجوده الخافت الراغب فى تحديد الهوية" وبين تعلة الاجداد والاباء فى عبادة اصنام متوارثة منهم " صنعوها كألهة
يحتفظون بها فى بيوتهم لتغربه من العلى القدير .
والسائد في سلكهم هذا
الطريق هو ان هذه الاصنام تتلقى الوحي من الله . ولكن هذا التبرير خاطيئ لانه لا
يوجد ما يسنده .. مهما كانت محاولاتهم
متحمسه للكشف عن الخالق بما يصنعوه بأيديهم ليرفلوا بذلك الفعل القبيح في ا ثواب
الضلال المؤدية للالحاد والكفر.. فلا رادع يصدهم عن الجهل الذي يعيشون فيه .. وفي
نفس هذا العصر الجاهلي تجد جوقه بسيطه منهم آثرت أن تنساق بطموحاتها واخلاقياتها
فيما قالته بصريح العباره :( ان هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا
الدهر) .. وبالمقابل بعضهم الاخر آثر الانضمام للنصرانيه .. واقليه قليله لليهوديه
.. وكل هؤلاء يجتمعون في شيئ واحد . هو ما قاله صاحب : ( ان الكل يقر بأن الكون له
إله خالق يعبد بإستثناء الدهريين ) .
إذن جاء الإسلام دين حق
- والصوره في العصر الجاهلي لا هم لها إلا البحث والتنقيب الدائم عن التوحيد الى
ان قدم الإسلام هذا المنهج في صورة لا تشوبها اية شائبه .. لتكون المرحله - مرحلة
النهج القرأني في التد ليل بأن المولى - عز وجل - واحد لا شريك له - لقوله في محكم
تنزيله : ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواَ أحد ) فمن
هذا السياق للرؤيه الواقعية للعالم سالف الذكر -العالم الجاهلي في عقيدته .. يتأكد
انهم يبحثون عن الإله .
ان الرسول الكريم (ص)
دعآهم جميعا إلى التجرد من عبادة الاصنام والمواريث القديمه التي تحجب عقولهم عن
الحقيقه المجرده والتعقل بإتباع الطريق الصحيح .. وكل البعد عن هوجائية العاطفه
القائده إلى التقاليد والعادات الباليه .. لأنها متوارثه من أجدادهم .. بلا تفكير او تعقل يقود إلى النهج القويم ..
وفي هذا الواقع المذري وقتها - اوضح الإمام الشاطبي : ( جرى العرب على معتادهم في
إتخاذ الألهة في الارض وان كانوا مقربين بالإله الواحد الحق ) - كما تعرض لهذا
المعنى صاحب الشفاء - فقال :( والعرب على جاهليتها قبل ظهور النبوة كان أكثرهم
يعترف بالصانع بل جميعها كما هو ظاهر فى قوله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق
السموآت والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون ) .
وهنا يتضح وضوحاً بيناً أن
دعوة الرسول الكريم (ص) إلى التوحيد الخالص لتطهير الأجداد من فكرهم الجاهلي الذى
حرفه الأحفاد بعدهم .. لهذا تجد سيدنا محمد (ص) صبر صبراً لم يصبره نبياً قبله
وكان يناقش كل من يناقشه .. فالقرآن ركز تركيزاً شديداً على إستخدام سيدنا إبراهيم
- عليه السلام - منهج الجدل مع خصوم الدعوة وورد ذلك فى سور: ( البقرة ومريم
والأنبيباء والأنعام والشعراء والزخرف ) - مما يؤكد أن جد العرب الأكبر - إبرهيم
عليه السلام - كان مسلماً لله ولم يك
من المشركين .
وبرغم الجاهلية التى كان
يعيش فيها العرب إلا أنهم كانوا يعتزون ويفتخرون بالنسب إلى سيدنا إبراهيم - عليه
السلام وتتمسك بالملة التى كانوا عليها .. أليس هذا جهل أن يمغط هؤلاء
أوأولئك الإله العظيم حقه بعد أن بعث
فيهم الرسول (ص) - بالقرآن الحكيم وما يشوشهم عن معتقدهم الجاهلي الذي لم يرضخوا
عنه على أساس وجودهم لأبآءهم وأجدادهم عليه متقفون آثارهم وكشف لهم القرآن الكريم
أن نظرتهم خاطئة .. ولكنهم تمسكوا بها عبر القرون الخوالى منذ عهد سيدنا نوح -
عليه السلام : ( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن
يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا فى آبآئنا الأولين المؤمنون
) .
فالإسلام الحق رفض رفضاً
باتاً إنقياد الإنسان وراء تعلة الآباء والأجداد - حيث يقول الله العلى القدير : (
أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ) .
وأيضاً قال فى محكم تنزيله : ( وإذا قيل لهم " أتبعوا ما أنزل الله قالوا بل
نتبع ما وجدنا عليه آبآءنا ، أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ) .
وقال إبن كثير فى تفسيره
للقرآن العظيم : ( ليس لهم مستند فيما هم عليه من الشرك سوى تقليد الآبآء والأجداد
) . ثم بين جل وعلى أن مقاله هؤلاء قد سبقتهم إليها أشباههم ونظائرهم من الأمم
السالفة المكذبة للرسل - عليهم السلام جميعاً - وفى هذا الجانب تعطل النشاط العقلى
الذى حصر فى نطاق ضيق جداً مرضاة للآباء والأجداد .. لتنجذب قلوبهم إليهم بالنية
الباعثة لرفض الرسالات السماوية والغاية المصاحبة لذلك باطلة من ألفها إلى يائها
لأنها تؤدى إلى الكفر بالله : ( خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين ) .
إذن فقد إنجلى موقف
الصادين عن الهدى والرشد بمبررات واهية لا ينبغى أن تهدر القيمة العقلانية -
الداعية للإيمان بالإله الواحد ورسوله الكريم (ص) - لذا نجد القرآن الحكيم جاهد
وكافح ونافح بشتى أساليبه ليقلع الإنسان عن فهم قديم يغطى بضبابيته رؤيتهم للنور
الحق المنزل من عند الله - سبحانه وتعالى .
أن تكون مؤمن بالمولى عز
وجل - مصدق بلقائه .. فهذا هو الحق المؤكد بوجود الله سبحانه وتعالى - فمن لم يكن
الله وجهته فى هجرته وفى عبادته فلا عمل له ولا خير فيه لذا تضغط آيات من سورة القصص وتلح على العقل
البشرى من أجل أن يفكر بعمق وأسلوب تكسوه الموضوعية المنتظمة نحو الحق الذى جاء به
سيدنا محمد (ص) فإذا كانت هذه هى الجاهلية القديمة فماذا عن الجاهلية الحديثة ؟ -
لاشك أنها سبب (الأزمة) والعودة بالعالم إلى هذه الفكرة الغبية بالمؤامرة الغربية الأمريكية
الصهيونية التى ترمى لتفريغ الإسلام من جوهره والحيلولة دون عودته لمنابع النهج
القرآنى العظيم وما خطه الرسول الحبيب (ص) - فهو لا يحتوى على تعقيدات فلسقية إنما
يصور التوحيد فى أتم أوجهه الصحيحة بالبراهين الأكيدة التى أبلغنا بها رسولنا
الكريم (ص) وعممها على كافة البشرية بما لا يدع مجالاً للشك - فالرسالة المحمدية
رسالة خاتمة صادقة تتضمن شهادة أعظم إجماع من جميع النبيين (عليهم السلام ) برسالة
سيدنا المصطفى عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم .. الداعية للإيمان بجميع الرسل
الكرام وما أنزل عليهم من كتب سماوية وهذا الأمر تم عبر الوحى الداعى للإيمان وكل
الكتب السماوية تدعو دعوة صريحة وواضحة للتوحيد .. ولكن بكل أسف أتباع الكتب
السماوية التى سبقت رسالة رسولنا العظيم محمد عليه الصلاة والسلام - عدلوا وبدلوا
وحرفوا وحوروا فيها .
إذن للخروج من الجاهلية
الحديثة يجب أن نتدارس القرآن العظيم وشخصية الرسول (ص) لمعرفة الخصوصية التى
وهبها إليه المولى عزوجل - فمن هذه الخصائص أن الله العلي القدير -لم يخاطبه بأسمه
فيما أنزل عليه من قرآن - وهذا تكريماً له حيث قال سبحانه وتعالى : ( يا أيها
النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً
منيراً ) ثم يقول : ( ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) - ضف إلى ذلك أن
رسالته - رسالة تفصح عن نفسها وتجمع فى منهجها الربانى الأصيل ما تستمده من القرآن
العظيم والسنة المطهرة - فهى رسالة بلغها على أكمل وجه إلى البشرية على إختلاف
ألوان طيفها .
فهو المرسل للناس عامة
بلا تميزفى لون أو لهجة أولغة ليكون بذلك شاهداً ومبشراً ونذيراً .. لقوله سبحانه
وتعالى : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ) .. وأيضاً يقول الله
العلي القدير فى محكم تنزيله : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .
وقد خصه الله سبحانه
وتعالى - بأن جعل طاعة سيدنا محمد ( ص) طاعة له - لقوله : ( من يطع الرسول فقد
أطاع الله ) - كما جعل محبته لله - : ( قل إن كنتم تحبون الله فأتبعونى يحببكم
الله ) - وجعل سنته مرجعاً فى كل أمر لقوله سبحانه وتعالى : ( فإن تنازعتم فى شيئ
فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) -وقد ربط عزته بعزته
فقال : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) - وجعل مبايعته مبايعة له " سبحانه
" القائل : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) - كما جعل حكمه من حكمه
تعالى - فقال :( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى
أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ) .
ألا يدل ذلك على أن
تصويره دقيق لحقيقة أنكرها البشر فى العصر الجاهلي القديم وهاهو الغرب ينكرها -
وهو فى العصر الجاهلى الحديث الذى يسيء كثيراً للرسول ( ص) والإسلام فالموازين
مختلة فلى نظرهم المحدود لجهلهم وعدم معرفتهم بما فى الإسلام وبسيدنا محمد (ص)
خاتم الأنبياء حيث يقول عنه أبى هريرة
-رضي الله عنه - قال : قال رسول الله (ص) : فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع
الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً وأرسلت إلى
الخلق كافة وختم بي النبيون ) .
أن وجود الله مغاير لوجود
سائر المخلوقات وهذا العالم منفصل عن ذاته جل شأنه إنفصالاً تاماً .. لذلك لابد من
الفصل بين وجود الله - سبحانه وتعالى .. وهذا العالم حتى لا يحدث لبس بين الحق
والباطل الذى يدفعنا إليه أهل الجاهلية الحديثة بكفرهم الممتد منذ بداية الرسالة
المحمدية إلى هذا اليوم الذى تقوده أمريكا الصهيونية للعودة إلى ما تحرر منه البشر
بفضل إدراكهم ووعيهم لما جاء به سيد البشرية محمد (ص) - عدا قلة آثرت أن تسعى إلى
تشويه صورته .. وإن دل هذا على شيئ فإنما يدل على إدراك طرف الصراع الآخر مردود
المظاهر الأخلاقية الإسلامية المعروفة على مدى تاريخها الخالد إلى يوم القيامة -
بالإلتزام بما شرعه الإسلام فى أرجاء العالم الإسلامى والعربى .. وإنبعاث بوادر
الصحوة مما يقلق فى مجملها أهل الكفر العالمى الجديد ( الجاهلية الحديثة) - بكل
أوجهها الغربية الأمريكية الصهيونية الشرقية .. مما حدى بإتحاد الكفر والإلحاد
العالمي من خلال عصبة الأمم المتحدة .. الذراع المؤطرة للباطل وتعميق الفتنة
والفسوق الكبير .. حيث يقول العلي القدير فى محكم تنزيله : ( والذين كفروا بعضهم
أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير ) .
فلماذا لا نعود للقرآن
الكريم وإلى سيرة سيدنا محمد (ص) - الأسوة الحسنة التى منحنا إليها المولى عزوجل
.. كيف لا وهو الذي رسخ العقيدة فى أذهان هذه الأمة بعزة نفس لا تنثنى إلا للحق
ولا تنحني مهما كانت الرياح شديدة إلا لله .. ليؤدي بذلك الأمانة كاملة دون نقصان
مبلغاً رسالته لكافة الناس دون فرز بين أمة وأخرى .. لذلك لا غرابة في أن يعطيه
الله سبحانه وتعالى - جوامع الكلم وخلق الكون من أجله وبه تتحقق العبادة المثلى
لله العلي القدير - وعلى يديه جاء كمال الدين .. حيث قال جل جلاله فى محكم تنزيله
: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً ) .
ورسالته المحمدية طردت
بشعار الوحدة الإسلامية بقوة تحمل فى معيتها إستراتيجية نابعة من صميم العقيدة
المرسل بها سيدنا محمد ( ص) .. فرسالته رسالة عالمية خالدة متكاملة إلى يوم ما
يبعثون يوم القيامة - على عكس رسالات الأنبياء الذين سبقوه ، فقد كانت رسالاتهم
ومعجزاتهم مؤقتة .. أما معجزة النبي العظيم (ص) - فهي معجزة خالدة - لأنها هى
القرآن الكريم الذي لا يبلي ولا يفنى : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
تنزيل من حكيم حميد ) وأيضاً قال فى محكم تنزيله : ( لا تبديل لكلمات الله ) -
وقال الله -سبحانه وتعالى :( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) .
ومن الأمور العظام أن
سيدنا محمد (ص) رسالته أغلق بها باب الوحي وقطع بذلك طريق الرسالة وسد إلى قيام
الساعة - كما أن المولى عزوجل - خصه (ص) بأن قرن أسمه بإسمه فى الصلوات والأذان
والإقامة للصلاة ، وفي الكثير من العبادات .. فقد أمرنا سبحانه وتعالى بالتأدب معه
وعدم مناداته بإسمه مجرداً - بل نقول : ( يا رسول الله .. يا نبي الله ) - وهذا
عملاً بقول العلي القدير : ( ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي
ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ، إن الذين
يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين أمتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة
وأجرعظيم ، إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى
تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفور رحيم ) . وأيضاً لقوله تعالى : ( لا تجعلوا
دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً ) . ولذلك وبلا ريب يبين الله سبحانه وتعالى
كيفية التأدب فى حضرة الرسول الكريم (ص) وتوقيرهم له فى قلوبهم توقيراً ينعكس على
نبراتهم وأصواتهم .. وهذا الأدب يجعل الرسول العظيم (ص) مميزاً بينهم .. وحذرنا
العلي القدير من مقبة مخالفة ذلك ، كيف لا وهو خاتم الأنبياء المرسلين - حيث يقول
الرسول الكريم (ص) : ( مثلي مثل الأنبياء كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله ،
إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه ، فجعل الناس يطوفون ويتعجبون له ويقولون : هلا
وضعت هذه اللبنة - فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ) .
وفي ذات الإطار - عن إبن
أبي مليكة - قال : ( كاد الخيران أن يهلكا - أبوبكر الصديق وعمربن الخطاب - رضي
الله عنهما رفعا أصواتهما عند النبي (ص)
حين قدم عليه ركب بني تميم - في السنة التاسعة من الهجرة - فأشار أحدهما بالأقرع
إبن حابس - رضي الله عنه - أخي بني مجاشع -
( أي ليؤمره عليهم ) - وأشار الآخر برجل آخر ، وفي رواية أسمه ( القعقاء بن
معبد) فقال أبوبكر لعمر -رضي الله عنهما : ما أردت إلا خلافي - قال : ما أردت
خلافك ، فأرتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا
ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط
أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) .
وروي عن أبي بكر (رضي
الله عنه ) أنه قال لما نزلت هذه الآية : قلت : ( يا رسول الله - والله لا أكلمك
إلا كأخي السراء ) - يعني كالهمس - وهكذا
تأدبوا في حضرة سيدنا محمد (ص) خوفاً أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون - ولو كانوا
يعلمون بذلك لتداركوا أمرهم ثم أشارت الآيات إلى ذلك الحادث الذي وقع من وفد بني
تميم ، حين قدموا على رسول الله (ص) فى
العام التاسع من الهجرة الذي سمي عام الوفود - لمجئ وفود العرب من كل مكان بعد فتح
مكة المكرمة ودخولهم في رحاب الإسلام - وكانوا أعراباً جفاة فنادوه من وراء
الحجرات :( حجرات أزواج النبي ( ص) المطلة على المسجد النبوي الشريف ) - ويقولون
رافعين أصواتهم : ( يا محمد أخرج لنا - فكره النبي (ص) هذا الخطاب بهذه الجفوة ،
فنزل قوله سبحانه وتعالى :( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون )
. وهذه الآية تؤكد أن المولى عزوجل كره إليهم النداء على هذه الصفة المنافية للأدب
والتوقير اللائق بشخص سيدنا محمد (ص) وحرمته كقائد ومربي .
ومن هذا يتضح أن الحب لله
سبحانه وتعالى ولرسوله الكريم (ص) لا يحتمل في القلب له شريكاً، وليس المعنى هنا
الإنقطاع عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة ولا أن
يترهبن ويزهد في طيبات ما خلق الله - العلي القدير - إنما المراد الحب الخالص وأن
يكون هو المسيطر على الإنسان .. فإذا تم له ذلك فلا حرج على المسلم أن يستمتع بما
لذ وطاب في الحياة الحلال على أن يكون مستعداً لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض
مع مطالب حب الله ورسوله والجهاد في سبيله .
وما تعرض له النبي الكريم
(ص) حينما جهر بالدعوة في مكة التي أخذت قريش تؤذيه فيه بكل ما أوتي لها من فكر
وإمكانيات لكى تضيق عليه الخناق .. ولقي منهم فوق ما يمكن أن أوصفه لأنه يفوق تحمل
طاقة البشر - حيث حدث أنه كان يصلي عند الكعبة وجمع من قريش في مجالسهم ، إذ قال
قائل منهم :( ألا تنظرون إلى هذا المرائي ؟ - أيكم يقوم إلى جذورآل فلان فيعمد إلى
فرثها ودمها وسلاها فبجيئ به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه ) فأنبعث أشقاهم
، فلما سجد سيدنا محمد (ص) وضعه بين كتفيه ، وثبت النبي ساجداً ، فضحكوا حتى مال
بعضهم على بعض من الضحك ثم جاءت فاطمة الزهراء فألقته عنه - وهو ساجد .
وجهرت قريش بعداوة الرسول
الكريم (ص) وقعدت له بالمرصاد ووثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين .. ليشتد
العدوان على المسلمين ، فقد أخذ المشركون يعذبونهم ، فألبسوهم الحديد المحمي
وصهروهم في الشمس ، وأن بلالاً هان على قومه فأسلموه إلى الوالدان ، فجعلوا يطوفون
به في شعاب مكة المكرمة ليعذبوه ويلقوه على الأرض ويضعوا الحجارة المحمية على بطنه
- وهو يقول ( أحد .. أحد ) ولقد مر رسول
الله (ص) على عمار بن ياسر وأهله - وهم يعذبون بالنار في دين الله فقال : ( صبراً
آل ياسر موعدكم الجنة ) .
وقويت شوكة قريش بوفاة عم
سيدنا محمد (ص) - أبي طالب - وبرحيل خديجة .. فأشتد العداء لرسولنا الكريم (ص) حتى
إذا لم يجد نصيراً بمكة المكرمة - ذهب إلى الطائف وفيها قبائل ثقيف لعله يجد من
ينصره ويساعده على تبليغ الرسالة - فدعاهم للإسلام ، فأبوا وأغروا عليه سفهاءهم
وعبيدهم يسبونه ويصيحون به - حتى أجتمع عليه الناس ، قعدوا له في طريقه صفين
يرمونه بالحجارة وزيد بن حارثة مولاه يدرأ عنه إلى أن أدموا قدميه حتى إنتهى إلى
شجرة كرم وأستظل بها ، وكانت بجوار بستان لعتبة وشيبه أبني ربيعة ، وهما من أعدائه
وكانا في البستان - فكره رسول الله مكانهما فقال : ( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي
وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى
من تكلني ، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ) .
فنزل جبريل على محمد (ص)
وقال : ( يا محمد - الله أمرني أن أطيعك في قومك لما صنعوه معك ، وأن شئت أطبقت
عليهم الأخشبين (جبلين بمكة) - فقال (عليه الصلاة والسلام) : إني لأرجو أن يخرج من
أصلابهم من يعبد الله وحده - ثم قال : ( اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون ) - قال
جبريل : ( صدق من سماك الرؤوف الرحيم ) .. لذا كان النبي الكريم (ص) -نعم الخلق
الطاهر الذي يعفو عفواً شاملاً عند المقدرة .. فأخلاقه كمالية وافرة مزدانة بالحب
الصافي الخالص . وهي خصائص شخصيته (ص) .. ولقد شهد له بها رب العالمين ووصفه بأعظم
النعوت حيث قال :( وإنك لعلى خلق عظيم ) - وأيضاً يقول : ( لقد جاء كم رسول من أنفسكم
، عزيزعليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) - وبمشيئة الله توفق
المسلمين للإقتداء برسوله الكريم (ص) والإخلاص في حبه ، والوفاء بعهده .
ألم يحن الوقت أن ندرك
أنه لا سبيل للخلاص من إستهداف الغرب والإمريكان والصهاينة للإسلام ورسوله العظيم
(ص) - إلا بإتباع المنهج الإسلامي الذي يحاول أن يجثم عليه أولئك الكفرة الزنادقة
الذين بدأوا يبثون حياتهم بثقافتها وحضارتها المغايرة للحياة الإسلامية ظاهراً
وباطناً .. في ظل أنهم الأمم القوية الغالبة على الأمم المغلوبة على أمرها بفعل
الحكام الحاكمة في الدول الإسلامية والعربية .. حتى كادت تفنى وتذوب وتضمحل ، فما
يقوم به الغرب مخطط له تخطيطاً دقيقاً أوصل الأمة الإسلامية إلى هذا الحد من الضعف
وساقها دعاة الجاهلية الحديثة التقدمية من التغريبيين للتقليد الأعمى ليغيب عنهم
مادعا إليه سيد البشرية (ص) : ( لا يكن أحدكم إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن
أساؤوا أسأت ، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن تتجنبوا
إساءتهم ) .
وتقليد الجاهلية الحديثة
) . أكبر دليل على ضعف الشخصية المقلدة للثقافات والحضارات الوافدة .. لذا تظهر
ظواهر سالبة في حياتنا وتخلف ما أوصانا به الرسول (ص) .. فالمسلمون بهذا الفعل
الخاطئ أغفلوا من إتباع نهج الإسلام القويم الصحيح وتخبطوا في دياجير الظلمة
وتلقفتهم سهام مخططات الجاهلية الحديثة الغربية الأمريكبة الصهيونية وسيطرت على
أفكارهم الخربة وما بقى في عقولهم مما مكن الخطر الحقيقي منهم بأتباعهم نظريات
ومناهج وأفكار غربية في سياستهم الحياتية - سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا
... ألخ .
ليتركوا بذلك الطريق
القويم .. طريق الحق الذى خطه لهم الإسلام بنهج سيظل صامدا مهما تكالبت عليه قوى
الشر التائه فى لجة الظلمات .. وما تعيشه الأمة من فكرهم يؤكد على عدم شمول هذه الأنظمة الإسلامية والعربية ووفائها لنهج
الرسول الكريم (ص) - لأنهم بكل أسف يبحثون ويلهثون فى أعقاب ما يسمى بالنظام
العالمي الجديد (الجاهلية الحديثة) . التى أفرزت نظريات الحكم والسياسة العلمانية
والإلحادية - بنظامها المدمر - الذى يمد ظله القاتم إلى الأمة الإسلامية والعربية
.. وهى تتلقاه بالرضا والتقدير والإحترام .. بل راحت إلى أبعد من ذلك بالذود عنه
وتكتب له البقاء والخلود .. مما يجعلنى أقول جازما لو لم تتخذ الأمة الإسلامية
والعربية نهجها شريعة الإسلام فيمكن القول على الدنيا السلام .. فالغرب وأمريكا
والصهاينة كشفوا لنا ما تنطوى عليه نظريات الفكر العلماني من مساوئ ومآسي وضحت
بجلاء زيف شعاراتهم البراقة .. التى ترمى للسيطرة والهيمنة الكاملة على مقدرات
الأمم الإسلامية والعربية .
والدعوة الإسلامية فى (
الجاهلية الحديثة ) - تقف موقفاً مجرداً من التاريخ الإسلامي .. وتنظر إليه فى ضوء
مقررات الإسلام .. وتفرق بينه وبين منهجه نفسه ، بوصف التاريخ الإسلامى أنه - هو
التجربة البشرية القائمة على الخطأ والصواب المتمثل فى مجموعة ذلك العمل الكبير
المقدم من المسلمون إيماناً بالله وبذلاً للنفس والمال فى سبيله وأن تكون كلمة
الله هى العليا حيث إستطاع الإسلام بهذا
الفهم أن يقيم مجتمعاُ متكاملاً شاملاً فى الحياة السياسية والإقتصادية
والإجتماعية والثقافية .. ألخ - ممتداً بهذا النهج من حدود الصين إلى حدود نهر
اللوار فى أقل من ثمانين عاماً مما أدهش المؤرخين والباحثين والعلماء والفلاسفة
الغربيين .. لذلك محاولة تصوير هذا التاريخ على أنه لم يكن إلا صراعاً بين الأمراء
والحكام أو مجموعة مؤامرات وخلافات - ماهى إلا محاولة يائسة باطلة ومضللة - خلقها
الإستشراق والغزو الثقافي الفكرى من أجل تحقيق أغراض دنيوية هدامة لا تمكن التاريخ
الإسلامى من إعطاء الثقة الحقيقية بعظمة الإسلام ورسوله الكريم (ص) فى نفوس
الأجيال الجديدة من النشئ والشباب المسلم .
فمن هذا المنطلق - على من
يسمون أنفسهم مفكري الإسلام عدم التوسع فى عرض الفلسفات الوثنية والفارسية
واليونانية على الأمة المسلمة حتى لا يقعوا فى الفخ الذى نصبه لهم مخطط القديس (
لويس) الهادف إلى (حرب الكلمة) فى ظل الجاهلية الحديثة ذات المفهوم الهدام .. الذى
يفرغ الإسلام من مفهومه الجامع الأصيل .. ولنتذكر كيف واجه علماء المسلمين عصر
ترجمة الفلسفات اليونانية بالتخلى تماماً عن الأسلوب الفلسفي والكلامي المعتزلي
ومصطلحا ته عنها جميعاً( وعادوا إلى الأسلوب القرآني ) - الذى وصفه الإمام الغزالي
بأنه كالماء لا يسيتغنى عنه بينما أسلوب الكلام هو بمثابة الدواء لا يحتاج إليه
إلا المريض .
نعود في حاجة للعودة إلى اسلوب المعتذلة او غيره من الاساليب الفلسفية ..
فالشباب المسلم في حاجة ماسة للإنطلاق من نهج القرأن الحكيم و السنه المطهرة و
بيانها - فلا شك ان التراث المسموم المترابط كله وان توزعت كلماته بين شعراء وكتاب
كثيرين ويبقى الموقف واحدا وصريحا بالرفض القاطع وتحرير الإسلوب الإسلامي والعربي
من هذه المصطلحات المضلله لطريق الله تعالى .. بالعوده إلى نهج القرأن الكريم وسنة
رسوله (ص) .. حتى لا نسقط في بئر(الإزمه ) بمقولاتها الماركسيه .. وبالنفوذ
والسلطان الإجنبي الذي ملأ الفراغ بسمومه .. التي لن تخفئ على شبابنا المسلم الذي
لا ينخدع لتلك الخلافات القديمه المتجدده في عصر الجاهليه الحديثه بمسميات
ومصطلحات جديده تعاد فب صياغة ( صراع الغرب والإسلام .. صراع العرب والترك والفرس)
هذه النافذه المغلقه يحاولون جاهدين بكل قوة فتحها من اجل غايه خطيره - استبقاء
الفرقه والشتات إلى ما لا نهايه .. بين أبناء الأمه الواحده .. بإعادة دفعها إلى
اوحال الخلافات والصراعات في ظل المشروع الغربي الأمريكى الصهيوني تحت مسمى (
النظام العالمي الجديد ) - وقطعاً يخالف مذهبه .. مذهبنا السامي لذا علينا أن لا
نسير وفق ما يخططون لنحقق لهم غاياتهم ورغباتهم اللاأخلاقية التي تبرز للتطورات
السياسية المنتجة للفكر الإشراقي والفكر الباطني والفكر الوثني جميعاُ .. فهذا كله
مرفوضا لمخالفته نهج الإسلام وسنة رسوله العظيم (ص) الداعي إلى إقامة مفهوم
التوحيد الخالص بعيدا عن الخلط مع الإعتزال والفلسفة .. وتلتمس هذا المفهوم الأصيل
فى القرآن الحكيم وسنة النبى الكريم (ص) على النحو الذي عرفه المسلمون قبل ظهور
الصراعات المفتعلة من الغرب ، فالمؤامرة كلها معدة لتذويب مفهوم التكامل الجامع
للإسلام وإعلاء مفهوم الإنشطارية القائم على ( اللاهوت .. أى العبادة على النحو
الذى يفهم به مصطلح ( صراع الإسلام والغرب - صراع الحضارات - الإرهاب ) .. وألخ
وهذا ما أصاب العقول الشابة والقلوب المؤمنة فى مقتل نتيجة قراء ة هذة السموم
الحاضرة والماضية المعادة فى قوالب جديدة يجب أن لا ندع لها المجال لكى يتم
إحيائها مجدداً بعد أن إنتهى أمرها ولم نعد فى حاجة إلى إعادتها .. ونحذر من مغبة
ما يكتبه المستشرقين فى ذات الإطار حيث يضعون هذه المذاهب والمصطلحات فى دائرة
الفرقة والشتات للإسلام والمسلمين - وهو إيهام باطل بكل ما تحمل هذه الكلمة من
معان .
بدأت الجاهلية الحديثة على الأقل منذ الحرب العالمية الأولى .. وليست
جديدة على الوطن الإسلامي والعربي .. وما حدث فى الحادى عشر من سبتمبر بالولايات
المتحدة الإمريكية ربما كشف عن ما يحاك فى الخفاء ليصبح الإستهداف الأمريكي الغربي
الصهيوني إزاء المسلمين والعرب معلنا ، فالتداعيات خطيرة على مستوى الفكر والحركة
مما حدى بها أحداث نوعا من الإضرابات الموصلة إلى عكس ما نريد أو نتوقع .. لماذا ؟
لأن أمريكا لها الصوت الأعلى الذى أفهمتنا به بأن الكارثة طالت العالم ككل لا
الولايات المتحدة وحدها .. لتتمخض عنه (الأزمة) بالنسبة للمسلمين والعرب .. وأصبح
الإسلام ( الإرهاب الإسلامي ) وكأن المسألة هكذا تتحرر رغم عدم توفر الأدلة ، لهذا
من الخطأ أن نستهلك فى قضايا الدفاع - رغم أهميته - فى ظل ( العولمة) التي تكاد
تتركز حول أن تصير أمركة تخدم المشروع الأمريكي الغربي الصهيوني .. لذا هناك
إمكانية لصد الحملة الشرسة على الإسلام ورسوله الكريم (ص) فما أنزل الله من داء
إلا وأنزل له دواء حتى فى أشد الأدواء المخططاتية - وهى ليست وليدة المصادفة أو
الفجائية .. بل عن عمل دوءب لم تكن فيه ضربة حظ من قريب أو بعيد .. فالولايات
المتحدة لها ثوابت بدليل أنها لم تهتز حتى فى الأوطان الإسلامية والعربية منها مسألة النفط وقيادة العالم والقضية
الفلسطينية ودعم إسرائيل وفكرة الحروب الصليبية التى أثارها الرئيس الأمريكي جورج
بوش الأبن ليست جديدة .. فهناك تقرير قدم فى فترة حكم الرئيس الأمريكى ريجان عام
1984 م - وسمي : ( الدخول فى مرحلة الحروب الصليبية الثالثة ) وفى محتواه يقصح عن
كيفية التعامل مع المنطقة الإسلامية والعربية . ولهذا كان بوش يعي ما يقوله تماماً
.. خاصة وأنه تردد بأنه أول تقرير قرأه بعد أن تولى شؤون الحكم وإستدعى الكثيرين
ليناقشهم فيه إلى جانب أن المنطقة ذات أهمية إستراتيجية للنظام الدولى أياً كانت
القوة المسيطرة على العالم .. وهى تمثل الند الحضاري للغرب الذى قادته بريطانيا ..
ومن ثم فرنسا وأخيراً تقوده أمريكا .
لا يمكن بالطبع أن نترك
الأمور تمضي على هذا الحال .. فالإستهداف فاق حد اللامعقول واللا منطق .. وبات
يلتهم أمن وطمأنينة الناس ويعطل العقل ويعكس الحيرة بين ما يمارس على المسلمين
والعرب من إرهاب دول وأنظمة - أبرزه الأمريكي الإسرائيلى فى حق المدنيين فى فلسطين
ولبنان والعراق وأفغانستان .. وجرائم تقترف فى حقنا .. إلى جانب (حرب الكلمة )
والمصطلحات المستخدمة فيها وبخاصة مفهوما " الإرهاب" و"المقاومة" وحينما نعود إلى فترة تاريخية معاصرة شهدت
جدلاً بين المفهومين . أ لا وهى موجات التحرر الوطني والقومي من الإستعمار مع
بداية النصف الثاني من القرن الماضي فى الدول المستعمرة فى أفريقيا وآسيا ، وقدت
وصل العنف أوج ذروته مع صدور مؤلف ( فرانز فانون ) الزنجي المارتنيكي سنة 1961 م
بعنوان (معذبو الأرض ) وفيه دافع عن ضرورة إستخدام العنف ضد المحتل ..حيث يقول : (
القيمة الأساسية هى الأ رض ويصبح المستعمر " بفتح الميم " إنساناً
بقدرما يحطم العالم الإستعمارى من على أرضه .. وتحطيم العالم الإستعماري ليس معركة
عقلية بل هو حركة توكيد عنيف لأصالة مطلقة ) لذا تجد أن مقولة (الإرهاب 9 و(صراع
الحضارات ) و( قضية الهوية والخصوصية) . مقولات أمريكية مؤدجة وبدعة إبتدعها الفكر
الصهيوني الشوفيني لتحقيق الأطماع الإسرائيلية فى المنطقة الإسلامية والعربية ..
والعجيب فى الأمر أن هذه المفاهيم لها أنصار يدافعون عنها وكأن هنالك تناقضاً بين
الكونية والخصوصة الرافضة للديمقراطية بحجة أن الثقافة الإسلامية والعربية بعيدة
كل البعد عن هذا المفهوم .. مع أن إسلاميتنا تعرف مفهوم الشورى منذ القرن الأول
للهجرة ، لذا لابد من الإستماتة والدفاع عن مفاهيم هي أصلاً موجودة فى القرآن
الكريم وسنة رسوله (ص) مثل الحريات العامة والديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق
الإنسان وغيرها . وإستنجد بالعلي القدير - الذى شاء أن يجعل فى الأرض خليفة ، فخلق
الإنسان من طين من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها ليسكن إليها .. ثم جعل نسله من ماء
مهين - حيوان منوي أصغر من أن تراه العين إلا بعد تكبيره مئات المرات - يلتقى
ببويضة تفوقه حجماً عشرات المرات ولا تراها العين كذلك إلا تحت المجهر .. فتتكون
بإلتقائهما خلية جديدة تحمل من كل منهما نصف مادة حياتهما .. وتنقسم الخلية مرات
ومئات المرات وملايين المرات متجولة خلال تسعة أشهر قمرية إلى خلق إنسان جديد يخرج
من بطن أمه ليأخذ دوره فى خلافة الأرض وعمارتها كغيره من ملايين البشر فى بقاع
العالم المختلفة
فعلى الإنسان أن يخشى
ويحذر مصائب ومصاعب الحياة بالتأمل فى كتاب المولى عزوجل - فيدرك من أول وهلة أن
فيه الدواء الناجع لإتقاء المشكلات حاضراً ومستقبلاً ، فإن مقدرات الكون كله بمن
فبه بيد الله - سبحانه وتعالى - لقوله :( هو لاذى خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من
علقة ، ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ، ثم لتكونوا شيوخاً ومنكم من يتوفى من
قبل ولتبلغوا آجلاً مسمى ولعلكم تعقلون ، هو الذى يحي ويميت فإذا قض ى أمراً فإنما
يقول له كن فيكون ) .
فإذا أردنا مواجهة
(الأزمة) علينا العودة للنهج الإسلامي وسيرته الحافلة بالبطولات والتآلف والمحبة
والتراحم والتعاطف والبذل والعطاء والتمنى .. ففي هذا الإطار - ذكر الإمام إبن
الجوزي فى مؤلفه (صفة الصفوة ) أن سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لأصحابه
يوماً : ( تمنوا ، فقال رجل : أتمنى لو أنها مملؤة لؤلؤاً وزبرجداً أوجوهراً أنفقه
فى سبيل الله عزوجل - وأتصدق به ! ثم قال : تمنوا - فقالوا :( ما ندرى يا أمير
المؤمنين - فقال عمر : أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن
الجراح ).
أبعد كل ذلك يعيبون علينا
عودتنا إلى ماضي الأجداد الملئ بالمواعظ والعبر .. ولعل أبلغ رد هو ما قاله الشاعر
:
أولئك أجدادي .. فجئني
بمثلهم
إذا جمعتنا - يا حرير
المجامع
فمنذ أن بدأ الإنسان
حركته الأولى على ظهر هذه البسيطة يبحث عن تحقيق رغباته الضرورية ، وهى فطرة خلقه
عليها الواحد القهار - وهى ملمح من تكوينه ونسق فى درب خلافته بإذن الله فى الأرض
- وبمرور الزمن تحول تدريجياً من خليفة لملزم بالحماية والرعاية لخلق الله
ومخلوقاته .. ولكن الطغاة يحكمون بأهوائهم ولا يصدهم غيرالموت وهم فى سبيل
الإستبداد لا يرعون حرمه ولا يرتدون عن ظلم ، ويسيطر عليهم الباطل وكأن الحياة
خلقت لهم وحدهم .. ويقول العلي القدير : ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل فى الأرض
خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال
إنى أعلم مالا تعلمون ) .
وأود التلميح فى هذا الصدد
إلى ما قاله المفكر الفلسطيني اللامع الراحل إدوارد سعيد فى مقدمة الترجمة العربية
لمؤلفه ( الثقافة والإمبريالية ) إن فكرة التعددية الثقافية لا تؤدي بالضرورة إلى
الهيمنة والعداوة بل تؤدي إلى المشاركة وتجاوز الحدود ، وإلى التواريخ المشتركة
المتقاطعة .. وكلما يظهر أفراد وجماعات يصارعون لحاجات ضرورية مغروسة فى الدواخل
بالفطرة تهدف للمزيد من التطلع ولو إستدعى ذلك خوض الحروب للإمتلاك لتتفشى بين
الناس الفحشاء والمنكر والبغي والإسترقاق والإستعباد والظلم والإستعمار وأساليب
النصب والسلب والسرقة والقتل ، وكلها من سمات الجاهلية ، حيث يقول الإمام الشاطبي
: ( جرى العرب على معتادهم فى إتخاذ الآلهة فى الأرض وأن كانوا مقربين بالإله
الواحد الحق ، فالواقع العربي الجاهلي بعث الوجدان الفطري فى النفس البشرية التى
جبلت على القدرة على النزوع إلى الخير وإلى الشر ، وكانوا يبحثون عن كيفية التفكير
المنظم البعيد عن هوجائية العاطفة
والإرتباط بالتقاليد البالية والمواريث الثقافية الحاجبة لعقولهم عن وظيفة التدبر
والتعقل الصحيح ) .ويؤكد ذلك أيضاً الشيخ الخضري بك إذ يقول :( كانت العرب تعظم
هذه التماثيل وهذه الأحجار لإعتقاده إنها آلهة وإنما لتقربهم إلى الله سبحانه ) .
كما خيل لهم الشيطان .. وقد عرض لهذا المعنى صاحب الشفاء - فقال :( والعرب على
جاهليتها قبل ظهور النبوة كان أكثرها يعترف بالصانع بل جميعها كما هو ظاهر فى قوله
تعالى :( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى
يؤفكون ) .
وفى تلك العصور لم تكن
هناك كعبة ولا مسجد ولا شجرة ولا ثمرة ولا قطرة ماء " المكان وادٍ غير ذي زرع
، أي صحراء قاحلة .. توضحها هجرة سيدنا إبراهيم فيما رواه البخارى عن إبن عباس :(
جاء بها ..هاجر أم اسماعيل ) - إبراهيم " بإبنها اسماعيل وهى ترضعه حتى
وضعهما عند البيت وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء وضعهما هناك ووضع عندهما
جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم أقفل إبراهيم منطلقاً فتبعته أم أسماعيل .. فقالت
: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنس ولا شيئ.. قالت ذلك
مراراً وجعل لا يلتفت إليها فقالت له : الله أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذن
لا يضيعنا ثم رجعت ، فأنطلق إبراهيم حتى إذا كان عند التنية حيث لا يرونه إستقبل
بوجهه البيت ثم دعا ربه :( ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك
الحرام ربنا ليقيموا الصلاة فأجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وأرزقهم من الثمرات
لعلهم يشكرون ) .
كل ما تراه اليوم من شعائر
وسعي ومتعة روحية .. وكل ما تجده من فواكه الأرض وثمارها تجئ إلى مكة المكرمة فى
أوانها ، وتجئ فى غير أوانها ولد من شفاه أبي الأنبياء " كل دعوة وأستجيبت .
وأقام القرآن الكريم الأدلة
على أن الله واحد بمنهج يشمل أدلة الكون والنفس ويفضح أسارير العناد ويقدم للفطرة
زاداً من الألاء ويرهب بالوعيد بالهلاك المبين ومن شدائد ما وقع بالأمم لتطهر
النفس الخبيثة وتعود إلى الطريق القويم ، لقوله سبحانه وتعالى :( وكم أهلكنا قبلهم
من قرن هم أشد منهم بطشاً فنقبوا فى البلاد هل من محيص ؟ إن فى ذلك لذكرى لمن له
قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) .
وفيه أيضاً الوعد العظيم
بالنعيم لمن يعترف بالجميل للمنعم جل جلاله حتى لا يكون مصيره كمصير أمم إستنكفت
عن الإذعان للحق .. فإن الأقوام التى أتبعت الشيطان دمرها الله بأفانين شتى من
العقاب والعذاب لقوله تعالى :( فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً
ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا ، وما كان الله
ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) .
إن تقوى الله سبحانه
وتعالى - وخشيته هى المخرج الوحيد من هذه (الأزمة) التي جعلت الناس كافة يقفون
مشدوهين أمامها خاصة وأن التحول كبير من جراء الإستهداف الأمريكى الصهيوني الغربي
للعالم الإسلامي والعربي ، وإن كان الأمر جله بيد الله سبحانه وتعالى فليس لهم فوق
ما قدرهو مهما أوتوا من قوة ، وإذا منح عبداً من عباده ملكاً فإنما هو عارية
يستردها ممن يشاء عندما يشاء .. فالإنسان دوره محكوم ومحسوب ومحسوم .. لقوله تعالى :( قل اللهم مالك
الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك
الخير إنك على كل شيئ قدير تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحي
من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ) .
إن الناس على إختلاف
سحناتهم ولغاتهم ولهجاتهم يقرون أن حياة الأرض والأحياء عليها .. فلا مقدور
للإنسان العيش فيها دون ماء .. والماء ينزله الله من السماء فيحي به الأرض بعد موتها
وهو بعلمه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر . وهو القائل :( ولئن سألتهم من نزل من
السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله ، قل الحمد لله بل أكثرهم لا
يعقلون ) .
لاشك أن (الأزمة) أثارها
بعيدة المدى طالما أننا نتباكى على حالنا وننظر للأمور بسطحية - من منطلق اللحظة
وما نمربه يستلزم الحسم والمصارحة والمجابهة والمحاسبة ، بدلاً من أسلوب التغطية
والإدعاء فالجراحة مهما كانت قاسية هى العلاج الناجع حتى ولو أدى ذلك للإستئصال ..
فالداء المزمن لا تصلح معه المسكنات . لذلك على الأمة المسلمة الإتجاه للنهج السوي
الإلهي وترك الأفكار النظرية ويشاطرني الشاعر (عبد الرحمن العثمانى) فيما قاله :
رسولكم قدوة
فأسترشدوا وخذوا
من نهجه ملكاً
يحمي من العطب
من يملك النبع لن
يحتاج من ظمأ
إلى الدلاء ولن
يحتاج للقرب
نجحت لجنة النشاط
الأمريكية بالكونغرس فى أن تضيف عام 1945م لقسم الولاء للولايات المتحدة عبارة (
أمة واحدة تحت راية الرب ) . مما يجعلنا لا نستغرب الدور الكبير للكنيسة المحافظة
فى التأثير على كل ما يدور غداة إنهيار كتلة أوربا الشرقية وبداية التنتظير
للإمبريالية الجديدة بمصطلحاتها لإخفاء الجدية والصدق للوصول إلى ما يخططون إليه
من مشروع بشر دعاته عقب الحرب الباردة بفكرتهم ، وما مرت إلا سنوات معدودات على
سقوط جدار برلين عام 1989م حتى بدأوا فى البحث عن عدو جديد تنظرله فكرياً وإعلاميا
وإستراتيجياً وعسكرياً وفى ذات الوقت تؤكد نظرية (نهاية التاريخ) . لتبدأ مرحلة
التطرف بأن طغت على السطح مفاهيم كهنوتية فى أروقة محاكم التفتيش فى العصورالوسطى
مثل مفهوم ( الحروب الصليبية ) ( ومحور الشر) .. ألخ .
الهدف واضح من وراء هذه
الإشارات وليس صدفة أن يأتى بها المنظرين الجدد للحروب الوقائية أو الإستباقية غلاة
الإيدلوجية الصهيونية ، التى تقود العالم الغربي إلى صدام مع الإسلام ، الذى أوضح
لنا المخرج من هذه الضائقة ، بالثقة والإطمئنان والتقوى لله سبحانه وتعالى - لأنه
المالك الحق يعطى من يحب ومن لا يحب ويفسح المجال لمن يستحق .. ولمن لا يستحق ..
فالأمر له - وإليه :( هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو
فأنى تؤفكون ). ولكن النفوس المريضة يخفها تلويحهم بالجزرة والعصا الغليظة لتبتعد
بذلك عن الله - تعالى وتغفل عن النظر فى الكون وتستسلم للشيطان -قاتله الله - حتى
أصبحت أسيرة لرغباتهم وأطماعهم الرامية للتضليل وسلب عزيمتهم وإرادتهم ولا مخرج
لهم إلا أن يخلصوا العمل بنية صادقة لله ويرضوا بما آتاهم - لقوله تعالى :( وأن
ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) .
وعن سيدنا عمر بن الخطاب
- رضي الله عنه - قال ، سمعت رسول الله (ص) يقول : لو أنكم تتوكلون على الله حق
توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً.
ألم يحن الوقت أن ندرك
أن لا سبيل للخلاص ورفع الكابوس المجثم على صدورنا إلا بالنهج الإلهى وسنة رسوله
الكريم (ص) .. فالأفكار التنظيرية البشرية من فكر علمانى وما تنطوى عليه حضارة
الغرب من فراغ روحي وأخلاقي كلها تدفع بنا للسقوط فى الهاوية والإلتفاف حول
قوانينهم ومبادئهم المراد لها أن تطغى على النهج الإسلامي القويم ، الذي أوضح فى الكتاب الكريم أن كل إنسان سيبعث
مستقلاً بذاته ، فالبشر منذ سيدنا آدم عليه السلام - وحتى برث الله الأرض من عليها
يأتى بنا يوم القيامة فردا فردا ، كل مستقل عن الآخر .. متميزاً عنهم حاملاً
مكونات خلقه هو - كما كان أول وهلة -ة ينفخ فى الصور فتتجمع ذراته (هو) وتكون
خلاياه وأنسجته وأجهزته فى جسده دون زيادة أو نقصان وتحل فيه روحه ومن الحقائق أن
الإسلام يأخذ الإنسان إلى آفاق رحبة من الإيمان والله صور لنا ذلك فى آيات الذكر
الحكيم التى لا تنتهي ولا تبلى لكى يدرك كل فرد خلقه وتكوينه فلا يرث من والديه
سوى مادتيه - فهو إنسان فى مجتمع البشر مستقل ومسؤول مسؤلية مباشرة عن
سلوكياته التي يصورها
كيفما يشاء ويفكر كذلك ويفعل كل ما يمليه عليه الوازع الضميري بحريه مطلقه بينما
اوضح إليه -الله تعالى - اين مكامن الخير .. واين مكامن البشر؟ . لقوله سبحانه : (
وكل إنسان لزمناه طائره في عنقه ) .
وكل ما يفعله الإنسان
في الدنيا - مهما كان صغيرا أو كبيرا .. سيجده مسجلا عليه حينما تحين الساعه ..
فهو القائل : ( وتخرج له يوم القيامه كتابا بلقاه منشورا اقرأكتابك كفى بنفسك
اليوم عليك حسيبا ) .
فهو يأتي كما كان في
الدنيا بجسده وجيناته ليحمل كتابه إما بيمينه مع الفائزين .. وإما غير ذلك ..
لقوله تعالى : (ونرثه ما يقول ويأتينا فردا ) .
عندما يعجز المجتمع الدولي عن بسط السيطرة على العالم الإسلامي والعربي
بالألاعيب والخبث .. فإن ذلك يؤدى حتماً إلى العنف بحجج واهية وأكاذيب لا أسانيد
لها فى الواقع .. فهم يرغبون فى فرض مشروعهم السياسي والحضاري العلماني بالقوة
العسكرية .. وتسامحهم مع دعاة حقوق المواطنة وأن أدى ذلك إلى أن تسوء الأوضاع
وتتدهور والمزيد من التردي المؤدي إلى الصمت غصباً مما يحد و بنا والقفز نحو
المجهول .. فالمشروع الإستعماري الأمبريالي فى هذا القرن له إستراتيجية تبشيرية
كنيسية - وهي دعامة قوية من دعائم الحرب الباردة .
والحل الوحيد هو أن نتأمل
الزمن الحاكم ونعود إليه .. لنجد أن الإسلام فيه تنوير تأسيس للدولة المسلمة
النموذج الخالد - منذ مولد رسول الله (ص) الذى تحركت له الملائكة من البيت المعمور
إلى البيت الحرام ليكونوا سفراء بين الأرض والسماء وليبثوا الفرح على دار عبد الله
.. إذناً بالمولود القادم وتهبط عليه الإشعاعات الكونية والإمدادات الربانية التى
تحيطه بهالات من الأضواء كيف لا - وهو مبعث الغيث إلى هذا الدهر الواجم فى خلده ..
لتنطلق رنة الأغاريد وتنسكب البلابل فى آذان الزمن صوتها الرقيق وتردد العنادل فى
توديع المحن لحنها الرقيق .
لقد شاع نور المصطفى (ص)
فى كافة بقاع الدنيا إيذاناً بإنطلاق الإنسانية نحو تدفق الروحانية من أجل تحرر
البشرية من عبادة الأصنام وإيقاظاً للعقول الساكنة فى الجهل المقدع وإنقاذاً
للأفكار من وهدتها وتحريكاً للإفهام من ركدتها وتنبيهاً للأذهان من سباتها العميق
ونومها البالغ .. لكل هذا كان لا عجب أن تهتز الدنيا لمولده العظيم ولا تثريب أن
تثر الوجود ذكره وقصة مولده .
ومتى تأملت العالم الجاهلى
فى الفترة التى سبقت مولده لوجدتها أشبه بالجاهلية الحديثة (أمريكا) .. فهى تتفاوت
فى الجهل الغارق فى حماة الفساد والكفر والإلحاد .. ويتصرفون بلا رقيب أوحسيب
فتبحر سفائنهم بعيداً عن شواطيئ الهدى والرشاد .. فالأمم على إختلافها تتخبط فى
الحياة وتسير فى ظلام الليل الحالك والأغلال تكبل عقولها ولا تدع مجالاً للفكر فى
إدارة الأفول وأضواء الدنيا ترتكس فى قتام عيش طال أمده .
وقبل قدوم الرسول الكريم
(ص) كان العرب تختلف عن بعضها البعض فى المعتقدات والمقامات والأزمنة والأمكنة فما
يستحسن عند القبيلة تلك لا يحب عند أخرى .. ليتفشى الشر فى كل مكان وزمان ،
والإنسانية تقف فى مفترق طرق تتوه وتتعثرأنفالها فى الظلمات القائدة لروحانيات
تنفح بالخجل والخزى والعار .. فإن فكرة أن تشتم رائحة عبق الحرية قوبلت بالصفعات
وقرع ناقوس الخطر لكى لا تتنسم بهذا الفجر القادم بالحق .. فكل ما تقترب من ذلك
بعبارات صادقة فى معانيها ، حيكت له المؤامرات المنقوشة بمنقاش الإلتواء ،فتتوالى
من حولك الحقيقة قلقة من هول رياح الجهل الضارب الجذور فى تلك البقاع ، فالدراسات
والأبحاث والإنطباعات حول هذا الإستهداف الغربي المعاصر .. كلها تصب فيما يؤكد
أنهم يؤدون التأثير على الإنسانية بالحملات الإعلامية التشويهية بإتباع سلطان
التماثيل الحديثة المراد بنصبها تمثيل حياة شهدت نفاقاً بلا حدود .. فالغرب فى هذا
المضمار يتستر على كل من ينجرف وراء تيارهم بغرض طمس الهوية الإسلامية والعربية
بشتى السبل الهادفة لدحر القيم الأخلاقية وحل محلها قيم (التغريب) والتشخيص
والإيجاء عند نقط تحققها العصوي .
والناس يلتفون حول مولد
الرسول الكريم (ص) فى كل عام وتلمح فيهم كل ألوان الطيف ويعبون عن حبهم وهيامهم
للرسول (ص) بشكل فيه حركة التغير من الظلام الحالك إلى النور المشرق .. وقد أثبت
بما لا يدع مجالاً للشك أنه كان الخلاص لهذه الأمة وبدء الأمل المرتقب الذي محا
العبث ودحض الشر بإنبثافه فى فجرالحياة ولمعة لبرق الهداة وإستجابة لدعاء
المظلومين وإستطابة لنداء المحرومين وتنفيساً لكرب المكروبين والمغلوبين ولآلاف
اليتامى ومجداً للفقراء والمساكين .. وما أن ولد سيدنا محمد(ص) إلا وولد معه الهدى
.. لتنحسر بذلك تلك القيود ويفوح أريج الحرية الصادقة التي شلت يد الجهل حينما لمعت
نجوم الحرية فأرست قواعد العدل والمساواة وترسمت معالم الأخاء وخفقت إعلام الحق
فتنكست إعلام الباطل ورفع الستار عن كثير من الأسرار وترك آثاراً بالغة فكان من
الطبيعي أن يعرف الزمن الحالم لغة الأناشيد وكان العالم المكي بأثره قبل بزوغ فجر
الحق غارقاً فى حماة الفساد ونتائج ذلك كانت الأمم المحيطة به تتخبط فى الحياة
تخبطاً عشوائياً كالذى يحدث آنياً من الجاهلية الحديثة (أمريكا) - وهذا التخبط
يقودها إلى أحلك الليالي اليائسة بلا أمل أو رجاء فى أندثار هذه الظلمة .. وكانت
الأغلال ترحل بالعقول وكواكب الفكر فى دارة الأفول .. وفى قتام العيش الذى طال
أمده ليتحكم الشر فى توجيه الحياة البشرية وإغراق فاه الطاغوت فى متاهات تعثرت
رغماً عن أنفالها ، حتى تنسمت أريج الحرية بمولد المصطفى (ص) وسددت الضربات
القاضية على الجهل المقيم ردحاً من الزمان ، فأنهارت روحانيات مبنية على الخطأ ..
فتفجرت أنهاراً من عرق الخوف والخجل والخزي
والعار.
وعندما بدأت طلعته انثلج
صبح الوجود وانحسر الجهل الذي يضغط بالقيود .. وفاح إرج الند وشلت يد البشر وهبت
نسائم الرحمه ودرت انثاء الامل وتلألأت شهب المنى وتوهجت أشعة البعث ليتغير حال
العالم وتنطلق فيه أضواء الحق متوهجه .. ولمعت نجوم الحريه وشعت قواعد المساواة
وترسمت معالم الإخاء .. كاشفا للظلمات التي وقع فيها البشر .. وكشف الأسرار وترك
عبق وجوده بالفا من الأثار والأحداث في الحياة خارجها وداخلها وارتسمت بظهوره عدة
علامات استفهام منها إيوان كسرى الذي أهتز وتساقطت شرفاته وخمد لهب النار في فارس
وطفئت جمراته وغاضت بحيرة ساوة وجفت من ارضها القطرات .
وبمولده لم تحس والدته
تعبا ولا نصبا ولا ألما .. وحينما واجه الأرض اتقاها بيديه واحتمى
فيها بكفيه ثم رفع رأسه
إلى السماء كأنه يضرع بالدعاء فأثار فضول الزائرات وأدهش فكر
الحاضرات ورسم في
أذهانهن أبدع وأروع الصور عن أكمل وأجمل أجل طفل وليد ظهر
في عالم الوجود .
من هنا بدأت الرساله
المحمديه بنزول صلوات الله وسلامة عليه مختونا مسرورا يفيض
بشرا ويقدح سرورا ..
لترى والدته آمنة بنت وهب بمولده الآيات البينات وشاهدت بأم
عينيها العلامات وعرفت
له السمات وعلمت أن الزمن يخبيء لوليدها مكانا فوق سدرة المنتهي ويحفظ له مركزا
يعجز أولى النهى .
فكانت تنظرإليه في شقف
لانه حينما ولد- ولد معه الهدى وانهل به الندى وأمتد بالنورالمدى ..فكانت تحنوعليه
في قلق نحوه في رفق وتدور حوله في شفق حيث تفرغ كل مافي قلبها
من عطف ولطف وحنان ورقه
.. إن آمنة تقرأ في سطورالغيب ما يملأ قلبها أملا ونفسها
اطمئنانا - إلى غد مشرق
لطفلها السعيد .. ففي حركاته سمات الرياده وميزات القياده وترتسم تخطيطا واضحا
للفلك الذي سيعتلي ذروته بعد قليل .
وعمت الفرحه والبهجه جده
عبد المطلب -وكانت لا تحدها حدود - فطار به الخير وماج به السرور الذي ضرب على
أوتار الفرح الذي يمسح عن القلوب آثام الأسى والشجن وتفتح
صفحه جديده في سجل
الأمل المشرق والمستقبل الزاهر والحافل بالسعاده .. وقف عبدالمطلب ينشق في وليده
عبير عبدالله ويجد طفله ريح يوسف ويطمئن إلى أن ابنه الشهيد عبدالله سيعود من جديد
في الوليد الحفيد .. ليهتز هزهة الطرب ويهزج مع النسائم الحلوه بعد الاناشيد العزبه والأغاريد الرطبه
.. ثم يلجـأ إلى الثيب من انعامه يريق دمها ويسكت فمها ثم إهابها ويخلع جلبابها ..
ليقدم لحومها وشحومها طعاما للفقراء وإداما للمعوذيين تحدثا بما أنعم عليه من
المولى عزوجل وشكرا ما أبلاه واولاه .. ثم اعلن في الناس أنه سمي ابنه محمدا ..
فلما عرف ما فعلت آمنه قال هو : أحمد - وهو محمد وليوكونن أحمد الناس ومحمد
الانفاس محمود السيره بين الارض والسماء .
وقف بنو هاشم يطلقون
المحامد ويتبادلون أحفاء المسره ويضيئون ارجاء الامل ويلقون طفلهم الوافد بغلالة
من الرعايه الهاشميه والنظرات الباسمه والأخلاق الهاشميه المعجبه بما
منح من رقة وما امتاز
به رسول الله (ص) وما برز فيه من الجمال والجلال .. لقد تقدمت السيده ثويبه جارية
عمه ابي طالب في شغف ودنف حيث تناولت طفل بني هاشم من آمنه وناولته ثديها وتناول
منها ما بل به أو امه وكان لبنها أول سائل امتصه فمه الشريف وأول
غذاء نزل إلى بطنه في
بدء حياته فتحقق بذلك ما كان ليخطر ببالها إذ حصلت على حريتها واغلقت صفحات
عبوديتها وقال ابو لهب أذهبي .. فانت حره في إثر فرحه قامره بابن اخيه .
كان من عادات القريشيين
أن لا ترضع نساؤهم الأبناء ولهم في ذلك سبل وغايات ولكن
حول رضاعة سيدنا محمد
(ص) - نترك حليمه السعديه تفصح عن ذلك - حيث قالت : (خرجت مع زوجي وإبن لي صغير على أتان لي قمراء
معنا شارف لنا والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا من
بكائه من الجوع مافي ثديئ ما يغنيه وما في شارفنا ما يغذيه ولكنا كنا نرجو الغيث
والفرج .. فخرجت على أتاني تلك فلقد أدمت بالركب ضعفا وعجفا حتى قدمنا مكة نلتمس
الرضعاء فما منا امراة إلا وقد عرض عليها محمد فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم وذلك
أنا دائما نرجوالمعروف من أبي الصبي فكنا نقول يتيم
وما عسى أن تضع أمه
وجده فكنا نكرهه لذلك فما بقيت امراة قدمت معي إلى أخذت رضيعا غيري .. فلما أجمعنا
الانطلاق قلت لصاحبي والله إني أرجع من بين صواحبي ولم أخذ رضيعا والله لاذهبت إلى
ذلك اليتيم فلأخزنه قال عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركه قالت: فذهبت
إليه فأخذته وما حملته علي أخذه إلا أني لم أجدغيره .
واضافت حليمة السعدية :
فلما أخذته رجعت به الى رحلى فلما وضعته فى حجلرى أقبل عليه ثدياى بما شاء من لبن
فشرب حتى روى وشرب معه اخوه حتى روى- ثم ناما وما كنا ننام معه قبل ذلك وقام زوجى
الى شارفنا تلك فاذا بها حافل حلب منها ماشرب وما شربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا
فبتنا بخير ليلة ثم قالت : يقول صاحبى حين اصبحنا تعلمى الله ياحليمه لقد اخذت
نسمة مباركة - قالت فقلت: والله انى لارجو ذلك قالت: ثم خرجنا وركبت اتانى وحملته
عليها معى فوالله لقطعت بالركب مايقدر عليها شى من حمرهم حتى ان صواحبى ليقلن لى
يا أبنة أبى ذؤيب ويحك أربعى علينا أليست هذه أتانك التى كنت خرجت عليها فاقول لهن
بلى والله انها لهى فيقلن والله ان لها لشأنا.
وتستمر حليمة قائلة :
ثم قدمنا منازلنا من بلاد بنى سعد وما اعلم أرضا من أرض الله أجدب منها : فكانت
غنمى تروح على حين قدمنا به معنا شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما يحلب انسان قطرة لبن
ولا يجدها فى ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح
راعى بنت أبى زؤيب فتروح اغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمى شباعا لبنا
فلم نزل نتعرف من الله الزىادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته وكان سيشب شبابا لا
يشبه الغلمان.
كان ميلاده فى عام
الفيل الذى اهتزت فيه الدنيا انذآك بأحداث جسام تنبى بمولد النور(ص ) فى جزيرة
العرب : حيث ارتج ايوان كسرى فسقطت منه اربع عشرة شرفة من مجموع شرفاته الا ثنتيه
والعشرين وتلقى كسرى من ولادته فى البلاد أنباء غير سارة فوالله فى الشام كتب له
يخبره بأن بحيرة ساوة قد غاضت فى تلك الليلةووالله فى "السماوة" أخطرة
بأن وادى السماوة قد انقطع ، ومن طبرية لم تجر، بينما أخبر صاحب فارس أن بيوت
النيران "معابدالمجوس" قد خمدت وخرج كسرىالى قومه ، واستدعى وزراءه
وعلماء ليتدارس معهم هذه الاحداث ويسالهم الراى والمشورة وتاتيه الاخبار التى تؤكد
مولد المصطفى المختار (ص) ونهاية ملك الفرس بعد أربعةعشر ملكا (بعدد الشرفات التى
سقطت فى تلك الليلة من أيوان كسرى ).
وتقدمت بشائر من سلف من
الانبياء بنبوة سيدنا محمد (ص) مما هو حجة على اممهم ومعجزة تدل على صدقه عند
غيرهم بما أطلعه الله - سبحانه وتعالى - على غيبه ليكون عونا للرسول الكريم (ص)
وحثا على القبول عند الناس فأفاد سبقا واحاط صدقا حيث قال فى محكم تنزيله : (واذ
أخذ الله ميثاق النبين لما اتيتكم من كتب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم
لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم اصرى قالوا أقررنا قال فأشهدوا
وأنا معكم من الشاهدين) - (آل عمران- 81).
وهذا يوضح أن المولى -
عز وجل - قد أخذ ميثاق الانبياء وعهدهم أن يصدق
بعضهم بعضا فالسابق
منهم فكان يؤمن بما جابه اللاحق منهم فكان ميثاق الانبياء جميعا - هو الايمان
بسيدنا محمد(ص) - (رسول مصدق لما معكم)- ونصرته ، كما أمرهم ربهم أن يأخذوا العهد والميثاق على اممهم بالايمان به
ونصرته، ثم أكد هذا بأقرار الانبياء جميعا
وتثبيت العهد عليهم
بالشهاده على انفسهم وعلى اتباعهم والله - سبحانه وتعالى - شاهد على الرسل وعلى
أتباعهم كذلك.
وهكذا تواردت البشائر
بمقدم المصطفى (ص) فى الثوراة والانجيل كثيرة تتناول الوصف والاسم على لسان كثير
من الانبياء السابقين وليس هذا فقط وانما قد تتناول فقرات كثيرة عن مكة المكرمة
وما فيها ومن ذلك :( أيتها العاقر التى لم تلد أشيدل: أوسعى مكان خيمتك ولتبسط شقق
مساكنك لا تمسكى ، أطيلى أطنابك وشددى أوتارك لأنك تمتدين الى اليمين والى اليسار
ويرث نسلك أمما ويعمر خربة)- فالله - سبحانه وتعالى - ينادى مكة التى لم يكن بها
نبى بعد اسماعيل ويصفها بالمرآة العاقر التى لم تلد منذ زمنه.. ثم يقول لها ستزيد
سيطرتك على بقاع كثيرة فى كل مكان واتجاه ، وينشر أهلك في بقاع كثيره في الأمم
ويعمرون فيها ويشيدون حضارة أبديه .
وفي الكتابات القديمه
للتوراة - يقول :( ويسميك الرب اسما جديدا ) - ويقول ايضا في نفس المعنى : ( أرفعي
عينيك حواليك انظري قد اجتمعوا كلهم ، جاؤوا إليك .. يأتي بنوك من بعيد .. لأنه
يتحول إليك ثروة البحر وتأتي إليك غني الأمم تغطيك كثرة الجمال .. تحمل ذهبا
ولبانا وتبشر بتاسبيح الرب ) - وايضا من الكتابات القديمه : ( وقار الله عليك
انظري بعينيك حولك فإنهم يجتمعون .. يأتون بنوك وبناتك عدوا .. فحينئذ تسرين
وتزهرين ، ويقرع عدوك .. ويتسع قلبك فكل غنم
قيدار مجتمع إليك ، وسادات نبايوت نخدمك وتفتح أبوابك دائما في الليل
والنهار فلا تغلق ويتخذونك قبلة ، وتدعين بعد ذلك مدينة الرب ) .
وهذا يؤكد اتفاق
الكتابات القديمه في التوراة والإنجيل - على أبناء سيدنا إسماعيل عليه السلام -
غنم قيدر ونبايوت - يحضرون من اقاصي الدنيا - يجتمعون في مكه المكرمه مكبرين
ومصهللين محرمين بالحج يحملون معهم خيرات الامم التي جاؤوا منها وهذا تحقيق
لدعوة سيدنا إبراهيم - عليه السلام : (
فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ) - وتطيبقا لقوله - سبحانه وتعالى : ( يجي إليه
ثمرات كل شي رزقا من لدنا ) - (القصص 57 ) .
ومن هذا تتضح الإشاره
إلى انها قد اصبحت بيت الله الحرام وان ثواب الطائفيين من الحجيج يبشرهم بالغفران
من ذنوبهم وهذا مصداق قوله (ص ) : ( رجع كيوم ولدته امه ) .
وجاء في الكتب القديمه
عن البشاره بنبوة النور (ص) ان ملاك الرب قال لهاجر : ( ستدلين ابنا وتدعين اسمه
اسماعيل يده على كل . ويد كل به ، وسيحل على جميع حدود إخوته) .
أي تكون يده فوق يد
الجميع مبسوطه إليه بالخضوع - لانه لا محالة في ان إسماعيل وولده لم تكن ايديهم
إلا تحت يد إسحاق وبنيه لان النبوه كانت في ولد إ سحاق فلما بعث - المولى عز وجل -
سيدنا محمد (ص) جعل يد بني إسماعيل فوق يد الجميع لكونه آخرالأنبياء وخاتمهم فردت
النبوه الملك إليهم وعظمهم وبارك عليهم لأ نهم كانوا مقهورين .. فصاروا ببعث
الرسول الكريم (ص) قاهرين .
وفى نفس السفر قوله
لإبراهيم - عليو السلام - حين دعاه فى إسماعيل .. ( قد أجبتك فى إسماعيل وباركت
عليه ، وكثرته وعظمته جداً جداً ، وسيلد له إثنا عشر عظيماً وأجعله لشعب عظيم ) -
وهنا بلاشك أن هذا الشعب العظيم هو أمة سيد المرسلين محمد (ص) -لأنه لم يكن فى ولد
إسماعيل أعظم من هذه الأمة وهذا مصدق قوله - سبحانه وتعالى - :( كنتم خيرأمة أخرجت
للناس ) - (آل عمران - 610) .
ومن ذلك ما ورد موجهاً
لموسى بن عمران :( إني أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم ، أجعل كلامي على فيه،
فيكلمهم بكل ما أوصيه به ) - فهذا ينطبق على الرسول (ص) - لأن التوراة تقول :( لم
يقم بعد نبي فى إسرائيل مثل موسى ) - وهذا يفسر أن اليهود لن يكون منهم نبي بعد
سيدنا موسى - عليه السلام - وهذا يبطل ما يشيعه اليهود حول نبوة يوشع بن نون ..
لأنه بعد موسى ، وأيضاً تدحض إعتقاد النصارى فى أنها تنطبق على سيدنا عيسى بن مريم
- عليه السلام - لآنه ليس وسط إخواتهم كما تقول التوراة .
وقد جاء فى سفر التكوين
حين ذكر إسماعيل جد العرب - ( إنه يضع فسطاطه وسط بلاد إخوته يسكن ) - فكنى عن بني
إسرائيل بإخوة إسماعيل وعن العرب بإخوة بني إسرائيل فى قوله تعالى :( إني أقيم
لبني إسرائيل من إخوتهم نبياً مثلك ) - ويدل على ذلك أيضاً قوله :( أجعل كلامي على
فيه ) - ففى العبارة تصريح واضح بالقرآن الكريم - لأنه كلام الله الذى نزل على
سيدنا محمد (ص) ويشير إليه قوله سبحانه وتعالى :( فيكون أن كل من يعصي كلامي الذى
يتكلم به بإسمي فأنا أحاسبه ، ومن عصاه أنتقمت منه ) - وهذا يفصح عما فعله ربنا
تعالى بصناديد قريش وعظماء الفرس والروم واليهود وغيرهم - وقد أصبحوا بين قتيل
وأسير ومعط للجزية .
وفى التوراة تفسير يقول :(
جاء الرب من سيناء ، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جيل فاران وعن يمينه شريعة
نارلهم ) - فمجيء الله من سيناء يعنى إنزاله التوراة على موسى - عليه السلام -
وأما إشراقة من سعير ، يعنى إنزاله الإنجيل على عيسى - عليه السلام لأنه كان
ساكناً فى سعير - وهى أرض الخليل فى قرية الناصرة بالشام .. وأما إستعلاؤه من جبال
فاران فإنها تعنى إنزاله القرآن الحكيم على محمد (ص) - وفاران هى جبال من جبال مكة
المكرمة .. فى جميع الأقوال - لأن الله سبحانه وتعالى قال فى التوراة :( أسكن هاجر
وإبنها برية فاران ) - فمجيئه من فاران يوضح أن العلى القدير بعث محمداً (ص) من
فاران كما بعث موسى - عليه السلام - من سيناء وعيسى - عليه السلام من الناصرة .
وجاء فى الزبور وصف أصحاب
رسول الله (ص) وأتباعه فيقول :( سبحوا الرب تسبيحاً جديداً ، سبحوا الذى هيكله
الصالحون ليفرح إسرائيل بخالقه ، وبنوصهيون من أجل أن الله أصطفى لهم أمة وأعطاهم
النصر ، وسور الصالحين منهم بالكرامة ، يسبحون الله على مضاجعهم ويكبرونه بأصوات
مرتفعة بأيديهم سيوف ذوات شفرتين لينتقم الله بهم من الأمم الذين لا يعبدونه ،
يوثقون ملوكهم بالقيود وأشرافهم بالأغلال ) - فمن هو المبعوث بالسيف من الأنبياء -
عليهم السلام - سوى سيدنا محمد (ص) ومن هم الذين يكبرون الله بأصوات مرتفعة ؟ -
غير أتباع الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم .
ومن هذه الأمة التى سيوفها
ذوات شفرتين غير أمة خاتم الأنبياء (ص) - وبدون شك هم يسبحون الله سبحانه وتعالى
ويذكرونه :( قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ) . كما يؤكد القرآن الكريم ويكبرونه فى
الآذان ، وأنتقم الله بهم من الأمم الوثنية التى لا تعبده بسيوفهم ذات الشفرتين .
وفى الزبور أيضاً :( تقلد
أيها الجبار سيفك .. فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بيمينك وسهامك مسنونة والأمم يخرون
تحتك ) - ومن صفات سيدنا محمد (ص) فى الزبور أيضاً :( يجور البحر إلى البحر ، ومن
منقطع الأنهار إلى منقطع الأنهار ، وإنه يخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم ويجلس
أعداؤه بالتراب ، يأتيه ملوك بالقرابين وتسجد له وتدين له الأمم بالطاعة والإنقياد
- لأنه يخلص المظلوم من الظالم وينقذ الضعيف الذى لا ناصرله ، ويرأف بالضعفاء
والمساكين ويدوم أمره إلى آخر الزمان ) - تلك هى أوصاف النبي محمد (ص) وأنتشار
دعوته التى يؤمن بها الملوك وتنقاد له الأمم وينشرعدله بينهم ويدوم إلى آخر الزمان
- لأنه خاتم الأنبياء .
ومن صفاته (ص) أيضاً فى
الزبور:( يخلص بني البائسين ، ويسحق الظالم ، يخشونك ما دامت الشمس ، وما دام
القمر إلى دور فدور يشرق فى أيامه الصديق وكثرة السلام لإلى أن يضمحل القمر ويملك
من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض ) - لذا تجد شريعة الإسلام جاءت
بالعدل إنصافاً للمظلوم وتقتص من الظالم دائمة ما دامت السموات والأرض ولاشك أن
تحية السلام - جاء بها الإسلام وتحدث بها القرآن الكريم - ولم تعرف بها الأمم من
قبل ، فالزبور يفصح عن صفات ذلك النبي الذى يدوم أمره إلى قيام الساعة (إلى أن
يضمحل القمر) - ولم تجتمع هذه الصفات والعلامات لأحد قبله من الأنبياء - عليهم
السلام على ماهومعروف من أحوالهم فى التوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم .
وفى الزبور يوجد فى بعض
التراجم القديمة والتفاسير ما يفيد أن الله أظهر من صهيون إكليلاً محموداً -
والأكليل مثل للرئاسة ومحموداً - هو محمد (ص) وفيها أيضاً :( وسلطانه على كتفه ) -
يريد علامة نبوته على كتفه وهذه صفة سيدنا محمد (ص) وبادية الحجاز ، وقد ذكر فى
مزامير داؤود فى ثلاث وخمسين منها - ومن بشائر حيقوق من أنبياء بني إسرائيل فى
التراجم القديمة أيضاً :( جاء الله من طور سيناء واستعلن القدوس من جبال فاران
وانكسف لبهاء محمد وإنخسفت من شعاع محمود وإمتلأت الأرض من محامده ) .
ومعلوم أن محمداً وأحمداً
ومحموداً صريح فى اسمه (ص) - وهو بالسريانية (موشيحاً) - أى محمد ومحمود ، فيقولون
شريحاً لإلهنا - أى حمداً لله .. وفى الأنجيل قال المسيح عليه السلام :( إن كنتم
تحبوني فأحفظوا وصاياي وسأرغب إلى الأب فى أن يبعث إليكم معزياً آخر ليمكث معكم
إلى الأبد ) - هنا يفسر لهم بأنه سيخرج من الدنيا وسيأتى بعده المعزي - وهو
المقصود بالبشارة فيما قاله سيدنا عيسى - عليه السلام - هو محمد (ص) لتبقى رسالته
للأبد - كما قال الله سبحانه وتعالى فى محكم تنزيله :( وخاتم النبيين ) .
وفى موقع آخرمن الإنجيل
يقول المسيح - عليه السلام :( سينفعكم ذهابي لأني إن لم أذهب لم يأتكم المعزي وإن
ذهبت سأبعثه إليكم ) - ولا شك أن ذهاب المسيح عليه السلام مهد لبعث سيدنا محمد (ص)
- كما يؤكد أن مجيئ الرسول الكريم (ص) مرتبط بذهاب سيدنا عيسى - عليه السلام -
فالتحريف واضح جداً ( سأبعث إليكم ) - والصحيح ، سيأتكم ) - و(يأتكم ) لأنه لا
يبعث بنفسه إنما يبشربه - ومن يبعث هو المولى عزوجل .
وفى الأنجيل أيضاً يقول
سيدنا عيسى عليه السلام :( لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤوا وإن أردتم
أن تقبلوا .. فهذا هو إيليا المزمع أن يأتى من له أذنان للسمع فليسمع) وهذا يفسر
تفسيراً واضحاً أن إيليا المزمع أن يأتى إنما هوسيدنا محمد (ص) - ولو كان يوحنا
كما يقول النصارى لجاء بعد عيسى -عليه السلام - ولكنه لم يأت وإن الذى أتى هو
سيدنا محمد (ص) وليس يوحنا .
إذن المبعوث بالبشارة إنما
هو سيدنا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم كما هو ثابت فى نبوءات الأنبياء
السابقين كما جاء فى النص ، ولقد تصفح العلماء من السلف التوراة ودرسوها من ألف
عام فأكثر ولو طبقنا كتاباتهم وما أخذوه عن التوراة لوجدنا أن النصوص قد تغيرت
كثيراً بسبب عدم ثبات النص والتغيير فى الترجمة والدليل على ذلك أننا لوحاولنا أن
نستدل بنص الآية المذكورة فى سورة الصف :( ومبشراً برسول يأتى من بعدي اسمه أحمد )
هل تغيرت ؟ أم بقيت فى المعانى - لأن سيدنا موسى عليه السلام - لم يكذب قومه كما
أن القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - لذلك فأين ذهبت مثل
تلك الأسماء :( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ).
نزل الاسلام شريعة عامة خالدة
فى أجمالية معانيها والمتغيرات بسعة مجالها وتنوع موضوعاتها .
وتجدد الحياة بما لا
يبرر للحداثين نبذ الاصالة والامتناع عن التحرر المطلق والتجديد الهدام لشرع الله
وهذا ما يدفعنا للتاكيد على ان اشكالية الزمن التى تطرح بوصفها الوجه الاخر
لاشكاليات التاخر والتقدم . ماهى الا أشكالية مصطنعة وفق التعامل مع معطيات
الازمنة أخذا وردا واصطفاء ونبذا اذا ماتقرر على أساس الالتزام بالثوابت والفعالية
الموضوعية لكفيل بأكساب الحركة الاسلامية جدارة التحكم بالحاضر وقدرة أستشراق
المستقبل وحسن استصحاب الماضى دونما تناقض او صراع يأزم الموقف ولا ىصحح مسار ما
خطة الاسلام من شرع يعيد الامن والاطمئنان والسلام للانسانية ويؤكل للحضارة مجدا
باذخا وللتطور البشرى منزلة سامقة.
أن الحداثة التى سطعت فى
سماء العالم الاسلامى والعربى هدفها طمس وتشوية والغاء فكرة الدولة المسلمة من
خارطة الوجود بالاستهداف المستمر من الولايات المتحدة والصهيونية والغرب حتى ننشغل
عن الاسلام بمثل هذه الدعاوى والسعى الحثيث لتنفيذ مخططهم عسكرا وأعلاميا واما
الحل الا بالعودة للتاريخ الاسلامى الذى
حقق الانتشار فى جميع اصقاع الدنيا وذاع صيته واعتنقتة الملايين المحرومة المضطهدة
المعذبة فى الارض وآمنت به الشعوب من كل قارات العالم المعروفة آنذاك وانتصر فى
مواجهته الكبرى للامبراطوريتين العالميتين الكبريتين - الامبراطورية الفارسية
والرومانية الشرقية " ووقتذاك كان
الانتصار كاملا - وعملا رائعا لم يشهد التاريخ البشرى له مثيلا - فكانت عنصرا
فاعلا للمحافظة على المجتمع الاسلامى الذى منع تجدد الخلافات القبلية القديمة والجاهلية بعاداتها
وتقاليدها البالية المتجددة فى الجاهلية الحديثة .
مما يؤكد أن المسلمين
خلقوا مزيدا من التضامن فى مجال اتحاد المسلمين كقوات محورية للمجتمع واثروا كثيرا
فى قيام النهضة العالمية خاصة وأن هناك نظرية تؤكد أن عوامل التغيير حقبت على
أوروبا من الجنوب فقد عاشت الحضارة
الاسلامية هناك ثمانية قرون وأزدهر خلالها العلم والفن والادب والفلسفة فالدور الاسلامى كان شفافا فى تغيير الاوضاع
الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية
ونتاج لذلك خرج هرقل الامبراطور الرومانى من الشام باكيا حزينا بعد هزيمة
جيوشة الكبيرة فى معركتها مع المسلمين حول دمشق فى العام الرابع عشر من الهجرة عام
636م - وهو يودع أرض سورية ويقول:(سلام عليك ياسوريا ، سلاما لا لقاء بعده ) وزالت
سيادة بيزنطية على الشام الى الابد.
ومن هنا كانت عالمية
الاسلام بحضارته التى تبنتها اوربا حينما قدمها المسلمون للعالم الاخر الذى أضحت
فيه رموزا تمتلك حسا عاليا ومنصفا ازاء الاسلام وتاريخه العريق ورموزه وهم (أرنولد
توينى ) و(كلوديا فارير) والفكرة الالمانية (زيغريد هونكه ) والمستشرقة الالمانية
(أنا مارى شيمل) التى كانت تكتب وتبحث وتنقب وتحاضر فى العواصم المختلفة دفاعا عن
الاسلام - كلماتعرض لهجماتفكرية معادية أما المفكرة الاخرى فهى الباحثه البريطانية
(كارين أرمسترونج) التى ما فتأت تذود عن الاسلام حيال الشبهات الغربية المستمرة
والطعون التى تحاول أن تنال من نبينا الاكرم (ص).
هكذا أمتد الاسلام -
فبلغ حدود الصين شرقا وشواطى المحيط الاطلسى غربا وجنوب أوروبا شمالا ، وأواسط
افريقيا جنوبا فى زمن وجيز جدا ، مما يعد معجزة فى تاريخ الامم والانتصارات ففى
هذا الصدد أن الصيادلة المسلمين فى صقلية عبر قرنين كانوا أساتذة أوروبا فى
التنظيم الطبى والصيدلى ، حتى أن أبن بيطار نظم لائحة تضمنت (1400) أسم للدواء فى
صقلية أخذت بها أوروبا وقد صرحت المستشرقة الالمانية (أن مارى شيمل) أنها تعبر عن
الاعجاب والتقدير لديننا الاسلامى الحنيف، أذ قالت بصراحتها المعهودة :( حبى وشغفى
بالاسلام ورسوله بلا حدود حتى ان البعض يقول أننى أخفى اسلامى وانا أقول مقولة
لشاعر هنوسى :قد اكون كافرا أو مؤمنا - فهذا شى علمه عند الله وحده لكنى أود أن
أنذر نفسى كعبد مخلص لسبد المدينة العظيم محمد رسول الله ). فلماذا تلومننى على حبى ودفاعى عن رسول الاسلام
الذى أحبه حين لم يتعرض شخص فى التاريخ ، تعرضه للظلم الذى تعرض له محمد فى الغرب
، فاساطير القرون الوسطى ، أتهمته بانه كان كارد ينالا استاء لعدم تعيينه بابا ،
فانفصل عن الكنيسه واسس ديانه جديدة واتهمتة رؤاية فرنسية بانه شارك مع شخصين
أخرين فى تكوين نوع من الثالوث الشيطانى وجريمة لا تغتفر فى محمد أرتكبها الادباء
الانجليز ، حولوا أسم محمد ليكون مرادفا للشيطان وحول الادب الالمانى
(محمد) الى (ماحوم) واتهموا المسلمين بانهم يعبدون
أصناما ذهبية لما حرم وللاسف فان مثل هذه الصور الشنيعه راسخة فى الاوعى الجماعى
للغرب مما يفسر العداء الغربى للاسلام ، اليس هذا الظلم دافعا لى لتوضيح حقيقة
لرسول الاسلام والدفاع عنه حتى ولو كلفنى ذلك حياتى فان " الساكت عن الحق
شيطان اخرس" .
فى غضون القرن التاسع
عشر للميلاد كانت نزعات الالحاد تغلب على العقل الغربى ، وبدأ كأن العلم الطبيعى
يتجه بالناس وجهة مادية تتنكر للدين وتضيق بتعاليمه ، ولما كان
الغربيون سادة الدنيا
يومئذ فقد صبغوا الفكر العالمى تقريبا بهذه الصبغه الداكنه وكان
المسلمين فى حالة ذهول
أنستهم رسالتهم المحليه والعالمية على سواء فهم لا يريدون من
دينهم شيئا طائلا ينفعون
به أنفسهم بل أن ينفعوا به غيرهم.
وبهدوء شديد لم
نستطع تلافى سلبيات وقصور وسائل الاعلام مما أضعف الحوار وتبادل الافكار ومناقشة
الحجج وتوفير البراهيم للتغلب على كل أساليب العالم الجديد الذى يصب جام سخطه على
الاسلام والمسلمين ويبث روح الشتات والفرقة بين دولة ودولة أسلامية أو عربية - حتى
لا يدع لنا مجالا للتساؤل - هل إبن سينا عربي أو أعجمي - هذا
ما أراده الغرب ليزج
بنا فى قوقعة القوميات والأقليمات تلك الحدود الضيقه التي تحاصر الافق الرحبه ..
بالذي فهمه من هم اعلى منا فهما واوسع منا فكرا وانقى دينا وانظف قلبا وهم صحابة
الرسول الكريم ( ص) .. حيث قال ربعي بن عامر - حينما لقى قائد الفرس واراد أن
يغريه وقومه بالمال : ( أن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة
الله ومن جور الاديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ) - لقد نظر هذا
الصحابي إلى أبعد مما ننظر إليه اليوم .. هذا يقودنا إلى عهد الرسول الكريم ( ص) -
العهد الذي تبلورت فيه الكينونه العباسيه للدوله الإسلاميه المرتكزه على العقيده
كمنهاج للحياة يشمل السلوك الفردي والعلاقات الإجتماعيه المختلفه - والقرآن الحكيم
- هو المصدر الرئيسي للتشريع الإسلامي الآيه .. ( وأنه لتنزيل رب العالمين نزل به
الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ) .
وكان الرسول عليه افضل
الصلوات وأتم التسليم تيلو ما ينزل عليه - على أصحابه ويأمرهم أن يحفظوه ويسجل من
يعرف الكتابه ما يسمعه لتيلوه على غيرهم - يقول الله - سبحانه وتعالى : ( لقد من
الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم
الكتاب والحكمة وأن كانوا من قبل في ضلال مبين ).
فالدعوه كانت تنطوي على
التبسيط والتعامل مع ما يجري من تفاعلات وتناقضات وصدامات حاده بعقليه متفتحه - فضلا
أن الإسلام وضع أسسا للظروف والعوامل الأخرى واغلبها اقتصاديه - أجتماعيه - حدث
بالغرب أختلاق صدامات تصدف إلى الإستيلاء على السلطه بالقوة الجديدة التي تطمع في
السيطرة العالمية بما يوفر مرحله من التحول الفوضوي في العالم الإسلامي العربي
ليشهد انحطاما نسبيا بصوره متسارعه أكثر ماسأويه
تفسح مجالا أكبر لبنو إسرائيل أن يشرعوا ما يريدون خاصه أنهم عملوا لذلك
مبكرا عقب تقرير الحقوق السياسيه في الأقطار الحديثه يجمعون شملهم .. ليعبدوا ملك
( يهوه ) على الأرض ويستعيدوا لحكم العالم كله من ( اورشليم) وما كان عليهم أن
تكتسح ظلمات الشك كل ضمير !! .
أما النصارى فلو تفرغوا
ليتصدوا لهذا الخطر المحدق بالعالم ككل لا الإسلام ورسوله الكريم (ص) وحده لكانوا
كالذى يردالطوفان بالراحتين فكيف يفكروا مجرد التفكير فى ذلك، وهم مشغولون بالقضاء
على الإسلام .. لذلك نجح الإلحاد فى فرض أفكاره الخربة الرامية إلى السيطرة
والهيمنة على العالم الإسلامى العربى بالأحكام التام على أغلب ميادين النشاط
الإنساني .. وربما سمح للأديان أن تبقى ميولاً فردية وإتجاهات أدبية وحسبها ذلك -
على أن القرن العشرين للميلاد أخذ يتجه خصوصاً فى أواسطه ونهاياته - وجهة مغايرة
وظهر فى كتابات كثيرمن العلماء الطبيعيين نزوع واضح للإيمان بالغيب والتسليم بوجود
إله حكيم قدير، عالم خبير !! .
فلو كان للإسلام رجال
يحسنون عرضه كما نزل فى أصوله الأولى لكان الإسلام دين الحاضر والمستقبل على سواء
فى كافة أنحاء العالم .. ولكن الفكر الإسلامي وقع فى (أزمة) رهيبة وعجيبة !!.
وما يلاحظ هنا أن معظم
العلماء الكونيين نزاعون إلى التدين ، فهناك من ضل الطريق ولكن تيار الإيمان لو
مضى فى طريقه بين هؤلاء دون عوائق سياسية ودون إرهاب خارجي ، لتغير الوضع .. فإن
جمهرتهم سوف تدخل فى دائرة الدين بلا ريب !!. فما أكثر أن يكون الذكاء سلاحاً
فتاكاً يستعمل فى الخيروالشر وإذا صدق الإيمان صلح القلب وإستقام المنهج ( ومن
يؤمن بالله يهد قلبه ) - (إن فى ذلك لذكرى لمن كان قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) .
أن الكيد الذى لقيه
الإسلام وتلقاه المسلم على أيدي رسل (التغريب ) ليس عجيباً فى حد ذاتهفأن له ما
يسوغه فى نظر أهله ودعاته ، ولكن ما أستغرب له أن المقاومة لهذا الوافد مقاومة
فارغة والحركة إليه مشلولة وأن تجدنا نبصرما يتعرض له الإسلام ولا نحرك ساكناً
ولانقلق أو نتعجب من شيئ أو نعود للتاريخ الحافل بالفتوحات الإسلامية - ولعل فتح
أسبانيا عام (92هـ - 711 م ) خالدة فى الذاكرة حيث بسط خلفاء بني أمية نفوذهم
وسلطانهم عليها وتوغلوا فيها شمالاً حتى غزا فرنسا الحربن عبد الرحمن عام (99 هـ -
717 م ) - وأستولى بعد ذلك السمح بن مالك بسنوات ثلاث على مدن كثيرة منها - وقام
عبد الرحمن الغافقي عام (114 هـ - 732م ) بهجوم كبير عليها ووصل بجيشه الكبير إلى
(بواتييه) بالقرب من باريس فقابله شارل مارتل بجيش كبير وحالفه الحظ فتمكن من
هزيمة الغافقي وجيشه فى يوم الجمعه الثاني من أكتوبر عام 732 م السابع من شعبان
عام 114هـ وقتل الغافقي وإنسحب المسلمون وفى هذه الهزيمة يقول أديب ومفكر فرنسي
كبير - هو مسيوكلود فارير : ( فى سنة 732م حدثت فاجعة كانت من أشأم الأحداث التي
نكبت بها الإنسانية فى القرون الوسطى .. وكان من آثارها أن غمرت العالم الغربي
طبقة عميقة من التوحش لم تبدأ بالتبدد إلا على عهد النهضة هذه - هى الفاجعة التى
أريد أن أمقت ذكراها .. وأعنى بها ذلك الانتصار البغيض الذى ظفر به أولئك
المحاربون من الافرينج بقيادة شارل مارتل على كتائب الفافقى .. ففى ذلك اليوم
المشئوم تراجعت المدينة ثمانية قرون الى الوراء .. ويكفى المرء أن يطوف بفكره فى
الاندلس ومدنها وحدائقها وحضارتها الخالدة
ليعرف ماذا عسى أن تكون قد
بلغته فرنسا منذ ذلك العهد السحيق لو انقذها الاسلام العمرانى الفلسفى المتسامح
المسلمى).
لم يستطع اليهود أن
يحافظوا على عهدهم مع الرسول الكريم (ص) والمسلمين فاتصلوا بقريش وبالمشركين
وباليهود وبالمنافقين من المسلمين لعلهم ينقضون على شوكة الاسلام بعد أن استتب
الامر بالمدينة.
وجاهروا بعدائهم حينما
أمر الله بتغير القبلة من بيت المقدس الى الكعبة الشريفة فاتخذوا ذلك ذريعة وقالوا
أن الرسول (ص) قد خذلهم وتخلى عنهم فنقضوا العهد الذى تعاهدوا عليه مع النبى (ص)
فأضطر سيدنا محمد (ص) اجلائهم عن المدينة.
ولم يقاتل الرسول (ص) -
حتى أذن الله له بالقتال :( اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وأن الله على نصرهم
لقدير "الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق الا أن يقولواربنا الله ولولا دفع
الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها أسم الله
كثيرا"
ولينصرن الله من ينصره
أن الله لقوى عزيز) - وايضا قال تعالى :( وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم
ولا تعتدوا أن الله لا يحب المعتدين)- وكذلك يقول سبحانه :( وقاتلوهم حتى لا تكون
فتنة ويكون الدين كله لله) - وقال ايضا فى محكم تنزيله:( وأعدوا لهم ما استطعتم
من قوة ومن رباط الخيل
)- فهذة الايات الكريمة توضح أن القتال والحرب لم يكونا هدفا فى حد ذاته من اليهود
والمشركين ولقد اتسم التخطيط للحروب وغزوات المسلمين فى صدر الاسلام بالدقة
والاعداد وقد أمرت الآية بألاعداد للحرب والتخطيط المسبق لها ثم تركت للرسول (ص)
والمسلمين حرية الاعداد حتى يتعرف فى مرونة تبعا لملابسات وظروف كل حرب وغزوة وكان
الرسول (ص) يكثر من الشورى فى شئون الحرب ويأخذ بما يجمع عليه المسلمون ودائما ما
ينزل القرآن الكريم بالمبادى والاسس القتالية مما يوضح أن التخطيط لكل شى ياتى من
الله - سبحانه وتعالى - والتنفيذ يكون على المسلمين الذين يسيرون بهدى القرآن
الحكيم - ومن ذلك ما جاء فى الايات من تحذيرات ربانية:( يأيها الذين آمنوا اذا
لقيتم فئة فاثبتوا وأذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)-(يأيها الذين آمنوا اذا لقيتم
الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره الامتحرفا لقتال أو
متحيزا الى فئه فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير).
وواصل الاسلام أنتشارة
ممتدا الى سواحلايطاليا حتى وصل الى غرب روما وخفقت رايته على مراكش والجزائر
وتونس وطرابلس وبرقة ومصر وشمل الشام والجزيرة العربية والعراق وفارس وخراسان
ودافستان .. ورغم هذا الامتداد الشاسع يتعرض المسلمون فى العالم لسلسلة من المحن
والمصائب والمذابح ولم يعرف - أى قرن لها مثيلا فمنذ قيام الصهيونيه ونظام
العسكره- بعده والشيوعى عقب ذلك .. ومن ثم المخطط الامريكى - الصهيونى
الجديدوهدفهم جميعا جعل الاسلام دينا دلرجه ثالثة يرمونه بالاتهامات جزافا ويشوهون
صورته بالاساءة اليه ولرسوله الكريم (ص)
كما يسعون للاستيلاء على عقولنا وعواطفنا وحرماننا من نعمة التفكير التى
حبانا بها - العلى القدير - ضف الى ذلك حجبنا عن أبسط حقوق الانسان .. غيروا كل شى
بقوة السلاح انه حقا منظر رهيب ومرعب للمستقبل اذا أستمر الحال على ماهو فالحرب التى يشنها النظام العالمى الجديد على
افغانستان والعراق وايران وسوريا ولبنان والسودان والقائمة تطول - هى لا تستهدف
هذه الدول تحديدا .. انما هى تستهدف الاسلام الذى استقر به النظام العالمى الجديد
بعد أن ذبح الملايين ودمر أوضاعهم الماضية واليوم يطرحون هذا المشروع بدواعى
الديمقراطية والحرية الغائبة عن أرضهم .. مما يؤكد أن هذه الشعارات أمرا شكليا
ومؤقتا فأمريكا ولوبيها الصهيونى لن يسكتا عن أيه محاولة للنهوض بالمسلمين الى حيث
يريدون هم - فالمعركة أصولها وجذورها أبادية - وأكبر دليل على ذلك - ماحدث فى
افغانستان على ايدى السوفبت الذين عجزوا برغم الامكانيات الضخمة من تحقيق مخططهم
بالتقنيات العسكرية الهائلة من طائرات وجيش غادر هذه الاراضى الطاهرة بعد استشهاد
مليون ونصف المليون .
وقبل ذلك بعقود كانت
معركة استقلال باكستان وأسفرت عن أكثر من
مليون شهيد على أيدى الهنود .. بالاضافة لمذابح البوسنة والهرسك - وهى قضية متفجرة
لحد الفجيعة نسبة لمخزون قديم للاحقاد تعود جذورة الى 1463م - التاريخ الذى دخل
فيه العثمانيون بقيادة السلطان محمد الفاتح بلاد البلغان وأقبل شعب البوسنة
والهرسك على الاسلام- وعندما ضعفت الدولة العثمانية وتراجع نفوذها وسلطانها فى ظل
مطالبة الثورات القومية فى اوروبا بالاستقلال اضطرت الدولة الى التنازل عن البوسنة
والهرسك والاعتراف باحتلال المجر لها .. وظل الامر كذلك حتى نهاية الحرب العالمية
الاولى والمعروف انها بدأت من قلب البوسنة - عندما أعتدى مواطن بوسنى من اصل صربى
على ولى عهد النمسا فى مدينة سراييغو عام 1914. فأرداه قتيلا .. الامر الذى أدى
الى اعلان امبراطورية (النمسا - المجر).. الحرب على مملكة صربيا.
أن صراع الاسلام مع
الصليبية والصهيونبة - صراع قديم حدا بالامويين الاغارة فى الشام على القسطنطينية
عدة مرات وشنوا الغارات السنوية على الاناضول - وعلى جذر البحر الابيض المتوسط
وصقلية وسردانية ومالطة وفتحوها وفتحوا كذلك قبرص وكريت وروديس ودخلت بلاد ما وراء القوقاز فى
حكمهم فدانت كلها لهم بالطاعة فى عهد سليمان بن عبد الملك ( 96- 99 هـ -715- 717
م) ودخلت كذلك بلاد النوبة فى حكم المسلمين .. وأجزاء كثيرة من سواحل أفريقية
الشرقية وهذا يقودنا إلى أن الخطاب الإسلامي دون المستوى المطلوب ، مما جعل وجوده
( العسكرى ضعيفاً )عندما أصبح الصراع فى فلسطين وأفغانستان والعراق ولبنان
والبوسنة والهرسك صراع جيوش .. لم جاء وجوده " الحركي " ضعيفاً أو
مستهلكاً فى الخلافات فالصراع فى الأرض الإسلامية - صراع إتجاهات وتيارات فى
المقام الأول والأخير - فلابد من قرار لأن وجوده (الحضاري ) أشبه بالمعدوم نسبياً
والجولة الدائرة جولة السيطرة المادية - التقنية الإعلامية فى المحيط المحلى
والعالمي وهذا الضعف تولد نتيجة الغموض المكتنف لماهية الخطاب الإسلامي نفسه .. ثم
فى الإضطراب القائم على صعيد الوعاء الحامل له ، ثم مايمكن وصفه ( بفوضوية )
التعامل مع البيئة المحلية والدولية - وهذا هو الفرق بيننا وبين من سبقونا على درب
الإسلام - فمثلاً فى عام ( 87 هـ - 706 م) غزا قتيبة بن مسلم بلاد ما وراء النهر
ففتحت بخارى وسمرقند والصفد وغيرها - وتعمق فى بلاد الهند حتى وصل إلى كاشغر ..
وهى أدنى مدن الصين وأرسل عام (96 هـ -
715م ) رسالة إلى امبراطور الصين يدعوه فيها إلى الإسلام وبذلك أمتد وأنتشر فى
أجزاء كثيرة من الصين وفتح محمد بن القاسم السند للأمويين عام (93 هـ - 713 م )
فأصبحت ولاية إسلامية .
ويتضح هذا المبدأ أكثر
وضوحاً عندما كلف الخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه - أسامة بن زيد قيادة جيش
المسلمين فى حرب الروم ومنحه السلطة المطلقة فى إدارة الجيش - لذلك من العبث أن
يتجه الغرب للبحث حول ما إذا كان هناك دور للإسلام أم لا ؟ فى العالم الجديد ..
يجب أن يعي المسلمين أن الإسلام تجاوز مرحلة التأسيس لدوره الرسالي منذ عقود خلت ..
مما يؤكد ذلك أن الإسلام ليس بحاجة إلى أولئك أو هؤلاء الذين هم على أهبة
الإستعداد لبيع الإسلام مقابل رضا الغرب عنهم ، يفعلون ذلك بشكل فردي أو جمعي .
وحينما أنهار معسكر
الشيوعية " الإتحاد السوفيتي" وتلاشى ! - أصبح الجواسيس بلا عمل مما
إستدعى وكالات المخابرات الغربية والأمريكية والصهيونية - عقد إجتماع فى أغسطس
1991م بالأسكوريال بمبادرة شخصية منهم بعد أن أخذوا على عاتقهم مجابهة الخوف الذى
أنتاب عملاء وكالات الإستخبارات العالمية الكبرى بسبب إنتهاء الحرب الباردة
ولمواجهة نذر العصر الجديد بأنهم باتوا دون ريب عاطلين عن التجسس ، لذلك سعوا إلى
تجميعهم للمارسة نفس الفعل مع الإسلام فليس لهم عمل سواه ، لتبنى مشكلة التأسف على
الماضي .. وماهي الجوانب الضرورية فى مهمتهم الجديدة وهل فى مقدورهم القيام بها .
يمثل هذا الإستهداف الجديد
المخطط له تخطيطاً دقيقاً ، حيث تمتزج الحروب بتصاعد الدعاوي العقائدية فى الدول
المسلمة حداً فاصلاً بين عهدين قبل وبعد الإسلام - قادهم لتحديد هدفهم الأهم
بالنسبة لهم هو أن يكون دور الدول المنتجة للنفط دوراً فاعلاً والغير منتجة
للمحروقات البترولية دورها هامشي فى القضايا المتعلقة بالمنطقة - وهذه الحقيقة
كانت تفهمها بعض هذه الدول - لذلك سعت جاهدة لإحتواء المنظمات الإسلامية فى آسيا
وأفريقيا بغرض الإنتهاء مما هو ضارب بإصالته فى الجذور ليحل محله ما يسمى ب(
العلمانية) التى بدأت تتمدد فى جامعة الدول العربية الوعاء الجامع للدول العربية
التى تأمل أمريكا فى تنمية إقتصادها من خلالها حيث يقول الكاتب الغربي المعروف
برتييه :( أن الملكيات النفطية كانت تجهد لتعزيز التيارات الإسلامية مع التنظيمات
التقدمية لملحتها ) .
مما جعل الأمريكان يغرسون
فى الوطن الإسلامي والعربي كل أنواع الشتات والفرقة والتهديد والوعيد والعقوبات
الإقتصادية عبر عصبة الأمم المتحدة - ضف إلى ذلك الحرمان القومي المقدع فى الجسد
الإسلامي والعربي الذى أصبح بمرور الزمن هزيلاً متهالكاً تشن عليه الحروب داخلياً
وخارجياً - حرب الخليج بين إيران والعراق ثم حرب أفغانستان ثم حرب الولايات
المتحدة وحليفاتها على العراق بدواعى مكافحة الأسلحة النووية .. كما لم يسلم منهم
السودان بضرب مصنع الشفاء للأدوية البشرية بالخرطوم بحري لنفس الأسباب بجانب أن
أمريكا ترفض رفضاً باتاً توحد الدول الإسلامية والعربية فى وعاء واحد جامع لهم ..
وبالأخص الدول المنتجة للبترول حتى لا يكون فى يدها القرار النهائي لسعر النفط فى
السوق العالمية وأن لا تتطور تكنولوجياً - فهى تعي جيداً الإمكانيات التى يمتلكها
علماء المسلمين والعرب من خلال ما ظلوا يحققوه من إنجازات علمية فى أمريكا وأوربا
، لذلك هم فى الغرب لا يرغبون فى أن يكون لنا منتج مهما كلفهم هذا الأمر من خسائر
.. وهذا ما قادهم لممارسة التدمير الشامل لأنه سمة من سمات النظام العالمي الجديد
ودونكم العراق وأفغانستان ورغم ذلك القيادات الإسلامية والعربية تقف مكتوفة الأيدي
ولا تحرك ساكناً لمواجهة الأمريكي الغربي الإسرائيلي الجديد !!.
كل هذه المسببات فجرت
(الأزمة) فى الوطن الإسلامى العربي - وهى أزمة الغرب الذى يبحث بحثاً دء وب عن عدو
يلي الشيوعية المنتهية فى الإتحاد السوفيتي - فكان فى نظرهم الدنيوي أن الإسلام
الخطر - لذلك إخترعوا مصطلحات بمفهوم ( صراع الحضارات ) الذى إختلقته الصهيونية
لتنفيذ مخططاتهم الدنيئة من خلال نفوذهم الممتدد فى الولايات المتحدة الأمريكية
وبريطانيا وغيرهما لتمرير أجندتهم الخفية على أساس ( أن صدام الحضارات بين الإسلام
والغرب ) ولتأكيد ذلك كانت تفجيرات مبنى التجارة الدولية بالولايات المتحدة ، التى
افرزت كلمة ( الإرهاب) الذى لم نجد له تفسيراً - وهذا لعمرى تقابل خاطيئ فالإسلام
والغرب المسيحي وغيره لم يكونوا فى يوم من الأيام أعداء أوهناك تناقض إلا بعد أن
دخلت بينهم الصهيونية .
فقد إنتشر الإسلام فى كافة
أرجاء الدنيا غرباً وشرقاً من الأندلس حتى خراسان .. وقد تعرفوا من خلال الإسلام
على الطب والأطباء ، حيث كان فى بغداد فى عهد المقتدر بالله العباسي فى العام( 319
هـ - 931م ) 860 طبيباً وكان يفرض على الصيادلة والأطباء فيها منذ زمن المأمون
والمعتصم إجتياز إمتحان خاص - يجريه لهم سنان بن ثابت بن قرة ، بأمر الخليفة
العباسي .. هذا لم يكن الغرب يعلمه - وتعلمه من المسلمين مما فجر لهم كنوز الأرض ،
ومنحهم السيادة والسلطان على أمم كثيرة .. ووقتها قامت فى المدن الإسلامية
والعربية الكبرى الجامعات والمدارس والمكتبات وإستظلت هذه المدن بظلال وارفة من
حضارة الإسلام وحسبنا ما بلغته من حضارة ومجد بالإسلام أولاً .. بالإسلام وحده ..
بالإسلام العظيم .. وسنة رسوله الكريم (ص) وبالإسلام أثل لهم الملك فى قرطبة
وطليطلة وأشبيلية وغرناطة وفارس والقيروان وتونس وطرابلس والفسطاط ودمشق ومكة
المكرمة والمدينة المنورة والبصرة والكوفة وبغداد والري وجرجان وغيرها من العواصم
الإسلامية العربية الكبرى فى أبان ذلك العهد البعيد .
أى نستخلص من وراء ذلك أنه
لا وجود لـ ( صدام حضارات ) البتة بين الإسلام والغرب فالمسألة برمتها صناعة
صهيونية بحته - فمثلاً - إبن رشد مسلم يحمل فى معيته ثقافة يونانية إنتقل بها إلى
الغرب فى عهد السيط الأوربي - وسيجر البربنشي - وهو أوربي ذو ثقافة إسلامية نقلها
من شمال البحر الأبيض المتوسط إلى جنوبه أولاً - ثم العكس وغيرهما الكثير
كالطهطاوي وآن ماري شيميل - وهو يحمل فى جعبته ثقافة إسلامية - ألمانية ) .
ولكن بتدخل الصهيونية
طرفاً ثالثاً خلقت هذا الصدام الذى لن ينتهي إلا بإنتهاء الصهيونية المتغلغلة فى
كافة بقاع الدنيا ، هذا إذا كنا نتفق أن ثمة (أزمة) عميقة تعانيها الثقافة
الإسلامية والعربية فى علاقتها بالغرب - فهى تمر بمنعطفات خطيرة .. ففى القدم لم
تكن كذلك .. بل كانت المعركة تكون فاصلة يروح بعدها كل طرف إلى سبيل حاله - كما
يحدث عادة فى المعارك التى تحدث بين الشعوب الأخرى - ولم يكن هناك خلاف فى الرأي
والمصالح ، فالصراع خلقته التواريخ الجغرافية لأنها كانت تتوالى منذ زمن بعيد ،
ولم نصل إلى نهايتها حتى هذه اللحظة الفاصلة التى يمر بها الإسلام .
وهذه التفاصيل دور اليهود
فيها كبيراً فهل ينطبق عليهم فهم (الشطار) فى تعميق الأزمة ودفعها لكى تصب فى
مشروعهم ؟ فإذا كانت الإجابة بنعم فإننا على أية حال نطلق على أمريكا والغرب
(السذج ) .. فالشطار مفردها (شاطر) - وهى نابعة من الأسطورة التراثية الشعببية
التي ظهرت فى عصر محدد - حيث كان ( الشاطر حسن ) من الشخصيات الأسطورية فى ذاك
العصر - وهو من أهل الفسوق والفجور الذين يحبون السرقة ويعتبرونها حلالاً وقد أطلق
عليهم الناس هذا اللقب أذن كلمة (شطار ) هى صفة ذميمة يوصف بها - من هو شرس فى
تعامله مع الآخرين .. وهو كان يعاني ضغوطاً نفسية جراء الطرد الذى تعرض له من أهله
والمجتمع لسوء أخلاقه - هذا قطعاً ما حدث مع اليهود فهم أسوأ خلق الله .. فكل
الدول الغربية أرادت التخلص منهم بالبحث لهم عن وطن بديل فما كان أمامهم إلا
الدولة الجريحة (فلسطين ) التى عانت قبلاً من الحروب الصليبية والتى إحتلتها عدة
مرات ليعيدها المسلمين أبان كانوا متوحدين .. لتظل القدس هدفاً ومطمعاً من القوى
الخارجية الأجنبية .
وتعاقب على إحتلالها أقوام
كثيرة إبتداءاً من الروم ومروراً بالفرس - إلى أن أذن المولى عزوجل للخليفة
الفاروق عمر بن الخطاب - ثانى الخلفاء الراشدين - عليهم رضوان الله جميعاً - بناءً
على وثيقة كانت تسمى ( العهدة العمرية ) - وكانت هذه الصيغة التعاهدية تتحدث فى
بنودها عن الإسلام والتعددية والحرية الدينة ، ثم تسقط فى يد الصليبيين نحو
90عاماً - إلى أن حررها ( نسر الشرق ) صلاح الدين الأيوبي عام 1187م - ليرسم مشاهد
حافلة بالنضال فى تاريخ القدس الطويل بكل الصور على إختلاف أشكالها وألوانها .
فالقدس بناها العرب
اليبوسيون قبل خمسين قرناً من الزمان .. لم تعرف الصورالقاتمة أو الباهتة سوى
عندما أحتلها الغرباء .
وعندما رفض السلطان
عبدالحميد الثاني لليهود بالإستيطان فى فلسطين مقابل أن يسددوا كل ديون الدولة
العثمانية حيث فكر هرتزل بالتحول لإستيطان قبرص كبديل وعرض عليه وزير المستعمرات
البريطانى ( تشمبرلين ) أن يكون الوطن القومي لليهود فى دولة أفريقية معينة -
فوافق ( هرتزل) وكانت الدولة هى ( أوغندا ) ولكن زعماء الصهيونية الآخرين رفضوا ذلك
، ليعودوا للفكرة الأولى " فسطين " ويمارسوا ضغوطاً على السلطان عبد
الحميد - وهو كان من مريدى الشيخ محمود أبو الشامات ومن أشد المتعلقين به وبطريقته
الصوفية .. فلما خلع السلطان وأحتجز فى ( سالونيك) - بعث بالرسالة إليه : بسم الله
الرحمن الرحيم .. الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد
رسول العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم الدين .
أرفع عريضتى هذه إلى شيخ
الطريقة العلية الشاذلية ، إلى مفيض الروح والحياة ، إلى شيخ أهل عصره - الشيخ
محمود أفندى أبي الشامات - وأقبل يديه المباركتين راجياً دعواته الصالحة ، بعد
تقديم إحترامى أعرض أننى تلقيت كتابكم المؤرخ فى 22مارس من السنة الحالية وحمدت
المولى وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين .
سيدي إنني بتوفيق الله
مداوم على قرآءة الأوراد الشاذلية ليلاً
ونهاراً وأعرض أنني مازلت محتاجاً لدعواتكم القلبية بصورة دائمة .
بعد هذه المقدمة أعرض
لرشادتكم وإلى أمثالكم أصحاب السماحة والعقول السليمة المسألة المهمة الآتية فى
ذمة التاريخ .. إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما سوى أنني - بسبب
المضايقة من رؤساء جمعية الإتحاد المعروفة بأسم ( جون تورك) وتهديدهم أضررت وأجبرت
على ترك الخلافة .
إن هؤلاء الإتحاديين قد
أصروا وأصروا علي - بأن اصادق على تأسيس وطن قومي لليهود فى الأراضي المقدسة (
فلسطين ) ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف وأخيراً وعدوا بتقديم
(150) مائة وخمسين مليون ليرة إنجليزية ذهباً - فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية
أيضاً وأجبتهم بهذا الجواب القطعى الآتي :-
( إنكم لو دفعتم ملء
الدنيا ذهباً ، فضلاً عن (150) مليون ليرة أنجليزية ذهباً - فلن أقبل بتكليفكم هذا
بوجه قطعي لقد خدمت الأمة الإسلامية - والأمة المحمدية مايزيد على ثلاثين سنة ،
فلم أسود صحائف المسلمين آبائي وأجدادي من السلاطين والخلفاء العثمانيين - لهذا لن
أقبل تكليفكم بوجه قطعي أيضاً .
وبعد جوابي القطعي إتفقوا
على خلعي وأبلغوني أنهم سيبعدونني إلى ( سالونيت) - فقبلت بهذا التكليف الأخير ،
هذا حمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بـأن ألطخ الدولة العثمانية والعالم الإسلامي
بهذا العار الأبدي الناشيئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية فى الأرآضي المقدسة
(فلسطين) - وقد كان بعد ذلك ما كان .. ولذا فإننى أكرر الحمد والثناء على الله
المتعالي واعتقد أن ما عرفته كافى فى هذا الموضوع وبه أختم رسالتي .
وهذا يقودنا إلى حاضر
العالم الإسلامي الذى تمثل فى حروب العالم الغربي الأمريكي الصهيوني له - حرباً
سافرة فى بلاده داخلياً وخارجياً .. فالبعثات التبشيرية تحط رحالها فى هذه البقاع
الطاهرة وتنهال بالمساعدات على من يقف فى وجه الإسلام .. فالمذاهب اللادينية ظلت تغزو
عالمنا الإسلامي والعربي بدعاة العنصرية المحاربون للإسلام والطاردون للمسلمين من ديارهم أو قتلهم وتشريدهم بأسم
القومية - وإسرائيل تقام كدولة فى قلب العالم الإسلامي وتشن ثلاث حروب ضروس على
قوة صاعدة فيه وتعمل من قريب وبعيد على الوشى لكل حركة إسلامية يمكن أن تقف أمام
المشروع الأمريكي الغربي - الإسرائيلي الجديد فى المنطقة الإسلامية والعربية -
وبرغم هذا التآلب عليه من قوى الوثنية والعدوان ، وإحالتها للمؤامرات إلا أنه ظل
ينتشر فى كل بقاع الدنيا - لأنه شريعة الله سبحانه وتعالى - ودينه ورسالته إلى
نبيه سيدنا محمد(ص) .. أليس هذا هو الإسلام الذى وقف فى وجهه الإمبراطورية
الرومانية الشرقية بجيوشها وأساطيلها وقوتها وحضارتها ومن حولها أوروبا كلها ، فلم
تستطع أن تطفي نوره .
وجند أوروبا لحربه حملاتها
الصليبية المشهورة فما أستطاعت أن توقف بها سيره وإمتداده برغم أنهم دمروا ما
دمروا - هم والتتار من حضارة الإسلام وعواصمه وجامعاته ومدارسه ومع ذلك ذهبوا هم
وبقى الإسلام ، وما أن يفشلوا إلا ويعودوا بشكل جديد فيصبوا جام غضبهم كما فعل
الإستعمار الأوربي في العصر الحديث -
العصر الجاهلي ومع ذلك أنحسر الإستعمار .. وبقى الإسلام بسيرته العطره يدوي صوته
في كل زمان لا يحجبه من الإشراق أية قوة في الأرض .
ومع مادمر على يد
المستعمرين الغرباء من تراث الإسلام وحضارته وكنوزه وما بدر من ثقافاته وخيرات
بلاده وما نصب من تراث المسلمين وما نشر بينهم من كل الوان الإلحاد والكفر والفساد
والعداء للإسلام والحروب لمبادئه ونقل الكثير من الأمم الإسلاميه من حياتهم
الوارفه إلى الحياة الغربيه بكل مظاهرها والوان العيش والحضارة والفكر فيها .. إلى
أنه مع ذلك كله فقد وبقى الإسلام خالدا في ذاكرة عباد الله المؤمنين .
ولا يكتفي الاوربيون ..
بل جندوا أنفسهم لحربه في كل مكان عن طريق استخدام نفوذهم وسيادتهم وتجارتهم
وثقافتهم وحضارتهم الباليه ويتعاونون مع دعاة الماديه وحماتها لخلع مبادئ الإسلام
من النفوس المسلمه.. وذلك يتم بغزوهم غزوا فكريا الحاديا سافرا .. بل يتعاونون مع
الشيطان ..وغيره .. من أجل القضاء على الإسلام في بلاده .. ومع ذلك يفشلون وينتصر
الإسلام .
وما يتحججون به اليوم
موجودا في اللإسلام وقد عمل به الأباء والأجداد .. واذا أردت أن تعرف ذلك ما عليك
إلا بالعودة إلى سيرتهم المليئة بالبطولات ولناخذ الفاروق عمربن الخطاب نموذجا
فهيا نتابع امتداد الفكر الاسلامي في عهد خلافته وما شرعه فيها من شرائع
اسلامية عظيمة في المجالات
التي يقول الغرب أنها غائبة عنا وهي العدل والمساواة والحرية .. وكيف يراقب تطبيق
ما يشرعه لشعبه وامته .. وهو يقول في آخر سنة من خلافته ما يلي :
( أن عشت لأسيرن حولا ،فأقيم في الشام ومصر والبحرين والكوفة
والبصرة وغيرها ، فأني أعلم أن للناس حوائج تقطع عني ، أما هم فلا يصلون إلي واما
عمالهم فلا يرفعونها إليّ ) .
ومن هنا تعرف أن الفكرة
المسيطرة على الغرب ويروجون إليها عبر مخططاتهم الإعلامية .. ماهي إلا فكرة أريد
بها تحقيق مآربهم .. فلا مشكلة في حكم الإسلام ووضعيته في نظامهم العالمي الجديد
.. ولا نستطيع التوصل لهذه النتيجة إلا بالعودة إلى التاريخ الإسلامي المنبثقة منه
حضارة ضاربة الجذور وأصليه .. فوضعه تحت المجهر التاريخي المعاصر يبصرنا بما يهدف
إليه الغرب بالدعاوي المتكرره .. فلماذا لا نعمل على دراسته من قرون متأخره ونوثق
ذلك للاجيال القادمة .. في العصور الحديثة المتعاقبة .. حتى نتجاوز ويتجاوزوا في
المستقبل المأزق الغربي الإسرائيلي الأمريكي ..فأعادة قراءته تجعلنا نعيد واقعنا
الماثل أمامنا بالشكل القويم الصحيح الذي خطه لنا الإسلام من خلال التشريعات -
وليس من واقع الأخرين ..بأعتبار أن نظرياتهم وتشريعاتهم تخالف نشوء الدولة المسلمه
ونشوء الدين في عصرهم الجاهلي الحديث و....... الخ - وأن تكون مصبوغة بصبغة
إسلامية .. جذوؤ التفكير فيها التصورات الإسلامية - فهي قد دعا إليها الايمان بآله
واحد قوي قدير سميع بصير حكيم خبير - علينا الشعور بوجوده -رفليس هذا امرا عسبرا
.. أنه شعورا بالواقع الحقيقي لا المزيق من الغرب !!.
قد يكون لك حبيب مهاجر
بعيداأنت تشتاق إليه أذنا نتخيل صورته وتحاول الأنس بالوهم عن الحقيقة ولكن الشعور
بالله - ليس تقريبا لبعيد ولا تجسيدا لوهم ، بل شعور بالواقع الذي تجاهله باطلا ..
كشعورا مثلا - وأنت في البيت - بأنك في البيت أو شعورك - وأنت في أي مكان أخر -
بأنك فيه ...... الخ .
وقد كثر القرآن الكريم
من أشعار الناس بهذه الحقيقة الواقعية .. وبهذه المعاني السامية .. وصاح بهم - وهم
يفرون عنها .. ولكن إلى أين .. أين ..أين يذهبون .. أين المزهب .. فلا مفر : (
والله من ورائهم محيط ) .
قال الله - سبحانه
تعالى في محكم تنزيله: ( هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم -
هوالذي خلق السموات الأرض في سبعه أيام ثم أستوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض
وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما
تعلمون بصير ).
وبالإنتقال من هذه الآية -
نجد الفكر الإسلامي عبر التاريخ كان يستند إلى نصوص القرآن الكريم .. وما تحتويه
سنة سيدنا محمد (ص) من توجيهات تقوم على أساس من القيم الإنسانية التى كانت تسود
المجتمع الإسلامي فى ذلك الوقت .. وهى التى لا يزال الفكر المعاصر يلهث وراءها
للوصول إليها - ولكنه يعجز لأنه لا يهتدى بشريعة السماء المتصفة بالكمال والشمول
والحق ، وهذا ماحدى بالغربيون جعل الرؤيا ذات ضبابية قاتمة ، ولكن هذا لا ينفى أن
فى العصر الجاهلي الحديث - قلة رأ ت هذه الحقيقة وعكستها فى مؤلفات كمؤلف السيدة
(آرمسترونج) - تحت عنوان " سيرة النبي محمد " - وهو دراسة نشرتها إبان
موجة الكراهية والعداء السافر للإسلام والمسلمين المتفجرة فى الغرب عقب نشر كتاب
(آيات شيطانية ) لمؤلفه الملحد المرتد سلمان رشدي الذى أهدر دمه زعيم الأمة
الإسلامية الخميني .
والمؤلف أنف الذكر - صوت
مسيحي غربي ألفته ( آرمسترونج) - محاولة من خلال أنصاف الرسول الكريم (ص) - وتقدم
شهادة موضوعية عنه وعن الإسلام الحنيف والكاتبة تتحدث للعالم الغربي بالمنطق لأنها
جردت نفسها من المسلمات والتحذيرات والآرآء والأفكار المسبقة وخلصت نفسها من رواسب
التنشئة ، كى تصل لما وصلت إليه من رؤية لا تشوبها شائبة - من خلال عرضها لحياة
الرسول العظيم (ص) - حيث تبين للغربيين أن كراهيتهم وعدائهم للرسول وللإسلام
والمسلمين ووصفهم لهم بالعنف والهمجية والتخلف والشهوانية يناقض مع ما يدعيه الغرب
من عقلانية ومن تسامح فكري وعقائدي - وهى بوضعها يدها على هذا التناقض تبصر
القاريء الغربي وتصيب زهوه بهويته العقلانية فى مقتل .
وقد أعترفت من خلال مؤلفها
الكاتبة السيدة( آرمسترونج) بأن الإسلام يعد أحد أكبر الديانات فى العالم منذ قرون
- وهو يمت بصلات حميمة إلى تراث الأديان السماوية الأخرى .. ولكنه ما زال خارج
دائرة النوايا الطيبة بالنسبة للغرب الذين رسموا له صورة سلبية - لدينا فى الغرب
تاريخ طويل من العداء للإسلام - والحديث مازال للمؤلفة الغربية .. وأضافت يبدو أنه
راسخ الجذور مثل عدائنا للسامية - وهو العداء الذى شهد صحوة تدعو للقلق فى أوروبا
على مدى السنوات الأخيرة ورغم ذلك كله فلقد بدأ الكثيرون يشعرون على الأقل بالخوف
من هذا التعصب القديم منذ وقوع المحرقة النازية .. ولكن الكراهية القديمة للإسلام
تواصل إزدهارها على جانبي المحيط الأطلسي ولم يعد يمنع الناس أي وازع عن مهاجمة
ذلك الدين ، حتى ولو كانوا لا يعرفون عنه إلا أقل القليل .
الإستهداف الغربي للإسلام
ورسوله (ص)
إ ن حرية الفرد فى إنتقاء
المادة التى يود أن يشاهدها عبر الإعلاميات الفضائية المنتشرة فى فضاء العالم
الملوث بفكر اللوبي الصهيوني - بفضل ما يسمى بـ ( العولمة ) ووسائل إتصالها
المختلفة التى يصعب رقابتها بالإجرآءات الرسمية - ولعل ما نشرته الصحف الغربية من
رسومات كاريكاتورية وصور منظمة الشبيبة الدينماركية المسيئة لسيد البشرية محمد (ص)
أكبر دليل على العداء الغربي المستحكم .. كما أنها لن تكون الأخيرة لسبب بسيط
يتمثل فى تعاظم نفوذ التقنية الحديثة المسيطر عليها الغرب .. ومن خلالها يود
الهيمنة على العالم بصورة عامة وبالأخص العالم الإسلامي بقوة التأثير الإعلامي على
الفرد المسلم والجماعة المسلمة بل وعلى الهياكل والمكونات الفرعية والرئيسية
للنظام الإجتماعي الإسلامي العربي بوجه عام غير أن الجديد المستهدف بالبث والنشر -
هو إبراز التناقض الفادح بين الإعلام الإسلامي العربي المخطط بما فيه من بعد
إسلامي واضح تؤكده التشريعات والممارسات الإعلامية من جهة وبين الإعلام الإسلامي
العربي غير المخطط بما يتضمنه من إنتهاك ضمني وصريح للإسلام من جهة ثانية .
فمثلاً التلفزيونات
الرسمية فى أى دولة إسلامية أو عربية له أهداف وسياسة إعلامية تحدد من جانب الدولة
ويمارس نشاطه الإعلامي والثقافي والترفيهي وفق ما تحدده الدولة والقائمون بالإتصال
فيها هم الذين يختارون المادة المبثوثة ويحددون البرامج والسهرات والمواد وتوقيت
إذاعتها وأساليب وأشكال تقديمها .. وألخ - بحيث يتوافق التنفيذ مع التخطيط فإن
التعرض لذلك يأتى بدافع من الفرد ذاته .. فالفرد هو الذى يختار المادة التى
يتلقاها جموع من الناس - وفى نفس الوقت متروك له أن يحدد كيف ومتى .. وبصفة عامة
يتحكم فى الظروف المختلفة للتعرض .
وبالتالي فإن المسؤولية لا
تقع كاملة على الرقابة على المصنفات الأدبية والفنية - لأنه ليس بإستطاعتها رقابة
العالم ككل أو تمنع الغزو الثقافي القادم من الداخل أومن الخارج .. ويكفي أنه
بالإمكان طبع مئات أو عشرات النسخ من المواد المسموعة أو المشاهدة أو المقروءة إذا
تسربت منه نسخة واحدة .. وهذا العدد قد يتضاعف خلال أيام قليلة .. وفيما يتعلق
بهذه الوسائل المسموعة أو المرئية أو المقروءة التى تنبأ لها ( جيفت ) بوجودها -
عندما قال : إنه سيتم مستقبلاً عرضها فى القطارات والبيوت - ولن تكون الصورة مهتزة
ولا الصوت مشوشاً .
وكان ( جريفت) يقصد أن
العرض سوف يكون سهلاً وبمعدات أقل حجماً كما تنبأ ( جوناس ميكاس ) فى بداية
الستينات - عندما قال : إن المستقبل سوف يصور مبدعه بكاميرا مثل القلم ويحمضه فى
معمل ملحق بالبيت وسوف يوضع فى المكتبة جنباً إلى جنب مع الكتب . بالإضافة إلى ذلك
نجد تنوع المواد المعروضة من مسرحيات وأفلام وتمثيليات وموسيقى وأغانى ومباريات
الرياضة - بغض النظرعن كون بعضها محظوراً شرعاً ومع مرور الوقت تقل أسعار أجهزة
البث نتيجة المنتج الكثيف .
وهذا يفرز ظواهر أو خصائص
جوهرية ترتبط بالنظرة إلى ( العولمة) وتبعاتها بإعتبارها من الأساسيات المسلم بها
وليس من الكماليات .. كل هذه العوامل جعلت منها ووسائطها ذات تاثير قوي وتراكم في
وقت واحد ..وهذا يعود لمظاهر التقدم التكلنوجي وثورة الإتصال الحديثة وانتشارها في
عالمنا الإسلامي والعربي .. حيث تشير بعض المصادر .. بأن أهتمام الأمة الإسلامية
والعربية بـ( العولمة ) .
يفوق الدول الغربية ..
وهذا قطعا يقودهم إلى الكسل الذهني والجسدي ويشيع فيهم روح السلبية التي ما أتسمت
بها أمة إلا تخلفت وإنهارت غير أ، الأمر يعد أخطر من ذلك إذا ما بحثنا المسألة في
ضوء الواقع الإسلامي والعربي في الحاضر والمستقبل .
فألمجتمع الإسلامي
العربي يقوم على عدة مقومات ذات طبيعة جغرافية وثقافية بالإضافة إلى التاريخ
الواحد والمعيرالمشترك مهما تعددت مقومات النظام الإجتماعي الجديد في العصر
الجاهلي الحديث .. إلا أنها ترتكز أرتكازا كليا على عنصرين أساسيين - هما الإسلام
والعروبة - فالدين الإسلامي - هو الأساس الروحي في تكوين الشعب الإسلامي والعربي -
وهو ينظم حياة الفرد والأسرة والجماعة والدولة - كما أنه يمثل الإطار الموحد الذي
ينتظم النظام الإجتماعي ذالإسلامي العربي ، سواء في إطار علاقات المسلمين بعضهم
ببعض أو في إطار علاقاتهم مع الأخرين .
إذ أن الإسلام - كأساس
يقوم عليه المجتمع العربي - يجعلهم يحترمون أصحاب العقائد الأخرى ..بل ويتعهد
بحماية أصحاب هذه المعتقدات .. ولكن بكل أسف نجدهم يسخرون من الدين الإسلامي ومتبعي
الحق والأصول .. وأمتدت هذه السخرية إلى سيدنا محمد ( ص ) وعلماء الدين ومدارس
الإسلام والغة العربية - حيث يظهرهم الغرب يسلكون سلوكيات تتوافق مع اهوائهم ..
وهذا يعد أنتهاكا صريحا وواضحا لأصول الإسلام وقواعده .. بأسلوب الإلتواء والمباشر
الصريح .. ويتضح ذلك بجلاء في فساد الذوق والوجدان وتبلد العواطف وعدم إعمال
الإدراك والتفكير .. إلا في الباطل والجمود الفكري والعقلي ومقاومة من ينكر الشر
والجريمة وعدم الاستماع لصوت الحق والقول النصوح وانعدام العزيمة والهمة للعمل
المثمر والمفيد وتسخير العلماء لخدمة وتبرير ممارسات غير مشروعة وإحداث والإنقسام
بين الناس والضرب عرض الحائط بالنظريات والمبادئ الإسلامية السامية والإعتماد على
النفاق والفسوق والتملق والخوف والجبن والمكر والخديعة والكذب والدهاء سواء لتحقيق
النفع الذاتي أو لمواجهة الخصوم .. وأنعدام الشعور بالمسئولية الإجتماعية وعبادة
المصالح الشخصية وأتخاذ التظاهر بالتدين وسيلة لتحقيق أهداف دنيوية رخيصة وتقيم
الأسلام ليس على أساس الكفاءة والأمتياز وإنما على أسس أخرى تغلب الهوى والمنفعة
الشخصية ...... والخ .
جلها معاني سيئة تتضمنها
(العولمة ) الذائعة الصيت فى طول البلاد الإسلامية والعربية وقد سلكت بعض الشخصيات
المحورية دور الكومبارس بتماشيها مع المخططات والإستراتيجيات المعادية والهادفة
لضرب الإسلام والقضاء عليه بالإفتراءات وتشويه صورته وحقائقه وزرع الشك فى النفوس
المسلمة فى صلاحية الدين الإسلامي - لهذا العصر - عصر الجاهلية الحديثة - والزعم
أن الإسلام لا يتفق مع العلم وبث بذور الشتات والفرقة والخلاف بين المسلمين
أفراداً وجماعات ودولاً وتفكيك عري الوحدة الربانية التى أقامها الله بينهم وتمهيد
عقول الشباب المسلم للغزو الفكري .. بحيث ينفر من الحق ويفرإلى الباطل الغربي
وإحلال الأخلاق وتزيين الإنحراف والخروج على آداب الإسلام وأخلاقياته وفضائله
بالعبث واللهو والإنحلال بدواعى التقدم والرقي والحضارة !!.
الجاهلية التى أتحدث عنها
- هى جاهلية هذا القرن بأطرها وزعمها المتمثل فى رؤية ما يسمى بالعالم الجديد وما
توصل إليه من تقنين لقضايا إجتماعية وسياسية وإقتصادية وثقافية .. ألخ - وهى فى
رأيهم الحرية وقضايا حقوق الإنسان فى الأرض .. بالإضافة إلى دواعى أخرى جديدة -
كمحاربة ( الإرهاب) - ملاحقته فى كل مكان ولو إستمرت هذه الملاحقة الحربية خمسين
عاماً .. لا يضرها فى ذلك شيء ، فأمريكا التى إستيقظت على هجوم صباح الثلاثاء
الحادى عشر من سبتمبر - الهجوم إستهدف برجي التجارة العالمية فدمرهما تدميراً
كاملاً .. وأيضاً طال الإنقضاض بالطائرات المدنية مبنى البنتاغون - مقر وزارة
الدفاع الأمريكية وتكون الضحايا البشرية نتيجة ذلك قرابة أربعة آلاف شخص من القتلى
- كما تقول الإحصائيات الرسمية والخسائرالمدنية - بعشرات الآلاف من المليارات تصيب
الإقتصاد الأمريكى فى مقتل .. وعلى ضوء ذلك أعلن الإعلام الأمريكي للوهلة الأولى
أن الطائرات لم يكن فيها أحد من الركاب العرب ، ثم عاد فذكر أن فى هذه الطائرات
تسعة عشر عربياً - هم الذين نفذوه .. ثم أعلن أن الشيخ أسامة بن لادن هو المتهم
الأول بالتخطيط له - كما ذكر أيضاً أن هناك أربعة آلآف محقق يدرسون أربعين ألف
دليل للتعرف على هوية المنفذين للهجوم وقياساً على تفجير المدمرة كول فقد إستغرقت
التحقيقات عامين كاملين ولم يصدر التقرير النهائي عن الهجوم .
وأعلن مدير التحقيقات
الأمريكية فى 22/2/2000 م عن كشف كثير من المعلومات والأدلة الجديدة فى تفجير
المدمرة كول الذى حدث فى شهر 3/2000 م وقياساً على هذه الدقة فى التحقيق وجمع
المعلومات الموصلة للمنفذين والمخططين تحتاج أمريكا على الأقل للتثبت من هويتهم
لأربع سنين على أسوأ الفروض ولكن تفاجأنا بالكشف المعلن عن عشر - هم المنفذون
والعقل المدبرلهذا الأمر- هو الشيخ أسامة بن لادن بعد أقل من أسبوع واحد من وقوع
الحادثة - لتعلن الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على بن لادن - وهى حرب دولة ضد
رجل ، وتطالب دولة طالبان الأفغانية بتسليمه من دون تقديم أى دليل يؤكد أنه خطط
ونفذ هجوم الطائرات المدنية على برجي التجارة العالمية والبنتاغون بواشنطون ..
وأعلنت دولة طالبان إستعدادها التام لتسليمه إلى محكمة عادلة فى حال ثبوت إدانته
بهذا الإتهام .. فرفضت أمريكا العرض واعلنت الحرب على أفغانستان المحكومة عن طريق
حكومة طالبان ما لم تسلم بن لادن إليها خلال فترة زمنية محددة - هى أقل من شهر
لتصر طالبان على موقفها - وكذلك فعلت أمريكا ، فكان الحرب بدون سند قانوني أو
إثباتات تضع هدفها الأكبر قتل الشيخ أسامة بن لادن رئيس تنظيم القاعدة والقضاء على
تنظيمه وقتل رئيس دولة أفغانستان (طالبان) والقضاء على دولته كلها - لأنها لم تتخل
عن بن لادن .. فأخذت زمام القانون بيدها واصبحت الخصم والحكم فى مواجهة كل من
تعتقد أنه يهدد أمنها ومصالحها دون حاجة إلى ما يعضد ما تقوم به .. فكانت حربها
الطاحنة فى أفغانستان أزالت فيها نظام طالبان عن السلطة وولت نظاماً جديداً حليفاً
لها ونتج من ذلك تدمير عشرات القرى .. ومقتل آلآف الأفغان من المدنيين وتشريد
عشرات الآلاف عدا القتلى من تنظيم القاعدة وحركة طالبان وذلك وفق تقارير عديدة
أهمها التقريرالذى أصدره البروفسور الأمريكي (مارل دبليوهيرولد ) - من جامعة
(ديوهامبشير ) حول القتلى المدنيين الأفغان والذى قدرهم من بداية الهجوم الأمريكي
فى السابع من أكتوبر وحتى الثالث من ديسمبرفقط - بأنهم 3767 قتيلاً من الأطفال
والنساء والشيوخ العزل .
وعلى الرغم من أن
أفغانستان تصنف ضمن الدول الأكثر فقراً فى العالم إلا أنها تعرضت لأقسى حربين من
أكبر قوتين فى العالم خلال عقدين من الزمان - بحيث لم يبق شبر من أراضيها إلا وزرع
بصاروخ أو قنبلة أولغم .. وأكملته الحروب الأهلية فى تدمير ماتبقى من مظاهر الحياة
الإنسانية فى هذا البلد البائس .
إن إعادة بعث أفغانستان من
الركام بعد ثلاثة وعشرون عاماً من الدمار والخراب والصراعات تبدو مهمة عسيرة إن لم
تكن مستحيلة نتيجة كبر حجم المحنة فقد تسببت هذه الحروب فى تشريد نحو 6 ملايين
أفغاني - بالإضافة إلى مليون مشرد داخل أفغانستان - كما يتهدد الجوع نحو سبعة ملايين
آخرين بينما دمرت الطرق والجسوروالمؤسسات والمنازل ويقول تقريرالبنك الدولي : إن
المؤسسات الإقتصادية للدولة الرئيسية مثل البنك المركزى والخزانة والضرائب
والجمارك والإحصاءات والخدمات والأمن والقانون والنظام القضائي فى حالة ضعف شديدة
أو غير موجودة فى الأصل .. وكدليل على تردي الأوضاع الإقتصادية فإن نسبة الوفيات
بين الأطفال تصل 49% وهى من أعلى النسب فى العالم كما أصابت الألغام الزراعة
بالشلل التام إذ سيجد كل عائد إلى أفغانستان أكبرنسبة من المعاقين فى العالم ومع
سقوط ما يصل إلى 500 ضحية شهرياً بسبب الألغام ومخلفات القنابل .
وتقول الأمم المتحدة : إن
ما يتراوح بين خمسة وعشرة ملايين لغم مازالت مزروعة فى أفغانستان عدا تلك التى
ستخلفها الغارات الأمريكية . وأعربت منظمة أصدقاء الإنسان الدولية عن إستيائها
الشديد للأسلوب الذى تعامل به القوات الأمريكية أسرى الحرب الذين أحتجزتهم فى
أفغانستان ثم رحلتهم إلى قاعدة (غوانتانامو ) وشبهت المنظمة التى تتخذ من فيينا
مقراً ملابسات ترحيل الأسرى وطريقة إحتجازهم برحلات أساطيل الرقيق البحرية من
أفريقيا إلى أمريكا منذ منتصف القرن الخامس عشر مشددة على أنها تراقب بقلق بالغ
عمليات نقل أسرى الحرب وظروف إحتجازهم وإبادة مايربو على 600 أسر فى قلعة جانحى
بالقرب من مدينة مزار شريف الأفغانية فى 25/26/9/2001 م من قبل القوات الأمريكية
والبريطانية والمليشيات الأفغانية المحلية - هناك لتتشكل خروقاً خطيرة للقانون
الإنساني الدولى تستوجب التحقيق فيما إذا كانت تساوى جرائم الحرب .
وحروب الجاهلية الحديثة فى
القرن الحادى والعشرين إنما كانت ذريعتها واهية ولا أسانيد تسندها حتى تفتك أمريكا
بالدولة الإسلامية أفغانستان وأثر ذلك يسقط القتلى من المدنيين الأبرياء الذين لا
ذنب لهم فيما حصل لبرجي التجارة العالمية بواشنطون والذى راح ضحيتها بضعة آلآف ..
وبإعلان الحرب العالمية على ما يسمى بـ (الإرهاب) - ركزت الولايات المتحدة
الأمريكية على من لا ذنب لهم من المدنيين لقوا حتفهم فى حربها على حكومة طالبان ..
وتحت مسمى الإرهاب أزهقت أرواح العديد من الضحايا الأبرياء ..
والشيء نفسه يحدث يومياً
فى الدولة المحتلة (فلسطين) ولكن أمريكا تصور دائماً الإسرائيليين - هم الضحايا
ووفقاً لخطاب وزير الخارجية الأمريكية فى كنتاكي 19/11/2001م فأعتبر الإنتفاضة
والمقاومة الفلسطينية فى كل من فلسطين ولبنان " إرهاباً" - وحتى الرئيس
الفلسطينى أتهم بالتواطؤ والإرهاب أما قتل الضحايا المدنيين الفلسطينيين
واللبنانيين والأفغان والعراقيين من المسلمين والعرب وغيرهم من بلدان العالم
الثالث .. لا يسمى إرهاباً - فهو يمارس حق الدفاع عن النفس (أليست هذه شريعة
الغاب) .
ولفت وزير العدل الأمريكي
الأسبق ورئيس مركز العمل الدولي (رمزي كلارك ) فى قناة الجزيرة فى برنامج
(بلاحدود) فى 9/1/2001م - إلى أن أمريكا شنت 75تدخلاً عسكرياً رئيسياً منذ ما بعد
الحرب العالمية الثانية وقد بطشت فى حربها ضد الأسبان بالمدنيين وأثخنت فى التدمير
.. وفى حرب فتنام قتل أكثر من مليون وسقط فى حروب كوريا 5.3 مليون مدني وسلط الضوء
على القصف ضد المدنيين الأفغان ضحايا الحرب الراهنة وعلى معاملة أسرى (غوانتنامو)
- كما ركز على مئات الآلآف من الأطفال العراقيين الذين ماتوا بسبب الحصار ونشر
نعوم تشومسكى مقالة حول الحرب الجديدة ضد الإرهاب فى موقعة على الإنترنت بتاريخ
18/10/2001م أجاب خلالها على خمسة أسئلة .. وقد عززها بأمثلة على ما أقترفته
أمريكا من جرائم بحق المدنيين فى عشرات البلدان فشدد بداية على أن الحرب التى
شنتها أمريكا على أفغانستان عرضت ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين مدني للمجاعة
والموت وهؤلاء لا علاقة لهم من قريب أو بعيد - بمن وجهت الحرب ضدهم مستنتجاً أننا
أمام إبادة بشرية وبإختصار : إن من تأمل السجل التاريخي يفهم بعمق لماذا لا تطرف
عينا الرئيس الأمريكي ووزير دفاعه - بينما الطائرات الأمريكية تدك المدنيين فى
أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان ولماذا هما متفاهمان كل ذلك مع شارون
وبيريزوإيلعازر وموفاز حول سياسات الإغتيالات والتدمير والإعتداء على المدنيين .
أما خطاب الرئيس الأمريكي
فيحدد أهداف الحرب عبر صيغتين : تستهدفا الدول والمنظمات الإسلامية والعربية
بإستثناء كوريا الشمالية ، فإن كافة الأطراف المستهدفة إما إسلامية وإما عربية -
وهى ( أفغانستان والعراق وإيران وحماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وجيش محمد وأبو
سياف وتنظيم القاعدة ) وإدراج كوريا الشمالية الهدف منه إثارة إستغراب المجتمع
الدولي ، فإن معظم لوائح المنظمات التى أطلقت عليها أمريكا إرهابية تتضمن أقلية من
المنظمات غير المسلمة مما يضفى على اللوائح وجهة نظر شعبية أمريكية طابعاً من
المصداقية والموضوعية من دون أن يبدد الواقع الذى يتفق عليه معظم الأمريكيين ضمنا
من أن الخطر الإرهابي - هو أولاً خطر إسلامي .
أعتمد خطاب الرئيس
الأمريكي (حال الإتحاد) فى تحديد أهداف الحرب .. فهى تؤكد الطبيعة العقائدية
للمواجهة وذلك عبر إعلان المبادئ غير قابلة للتفاوض وفق نص الخطاب والذى تعتزم
الحكومة الأمريكية العمل بها فى مختلف أرجاء العالم (حكم القانون ، الضوابط على
سلطة الدولة ، إحترام النساء ، الملكية الشخصية ، حرية التعبير ، المساواة أمام
القضاء ، التسامح الدينى ) هنا لا يغيب عن
ذهن المتلقى الأمريكى لخطابه أن المعني بطرح المبادئ آنفة الذكر غير قابلة للتفاوض
- هو العالم الإسلامي والعربي ذلك أن المجتمع الأمريكي فى صورته الذاتية قد تجاوز
موضوع مساواة المرأة مع الرجل ومسألة التسامح الديني .. فإدراج هذين المبدأين هو
تعبير وحسب عن القصور المفترض فى الثقافة الإسلامية .. فالحرب على الإرهاب من وجهة
نظر معظم الأمريكيين ليست بالطبع صليبية ولا علاقة للمسيحية بها . لكنها رغم ذلك
بالإضافة إلى كونها حرباً دفاعية مشروعة هى حرب عقائدية بين مفهوم مستنيرمتطور
وآخر ظلامي متخلف للحاكمية والعدالة الإجتماعية
لاأدرى كيف تجتمع الحرية وما يسمى بالإرهاب فى آن واحد ؟ - فهو يريد أن
يحقق الحرية بإرهاب العالم .. فحتى الآن لم يجد العالم بأثره تعريفاً أو تفسيراً
للإرهاب أو جزء من قوله : من لو يكن معنا - فهو ضدنا ، فأما أن تسير فى ركاب
أمريكا وقيمها ومبادئها .. وإما إنك إرهابي يجب أن تحارب لأنك ضد الحرية .
وخلاصة الخطاب تألية
أمريكا قيماً وسلوكاً وحرباً والعالم كله يجب أن يسير بعصاها النووية .
التأثير الصهيوني
الإسرائيلي واليهودي على بنية الخطاب الثقافي السياسي الأمريكي يتجاوز ذلك إلى
التناقض مع منطلقات الديمقراطية ، فنقد إسرائيل يعد من المحرمات الذى قد يصل إلى
نوع من العداء للسامية حتى عضو الكونغرس فى واشنطون لا يملك الجرأة على فعل ذلك أو
للقوة السياسية والمالية الضخمة التى يتمتع بها اللوبي الصهيوني فى العاصمة الأمريكية
.. هذا النقد يعنى الدخول فى القائمة السوداء وكل من تجرأ على ذلك حتى لولم يكن
معادياً للسياسة الإسرائلية لن يتمكن من كسب معركة الترشيح للحزب .. دع عنك الفوز
فى الإنتخابات إذا كانت هذه حال من يعمل فى المجال السياسي .. فلك أن تتصور حال من
يعمل فى الجانب الإعلامي .. يخطيئ الأمريكيون إذا أعتقدوا أنهم بذلك يساهمون فى
تحقيق الحرية والسلام .
فالذى يشهده العالم اليوم
نفى نفياً قاطعاً ما كان يفاخر به قبلاً الأمريكان فى إطار الحريات المدنية وحقوق
الإنسان ولاأحد يعرف مداها .. وبهذه السياسة تكون قد أسقطت عنها ورقة التوت لدواعى
تصديرها لشعار الديمقراطية وحقوق الإنسان للعالم أجمعه ليعود الوجه الحقيقى
لأمريكا - أمريكا الخمسينات والستينات والسبعينات .
وبهذا أختلطت الأوراق كما
أختلط الحق بالباطل وأرتد المجتمع الدولي مسافة قرنين من الزمان بعدما أستبشر
الجميع منذ ميثاق روما فى يولية عام 1997م والذى قرر إنشاء المحكمة الجنائية
الدولية الدائمة ووضع لها تشريعاً جنائياً أدرج فيه أحداث جرائم النظام العام
الدولي ، وبعدما وصلت الجرائم الدولية إلى مراتب العصور القديمة وهمجية الشعوب
السابقة على عصر الحضارات .
أما حكم الإسلام فنعرض له
من خلال فتح مكة المكرمة على يدي رسول الله (ص) فى المدينة المنورة عاصمة دولة
الإسلام - يصل وفد خزاعة حليفة سيدنا محمد (ص) ليعلن له أن قريشاً وحليفتها قبيلة
بكر قد أنقضوا عليهم ليلاً وقتلوهم ركعاً وسجداً .. إذ يقول وافد خزاعة وسيدها عمرو بن سالم :
يارب إني ناشد محمداً
حلف أبينا وأبيه
الأتلدا
قد كنتم ولداً وكنا
والدا
تمت أسلمنا فلم ننزع
يدا
فأنصر هداك الله نصراً
أعتدا
وأدع عباد الله يأتوا
مددا
فى فيلق كالبحر يجري
مزبدا
إن قريشاً أخلفوك
الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وجعلوا لى فى كداء رصدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا
وهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا
وقتلونا ركعاً وسجدا
لقد جاء الوحي من
السماء بنقض قريش للعهد - فقد روى محمد بن عمر أن رسول الله
(ص) قال لعائشة صبيحة كانت واقعة بني نفاثة وخزاعة بالوتير : يا
عائشة ! لقد حدث فى خزاعة أمر ، فقالت عائشة : يا رسول الله ! أترى قريشاً تجترئ
على نقض العهد الذى بينك وبينهم ، وقد أفناهم السيف ؟ فقال رسول الله (ص) : ينقضون
العهد لأمر يريده الله تعالى . فقالت : يا رسول الله ! خير؟ قال : خير .
ورغم ذلك فقد بعث يتثبت
من صحة الأمر من قريش أنفسهم .. وفى هذا الإطار - قال عبد الله بن عمرو .. رضى
الله عنهما : إن ركب خزاعة لما قدموا على رسول الله وأخبروه خبرهم قال : فمن
تهمتكم وظنتكم ؟ - قالوا : بنوبكر - قال : أكلها ؟ قالوا : لا - ولكن النفاثي .
قال : هذا بطن من بني بكر - وأنا باعث إلى أهل مكة أسألهم عن هذا الأمر ومخيرهم
بين خصال ثلاث .
فبعث إليهم ضمرة يخيرهم
بين إحدى ثلاث : بين أن يدوا قتلى خزاعة أو يبرؤوا من حلف بني نفاثة أو ينبذ إليهم
على سواء .
فأتاهم ضمرة رسول - رسول
الله (ص) وأخبرهم بالذى أمره رسول الله به - فقال قرظة بن عبد عمرو الأعمى : أما
أن نرى قتلة خزاعة .. فإن نفاثة فيهم عرام (قوة الشراسة) فلا نديهم وإما أن نتبرأ
من حلف نفاثة فإنه ليس قبيلة من العرب تحج هذا البيت أشد تعظيماً له من نفاثة وهم
حلفاؤنا فلا نبرأ من حلفهم ، ولكن ننبذ إليه على سواء . فرجع ضمرة إلى رسول الله
(ص) -بذلك من قولهم وأدرك أبو سفيان خطورة إعلان الحرب على سيدنا محمد (ص) وعدم
البرآءة من بكر وعدم دفع ديات خزاعة - فقال : ما الرأى إلا جحد هذا الأمر والله
ليغزونا محمد إن صدقني ظني - وهو صادقي .. ولابد من أن آتي محمداً فأكلمه أن يزيد
الهدنة ويجدد فى العهد .
فماذا عن نتائج فتح مكة
عند أمام الأنبياء فى معركة الثأر والإنتقام ممن أخرجوه وحاربوه وطاردوه وقادوا
الجيش لإستئصال شأفته وإحتباس دينه وصحبه ؟
جاء أبو سفيان المدينة
المنورة ودخل على رسول الله (ص) - وهو فى المسجد . فقال يا محمد ! إنى كنت غائباً
عن صلح الحديبية فأشدد العهد وزدنا فى المدة - فقال رسول الله (ص) : ( فلذلك جئت
يا أبا سفيان؟) - قال : نعم - فقال الرسول الكريم : ( هل كان قبلكم من حدث ؟) -
قال : معاذ الله ! - نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل .. فأعاد
أبو سفيان القول على رسول الله (ص) فلم يرد علينا شيئاً .
إ ن أبا سفيان هو القائد
الأعلى لقريش وبناء على جواب قريش بإعلان الحرب كان بإمكان رسول الله (ص) أن يقتله
- وهو ينكر نقض العهد وهو فى حالة حرب مع المسلمين بعد هذا النقض فجحد ما جرى كله
.. وجاء الجواب النبوي :( إنه إذ لم يكن هناك حدث !) -فنحن على الصلح وأدرك أبو
سفيان إخفاق سفارته .. وإخفاق سياسة الجهل - وعاد إلى مكة المكرمة - فقال له قومه
: ماوراءك . هل جئت بكتاب من محمد أوزيادة فى مدة ما نأمن به أن يغزونا محمد ؟
فقال : والله لقد أبى على
.. وفى لفظ : لقد كلمته فلم يرد علي شيئاً .. ولم يعتقل رسول الله (ص) أبا سفيان
ولم يقتله حتى لا تنكشف المخططات النبوية فى قرار غزو مكة المكرمة - وفتحها بعد أن
نبذت له على سواء .
وقع أبو سفيان أسيراً بيد
محمد (ص) - وبدلاً من أن يمثل به او ينزل به أشد أنواع التعذيب قبل التنكيل به
وقتله ويضع رأسه على الرمح ويعلن بذلك إنتصاره على قريش ويصلبه أو يمثل بجثته ..
ولكن هيا معاً إلى هذا الحوار :-
- رسول الله (ص) ياأبا سفيان ألم يأن لك أن لا اله الاالله .
- أبو سفيان : يأبى أنت وأمى ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك ! .. انه
لو كان مع الله اله .. لقد أغنى عنى شيئا بعد .. لقد استنصرت الهى .. واستنصرت
الهك ! فوالله ما لقيتك مرة الا نصرت على ! فلو كان الهى محقا والهك مبطلا لقد
غلبتك .
- رسول الله (ص) : ويحك ياأبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنى رسول
الله؟
-ابو سفيان : يابى أنت وأمى يامحمد ما أحلمك واكرمك واعظم عفوك !
اما هذه فوالله ان فى النفس منها شيئا حتى الان.. وظاهر كلام ابن عقبة ومحمد بن
عمر فى مكان آخر ان اباسفيان قال:أشهد أن لا اله الا الله.. واشهد ان محمدا رسول
الله- من غير ان يعرض ذلك عليه أحد.
- قال ابو سفيان وحكيم بن حزام:جئت باوباش الناس من يعرف ومن لا يعرف
الى اهلك وعشيرتك (أى لفتح مكة).
- رسول الله (ص) : أنتم أظلم وأفجر - قد غدرتم بعهد الحديبية
وظاهرتم على بنى كعب (خزاعة ) بألاثم والعدوان فى حرم الله تعالى وامنه.
- قال حكيم وابو سفيان: صدقت يارسول الله
- قالا: يارسول الله لو كنت جعلت جدتك ومكيدتك لهوازن - فهم أبعد
رحما واشد عداوة لك.
- رسول الله (ص): أنى لارجو ربى ان يجمع لى ذلك كله: فتح مكة .
وأعزاز الاسلام وهزيمة هوازان وغنيمة اموالهم وذراريهم..فانى لا رغب الى الله
تعالى فى ذلك.
- أبو سفيان وحكيم : يا رسول الله أدع الناس بالامان : أرايت ان
اعتزلت قريش وكفت أيديها: أمنون هم؟.
- رسول الله(ص): نعم
- العباس: يارسول الله !: ان أبا سفيان وجه الشرف والفخر : فأجعل
له شيئا.
- رسول الله (ص) : (من دخل دار أبى سفيان - فهو أمن ومن دخل
المسجد-فهو امن ومن أغلق عليه بابه- فهو أمن).
وأثمرت المفاوضات عن
أعطاء الامان لاهل مكة أذا كفوا عن القتال ودخلوا بيوتهم .
غير أن فريقا من
المتطرفين رفضوا هذه المفاوضات.. وكانت قيادتهم لعركة بن أبى جهل وصفوان بن أميه
وسهيل بن عمرو وهند بنت عتبة زوجة أبى سفيان فواجهوا فصيل جيش الاسلام الذى يقوده
خالد بن الوليد ووقعت الحرب لعدة ساعات ثم أنهزم جيش مكة وفرت قيادته وقتل منهم
أربعة وعشرون رجلا من قريش وأربعة من هذيل!.. ومع ذلك أجرى رسول الله(ص) حسابا
لخالد بن الوليد على حربه.
- رسول الله(ص) : لم قاتلت وقد نهيت عن
القتال.
- خالد بن الوليد : يارسول الله!- هم بدؤونا بالقتال ورشقونا
بالنبل ووضعوا فينا السلاح
وقد كففت ما أستطعت..
وقد دعوتهم الى الاسلام .. وان يدخلوا فيما دخل فيه الناس فابوا حتى اذا لم اجد
بدا قاتلتهم فظفرنا الله- تعالى- عليهم.. فهربوا فى كل وجه.
- رسول الله (ص) : كف عن الطلب
- خالد بن الوليد: قد فصلت.
من هنا يجد المامل فى سيرة
سيدنا محمد(ص) - أنها بصورتها المشرقة - تحقق بها ما لا يقبل الجدل ولا يدع مجالل
للشك فى أنها كانت نظام الحياة المثالية - حتى فى أحلك الاوقات وبهذا استطاع ان
يؤسس المدينة الفاضلة التى تعطى الطمانينة الكاملة فى النفوس ومن كل جوانبها فلا
توجد ثغرة ولو كانت صغيرة تلج منها مكدر او مسى- صغر أو كبر وفى ظلها يحس الانسان
بالقيمة العظيمة - لهذا الاسلام الذى آتى به سيدنا محمد(ص) سيظل خالدا ويذهب من
يعادية فى الجاهلية الحديثة (أمريكا)- لان الرسول الكريم كان يعى مهمته التى اوفده
اليها رب العالمين- مع مقدرته الفائقه فى تقديم البرهان والحجه التى لا تقا رع.
حاول أهل الكفر
والالحاد فى الجاهلية الحديثة- ان يجدوا هذا التلاقى بانشاء عصبة الامم المتحدة
ومن بعدها هيئة الامم المتحدة (المتفرقة) واقعا وحقيقة ماثلة أمامهم .. فلم تؤت
ثمارا مفيدة - بل بدت فى الواقع وسيلة من وسائل تغلب قوى الشر على الامم المستضعفة
- لتفقد بذلك قيمتها وأستهانت بها شعوب ضربت بقراراتها عرض الحائط - لانه عندما
انتهت الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة الامريكية - هى التى حسمت
معطيات الحرب لصالحها وبدأت فى وضع خارطة جديدة للعالم- ولكن فى افغانستان والعراق
وفلسطين ولبنان أختلط الحق بالباطل - وكان موقف المجتمع الدولى يعيدنا الى قانون
الغاب بعد ان املوا انه سيكون أفضل حالا بمثاق روما - الموقع فى - يوليو 1997م
الذى قرر انشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ووضع لها تشريعا جنائيا أدرج فيه
أحدث جرائم النظام العام الدولى وبعدما وصلت الجرائم الدولية الى مراتب العصور
القديمة وهمجية الشعوب آنفة الذكر - على عصر الحضارات - بدعوة الجاهلية الحديثة
الامريكية الغربية الصهيونية - التى ردتنا للقرون الخالية أن تعطف بجوار الجاهلية
العربية قبل خمسة عشر قرنا وتترك الساحة لشريعة الله فى الارض - مرددين قول الله -
سبحانه وتعالى: ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون).
أنظر الى دولة الاسلام
العظيم - بقيادة الرسول العظيم(ص) كيف تتعامل مع الاحداث فى حالة الحرب حيث أعطى
رسول الله(ص) لخزاعة التى قتل منها اربعة وعشرون قتيلا غدرت ونهبت أموالهم حق
الثار لنفسهم ساعة محددة من النهار فقال :( كفوا السلاح الا خزاعة عن بنى بكر الى
صلاة العصر .. فخبطوهم ساعة وهى الساعة التى أحلت لرسول الله(ص) فلما كان بعد
الفتح بيوم أقتل خراش بن أمية.. فحمل على جندب بن الادلع الهذلى - فطعنه فى بطنه
فمات.. فجعلت حشوته شيل من بطنه. فسمع بذلك رسول الله (ص)
- فقال: يا معشر خزاعة ! أرفعوا ايديكم عن القتل - فقد والله كثر
ان نفع . أن أعدى الناس على الله من قتل فى الحرم أو قتل غير قاتله أو قتل. بدخول
الجاهلية فقد قتلتم قتيلا لأدينه.
فمن قتل بعد مقامى هذا
فاهله بغير النظريين. ان شاؤوا فقتله ثم ودى رسول الله(ص) ذلك الرجل الذى قتلته
خزاعه. قال ابن هشام : مائة ناقة.. وبلغنى أنه اول قتيل وداه رسول الله(ص).
وصدمت أصنام المشركين
فقط. فعن أبن عباس - رضى الله عنها - أن رسول الله(ص) دخل مكة يوم فتحها وحول
الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مرصعة بالرصاص وكان هبل أعظمها وفى يد رسول الله(ص)
قوس وقد أخذ بسية القوس فجعل رسول الله (ص) كلما مر بصنم منهايشير اليه ويطعن فى
عينيه ويقول:(جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا)- فما يشير إلى صنم الا
سقط لوجهة .. وفى لفظ لقفاه من غير أن يمسه .
أما فى قضية بيوت
المسلمين المهاجرين جميعا التى كانت فى مكة المكرمة - وهى حقهم المغتصب ومع ذلك
فقد أبى رسول الله(ص) أستردادها بل نزل
خارج مكة .. فقد روى البخارى وغيره عن أسامة بن زيد أنه قال : يارسول الله ! أين
تنزل غدا ؟ تنزل فى دارك ؟ قال : وهل ترك لنا عقيل من رباع أودار وكان عقيل قد باع
منزل رسول الله(ص) ومنزل إخوته من الرجال والنساء بمكة فقيل لرسول الله(ص) : أنزل
فى بعض بيوت مكة غير منازلك .. فأبى رسول الله (ص) وقال: لا أدخل البيوت . ولم يزل
رسول الله(ص) مضطربا بالحجون لم يدخل بيتا ..وكان يأتى المسجد لكل صلاة من الحجون.
وفى اطار سماحته - عفا
الرسول الكريم (ص) عن فضالة بن عمير الليثى من بنى بكر الذى حاول أغتياله ومسح
صدره ودعاه الى الاسلام فأسلم .
أما موائد الفاتحين
التى أقيمت لاطعام قائد الجيش الفاتح فهاهى - حيث روى الطبرانى عن أبن عباس - رضى
الله عنه - أن رسول الله (ص) - قال لأم هانى (ابنة عمه) يوم الفتح (مكة)- هل عندك
من طعام فآكله:- قالت: ليس لدى الا كسر يابسة (خبز يابس جاف)، وانى لاستحى أن
أقدمها لك .. فقال: هل من ادم ؟- فقالت : يارسول الله(ص)! ماعندى الا شى من خل-
فقال هلميه .. فصبه على الطعام واكل منه .. ثم حمد الله .. ثم قال: ياأم هانىء !
لا بفقر بيت فيه خل.
ومواصلة لسماحته فى
احلك الأوقات- روى البخارى عن عروة بن الزبير أن أمراة سرقت فى رسول الله (ص) فى
غزوة الفتح .. ففزع قومها الى أسامة بن
زيد يستشفعونه.
- قال عروة : فلما كلمة أسامة فيها تلون وجه رسول الله(ص) فقال :
أتكلمنى فى حد حد من حدود الله !.
- قال أسامة : أستغفر لى يارسول الله.
فلما كان العشي قام
رسول الله(ص) خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله.
ثم قال: أما بعد :
فانما اهلك الناس قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه .. واذا سرق فيهم
الضعيف اقاموا عليه الحد والذى نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت
يدها.
ثم أمر رسول الله(ص)
بتلك المرأة فقطعت يدها فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت..
قالت عائشة - فكانت
تأتينى بعد ذلك فأرفع حاجتها الى رسول الله(ص) .
ولما بلغ رسول الله(ص)
المدينة أستشار أصحابه فى الاسرة ، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول اللهّ! - هؤلاء
بنو العم والعشيرة والاخوان .. فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار ..
وعسى أن يهديهم الله
فيكونوا لنا عضدا.
- فقال رسول الله(ص) : ما ترى ياأبن الخطاب - قال: قلت: يارسول
الله! والله ما ارى راى أبى بكر .. ولكن أرى ان تمكننى من فلان - قريب لعمر- فاضرب
عنقه وتمكن عليا من عقيل بن أبى طالب فيضرب عنقه وتمكن حمزه من فلان أخيه فيضرب
عنقه . حتى يعلم الله انه ليست فى قلوبنا هواده للمشركين . وهؤلاء صناديدهم
وأئمتهم وقادتهم.
فهوى رسول الله(ص) - ما
قال أبو بكر ولم يهو ما قلت واخذ منهم الفداء.
وأنزل الله - سبحانه
وتعالى :(ما كان لنبى ان يكون له اسرة حتى يثخن فى الارض تريدون عرض الدنيا والله
يريد الآ خرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم
فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله أن الله غفور رحيم).
والكتاب الذى سبق من
الله سبحانه وتعالى- هو قوله:( فاما منا بعد واما فداء)- ففيه الاذن باخذ الفديه
من الاسرى لذلك لم يعذبوا . وانما نزل العتاب .. لانهم أسروا الكفار قبل أن يثخنوا
فى الارض ثم انهم قبلوا الفداء من أولئك المجرمين الذين لم يكونوا أسرى حرب فقط..
بل كانوا اكابر مجرمى الحرب الذين لا يتركهم قانون الحرب الحديث الا ويحاكمهم ولا
يكون الحكم فى الغالب الا فى الاعدام او بالحبس حتى الموت.
واستقر الامر على رأى
أبو بكر الصديق فاخذ منهم الفداء وكان الفداء من أربعة الالاف درهم الى ثلاثة الالاف درهم وكان أهل مكة
يكتبون .. وأهل المدينة لا يكتبون. فمن لم يكن عنده فداء دفع اليه عشرة غلمان
المدينة يعلمهم فأذا حذقوا فهو فداء .
ومن رسول الله(ص) على
عدة من الاسرى فأطلقهم بغير فداء ومن على ختنه (زوج ابنته)- أبى العاص بن الربيع
بشرط أن يخلى سبيل زينب وكانت قد بعثت فى فدائه بمال..
بعثت فيه بقلاده لها
كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبى العاص . فرق رسول الله(ص)
رقة شديدة .. وأستأذن
أصحابه فى أطلاق أبى العاص ففعلوه واشترط رسول الله (ص) أن يخلى سبيل زينب فخلاها
فهاجرت ) ونعرض صورة واحدة فقط من طبيعة معاملة الأسرى لأحدهم - وهو أبو عزيز بن
عمير يقول : (كنت فى الأسارى يوم بدر فسمعت رسول الله يقول : إستوصوا بالأسارى
خيراً ، فإن كان ليقدم إليهم الطعام ، فما يقع بيد أحدهم كسرة إلا رمي بها إلى
ويأكلون التمر فيؤثروني ، فكنت أستحى فآخذ الكسرة فأرمي بها إليه - فيرمي بها إلى
وأما سبايا هوازن اللاتي تجاوزن ستة آلاف سبية كن قد شاركن جيش هوازن وحضرن الحرب
معه أنتهى أمرهن بأن من رسول الله (ص) عليهن بدون فداء بعد أن صرن بيد المسلمين
ومن تمسك بسبية من المسلمين وعده رسول الله (ص) بست جمال من أول غنم يغنمه . فتح
النبي العظيم (ص) مكة المكرمة فى السنة الثامنة لعشر خلون من رمضان ، أول ينايرسنة
630م - وفى صبيحة يوم الجمعة لعشرين تخلومن رمضان - ثم فتح مكة المكرمة ، فلما
أطمئن الناس أمر الرسول (ص) بلالاً أن يؤذن ثم طاف بالبيت وأستلم الحجر الأسود ،
وأمر بكسر الصور داخل الكعبة وخارجها ، وبكسر الأصنام حواليها ، وجعل يطعنها بعود
كان فى يده ويقول :( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ) - وفى ثاني يوم
الفتح أخذ مفتاح الكعبة من صاحبها (عثمان بن طلحة الشيبي ) - ثم وقف على باب
الكعبة وقال : ( لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم
الأحزاب وحده ، يا معشر قريش ، وياأهل مكة
، ما تظنون إني فاعل بكم ؟ - قالوا : خيراً أخ كريم وإبن أخ كريم ، قال : إذهبوا
فأنتم الطلقاء - لا أقول لكم إلا كما قال يوسف عليه السلام لإخوته :( لا تثريب
عليكم اليوم يغفر الله لكم وهوأرحم الراحمين ) - ومن ثم رد مفتاح الكعبة إلى
سادتها .
شعر الأمريكان والغرب
والصهاينة بخطورة الإرادة الإسلامية العربية .. وأيقنوا أن كل مخططاتهم عبر البث
من مشاعر إحباط ويأس وتشويه للصورة الإسلامية وأضف لذلك الثقافة الإستسلامية ،
لهذا كانت فضائياتهم الناطقة باللغة العربية توجه سمومها إلى الوطن الإسلامي
العربي لتربيتهم على قبول ثقافات وعادات وتقاليد مغايرة للثقافة الإسلامية
والعربية والتعود عليها وكسر إرادتهم التى فشلت كل الأفكار والنظريات والخطط
والبرامج الواقعية والعقلانية فى أثناء هذه الأزمة عن الإستمساك بنهج تعاليم
القرآن الكريم وسنة الرسول الكريم (ص) .
وهاهم يستحدثون خارطة
طريق جديدة تطل برأسها لتغتصب العقل بعدما فشلوا عبر الكلمة والصورة .. هاهم
يستخدمون سلاح الوعيد والتهديد ولا يتورعون فى تسخير الآليات الحربية لتحقيق هذه
الغاية - والهدف فى النهاية واحد هو الوصول إلى هذا الكائن القابع فى هذه المنطقة
تارة بالحروب النفسية وتارة أخرى بالحروب الحقيقية لضرب مناعته فى فلسطين ولبنان
بالدبابات والطائرات .
هذه ليست المرة الأولى
ولن تكون الأخيرة فالأمر يدعو للحذر والحيطة .. خاصة وأن العدو بارع فى إستخدام أقوى
وأحدث ما أنتجته (العولمة) بوسائلها الإتصالية المتنوعة .. أى بأساليب علمية عكف
لها سياسيون وأكاديميون ومفكرون للوصول إلى هدفهم وما كان ليدفع الملايين لولا
علمه بإمكانية النجاح المنقطع النظير بالتأثير المباشر بما تبثه من مضمون لا يختلف
عن الخطاب الإعلامي الصهيوني .. بل أصبحت بعض القنوات العربية تنجرف وراء تيارهم
بتبني مصطلحات وتعبيرات تخدم مشروعهم الرامي إلى تفكيك القيم الأخلاقية .. بمناقضة
الثوابت الإسلامية والعربية لكي تتماشى مع ما يرمون إليه .. وهنا يكمن الخطر
الحقيقي الرامي إلى (حرب الكلمة ) - التى لا يمكن منع وصولها إلى المتلقي خاصة وأن
العالم أضحى قرية صغيرة تدار بالرموت كنترول الذى يجعلك تشاهد حدثاً فى الصين خلال
ثواني من وقوعه .. لذلك تجد المحطات الغير ملتزمة بتقديم إعلام قادرعلى المنافسة
نوعاً ومضموناً منجرفة فى تيارهم الجاهلى التى أتصور أنها بدأت مع بروز أول حرب
إعلامية عام 1990م .. حيث كنا نشاهد قصف الطائرات الإسرائيلية فى فلسطين ولبنان
وأيضاً بعدها أمريكا فى أفغانستان والعراق .. كأننا نتفرج على فلم سينمائي .. ومن
ثم تحولت الآلية الإعلامية إلى ذراع مهمة لعكس صورة الرعب والخوف فى نقوس هذه
الأمة من خلال توجيه فضائية مخصصة للوطن الإسلامي والعربي ، ولكنها لم يحالفها
الحظ فى الوصول إليهم لأسباب تقنية بحتة .. بإعتبارها لم تتمكن من البث عبر القمر
الصناعي العربي ولا المصري أو حتى الأوربي لذلك هى تبث إرسالها من على القمر
الصناعي (الإسرائيلى ) - "عاموش" وهو يحتاج إلى أجهزة إستقبال خاصة
وتقنية توجيه معينة حتى يتيسر إليه الولوج إلى الفضاء الإسلامي العربي .. لذلك
تلاحظ الحملة الكثيفة من القنوات الأوروبية لتبصير المتلقي الكيفية التي تمكنه من
تلقي هذه المحطة .
ان هذه القنوات تحمل
خطراً كبيراً على المشاهد فى هذه البقعة الطاهرة المباركة بأذن الله - لأننا لا
نبالي بما يمكن أن تدعو إليه بحكم أنها تجربة إعلامية مسمومة .. ولا حصانة منها
..إذا جذبت المشاهد بالبرامج الحوارية الكاشفة عن أدق الأسرار المالية والإجتماعية
وخلافهما فى الوطن الإسلامى والعربي؟ هل سيرفضها المواطن أن طرحت له برامج على هذه
الشاكلة ؟ - مع العلم أن المتلقى فى هذا الوطن تابع قناة (الجزيرة) وبعض القنوات
الفضائية متابعة دقيقة عندما قدمت عدد بسيط من الفضائح .. فماذا ستفعل القناة
" الإسرائيلية " التي يرفض هذا الوطن التطبيع معها ؟ أكيد ستقدم مادة
دسمة تشويهية تمرر من خلالها عيوباً تتحصل عليها بالجهود الإستخباراتية والأبحاث
المعدة مسبقاً عن طريق خبراء وعملاء وعلماء فى علم النفس والأخلاق . درسوا
سيكولوجية الإنسان دراسة مستفيضة عرفوا عبرها ماذا يحب المتلقي الإسلامي والعربي ،
لكى يوجهوا الرأى العام كيفما يشاؤون نحو أهداف سياسية وإجتماعية وأخلاقية تصب فى
صالح المخطط الصهيوني .
أما البرامج فسوف
يقدمها اليهود بصورة إنسانية لن تشاهد فيها الفضائح التى يرتكبها العدو الصهيوني
فى فلسطين وجنوب لبنان .. إنما سيقدم نفسه فى أبهى الصور الإنسانية التى تعكس أنه
البرئ ، وتصور المسلمين والعرب بشكل وحشي وهمجي والأخطر أنها فى بداية بثها ستعطى
المتلقي إحساساً بأنها صادقة جداً وهدفها تقديم مادة إعلامية رسالية تخدمه ،
والغرض منها بكل أسف هو أن تفرق بين أبناء الوطن الواحد بهز الثقة بينهم ، لهذا
علينا التخلص من الإعلام المحكوم بخطاب السلطة لأنه يفتقد للمصداقية لدى المتلقي -
بحكم أنه يعبر عن لسان الحكومة وحتى الذى نشاهده اليوم من خلال قنوات ( الجزيرة ،
وأبو ظبي ، والعربية) لا يتجاوز نسبة الـ 10% من المطلوب تحقيقة لمنافسة المد
الخارجي الذى أكتشف أعداء هذه الأمة أن العقلية الإسلامية العربية ترفض الإستسلام
برغم ما يطرح لهم من ثقافة الوجبات السريعة إلا أنها مازالت تحافظ على فكرها
الجهادي .. لهذا أطلت القناة "الإسرائيلية " وسبقتها الإذاعة الأمريكية
.. وهى جلها تهدف إلى أن يتعايش الإسلامي والعربي مع الكيان الصهيوني ، ضف إلى ذلك
الهجوم الإعلامى المكثف علينا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر .. فهي ترمي إلى
تغيير مصطلحات ومفاهيم ومبادئ وتعمق فى وجدانيات النشئ والشباب من الجنسين فهم
واحد إلا وهو أن المقاومة للإحتلال ماهى إلا " إرهاب " وأن الحروب
الجرائمية " الإسرائيلية " هى دفاع عن النفس .. لذلك علينا حصرالخطاب
الإعلامي الإسلامي والعربي فى نماذج قوية وقادرة تربط التاريخ الإسلامي بالحاضر
وتوضح الحقائق بكل شفافية حتى يتثنى لنا مواجهة الإستهداف الذى تساهم فيه بعض
الفضائيات العربية بوعى أوبدون وعي من خلال إستضافتها للمسؤولين والمحللين
الداعمين إلى هذا المشروع ، الذى يمتلكون إليه أسلحة نووية متطورة وإسرائيل تستند
فى هذا الفعل على القرارات الصادرة من الولايات المتحدة الأمريكية .. وهى تنفق
أكثر من أربعة مليارات دولار سنوياً لتطوير تكنولوجيتها للمزيد من الأكاذيب
والتضليل بخطة إستراتيجية تمكنهم من إدارة دفة الصراع العسكري والسياسي والإقتصادي
والثقافي والإعلامي لصالحهم ضف إلى ذلك وقوف الأمريكان والغرب بجانبهم للسيطرة على
الذهنية الإسلامية والعربية وإختراق وعيها من قبل عشرات السنين .. فإذاعة الـ (بي
بي سي ) على سبيل المثال أصبحت المحطة المحببة لديهم وتدس السم فى الدسم ، وهى
تصبغ نشرة الأخبار بأفكار وآرآء لمراسلين أو محللين يوجهون وعي السامع إلى حيث
يريدون ، مثل جملة من المفاهيم التي أصبحت مسلمات مستسلم بها وصارت متداولة فى
أجهزة الإعلام بصورة عامة ، كالعالم العربي ، الشرق الأوسط ، وجنوب وغرب وشرق
وشمال السودان وشمال إفريقيا وجنوب لبنان .. ألخ .
المشاهد الإسلامي
والعربي - هو المتضرر فى الأول والأخير من الوجود " الإسرائيلي " والخطر
يكمن فى أن فضائيتهم ستعطي المسوؤلين العرب بالتالى يوصلوا أكاذيبهم إلى مواطنينا
.. وهذا أيضاً تفعله الـ ( بي بي سي ) والـ ( سي إن إن ) - و( مونتكارلو ) جميعهم
يستضيفون مسؤول فلسطيني مقابل مسؤول إسرائيلي ، يعطي الفرصة الكاملة لتصوير نفسه
المغتصب .. والآخر هو المعتدي ، بالمقابل نجد القنوات العربية تمارس نفس الفكرة ،
ولكنها تمنع ضيوفها وقتاً متساوياً وأتغرب
أن وزراء الإعلام فى العالم الإسلامي والعربي أن لا يصدروا إعلاناً بميثاق شرف
بعدم إستضافة هؤلاء القتلة على شاشاتنا الصغيرة حفاظاً على هذه الأمة من الإنجراف
وراء التحريف الذى تمارسه على ذاكرة التاريخ ، من خلال إظهار أنفسهم بعيداً عن
الخطاب العنصري للحركات الصهيونية والممارسات الهمجية والإرهابية .. التي تعمل على
محو مبادئ الزود عن الأرض والوطن .. وهو الهدف الذى طالما عملت أمريكا على تحقيقه
من خلال ما تصدره إلينا من ثقافة وسلوكيات لا تتوافق وتعاليم ديننا الحنيف .. ولكن
ما حدث بالضبط أن شباب المقاومة هم من جيل كامب ديفيد هم من فجروا إنتفاضة الشارع
الإسلامي والعربي ضد الكيان الصهيوني وعدائياته المتكررة على أهلنا فى فلسطين
ولبنان وهذا ما أصابهم بالخوف والرعب وحدى بهم البحث عن وسيلة اعلامية تمد جذور
الثقة بينهم بين الاسلاميين العرب .. وهيهات أن تتحقق دعوتهم الوهمية .. وهم أبعد
ما يكونون لما يروجون اليه .. لكل ذلك علينا دحر هذه
المخططات حتى لا تصبح
واقعا ولسان ينطق ما يختار لنا من موضوعات اعلامية تؤثر فى المجتمعات بمعايير وأسس
مضبوطة لتتوافق معنا وسلخنا عن القيم الداعية الى
دراساتهم والتوسع فى
ابحاثهم والاقتداء بهم حتى لا نستطيع مقاومة وجودهم .. ويصبحون بذلك جزء منا
ومدخلهم للتأثير والتأثر هو أنهم أختاروا اللغه العربية كلفة رسمية لفضائيتهم
ومحطاتهم الاعلامية الاخرة التى تمتلك منها (اسرائيل) 90% - وكلها تخدم أهدافهم
التى
لا جوهر ولا قيمة لها.
انما ثبت التوهان عن
الثقافه الاسلامية والعربية .. بالاقتباس والتحريف .. لكى يستعمروا ويستعبدوا هذه
الامة فكريا واجتماعيا وثقافيا فى ابشع الصور بتغريغ الاخلاقيات
الاسلامية من محتواها
الذى أنعكس اليها من واقعها وتاريخها الحافل بالبطولات وطرد اليهود من هذه البقاع
الاسلامية العربية قبلا جل تفكيرهم ينصب فى أنساء الناس ثقافتها
وطبيعتها الفطرية التى
خلقهم عليها الله - سبحانه وتعالى- لعلمهم التام بأن الثقافة - هى
مجموعة من الافكار التى
نسجتها طبيعة البيئة المعنية وأن العلم هو الحقيقة الذاتية للاشياء
من حيث هى اينما وجدت
.. لذلك العلم - هو الانفع - والعلم الصحيح لا تجده الا فى كتاب
الله -القرآن الكريم
وسنة رسول الله (ص)- فهو وحده الذى غير قابل للاستيراد والاقتباس
أو التحريف.
لذا الخلاص فيما بلوره
الاسلام .. المرتكز على العقيده كمنهاج للحياه يشمل السلوك الفردى
ويأطر للعلاقات
الاجتماعية ويضع الاسس السياسية للدولة الاسلامية - فالقرآن الكريم فيه كل هذه
التشريعات .. لقوله تعالى:( وأنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على
قلبك لتكون من المنذرين
بلسان عربى مبين)
وكان سيدنا محمد (ص)
يتلو ما يأتى به الوحى على أصحابه - رضى الله عنهم ويأمرهم ان يحفظوه ويدونه من
يجيد فيهم الكتابة ومن يتلاه يتلوه على الآخرين .. يقول الله تعالى:( لقد
من الله على المؤمنين
أذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم
الكتاب والحكمة وأن
كانوا من قبل لفى ضلال مبين)
أقصد بهذا ان الحل لما
نحن فيه - هو العودة الى الاسلام. لكى نعكس اليهم أفكارهم على أعقابها .. مهما
كانت سيطرة اعدائنا على العالم فالاسلام له أثر أقوى على الافئده والنفوس
ذلك أعظم داع الى
العودة الى هذا النهج القويم واقتحام السبل المختلفة لدراسته واتقانه
والمحافظة عليه والدفاع
عنه لانك حتما ستذوق ثماره وتجد لذة مذاقه.. فبه وحده تزول
سحابة من الوهم الغربى
الكثيف .. وليس من وراء هذه السحابه الا حقيقه مجردة واحدة -
هى أن نعود الى نهج
الله - القرآن الحكيم وسنة رسوله الكريم (ص) والعناية المستمرة به..
حتى لا ندع مجالا للخزى
المخجل أن يغوص الى قمة راسه فينا بالمصطلحات والمذاهب
الغربية فى نشوه وطرب
.. وهى ليس لها أرتباط بجوهر ماهو الحق القرآن الحكيم ولغته
العربيه وما به من روعة
وأعجاز .. فلا يفهم منه من هو بعيد عن اللغه العربية- التى ظهر
بها الاسلام وأصبح
سيدنا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم يدعو الى الدين بها
جهارا .. وكان يبعث
أصحابه للتبصير بهذا الدين .. واتى اليه وافد ابتعثه الى اهله .. كما
تم بالضبط مع معاذ حيث
أرسله الى اليمن قائلا له:(أنك تقدم على قوم أهل كتاب.. فليكن
أول ما تدعوهم اليه
عبادة الله تعالى فاذا عرفوا الله تعالى فاخبرهم أن الله- سبحانه وتعالى - فرض
عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.. واتق دعوة المظلوم فانه ليس
بينها وبين الله حجاب).
مع ذلك إعلامنا يغفل
هذه الجوانب الرساليه الهامة التي لا تخطي لدينا بأي أهتمام .. وهذا أمر مؤسف
للغاية .. وفي نفس الوقت يخطي دعاة ( التغريب ) الذين يمارسون عداوة أصيلة للقرآن
الكريم .. ومن ثم يمارسون معاداة اللغة العربية 00 ولعل الخير لهم الإهتمام بما
ينفع هذه الأمة ويقودها إلى الطريق الصحيح بكل سلوكياته وضوابطه وقيوده التي أمن
بها إيمانا راسخا لاتبعيه فيه ولا يشيع بين الناس أفكار ومصطلحات لا تستمد لنا
بصلة حتى ولو كان ذلك على سبيل النقد أو مجرد الوصف .. ومن ثم علينا السعي لفرض
القيم الفكرية والإنسانية المختلفة من نهج الإسلام .. فالكلمة تظل حقيقية تاريخية
لا تغيب عن أي باحث أسعفه الخط بشئ من الوعي والفهم الإسلامي - قطعا سيدراك أن الحل
فيما رحت لإليه لا سواه .
أن الزمن لا يمكن أن
يصبح عقيما باي حال من الأحوال ولا يعقل أن نركن لهذا الإستهداف المرسوم بعبقرية
.. وفقا لدراسات وأبحاث عكفوا عليها منذ قرون وما زالوا .. فكل زمن ينطوي يأتي
غيره بفكره جديده لا تخرج عن سابقتها لانها تود اجهاض الخطر في نظرهم ( الإسلام ) .. لهذا تعددت المنابر وملأت
مكانها في المنطقة الإسلامية والعربية .. لأنه لا يوجد تعويض عن ذلك فإعلامنا
منشغل بقضايا أنطرافية - أي ليس في مقدوره أن يخلق التوازن وتفعيلاتة .. فهم - أي
الصهانية والأمريكان وحلفائهم يقفون لنا بالمرصاد لتحقيق مطامعهم وأمتلاك ناحية
توجية الرأي العام .. بخطوات مدروسة تكيد بالذي يمثل في ميدان الإعلام تنحي للدعوة
الوافدة الهدامة عن طريق ( حرب الكلمة ) التي هي أمضي الأسلحة تحي بلا انحناءة
ذليلة - إنما تجتاز كل ما يقف أمامها إلى أن تحقق ما تصبو إليه - وهو ( التغريب )
.. فأن لها ما يسوغها إلى هذا السبيل - وهي
دائما ما تجده ممهدا بلا مقاومة توقفه عند حده - لأن حركة أجهزتنا
الإعلامية مشكولة وتفكيرها ليس بعيد المدى .. وهذا الشئ قادنا إلى التدني المطرد
في علاقتنا باللغة العربية - التي هي لغة القرآن الكريم - وبعيدين كل البعد عن
الثقافة الإسلامية .. ثم لا نحرك ساكنا ولا نقلق أو نتعجب مما نبصر من أضعاف
وتعقيد السبل إليها بعدم تحرير الأجهزة الإعلامية من قبضة الدولة - فالمادة
الدينية ضئيلة مقارنة بما تطرحه من برامج وسهرات في مضمار المنوعات والفنون
والدراما .. فهذه المرحلة الحاسمة تحتاج منا الأرتقاء لمستوى المسؤولية بأن تكون
تلاوة القرآن العظيم واتقانه وترتيله مع الإهتمام بالسنة المحمدية وأن نقطف
الثمرات .. واعطائها المتلقي في قوالب خفيفة تربوية تتعلق بالنفس بمقدار كونها
وسيلة إعلامية رسالية من شأنها أن تكون عميقة وتزيل تلك السطحية .. فاليهود يسعون
لا ضعفنا بشتى الوسائل والأساليب الألتوائية لتوصيل ما يريدون إلى الناشئة والشباب
من الجنسيين - بتحوير وتبدير (الموضوع) وتسبيط المادة الإعلامية ( في الشكل ) و(
اللغة ) ويستند هذا التحوير إلى دراسات عماها علماء في علم النفس وخبراء في
التربية ظاهرها ليس فيه الفائدة وباطنها ملئ بالباطل والكيد والأكاذيب لقوله تعالى
.. ( وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وهم يتلون الكتاب كذلك قالالذين لا يعلمون
مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) - ( البقرة ) .
هذه الآية توضح أن القرآن الكريم لم يدع
شارده أو وارده إلا وبصر بها المسلمين .. فنظرة الإسلام تقوم على قاعدة العبودية
للمولى عز وجل وترتكز بدورها على الإيمان المطلق بالله التزاما بأوامره ونواهيه ..
ويقول سبحانه وتعالى .. ( وقال الله لا تتخذوا إلهين إثنين إنما هو إله واحد فأياى
فأرهبون وله مافى السموات والأرض وله الدين وأصبا , أفغير الله تتقون ) .
وتطرق الفلاسفة
الأجتماعيون إلى الحديث عن طبيعة الدولة فى الإسلام وصلاحياتها وأهموا بدراسة
نظرية السلطة فى الأشكال المختلفة للدولة وقد ذكر إبن خلدون فى مقدمته : أن الدولة
تكون من ثلاثة أشكال :أما ملك طبعي أو طبيعى وهو حمل الكافة على مقتضى الغرض
والشهوة وهو ذلك الملك الفردى أو الأسري أو الوراثي وأما ملك سياسي وهو حمل الكافة
على مقتضى النظر العقلي فى جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار . وهو ما يسمى فى
الوقت الحاضر بدولة المؤسسات حيث تتحدد نوعية الحكم وسلطانه بموجب قانون وضعي يتفق
عليه سكان الدولة .
وأما خلافه وهى حمل
الكافة على مقتضى النظر الشرعي _ وهى تحكيم شرع الله الذي يحدد إختصاصات الحاكم
والمحكوم ويعالج الصلات الإنسانية على ضوء قانون السماء , وقد حرص الإسلام على
تنفيذ الأحكام القرآنية ورد الظلم _ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(
الدين النصيحة , قلنا لمن ؟ قال : لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) _ رواه
مسلم فى صحيحه .. وفى حديث آخر له قال صلى الله عليه وسلم :( أن الناس إذا رأوا
الظلم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب ) .
وهانحن نرى الظلم يدب
فى كل مكان ولا نحرك ساكنا سوى متابعته مشدوهين عبر قنواتهم الفضائية الغربية
والعربية والأخيرة كان من المأمول أن يتوفر فيها منهاج الدعوة لرد الظلم الواقع
على فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان وسوريا وإيران والصومال والسودان وغيرهم ..
لذلك لابد من أن تتوفر فى الإعلامي صلته بالقرآن الكريم وسنة الرسول (ص) حتى لا
يكون أشبه بالسائح الأجنبي ببلاد لم يشاهدها قبلاً ولم يسمع عنها .. مما يجعله فى
كل خطوة يخطوها فى حاجة إلى مرشد يدله ويعرفه بالبيئة الجديدة عليه , حتى لا ينتهى
به الأمر إلى التوهان .
الترويج الذي وجدته
القنوات والمحطات الغربية المدارة عبر اللوبي الصهيوني بإشاعة جو مغاير للجو
الإسلامي العربي والدفع به نحو الهاوية .. وبهذا تكون قد زاحمت قنواتنا ومحطاتنا
وهذا بمثابة تكثيف وحصر المتلقي وراء ظاهرة الضعف بالحاجة إليهم بإستمرار .. وهم
ينجحون فى مخططهم ونحن نفشل فى إستشعار الناس إلى خطورة الإعلام الوافد إليهم ,
وتستغل فى ذلك الكبت الذي تمارسه الأنظمة عليهم , لهذا كثفوا من الدعوة إلى
الديمقراطية والحرية والمساواة بين الرجل والمرأة وحقوق الإنسان .. وظلوا يطرقوا
فى هذا الجانب إلى أن إستطاعوا صبغة دول كثيرة إسلامية وعربية بهذه الصبغة ,
فأستبدلوا إعلامنا بإعلامهم بإحياء اللغة العربية على صعيد التلفاز والمذياع , بل
راحوا يسوغون ذلك بحجة أخرى من الطرافة والدجل بمكان وهى تصور إسرائيل مفترى عليها
وفلسطين ولبنان ـ هما كل الإرهاب , وهذا بغوصهم فى المشاعر بصورة دقيقة تتيح لهم
فرصة طرح قضيتهم بتعابير منتقاء بعناية غاية فى التفوق , بالمقابل أجهزتنا
الإعلامية تحصر نفسها فى نقل المآسي والمجازر وتكتفي بذلك .
الإعلاميات الغربية
(الصهيونية ) ـ هي حصيلة الإختزالات من أصولها النصرانية واليهودية وحصيلة ما تردد
الألسن الإسلامية والعربية من كلمات أعجمية مختلفة وتعابيرها مشوهة بغرض أن لا
تملك اللغة العربية ميزتها أو إشراقها الذي خصه بها القرآن الكريم .. والكثير من
هذا القبيل , وأى إنسان على وجه هذه البسيطة لا تنطلى عليه ولكن الأعجوبة فى أن
هذا الأمر يفوت على الأجهزة الإعلامية وهذا نتيجة الضعف المركب المتمثل فى إقتحام
ثقافتهم لعالمنا وتأثيرها فى النشء والشباب , لذلك تجد من ينقب ويبحث حقاً فى هذا
الإستهداف فيصاب بالذهول وخيبة الأمل في أننا لا ندرك هذا الشيء الذي نقف أمامه
مكتوفي الأيدي , وهم يفكرون وينفذون في المشروع الصهيوني , وللخروج من هذا المأزق
علينا أن نعكف على دراسة القرآن وسنة نبيه الكريم (ص) وأتباع نهجه فى الرد على
الإفترآءآت الإسرائيلية لأنك ستجد أدق
الصور التعبيرية والصياغة والعبرة لمن لا يعتبر .. والبيان فى عصور مختلفة خلت
وجدت فيه ذروة الإعجاز البياني والمعاني والمشاعر والأحاسيس والروعة فى المعنى
المقصود بأدق الألفاظ التي توصل إلى الطريق القويم الذي يكمل الصورة الدقيقة
لحياتنا التي لن يرضى عنا فيها لا اليهود ولا النصارى مهما فعلنا لهم من خير , حيث
يقول سبحانه وتعالى :( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل أن هدى
الله هو الهدى ولئن أتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا
نصير , الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك
هم الخاسرون ) ـ البقرة .
وأشهد أني ما وقفت على
أسمج ولا أسخف ولا أثقل من تلك الأفكار الصهيونية , لأن بها الكثير من الزعم
لتنفيذ سياسة بعيدة عن الإيمان بما أنزل الله ـ سبحانه وتعالى .. ومنعنا بثقافتهم
البالية المستوردة من مزاولة شعائر التمسك بالإيمان .. حتى ليخيل إليهم أن مشروعهم
يصلح بديلاً , وأن يكون سلاحاً يمضي بنا إلى حيث هم أرادوا .. ولكن ستظل دعوة
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم خالدة إلى يوم يبعثون ـ بإذن المولى عزوجل .. اذ
دعوتنا الإعلامية يجب أن لا تعمل فى الخفاء حتى لا تجد دعوة الإعلاميات الغربية
الحاقدة طريقها إلينا في حطة وخبث أصبح يعلم هذا أصغر إسلامي أو عربي في كل بقاع
الدنيا .. وهاأنا أنذر عشيرتي من خطورة ما تقودنا إليه القنوات والمحطات الأجنبية
, وربنا العلي القدير خطط للنبي الكريم (ص) بأن ينذر بادي ذي بدء عشيرته الأقربين
لأنهم أولى وبعد الإقتناع بما أنزل إليك أدعو الآخرين فقال سبحانه وتعالى :( وأنذر
عشيرتك الأقربين وأخفض جناحك لمن أتبعك من المؤمنين , فإن عصوك فقل إني برئ مما
تعملون وتوكل على العزيز الرحيم ) .
وفي هذا الصدد فأن أي
متأمل في أمر الدعوة الإسلامية يعلم أن الغرض الأول والخير من هذه الدعوة تبصير
الناس بالنهج الصحيح .. ولأن في بدايتها كان هناك قصور في وسائل الإعلام الأخرى ,
كانت المخاطبة للجماهير تتم بصورة مباشرة في حدود الإمكانيات المتاحة تحت ظروف
صعبة وملابسات مقاومتها برغم توفير الحجج الحجج والبراهين , وعندما أصدر المولى عز
وجل أوامره للرسول الكريم (ص) ـ بأن يبرز ما أخفى عقب خمس سنوات من البعث بالرسالة
المحمدية وأن يصدع بما آتاه العلي القدير عبر الوحي لقوله :( فأصدع بما تؤمر وأعرض
عن المشركين ) .
وصعد الرسول (ص) جبل
الصفاء ونادى بأعلى صوته يامعشر قريش .. قالت قريش : محمد على الصفا يهتف ) ,
وأقبلوا عليه يسألونه ماذا يريد ؟ فقال : هل سمعتوني ذات يوم أقول كذباً ؟ فأجابوا
: لا لم نعرف منك غير الصدق ـ ثم سألهم : أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا
الجبل تغير عليكم , أكنتم تصدقونني ؟ ـ فقالوا : نعم . أنت عندنا غير متهم وما
جربنا عليك كذباً قط . هنا إستجمع الرسول الصادق قواه وقال لهم : فإني لكم نذكر
بين يدي عذاب شديد ..ثم صاح بأعلى صوته : يا بني عبد المطلب , يا بني مناف , يا
بني زهرة , يا بني تميم , يا بني مخزوم , يا بني أسد , أن الله قد أمرني أن أنذر
عشيرتي الأقربين وإني لا أملك لكم من الدنيا منفعة , ولا من الآخرة نصيباً , إلا
أن تقولوا (لا إله إلا الله ) ثم أكمل بيانه بأن دعاهم إلى نبذ الوثنية وإجتناب
الفواحش وإلى الإيمان بوحدانية الله , ثم كان إتصاله بأبناء المدينة من الأوس
والخزرج في بيعتي العقبة الأولى والثانية وإهتداؤهم إلى الحق مما كان له أخطر
النتائج فى تطور الدعوة الإسلامية تاريخياً .
من وسائل الإتصال
الإعلامي لنشر الدعوة الإسلامية , كان الرسول (ص) يبعث بالدعاة والقراء إلى
القبائل العربية التي آمنت بما أنزل إليه من الله تعالى ـ ليعلموهم القرآن والسنة
, وفي هذا الدرب روى الأمام البخاري عن بن اسحق عن البرآء قال : ( أول من قدم
علينا من أصحاب النبي (ص) مصعب بن عمير وابن أم مكتوب , رضي الله عنهما , فجعلا
يقرآننا القرآن , وكان مصعب يسمي المقري وقد قام القراء بمهمة رسالية إعلامية توعي
من لا يعي بالقدوة الحسنة التي تقي الإنسان من عذاب يوم ينتظره أن طال به الأمد .
وواصل رسولنا الكريم
(ص) هذا النهج الإعلامي بإرساله للمندوبين لينوبوا عنه لدى الملوك والأمراء داخل
جزيرة العرب وخارجها , وخلق علائق وثيقة بهم وبملوك الروم وكسرى وعزيز مصر , فقد
بعث بهم أمية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم , وعبد الله بن حذافة السهمي إلى
كسرة ملك الفرس , وعمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة , وخاطب بن أبي
بلتعة إلى القوقس ملك الأسكندرية وعمرو بن العاص السهمي إلى جيفر وعبدابني الجلندي
ملكي عمان .
وهذا الفهم الإعلامي
الراقي ركز عليه الخلفاء الراشدين من بعده وإستخدموا وسائل إتصالية أشبه بما كان
يستخدمها الرسول (ص) ـ ولا سيما أن سيدنا عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين كان
يطلع على أحوال الرعية بنفسه متفقداً أحوالهم ليلاً ونهاراً بالتجوال في الأسواق .
ولعل معاناة تلك المرأة تقف شاهداً على مفعول الإتصال المباشر , ففي أثناء سيره
سمعها وهي في قعر دارها تنشد شعراً قائلة :
تطاول هذا الليل وأخضل جانبه
وليس إلى جنبي خليل
ألاعبه
ألاعبه
طوراً وطوراً كأنما
بدأ قمر في ظلمة الليل
حاجبه
يسر به من كان يلهو
بقربه
لطيف الحشى لا تحتويه
أقاربه
فوالله لولا الله لا رب
غيره
لزلزل من هذا السرير
جوانبه
ولكنني أخشى رقيباً
موكلاً
بأنفسنا لا يفتر الدهر
كاتبه
مخافة ربي والحياء
يصدني
وأكرم بعلي أن تنال
مراكبه
ثم تنفست الصعداء وقالت
: لقد هان على عمربن الخطاب وحشتي وغيبة زوجي عني ! فأرسل عمر بن الخطاب يستدعي
زوجها من ميدان القتال , ثم دخل على حفصة إبنته ( أم المؤمنين ) فقال : أي بنية !
كم تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقالت : شهراً وإثنين وثلاثة ,, وفي الرابع ينفذ الصبر
. فجعل ذلك أجلاً للبعث وأصدر تشريعاً على الفور بأن لا يغيب المجاهد فى الحرب
لأكثر من ثلاثة شهور دفعة واحدة , وينبغي أن يعود ليبقى فترة مع زوجته ثم يعود إلى
الميدان .
ولم يكتف عمربن الخطاب
بهذا الأسلوب الإعلامي المتميز , فعقب توليه الخلافة خطب خطبة طويلة .. حيث قال :
بلغني أن الناس هابوا شدتي , وخافوا غلظتي وقالوا قد كان عمر يشتد ورسول الله بين
ظهر أنينا .. ثم أشتد علينا وأبوبكر والينا دونه , فكيف صدق وقد صارت الأمور إليه
! إلا من قال هذا فقد صدق .. فإني كنت مع رسول الله عونه وخادمه , فكنت بين يديه
سيفاً مسلولاً حتى يغمدني أويدعني فأمضي , فلم أزل على ذلك حتى توفاه الله وهوعني
راضي .. ثم ولي أمر المسلمين أبوبكر فكان ممن لا تنكرون دعته وكرمه ولينه , فكنت
خادمه وعونه أخلط شدتي بلينه فأكون سيفاً مسلولاً حتى يغمدني أو يدعني فأمضي ..
فلم أزل كذلك حتى قبضه الله ـ عز وجل ـ وهو عني راضي .. ثم إني قد وليت أموركم
أيها الناس فأعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي
, فأما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض , ولست أدع أحداً
بظلم أحد أو يعتدي عليه حتى أضع خده على الأرض حتى يذعن للحق , فأتقوا الله
وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصيحة فيما ولاني
الله من أمركم
الباب السابع
وتبدأ مرحلة جديدة في
حرب الغرب(الجاهلية الحديثة) على الإسلام ونبيه الكريم (ص). عبر حرب البابا
المقدسة.. والتي ما هي إلا امتداد طبيعي لحورب بدأت أوروبا بالترويج إليها من خلال
النرويج وبلجيكا والدنمارك وفرنسا وألمانيا..الخ.
كان المشهد غير مألوفا
للمفاجأة التي ألجمت الجميع.. في وقت غير مناسب لإلقاء محاضرة في صالة مافمنا في
جامعة ريغنسبورغ.. ليفتري البابا بنديكتوس السادس عشر على سيد البشرية العظيم
سيدنا محمد (ص) من خلال أقتباسه كلام أمبراطور مسيحي من القرن الـ 14.
ففي غضون أيام وجد نفسه
أمام عاصفة عالمية.. أدخلته في جدال حاد.. حوت على أثره البرلمان الباكستاني على
إدانته وطالب المرجع الشعبي الأعلى في لبنان بأعتذار شخصي وقال نائب رئيس الحزب
الحاكم في تركيا إن البابا سيضعه التاريخ في الخانة نفسها مع قادة مثل هتلر
وموسولين.
وسرعان ما أصدر
الفاتيكان بيانا يحمل العنوان البليغ : (إعلان بشأن خطاب البابا في ريغنسبورج) قال
فيه الناطق بأسم البابا فيد يريكو لومباردي.. لم يكن في نية الحبر الأعظم القيام
بدراسة معقمه عن الجهاد والأفكار الإسلامية في هذا المجال ولم تكن نية إهانة
المؤمنين المسلمين.. فإن كان الهدف التعبير عن رفض واضح وجذري للدوافع الدينية وراء
العنف على حد كلام لومباردي.. فإن البابا بند يكتوس قد فشل.
لذلك كانت نوايا البابا
بهذا التناول الإشارة إلى الحرب المقدسة بالخوض في مفهوم الجهاد في الإسلام دون أن
يتطرق للتاريخ المسيحي المليء بالعنف والمذابح الدموية والحروب الصليبية..
فالغرب(الجاهلي الحديث) وفلاسفته ومؤرخيه وعلمائه.. ظلوا على هذا المنوال.. لذا
البابا يعني ما قاله.. لأنه يندرج في الإستهداف الأمريكي الصهيوني.. فكل المحاولات
لاستدراك ما صدر من البابا لا يسنده أي مصوغ يمكن الأخذ به.. فاستحضاره لهذا
الحديث في هذا التوقيت بالتحديد عمق(الأزمة).. الواضحة في بداية خطابه عن الأيمان
والعقل: (كان الجدال حادا مع المؤرخين والفلاسفة وعلماء فقه اللغة التاريخي). ثم
أستشهد بحوار بين إمبراطور بيزنطي مسيحي في القرن الـ 14. ومسلم فارسي. وقال
بنديكتوس مقتبسا كلام ؟؟؟؟؟ واحن لأنه شريعة الله ودينه ورسالته على الرسول الكريم
(ص).. وقبلا الأمبراطوريات لم تستطع أن تطفيء نور.. رغما عن أنها جندت لحربها
الصليبية حملاتها المشهودة .. فما استطاعت أن توقف هذا المد الإسلامي أحقاقا للحق
وأبطالا للباطل.. وبرغم أن التتار دمروا الحضارة الإسلامية وعواصمها وجامعاتها
ومدارسها إلا أنهم ذهبوا إلى الجحيم وبقى الإسلام شامخا عزيزا.. ممتدا لكافة بقاع
الدنيا بفكرة الإسلام.. وبالوقف في عهد خلافة سيدنا عمر بن الخطاب "رضي الله
عنه" وما شرعه للناس من شرائع الإسلام العظيمة في العدل والحرية والمساواة
وفي مراقبته شعبه وأمته – وهو يقول في اخر سنة من خلافته: (أن عشت لأسيرن حولا ..
فأقيم في الشام ومصر والبحرين والكوفة والبصرة وغيرها. فأني أعلم أن للناس حوائج
تقطع عني .. أما هم فلا يصلون إليّ .. أما عمالهم فلا يرفعونها إليّ) .
وبهذه المتابعة نجد
الغرب باستعماره الأوروبي حب جام غضبه على الإسلام والمسلمين في عصره المسمى
بالعصر الحديث وأسميه أنا بالعصر (الجاهلي الحديث) . إلا أنه انحسر هذه وخلو
الإسلام بصوته الحق الذي لا يذهب مهما تألبت عليه الاستهدافات من أعدائه الذين
هدموا تراثه وحضارته وكنوزه وبددوا ثقافاته وخبراته ونهبوا ثرواته وبثوا سمومهم
بكل ألوان كفرهم وفسادهم وإلحادهم وفسوقهم .. لأنهم يضمرون العداء للإسلام
ويحاربون مبادئه بكل ما يمتلكون من قوة عسكرية وإعلامية .. أي أن المخطط لتشويه
صورة الإسلام ليس جديدا وأستخدموا في سبيل ذلك وسائل مختلفة لكي يتحقق لهم الغرض
السافر.. الذي جندوا له نفوذهم وسيادتهم وسلطانهم وتجارتهم وثقافتهم وحضارتهم
الأوربية وتعاونوا مع دعاة المادية وحماتها لخلع مباديء الإسلام من النفوس
المسلمة.. بالغزو الإلحادي تعاونا مع الشيطان للقضاء على الإسلام في مقر داره إلا
أنهم فشلوا فشلا ذريعا وانتصر عليهم الإسلام في النهاية.. لأنه الخالد بدون شك.
وتمتد خطوات الغرب في
الكيد للإسلام على غاية أساسية كبرى – وهي تجريده من مضمونه وحشوه بمضامين أخرى لا
علاقة لها بشيء من الإسلام أو فلسفته أو قيمته الجمالية المتفق عليها.. لهذا كله
علينا الابتعاد عن الآراء والأفكار والثقافات الغربية المستوردة عبر الفضائيات
والمحطات الإعلامية الأخرى.. المستعمرة والمستعبدة للفكر والثقافة والحياة
الاجتماعية بأبشع أشكاله الجديدة المعادية للإسلام وقرانه ولغته العربية.. فليست
بحاجة لتأكيدها.. فالعامة من الناس الحادبين عليه.. يعملون ذلك تماما ولا تحتاج
على دليل أو برهان.. وليس أدل على هذا الشيء من الحملة التي قادها كل من
"سبيتا" و "ويكلكس" و "كارل فور لروس" ومجلة
المقتطف على اللغة العربية القصص ما بين عام (1880 – 1890) – داعين إلى استبدال
العامية المصرية – بها.. قام لها سوق كبير في مصر وظهرت لها أصداء هنا وهناك..
ولكنها اختفت رغم ذلك كله بسبب ظهور شعراء فحول من أمثال إسماعيل صري ومحمود سامي
البارودي ثم أحمد شوقي وحافظ إبراهيم.. فقد كان لهؤلاء الشعراء الفضل – بعد الله –
في أذكاء روح محبة الناس للفصحى والتعلق بها من جديد ونبذ كل دعوة تعارضها مهما
كانت الحيلة والأسباب أليست اللغة العربية الفصحى.. هي لغة القران الكريم.. لذا لا
يريدون لها خيرا.
وقد علم الباحثون أن لا
سبيل.. لتخليص لسان الطفل – في مقتبل دراسته للغة الإسلام (اللغة العربية). من
العامية وعوجها إلا أن يؤخذ بتلاوة القران العظيم تلاوة سليمة ويتمرس عليها ..
وبذلك ينشأ الطفل وجرس الجزالة العربية يطن في اذنيه ووقع التقطيع العربي الموزون
مندمج في نفسه مهما كان سلطان العامية أو أي لغة أو لهجة أخرى بين أقرانه وأهله..
بق5در ما يتوقف الطفل في هذه السن إلى الإكثار من تلاوة القران الحكيم وترتيله
يكون انطباع الجزالة العربية في نفسه أتم وأمكن، بقدر ما يخونه التوفيق في ذلك
يكون عوج العامية.. ولكنها العق به وأمكن. فأي متأمل للاستهداف الغربي الأمريكي
الصهيوني للإسلام ولغته العربية وما نزل به من شريعة عامة خالدة إلى يوم الحرب على
لغة القران العظيم وأعلنوا عن وجههم الخفيء باستمالة أبناء هذه الأمة ليقوموا بهذا
الدور.. ليضحوا عن غرامهم المزيف للعامية قديما وحديثا في القاهرة أو لبنان أو في
أي صقع عرب آخر – إنما هم فلول من الأجانب الذين ليسوا من هذه اللغة ومصدرها
وآدابها في شيء .. من قال أنهم عرب – أنظر إلى وجوههم تدري السبب .. أنهم ليسوا
عرب .. بل هجين من الغرب .. بدءا من وليم "سبيتا" إلى "كارل
فولرس" – إلى "ويكلكس" إلى عقل (وأشباهه) – إذا فهي دعوة أجنبية
حاقدة .. تتسلل إلينا في حطه وخبث أصبح يعلم هذا أصغر مسلم في أي بلد من البلاد
الإسلامية والعربية.
ويتواصل الغرب في نمية
من خلال الإساءات المتواصلة للإسلام ورسوله الكريم (ص) .. فقبل أن تهدأ (حرب
البابا المقدسة). وقبله الرسومات الكاريكاتورية في الدينمارك والنرويج وفرنسا ..
والدنمارك تواصل تحديها للمسلمين بصور مسيئة للرسول العظيم – عليه أفضل الصلوات
وأتم التسليم .. حيث أقامت منظمة الشبيبة التابعة لحزب الشعب الدنماركي – المشارك
في ائتلاف الحكومة الدنماركية الحاكم – احتفائية لرسم ما وضعته بأبشع صورة للرسول
الكريم (ص) وعرضت صحيفة افيسن شريطا للحفل وأبرزت فيه الصورة المسيئة للنبي العظيم
(ص) وتنص المسابقة التي أقيمت في إطار مخيم صيفي شبابي على أن من يخسر فيها يرتدي
برقعا كنوع من المزيد من السخرية والاستهزاء بالإسلام وأعظم خلق الله الرسول
الكريم (ص).. مما يؤكد أنها تصب في جانب الأحداث الزاحفة علينا من الغرب وأمريكا
والصهاينة.. تمثل حربا بطريقة جديدة – هي "حرب الكلمة" – بالإعلام
والبعثات التبشيرية في كل مكان عبر المنظمات الإنسانية وهي أبعد ما تكون عن ذلك..
وكل من يقف خلف أهدافها تنهال عليه المساعدات والهبات.. لأنه لتحقيق رغبات ذاتية
يقف في وجه الإسلام.. بالتبشير بالمذاهب اللا دينية التي تغزو الوطن الإسلامي
والعربي.. ضف إليهم دعاة العنصرية الذين أيضا يحاربون الإسلام ويطردون المسلمين من
أوطانهم وفي اغلب الأحيان يقتلونهم ويشردونهم باسم القومية تارة.. وتارة أخرى
بدواعي مكافحة الإرهاب أو منع انتشار الأسلحة النووية – ولعل ما نتعرض له
الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الترويكا الأوروبية من جهة – ومن واشنطون من جهة
أخرى – حول برنامج إيران النووي السلمي.. وبالمقابل تجد إسرائيل تمتلك السلاح
النووي ولا تحرك اتجاهها ساكنا – بجانب أنها تقيم في قلب العالم الإسلامي – العربي
وتشن ثلاث حروب ضروس وتعمل في الخفاء والعلن لكي تدس للحركة الإسلامية ما يمكن أن
يوقف مدها.. ولا تيأس من هذا الفعل على أمل أن يتحقق لها ذلك في يوم من الأيام.
أن مشكلة العالم
الإسلامي والعربي يمكن حلها بالإسلام أولا وأخيرا.. بازدياد الوعي الإسلامي في
جميع المعمورة والإقبال على التراث الإسلامي والفكر الثقافي والمعرفي والعلم بما
فيه من حياة متجددة وروح حضارية أصلية.. وهذا يؤكد أن مشكلات العالمين الإسلامي
والعربي لن تحل إلا عن طريق الالتقاء بالإسلامي وأفكاره وقيمه ومبادئه وحضارته
التي نوه إليها طاغور شاعر الهند الكبير الذي يرى أن حل "الأزمة"
الهندية في أن يدرس الهندوس الكتب العربية لفهم الروح الإسلامية بطموحها وتساميها
فهما حسنا.. فلماذا لا ينادي المسلمون بما نادى به طاغور البوزي من نصف قرن ؟!
فالقران الحكيم يكشف
للعقل حقائق الكون والنفس بلغته العربية .. ولعل القلب يعي.. ولعل الفطرة تصحو
وينجلي للعقل دلالات الله في كونه لقوله – سبحانه وتعالى: (قل أرأيتم إن جعل الله
عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل
أرأيتم أن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم
بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبقوا
من فضله ولعلكم تشكرون).
وأيضا القران الكريم
فيه الكثير من الوعد بالنعيم والوعيد بالهلاك المبين لقوله – سبحانه وتعالى: (وكم
أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فتقبوا في البلاد هل من محيص؟ إن في ذلك
لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).
وتقدمت بشائر من سلف من
الأنبياء بنبوة سيدنا محمد (ص) – مما هو معجزة تدل على صدقه عند غيرهم بما أطلعه
الله على غيبه – لقوله في محكم تنزيله: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من
كتب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على
ذلكم إمري قالوا أقررنا قال فأشهدوا وأنا معكم من الشاهدين).
إذن الذي بشرت به
التوراة لا يكون من بني إسرائيل.. ولكنه من أخوة بني إسرائيل وهم العرب أو الروم..
فالروم لم يكن منهم نبي غير أيوب – عليه السلام – وكان أيوب قبل موسى – عليهما
السلام – فلا تنطبق عليه البشارة.. إذن فلم يبق غير العرب لأنهم أخوة بني
إسرائيل.. فكان النبي محمد (ص) خاتم الأنبياء – عليهم السلام جميعا – وهذا يؤكده
سفر التكوين حين ذكر إسماعيل جد العرب: (؟؟؟؟؟؟مانويل الثاني: (أظهر لي ما الجديد
الذي أتى به محمد وستري فيه فقط ما هو شرير وغير انساني مثل دعوته إلى نشر دينه
بالسيف).
الحديث هنا واضح وجليء
والمقصود به مواصلة مخطط تشويه صورة الإسلام ورسوله الكريم(ص).. وهذه المبرارات
الواهية لن نفسح لها المجال لكي يحققوا ماربهم بهذه الفكرة الغبية الغازية(حرب
الكلمة). العاملة بصورة غير صحيحة. وهي مؤامرة في مجملها يجب أن يلتفت إليها المسلمون
حتى لا ندع لمثل هذه الأساءات لتفريغ الإسلام مما حباه به.. العلي القدير.. لذلك
من الواجب إلتفات المسلمون لمثل هذه المفاهيم التي تمثل خطرا كبيرا على الإسلام
الذي عرف بالتسامح والمودة والرحمة.
ألم يقرأ البابا بند
يكتوش السادس عشر.. الأنجيل الذي قال فيه المسيح.. عليه السلام: (إن كنتم تحبونني
فأحفظوا وصاياي وسأرغب إلى الأب في أن يبعث إليكم معزيا أخر ليمكث معكم للأبد).
فالمسيح – عليه السلام –
يصرح لهم بأنه سوف يغادر الدنيا إلى عالم اخر.. وسوف يأتي بعده(المعزي) – وهو
المقصود بالبشارة التي قالها – عيسى عليه السلام والمعني به – هو سيدنا محمد (ص)
لتبقى رسالته إلى الابد – كما قال الله تعالى: (وخاتم النبيين) – فلا شك أن رحيل
سيدنا المسيح عليه السلام – مهد لبعث رسول الله (ص)..وفي الفقرة المأخوذة من
الانجيل دليل واضح على التحريف وسأبعث إليكم)وصحة العبارة (سيأتكم).. لتناسب
الكلمة السابقة (يأتكم).. لأنه..أي سيدنا عيسى عليه السلام – لا يبعث بنفسه.. إنما
الذي يبعث هو الله رب العالمين.
وهذا التحريف الذي تم
في الأنجيل والتوراة من قبل ألف عام فأكثر.. مما يؤكد تأكيدا قاطعا. أن كتابات
كثيرة تغيرت بسبب عدم ثبات النص.. مما يدحض أفتراءات البابا وتباعه في امريكا
وأوربا – على الإسلام سيدنا محمد (ص) .. فأن الملى – عز وجل – عونا على أوامره
واغناء عن نواهيه وقد تقدمت بشائر من سلف من الأنبياء بنبوة النبي العظيم (ص) مما
هو حجة على اممهم وعجزة تدل على صدقه عند غيرهم بما أطلعه الله على غيبه ليكون
عونا للرسول الكريم (ص).
وليعلم البابا وغربه أن
شخصية سيدنا محمد (ص) من أعظم الشخصيات التي مرت على تاريخ البشرية .. ورسالته خير
الرسالات .. لما تحويه من حريات عامة وديمقراطية ومفهوم عميق للحرية وحقوق الإنسان
.. وهي رسالة التوحيد .. والإسلام – وهي رسالة في أتم صورها وقد بلغها على أكمل
وجه ولقد أكرم الملى – عز وجل – أمته بأن جعلها خير الأمم ورسالته خير الرسالات
السماوية وأعطى الرسول الكريم (ص) ما لم يعطى لأحد من الأنبياء قبله وذلك بأن الله
خصه بجوامع الكلم وخصه بخوف العدو منه مسيرة شهر فيقذف الرعب في قلوب أعدائه
فيخذلهم ومن عظمائه أنه أرسل الكافة البشرية .. أن رسالته – رسالة عامة.. وأنه ختم
به النبيون .. فأغلق باب الوحي وقطع طريق الرسالة .. ومن ذلك ما ورد من قوله صلى
الله عليه وسلم: (فضلت على الأنبياء بخمس بعثت إلى الناس كافة وذخرت شفاعتي لأمتي
ونصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفي.. وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي
الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) .
ولك أن تتصور عظمة
الدولة الإسلامية – منذ أن نزل الوحي على الرسول العظيم (ص) ومرورا الخلفاء
الراشدين .. فكان لا تغيب عنها الشمس .. وحينما كان الرشيد يجلس في قصر الخلافة
ببغداد .. ويتطلع إلى غمامة بين السحاب .. فيقول لها: (أمطري أين شئت فسوف يأتيني
خراجك) – وذلك كله وغيره.. مما لا نستطيع حصره في هذه الصفحات الخالدة في تاريخ
الأمة الإسلامية ما ناله المسلمون إلا بالإسلام أولا .. ووحده هو العظيم.. وهو
الذي اتل لهم الملك وحكم البشرية ومنهم السيادة والنفوذ والسلطان .. وفجر لهم كنوز
الأرض ما ظهر منها وباطن .. ووهبهم القيادة على أمم كثيرة كانت لها السيادة في
العالم كله قبل الإسلام وفي بدء ظهوره.
وهذا يقودنا إلى كلمة
سيدنا محمد (ص) لقومه في مكة عقب نزول الوحي عليه بسنوات معدودات: (ما جئت بما
جئتكم به.. أطلب أموالكم .. ولا الشرف فيكم.. ولا ألملك عليكم.. ولكن الله بعثني
إليكم رسولا وأنزل علي كتابا .. وأمرني أن اكون لكم بشيرا ونذيرا ..فبلغتكم رسالات
ربي.. ونصحت لكم .. فأن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والاخرة .. وأن
تردوه علي أصبر حتى يحكم الله بيني وبينكم).
ومما ذكرت ندلف إلى
الكيفية التي بدأ بها الإسلام .. ولعل ابلغ ما قيل في هذا الإطار .. كان حديث عفيف
بن قيس الكندي: (كنت في الجاهلية عطارا فقدمت مكة .. فنزلت على العباس بن عبد
المطلب .. فبينما أنا جالس عنده أنظر إلى الكعبة .. وقد تحلقت الشمس في السماء ..
أقبل شاب كان في وجهه القمر .. حتى رمى ببصره إلى السماء .. فنظر إلى الشمس ساعة
.. ثم أقبل حتى دنا من الكعبة .. فعف قدميه يصلي .. فخرج على أثره فتى كأن وجهه
صفيحة يمانية .. فقام عن يمينه .. فجاءت امرأة متلففة في ثيابها فقامت خلفها ..
فأهوى الشاب راكعا فركعا معه .. ثم أهوى إلى الأرض ساجدا فسجدا معه .. فقلت
للعباس: يا أبا الفضل .. أمر عظيم – فقال: أمر – والله عظيم .. أتدري: من هذا
الشاب ؟ قلت: لا قال: هذا أبن أخي .. هذا علي بن أبي طالب .. أتدري: من المرأة؟
قلت: لا قال: هذه أبنة خويلد .. هذه خديجة زوج محمد هذا – وأن محمدا يذكر أن الهة
إله السماء والأرض – أمره بهذا الدين .. فهو عليه .. كما ترى .. ويزعم أنه نبي ..
وقد صدقه على قوله أبن عمه هذا الفتى وزوجه خديجة هذه المرأة.
نعم صدقه سيدنا علي ثم
صدقته الصالحة خديجة بنت خويلد "رضي الله عنهما" . ثم صدقه العرب .. ثم
صدقته المشارق والمغارب .. واهتزت الدنيا كلها أيمانا به وتصديقا حجة شرعية
والأدلة على حجته كثيرة – امنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم فإن
تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير
وأحسن تأويلا) .
من هذا نستخلص أن
الإسلام أستمر في أمتداده .. برغم تكالب قوى الوثنية والشر والعدوان عليه .. ولكنه
ظل صامدا قويا أمام كل ما يواجهه من هزات وأحن .. لأنه شريعة ؟؟ مانويل الثاني:
(أظهر لي ما الجديد الذي أتى به محمد وستري فيه فقط ما هو شرير وغير انساني مثل
دعوته إلى نشر دينه بالسيف).
الحديث هنا واضح وجليء
والمقصود به مواصلة مخطط تشويه صورة الإسلام ورسوله الكريم(ص).. وهذه المبرارات
الواهية لن نفسح لها المجال لكي يحققوا ماربهم بهذه الفكرة الغبية الغازية(حرب
الكلمة). العاملة بصورة غير صحيحة. وهي مؤامرة في مجملها يجب أن يلتفت إليها
المسلمون حتى لا ندع لمثل هذه الأساءات لتفريغ الإسلام مما حباه به.. العلي
القدير.. لذلك من الواجب إلتفات المسلمون لمثل هذه المفاهيم التي تمثل خطرا كبيرا
على الإسلام الذي عرف بالتسامح والمودة والرحمة.
ألم يقرأ البابا بند
يكتوش السادس عشر.. الأنجيل الذي قال فيه المسيح.. عليه السلام: (إن كنتم تحبونني
فأحفظوا وصاياي وسأرغب إلى الأب في أن يبعث إليكم معزيا أخر ليمكث معكم للأبد).
فالمسيح – عليه السلام –
يصرح لهم بأنه سوف يغادر الدنيا إلى عالم اخر.. وسوف يأتي بعده(المعزي) – وهو
المقصود بالبشارة التي قالها – عيسى عليه السلام والمعني به – هو سيدنا محمد (ص)
لتبقى رسالته إلى الابد – كما قال الله تعالى: (وخاتم النبيين) – فلا شك أن رحيل
سيدنا المسيح عليه السلام – مهد لبعث رسول الله (ص)..وفي الفقرة المأخوذة من
الانجيل دليل واضح على التحريف وسأبعث إليكم)وصحة العبارة (سيأتكم).. لتناسب
الكلمة السابقة (يأتكم).. لأنه..أي سيدنا عيسى عليه السلام – لا يبعث بنفسه.. إنما
الذي يبعث هو الله رب العالمين.
وهذا التحريف الذي تم
في الأنجيل والتوراة من قبل ألف عام فأكثر.. مما يؤكد تأكيدا قاطعا. أن كتابات
كثيرة تغيرت بسبب عدم ثبات النص.. مما يدحض أفتراءات البابا وتباعه في امريكا
وأوربا – على الإسلام سيدنا محمد (ص) .. فأن الملى – عز وجل – عونا على أوامره
واغناء عن نواهيه وقد تقدمت بشائر من سلف من الأنبياء بنبوة النبي العظيم (ص) مما
هو حجة على اممهم وعجزة تدل على صدقه عند غيرهم بما أطلعه الله على غيبه ليكون
عونا للرسول الكريم (ص).
وليعلم البابا وغربه أن
شخصية سيدنا محمد (ص) من أعظم الشخصيات التي مرت على تاريخ البشرية .. ورسالته خير
الرسالات .. لما تحويه من حريات عامة وديمقراطية ومفهوم عميق للحرية وحقوق الإنسان
.. وهي رسالة التوحيد .. والإسلام – وهي رسالة في أتم صورها وقد بلغها على أكمل
وجه ولقد أكرم الملى – عز وجل – أمته بأن جعلها خير الأمم ورسالته خير الرسالات
السماوية وأعطى الرسول الكريم (ص) ما لم يعطى لأحد من الأنبياء قبله وذلك بأن الله
خصه بجوامع الكلم وخصه بخوف العدو منه مسيرة شهر فيقذف الرعب في قلوب أعدائه
فيخذلهم ومن عظمائه أنه أرسل الكافة البشرية .. أن رسالته – رسالة عامة.. وأنه ختم
به النبيون .. فأغلق باب الوحي وقطع طريق الرسالة .. ومن ذلك ما ورد من قوله صلى
الله عليه وسلم: (فضلت على الأنبياء بخمس بعثت إلى الناس كافة وذخرت شفاعتي لأمتي
ونصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفي.. وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي
الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) .
ولك أن تتصور عظمة
الدولة الإسلامية – منذ أن نزل الوحي على الرسول العظيم (ص) ومرورا الخلفاء
الراشدين .. فكان لا تغيب عنها الشمس .. وحينما كان الرشيد يجلس في قصر الخلافة
ببغداد .. ويتطلع إلى غمامة بين السحاب .. فيقول لها: (أمطري أين شئت فسوف يأتيني
خراجك) – وذلك كله وغيره.. مما لا نستطيع حصره في هذه الصفحات الخالدة في تاريخ
الأمة الإسلامية ما ناله المسلمون إلا بالإسلام أولا .. ووحده هو العظيم.. وهو
الذي اتل لهم الملك وحكم البشرية ومنهم السيادة والنفوذ والسلطان .. وفجر لهم كنوز
الأرض ما ظهر منها وباطن .. ووهبهم القيادة على أمم كثيرة كانت لها السيادة في
العالم كله قبل الإسلام وفي بدء ظهوره.
وهذا يقودنا إلى كلمة
سيدنا محمد (ص) لقومه في مكة عقب نزول الوحي عليه بسنوات معدودات: (ما جئت بما
جئتكم به.. أطلب أموالكم .. ولا الشرف فيكم.. ولا ألملك عليكم.. ولكن الله بعثني
إليكم رسولا وأنزل علي كتابا .. وأمرني أن اكون لكم بشيرا ونذيرا ..فبلغتكم رسالات
ربي.. ونصحت لكم .. فأن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والاخرة .. وأن
تردوه علي أصبر حتى يحكم الله بيني وبينكم).
ومما ذكرت ندلف إلى
الكيفية التي بدأ بها الإسلام .. ولعل ابلغ ما قيل في هذا الإطار .. كان حديث عفيف
بن قيس الكندي: (كنت في الجاهلية عطارا فقدمت مكة .. فنزلت على العباس بن عبد
المطلب .. فبينما أنا جالس عنده أنظر إلى الكعبة .. وقد تحلقت الشمس في السماء ..
أقبل شاب كان في وجهه القمر .. حتى رمى ببصره إلى السماء .. فنظر إلى الشمس ساعة
.. ثم أقبل حتى دنا من الكعبة .. فعف قدميه يصلي .. فخرج على أثره فتى كأن وجهه
صفيحة يمانية .. فقام عن يمينه .. فجاءت امرأة متلففة في ثيابها فقامت خلفها ..
فأهوى الشاب راكعا فركعا معه .. ثم أهوى إلى الأرض ساجدا فسجدا معه .. فقلت
للعباس: يا أبا الفضل .. أمر عظيم – فقال: أمر – والله عظيم .. أتدري: من هذا
الشاب ؟ قلت: لا قال: هذا أبن أخي .. هذا علي بن أبي طالب .. أتدري: من المرأة؟
قلت: لا قال: هذه أبنة خويلد .. هذه خديجة زوج محمد هذا – وأن محمدا يذكر أن الهة
إله السماء والأرض – أمره بهذا الدين .. فهو عليه .. كما ترى .. ويزعم أنه نبي ..
وقد صدقه على قوله أبن عمه هذا الفتى وزوجه خديجة هذه المرأة.
نعم صدقه سيدنا علي ثم
صدقته الصالحة خديجة بنت خويلد "رضي الله عنهما" . ثم صدقه العرب .. ثم
صدقته المشارق والمغارب .. واهتزت الدنيا كلها أيمانا به وتصديقا حجة شرعية
والأدلة على حجته كثيرة – امنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم فإن
تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير
وأحسن تأويلا) .
من هذا نستخلص أن
الإسلام أستمر في أمتداده .. برغم تكالب قوى الوثنية والشر والعدوان عليه .. ولكنه
ظل صامدا قويا أمام كل ما يواجهه من هزات وأحن .. لأنه شريعة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
(إنه يضع فسطاطه وسط
بلاد أخوته وأمام جميع أخوته يسكن). كما كني عن العرب بإخوة بني إسارئيل في قوله:
(إني أقيم لبني إسرائيل من أخوتهم نبيا مثلك).
وهذا يتفق مع قوله –
سبحانه وتعالى في القران الكريم: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه
مكتوبا عندهم في التوراة والأنجيل بأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم
الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
أما الجهاد في سبيل
الله – سبحانه وتعالى – نموذج حي للبطولة في أحقاق الحق وأبطال الباطل.. فالأمة
الإسلامية أجوج إليه في ظل (الجاهلية الحديثة) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية
والصهيونية والغرب تشجيعا وتعاونا على الشر.. والمؤسف أن بعض أبناء هذه الأمة
تستوهيهم الدنيا.. لذلك ينجرفون وراءهم بلا علم أو دراية أو عكس ذلك لتحقيق غايات
تصب في الذات.. وما يحاربونه.. يوضح لنا بان الجهاد في الإسلام – يجعل الإنسان
يظفر بأحدى الحسنيين.. ولا تعد حسناته ولا تحصى ثوابه.. فله من غبار المعركة عند
الله – العلي القدير – وثيقة تأمين يوم الفزع الأكبر لقوله في محكم تنزيله: (ما من
رجل يغبر وجهه في سبيل الله إلا أمنه دخان النار يوم القيامة).. وأيضا يقول – سبحانه
وتعالى: (لا يجتمعان في جوف عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم) – كما أنه يقول جل
جلاله: (ما من رجل تغبر قدماه في سبيل الله إلا امن الله قدميه من النار يوم
القيامة).
وحتى خفقات القلوب
وقشعريرة الأبدان وتوتر الأعصاب مما يجد المجاهد في سبيل الله – من قعقعة السلاح –
له ثوابه وأن نجا من التهلكة.. (ما خالط قلب أمريء رهج(خوف) في سبيل الله إلا حرم
الله عليه النار).
.. ويقظة الحواس
ومراقبة تحركات الأعداء تعادل أو تزيد عن مفاجأة الجنوب للمضاجع في جوف الليل
للتعبد والتهجد: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله.. وعين باتت تحرس
في سبيل الله) – وحتى الجروح والعاهات والإصابات أثناء الجهاد في سبيل الله القوي
الجبار – هي شامات لهم تميزهم عن سائر البشر يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت: (من جرح
جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فأنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها لون الدم
وريحها ريح المسك).
وبالانتقال إلى
الاستشهاد في سبيل الله – سبحانه وتعالى – فهو الفرحة الكبرى التي لا تدانيها فرحة
والأمنية العظمى التي يتمناها من يتمنى لقاء رب العالمين شهيدا ليرفل في نعيم
الحياة الأبدية المنشودة: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا .. بل أحياء
عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من
خلفهم إلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع
أجر المؤمنين). وأيضا يقول جل جلاله: (والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل
فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل).
الباب الثامن
موقعة عين جالوت
والتتار :
وظلت الأمة الإسلامية
على مدار تاريخها العظيم تدون في هذه الدنيا أجمل وأروع صفحات البطولات
والتضحيات.. التي ستظل خالدة في سجل التاريخ الإسلامي.. ولعل من المعارك الخالدة
في الذاكرة – موقعة "عين جالوت" – الموقعة التي قضت على أطماع التتار
وخلصت العالم من شر مستطير: (ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوي عزيز).
عاش (التتار) في الهضبة
الآسيوية الممتدة الأطراف من "الصين" – إلى أواسط "أسيا"
واستغلوا بالرعي.. ومن ثم انتقلوا سريعا على ظهور الخيل – أي أنهم ترعرعوا على
أعمال العنف وتحايلوا للحصول على أسباب العيش.. ولم يبدأ التاريخ القاتم السواد..
الذي سمموا به كل بقاع الأمم الطاهرة نسبة للنشأة التي نشاؤا عليها لهذا إلا بعد
ظهور زعيمهم (جنكيز خان) الذي جمع شملهم تحت شعار: (أن الحياة للقوي وحده ولا مكان
للضعيف فيها).
بعد أن استطاع (جنكيز
خان) من السيطرة على (التتار). إتجه ناحية الغرب.. فاصطدم بالسور الأمي الذي يحمي
بلاد الشرق العربي.. من خطر قبائل البدو في وسط اسيا وكان هذا السور ممتدا في ارض
خرسان بالشمال الشرقي من فارس.. وفي بلاد ما وراء النهر التي يجري فيها نهرا سيحون
جيحون.. وقد أنتشرت في تلك المنطقة المدن العامرة.. المؤدية بصورة مباشرة إلى
العراق ومن هذه المدن(بخاري) وذاع صيتها بعلمائها المشهورين في الحديث الشريف
والفقه الإسلامي ومدينة (سمرقند) التي اشتهرت بأسوارها الحصينة المنيعة وحدائها الغناء
النضرة.
تحرك (هولاكو) بعد أن
قضى على الدولة الإسماعيلية مباشرة صوب (بغداد).. وبعث في الوقت نفسه جيشا اخر
للزحف على (بغداد) عن طريق (تكريت) و (الموصل) تحت قيادة (بايجونوين) وكان عدد
القوات المقاتلة تحت أمرته – وحده ثلاثين ألف مقاتل.
وزحفت جيوش (التتار) بقيادة
(هولاكو) زحفا سريعا نحو (بغداد) وأصبحت قوات (بايجونوين) على مقربة منها واشتبكت
مع جيوش الخليفة العباسي في قتال عنيف على الضفة الغربية من نهر (دجلة) وهزمتهم
هزيمة فادحة حيث غرق عدد كبير وانسحبت القوات الباقية.. ثم أخذ القائد التتاري
يوالي زحفه حتى أقترب من دار الخلافة نفسها وصار لا يفصله عنها سوى نهر (دجلة).
وفي نفس الوقت هاجد
(هولاكو) مدينة بغداد من الضفة الشرقية وأحاط بها.. وأصبحت (بغداد) أسيرة الحصار
التتاري وسرعان ما سقطت حاضرة الخلافة الإسلامية في أيدي (التتار) فقتلوا الخليفة
اشنع قتلة.. ثم مضوا ينتهبون المنازل ويعتدون على الأعراض.. ويريقون الدماء
ويخربون المساجد والجوامع وعمدوا إلى المكتبات فالقوا بما فيها نهر (دجلة)
واتخذوا منها جسرا تمر عليه خيولهم..
وظلوا في عدوانهم الأثيم مدة أربعين سنة 656 من الهجرة التي تعتبر أسواء سنة مرت
بالشرق الإسلامي العربي.. وقد وضعها خطيب بغداد في الجمعة الأخيرة بقوله: (اللهم
أجرنا في مصيبتنا التي لم يصب الإسلام وأهله بمثلها وأنا لله وإنا إليه راجعون).
صاحب قيام دولة
المماليك في مصر تطورت داخلية سريعة.. وذلك أن شجرة الدر قد تامرت على زوجها عز
الدين أيبك ودبرت خطة لقتله "فأثار قتله غضب المماليك" فولوا مكانه أبنه
المنصور نور الدين الذي كان طفلا لا يتجاوز الخامسة من عمره وقتلوا شجرة الدر
أنتقاما لرئيسهم.. غير أن مدة حكم المنصور لم تطل.. فسرعان ما ظهر خطر التتار على
البلاد الإسلامية.. وسقطت بغداد في أيديهم وقضوا على الخلافة العباسية.. ثم
أبتدأوا يتحركون صوب بلاد (الشام).. وحينئذ أدرك المماليك أن هذا الخطر يتطلب
سلطانا قويا قاهرا يوقفه عند حده ويقضي عليه.. والملك المنصور طفل لا يقدر على
القيام بأعباء الحكم وتدبير شئون المملكة.
وتم عزل المنصور ونصب
سيف الدين قطر نفسه سلطانا على (مصر) وفي ذلك الحين كانت بلاد (الشام) الإسلامية
قد وقعت في قبضة (التتار) ودانت لسلطانهم.. ولم يبق خارج نطاق نفوذهم غير الحجاز
ومصر واليمن.
بعث هولاكو أثناء وجوده
في بلاد الشام بإنذار إلى سيف الدين قطز يطالبه فيه بالاستسلام.. ويذكر له أن
التتار قد غزو جميع البلاد ولم تستطع أي قوة أن تردهم أو تفق في طريقهم.
"أنا نحن جند الله
في أرضه.. خلقنا من سخطه وسلطانا على من حل به غضبه.. فلكم بجميع البلاد معتبر ومن
عزمنا مزدجر.. فاتعظوا بغيركم واسلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا..
ويعود عليكم الخطأ.. فنحن مانرحم من بكي.. ولا نرق لمن شكا.. وقد سمعتم أننا قد
فتحنا البلاد.. وطهرنا الأرض من الفساد.. وقتلنا معظم العباد.. فعليكم بالهرب
وعلينا الطلب.. فأي أرض تؤويكم؟ وأي طريق ينجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من
سيوفنا خلاص ولا من مهابتنا مناص).
وكان الوفد الذي حمل
رسالة (هولاكو) إلى قطز يتألف من بضعة عشر رجلا يرأسهم خمسة من كبار (التتار)
الذين يجيدون التحدث باللغة العربية أجادة تامة.. وكان يصحبه الوفد
يصحبه الوفد صبي تتري.
وعندما قرأ قطز رسالة
(هولاكو) جمع أمراء المماليك لأخذ مشورتهم فيما يجب أن يفعله.. فكان رأي أكثرهم
التلطف في الرد على رسالة (هولاكو) دفعا لشره.. ثم يتفقون معه على قدر معين من
المال يدفعونه إليه كل عام بصفة جزبة.. وبذلك يتحاشون هجومه على البلاد وأهلاك
الحرث والنسل.. وكاد إجماعهم يكون عاما.. على أنه لا فائدة من محاربة
"التتار" واللين في مثل هذا الموقف أفضل من الشدة.. فانه لا طاقة لهم
بهم.
آثار هذا الرأي غضب قطز
عقب سماعه.. وبدت آثار الغضب على وجهه وتغير لونه حتى كاد يقطر دما من شدة
احمراره.. ثم عمد إلى رئيس الجماعة الذي يمثلهم ويتحدث بلسانهم وانتزع منه سيفه
وحطه على ركبته.. ثم ألقاه على الأرض في وجهه وصاح فيه قائلا: (أن السيف الذي يجبن
حامله على القتال لخليق به أن يكسر هكذا ويلقي في وجه صاحبه).
أمر سيف الدين قطز
بإحضار أعضاء الوفد للمثول بين يديه.. فأحضروا.. فقال لرجاله (أضعوا بهم ما أمرتكم
به) فخرجوا بهم من مجلسه ما عدا احد الرسل فقد استبقاه عنده.. ونودي في الناس
ليخرجوا ويشاهدون أعضاء وفد (هولاكو) فخرج الرجال والنساء والأطفال لرؤيتهم.. وقد
أركبو على أبل وقد شد وثاقهم ووجوههم متجهه نحو ذيول الإبل.. وسارت جموع الناس
تحيط بهم وأخذوا يهتفون ويصيحون ويشيرون بأيديهم فرحا وبعد وصول الموكب إلى سوق
الخيل قتلوا احد الرسل وعلقوا رأسه بالسوق.. وعندما بلغوا باب زويلة قتلوا الثاني
وعلقوا رأسه بالباب.. وعلقوا رأس الثالث على باب النصر.. والرابع بصحراء
الريدانية.. ثم أنزل الباقون وقتلوا دفعة واحدة.
وأمام باب القلعة أمر
قطز بإحضار الرسول الذي قد استبقاه واستثناه من القتل.. ليجعله يرى ما يحل بإخوانه
ويشاهد أيضا استعراضا للجيش الإسلامي.. ثم قال له: (أخبر مولاك اللعين بما شاهدته
من بعض قواتنا.. وقل له أن رجالنا ليسوا كمن شاهدهم من الرجال قبلنا.. وقل لمولاك
إننا استبقينا الصبي التتري لنملكه في بلادكم عندما نكسركم ونمزقكم كل ممزق – ثم
كلف فرقة من جنوده بحراسته والمحافظة على حياته.. وتوصيله إلى حدود البلاد حتى
يعود إلى (هولاكو) سالما.
وهنا قد يتخالج في ذهن
البعض تساؤلا.. كيف يتأتى لحاكم مسلم شرع الله تعالى.. الشريعة الإسلامية.. التي
جاء بها خاتم النبيين وأعظم خلقه سيدنا محمد (ص).. مع علمه التام أن الإسلام يحرم
ارتكاب الجرم في حق الرسل من الأعداء؟
الإجابة في غاية
البساطة.. فان التتار لم يكونوا في يوم من الأيام أهلا للتعامل بقوانيين الشريعة
الإسلامية.. أو بأي قانون آخر من قوانيين الإنسانية.. فعاملهم السلطان سيف الدين
بنفس معاملتهم فقد كانوا يقتلون الرسل.
لم يكتف سيف الدين قطز
بتجهيز جيش ضخم قوي لمواجهة (التتار).. بل صمم على أن يقيم أمامهم جبهة قوية موحدة
من ملوك (الشام) وكان يعلم مقدار خوفهم من (التتار) وميلهم إلى مسالمتهم
وموادعتهم.. فأرسل إلى كل ملك من ملوك الشام رسالة يبين له فيها صدق عزمه على
مقاتلة (التتار) وأنه قد أعد جيشا لا طاقة لهم به.. وأنه يعتبر بلاد الشام قلاعا
وحصونا أمامية لـ (مصر) وأن سقوطها في أيدي التتار يعد خطرا على بقية الدول
الإسلامية ويهدد سلامتها.. ويؤكد لهم قطز في رسالته أنه لا يطمع في ملك الشام
وإنما هدفه هو صد ووقف هذا الزحف التتري الجارف الذي يكتسح كل شيء في طريقه ويدمر
ويهلك كل من يقف في طريقه.
بيد أن هجمات التتار
كانت قد اشتدت على بلاد الشام ووقعت غالبية البلاد في قبضتهم فلجأ ملوكها إلى قطز
فأكرم وفادتهم.. وجعلهم يشتركون معه في تحمل تبعة الجهاد في سبيل الله.
وكان سيف الدين قطز
يريد تأجيل التحرك بجنوده إلى ما بعد انقضاء شهر رمضان الذي حل. إلى أن تدع له
فرصة الانتظار حتى ينقضي شهر رمضان.. فقد أتت إليه الأنباء بأن طلائع التتار قد
وصلت إلى مدينة غزة وبلدة الخليل.. وقتلوا الرجال وسبوا النساء والصبيان ونهبوا الأسواق
وأرتكبوا من الجرائم ما تتفتت له الأكباد وتقشعر منه الأبدان.. فلم يعد أمام قطز
إلا أن يسرع لمجابهتهم.. والتعجيل بالخروج لمناجزتهم فنودي في الناس بالاستعداد
للخروج جهادا في سبيل الله.
وأمر سيف الدين قطز حتى
تكاملت عدة الجيش وعتاده.. وانتظر أيضا تكامل الأمراء.
وعندما تكامل جميع
الأمراء عقد مجلسا عسكريا للمشاورة وتبادل الآراء.. وتحدث قطز عن المسير لمواجهة
التتار.. وعن ضرورة تحركهم لملاقاتهم.. فأبى عليه ذلك عدد كبير من الأمراء..
وتمسكوا بعدم مغادرتهم الصالحية حتى تأتي جيوش التتار فيصدوها عن البلاد.
استشاط قطز غضبا عند
سماعه لكلامهم هذا.. وتأثر تأثيرا شديدا لدرجة أن لسانه انعقد فلم يستطع النطق
لبضع لحظات.. ثم ما لبث أن أنفجر فيهم صائحا وهو يقول: (بئس الرأس الضعيف رأيكم
أما والله ما حملكم على هذا إلا الجبن.. والهلع من سيوف التتار أن تقطع رقابكم هذه
(ألم تعلموا أنه ما غزى قوم في عقر دارهم إلا ذلوا).
ثم استطرد في كلامه
قائلا: والله لا توجهن بمن معي لقتال أعداء الله: فمن اختار الجهاد منكم
فليصحبني.. ومن لم يشاء فليرجع غير مأسوف عليه فأن الله مطلع عليه).
ولم يكد قطز يتم حديثه
حتى أسرع بالاشارة إلى الامراء الذين أيدوا رأيه بالزحف أن ينعزلوا في ناحية.. ثم
طلب منهم أن يبايعوه على المسير لقتال أعداء الله والإسلام.. فبايعوه على النضال
والقتال.. حتى الموت.. فلم يجد بقية الامراء الذين خالفوه في الرأي مناصحا من
الموافقة على المسير وهكذا وحد قطز الرأي في جيشه وجمعه على كلمة واحدة.
أمر سيف الدين جيشه بأن
يأخذ نصيبا من الراحة استعدادا للمهمة الخطرة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ولم يكد قطز يتم حديثه حتى
اسرع بالاشارة إلى الامراء الذين أبدوا رأية بالزحف أن ينعزلوا في ناحية.. ثم طلب
منهم أن يبايعوه على المسير لقتال أعداء الله والإسلام.. فبايعوه على النضال
والقتال .. حتى الموت .. فلم يجد بقية الأمراء الذين حالفوه في الرأي مناصحا من
الموافقة على المسير وهكذا وحد قطز الرأي في جيشه وجمعه على كلمة واحدة.
أمر سيف الدين جيشه بأن
يأخذ نصيبا من الراحة استعدادا للمهمة الخطرة التي ستواجهه.. ورتب فرقا من الجنود
لتسهر على حراسة الحدود وبخاصة الجهات الأمامية نحو الشام حتى لا تأتي طلائع
(التتار) فتفاجئهم وتأخذهم على غرة.
وفي الربع الأخير من
الليل قام قطز من نومه وأيقظ قواده .. طلب منهم أصدار الأموامر للجنود بالتحرك..
وكلف ركن الدين بيبرس أن يستطلع أخبار التتار.. وكانت استطلاعاته على درجة ممتازة
من الكفاءة .. وجعله قائدا على القوات الطليعية للجيش.
وقد دلت هذه الخطة
العسكرية التي رسمها قطز على مدى ما كان يتمتع به من ذكاء .. وخبرة ودراية واسعة
بالفنون الحربية.. فقد كان يرى أن الهجوم خير من إنتظار الأعداء حتى يصلوا إليه ..
وأن عنصر المباغته والمفاجأة من أعظم الأسلحة الحربية.
وبقدر ما كان قطز قائدا
حربيا كان سياسيا محنكا يدرك الأثر القوي الذي تحدثه العوامل النفسية في رفع الروح
المعنوية في نفوس الجند .. ولذلك فقد وفق تمام التوفيق في اختياره لركن الدين
بيبرس ليكون قائدا للجيش الاستطلاعي ويعتبر هذا الاختيار بمثابة وضع الرجل المناسب
في المكان المناسب .. فببيبرس صاحب انتظارات باهرة في كل معركة خاضها.
ونجح قطز في أولى مراحل
زحفه .. فبمجرد وصول بيبرس إلى اطراف الحدود المصرية علم أن طلائع جيش التتار
موجودة في مدينة غزة فأسرع إلى مجابهتها غير هياب ولا وجل .. وسرعان ما دب الوهن
في نفوس التتار الذين فوجئوا بالجيش الإسلامي يزحف عليهم زحفا لم يكن في حسباتهم
فهربوا من غزة مسجلين أول أنسحاب لهم في تاريخهم الحربي .. ودخل بيبرس (غزة) ..
ومهد الطريق المؤدية إليها لتستقبل القوات الرئيسية.
ووصل قطز إلى مدينة غزة
فمكث بها ليلة .. ثم تابع زحفه لمواجهة التتار .. وأختار طريق الساحل حتى وصل إلى
مدينة عكا.. التي كانت معقلا وملاذا للبقية الباقية من الصليبيين ببلاد الشام ..
بعد أن فقدوا كل ما كانوا يحتلونه من أراضي تلك البلاد على يد صلاح الدين البطل المسلم.
ولقد أظهر قطز مهارة
سياسية وبعد نظرة .. وانتفاعا بكل ما مر به من التجارب .. فلم ينسب محاولات
الصليبيين عقد محالفات مع التتار ضد المسلمين .. لذلك لم يفتر بمظاهر ترحيبهم به
.. بل كان يشعر أزاءهم بشعور الحذر المرتاب عندما أبدوا له أستعدادهم لمعاونته بكل
ما يحتاجه إليه في حربه مع عدوه.
ولم يبين لهم قطز أنه
مرتاب في امرهم .. بل وضح لهم أن كل ما يطلبه ويتبغيه منهم .. هو أن يقفوا موقفا
حياديا فلا يكونون معه أو ضده .. واقسم لهم أنه لو تبعه فارس منهم أو راجل بفيه
الحاق أذى أو ضرر بجيش المسلمين .. لرجع إليهم وحاربهم قبل أن يواجه التتار.
وأستمر سيف الدين قطز
في تنفيذ خطته التي تعتمد على المبادأة أو المبادرة بالهجوم .. فأصدر أمره إلى
بيبرس بأن يتابع هجماته وغاراته الجريئة على قوات التتار المتفرقة في نواحي بلاد
الشام .. والتعدي لطلائعهم التي كانت توالي أرهاب الاهالي وتشيع الفزع والرعب
بينهم .. فقام بيبرس بتنفيذ هذا الامر واظهر مهارة حربية جبارة في مناوشة التتار
.. وفي الكر والفر .. حتى وقف على أخبارهم .. وعرف مدى أمكانيتهم .. وقوتهم وأماكن
تجمعهم .. وصار على علم تام بكل خططهم وتكتيكاتهم .. ثم بعث بكل هذه المعلومات إلى
قطز.
وظل قطز يتابع سيره حتى
أنضم إلى بيبرس عند (عين جالوت) وهناك نظم قواته وجعلها في حالة استعداد وتأهب ..
ثم عقد مجلسا عسكريا لرسم خطة المعركة ودراستها .. وقد أشترك في هذا مجلس الأمراء
.. وقواد الفرق .. والقى قطز في المجلس كلمة بليغة مؤثرة ملأت صدور الحاضرين حماسة
.. وتعطشا للجهاد .. فذكرهم بأنهم في معركة الهدف منها نصر الإسلام .. وإنقاذ
المسلمين . فهي معركة جهاد .. ونضال في سبيل الله .. وحذرهم من غضب الله سبحانه
وعقبانه إذا هم وهنوا .. أو تقاعدوا .. أو تهاونوا في المعركة .. فلا مفر من
الأقدام والتضحية .. والثبات .. حتى لا ينزل بهم التتار ما أنزلوه بغيرهم من قتل
.. وأسر .. وخراب .. وتدمير.
ومضى سيف الدين قطز في
كلمته من حماستهم بذكر العديد من مساويء التتار.. حتى تاثر الأمراء .. وقواد الفرق
الحربية وأجهشوا بالبكاء من شدة تأثرهم وصمموا على القتال حتى يتم أهم أحراز النصر
.. أو يموتوا شهداء في سبيل الله والوطن .
وفي صبيحة يوم الجمعة
15 من رمضان سنة 658 هجرية .. التقت طلائع الجيش الإسلامي بطلائع التيار فهزمتها
هزيمة ساحقة .. بيد أن التتار تمكنوا في صباح اليوم التالي من إعادة تنظيم قواتهم
.. وأحتلوا المنطقة الجبلية من ارض المعركة.. وأصبح منظرهم يثير الرهبة والرعب ..
خاصة وأنهم كانوا يستعدون للانتقام للضربة التي لحقت بهم .. متأهبين للدخول في
معركة فاصلة وحاسمة .. ومما زاد من خطورة الموقف كثرة الضوضاء والرعب الذي حل
بأهالي القرى المجاورة .
وحلت ليلة الجمعة الخامس
والعشرين من شهر رمضان .. وقطز مخيم بجنوده في (عين الجالوت) .. وفي مواجهته معسكر
التتار الذي تتوافد عليه جماعاتهم طوال الليل .. وكلا الفريقين ينتظر بفارغ الصبر
طلوع النهار .. وهو على يقين أن الغد سيكون هو اليوم الفاصل الحاسم.
وطوال تلك الليلة لم
يأو قطز إلى فراشه .. وإنما ظل ساهرا مسهدا وعندما غلبه النعاس من شدة التعب نام
على مقعده .. ولم يضع جنبه على الأرض.
وكان (مولاكو) قد رحل
عن بلاد الشام راجعا إلى بلاده عندما وصلته الأنباء بوفاة أخيه (منكوفان) ملك
التتار .. فأناب عنه في قيادة الجيش (كتبغا) وأمره بمواصلة القتال والزحف حتى يصل
إلى مصر.
وفي لاصباح وقف الجيشان
وجها لوجه .. وخشى كل منهما لقاء الاخر.. فقد كانت هذه المعركة بالنسبة لكل منهما
معركة .. مصيرية .. وعاق كل منهما أمر اخر دخوله في المعركة .. فالتتار وقفوا
ينتظرون وصول قائدهم (كتبغا) الذي لم يكن موجودا وقتئذ .. والمسلمون ينتظرون موعد
حلول صلاة الجمعة ليبدأوا في قتال عدوهم.
ولم تطل مدة المواجهة
بين الجيشين .. فقد وصل (كتبغا) .. ونظم جنوده وسرعان ما تقارب الفريقان .. فأخذت
سهام التتار تمرق بين صفوف المسلمين .. وعندما أشتد الأمر أمر قطز جنوده بالهجوم
.. فتقدموا إلى الامام حتى تلاحمت الصفوف وتصافحت السيوف.. ودارت رحي الحرب
واشتعلت نيرانها .. وأظهرا كل من الطرفين استبسالا عظيما .. وغير أن كفة المسلمين
كانت هي الراجحة على كفة عدوهم .
وكان سيف الدين قطز في
قلب الجيش الإسلامي يتابع القتال بصدر منشرح .. والفرحة تطل من عينيه .. فقد سره
أن يرى جنوده يهاجمون التتار بعد أن كانوا يتهيبون لقاءهم .. ويظنون أنهم قوم لا
يقهرون .
وكان الصبي التتري الذي
أبقى قطز على حياته ليكون ملكا على التتار واقفا على فرسه بين مماليك قطز .. فقال
له قطز: (تقدم يا ملك التتار) فشق الصبي صفوف المسلمين أمامه .. ثم أقتحم صفوف
التتار وراح يضرب فيهم بسيفه يمينا ويسارا ثم يتخلص منهم ويعود إلى صفوف المسلمين
.. ويقف عائدا إليهم .. وهم مندهشون من بطولته وشجاعته .. ويقولون له: (أحمل يا
ملك التتار .. مرحى يا ملك التتار) .
بيد أن الصبي التتري لم
يكن يقوم بهذا العمل إلا بدافع حبه لنبي جنسه فقد كلن يبلغهم كل ما يريدون معرفته
من معلومات عن الجيش الإسلامي في كل مرة من مرات ذهابه إليهم .. ودلهم على المكان
الذي به قطز .. وقد تم وضع خطة مؤداها أن يتبع فرسان من التتار الصبي أثناء رجوعه
إلى جيش المسلمين فيتمكنوا من قتل سيف الدين قطز قائد الجيش .. فتتحطم بذلك
معنويات الجنود ويسهل عليهم الحاق الهزيمة بالمسلمين.
وقد لاحظت (جلنار) زوجة
قطز ذلك .. إذ كانت ممتطية صهوة جوادها تلاحظ ما يدور في المعركة .. وأنها كذلك إذ
رأت الصبي التتري يهجم على التتار كعادته .. ثم يرجع مسرعا وراءه خمسة جنود
تتاريين مندفعين نحو قطز .. ففوجيء قطز ودهش .. وبعث الرجال من حوله وأضطربوا ..
ولكن قطز واجههم بسيفه فقتل منهم ثلاثة .. وأصيب فرسه فترجل .. وعند ذلك قصده
أحدهما وضرب قوائم فرسه فوقعت به. وأوشك الفارس التتري الاخر أن يعلو ظهر قطز
بسيفه إلا أن فارسا ملثما برز له شغله عن قطز .. فتبادلا ضربتين بالسيف سقطا
صريعين على أثرهما .. برز الفارس الملثم قائلا: (يا سلطان المسلمين .. ها قد سبقتك
إلى الجنة) وكان هذا الفارس قد قتل الصبي التتري.
وتنبه فرسان الحرس لما
يرمي إليه التتار فالتفوا حول سيف الدين قطز .. وقتلوا الفارس الذي ضرب قطز فرسه
.. وضموا الصفوف الأمامية .. ووقفوا سدا منيعا لحماية قطز .. فلم يتركوا لأحد فرصة
الوصول إلى قطز أو الاقتراب منه.
وتذكر قطز صوت الفارس
الملثم الذي كان السبب في نجاته .. وشك في أمره .. فذهب إليه وكشف عنه نقابه ..
فإذا هو زوجته (جلتار) التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة .. فراعة الأمر وحملها بين
يديه وهو لا يدري ماذا يفعل .. وارسل إلى بيبرس الذي كان يتولى قيادة مسيرة الجيش
أن يتولى مكانه .. وحمل زوجته الجريحة إلى خيمته وارقدها من عينيه وهو يقول لها:
(وازوجتاه واحبيبتاه) ففيحت عينيها على صوته وظهرت إبتسامة على شفتيها عندما رأت
وجهه .. وقالت له في صوت خافض واهن: (لا تقل وا حبيبتاه .. قل وا إسلاماه). وما
لبث أن لفظت اخر أنفاسها بين يديه .. فطبع على قلبه الوداع .. وجفف دموعه .. وقلبه
يكاد ينفطر من الالم .. وقام من فوره وخرج من خيمته وركب فرسا واسرع به إلى ميدان
الجهاد.
وعندما راه جنوده يأخذ
مكانه في قلب المعركة هتفوا جميعا في صوت واحد: (الله اكبر) وتمثلت لهم بطولة
السلطانة الشهيدة .. فهانت عليهم أنفسهم وتحمسوا للقتال .. وقاتلوا في بسالة قتال
المسلمين .. وواجه قلب الجيش حملات شديدة من التتاريين .. فاضطر تحت الضغط إلى أن
يتقهقر إلى الأمام وكشف عنه خوذته وألقاها على الارض .. وصاح بأعلى صوته: (وا
إسلاماه .. وا إسلاماه .. وا إسلاماه .. يا الله .. أنصر عبدك قطز على التتار)
وهجم بعزم وشدة وصلابة بمن معه هجمة صادقة .. وراح صوته يدوي في انحاء غور (عين
جالوت) .. فردد جنوده النداء معه .. وهجموا معه هجوما عنيفا قويت به الميمنة ..
فتقدمت ببطء شديد من جموع (التتار) الذين حاولوا منها تطويق الجيش الإسلامي ورأي
قطز (كتبغا) قائد التتار يصول ويجول ويضرب بسيفين .. وكلما أصيب فرسه استبدله
باخر.. وهو يتحيل الفرصة ليشق لبعض رجاله طريقا يصلون منه إلى قطز .
وابصر سيف الدين قطز
وهو يحارب عاري الرأس سهما مسددا نحوه .. فشد عنان جواده .. فوثب الجواد قائما على
رجليه .. فنفذ السهم في صدره وتداعى .. فنزل من فوقه قطز وظل يقاتل وهو مترجل
ويقول: (إليّ بجواد) .. فأراد أحد جنوده أن يتنازل له عن فرسه فرفض وأبى وقال له:
(أثبت مكانك .. ما كنت لامنع المسلمين الانتفاع بك في هذا الوقت).. وأخذ يحث جنوده
على أن يوسعوا الطريق الذي شقوه في صفوف العدو وسائر جيشه .. ولم يزل هذا الحاجز
يتسع بصفوف جيش المسلمين التي تندفع فيه حتى أنكشف المكان الذي به (كتبغا) قائد
التتار .. وأراد قطز أن يلقاه ولكن جنوده تقدموه محاولين صده .. غير أن قطز زجرهم
قائلا: (دعوني له .. ليس له قاتل غيري .. أريد أن أقتله بيدي).
ولم يتحقق أمل قطز ..
فقد قتل قائد التتار أحد الأمراء.. وعلم المسلمون بمصرع قائد الأعداء الذي لا يقهر
.. فصاحوا جميعا مكبرين تكبيرة ألقت الذعر والرعب.. في نفوس التتار .. فازداد
هلعهم .. وأختلت صفوفهم .. وتزعزعت وأبتداؤا يتقهقرون.
وعندما رأي قطز ذلك أمر
جنوده الذين كونوا حاجزا بمساعدة صفوف الميمنة على أن يطوقوا مسيرة العدو تطويقا
كاملا .. ثم أندفع بالقلب لمساعدة مسيرة المسلمين التي عليها بيبرس في تطويق من لم
يستطع الهرب من قلب العدو وميمنته .. فأعمل فيهم المسلمون القتل .. ولم ينج منهم
سوى عدد قليل استطاعوا أن يفروا.
وتحضت فرقة من التتار
بتل مجاور لميدان المعركة .. وأخذوا يمطرون المسلمين وأبلا من سهامهم .. فأحاط بهم
المسلمون وجالدوهم على القتال حتى أوقعوا بهم الهزيمة وسحقوهم سحقا.
وانتهت الموقعة بانتصار
المسلمين واندحار المعتدين .. واستجاب الله عز وجل لدعاء قطز .. وتهللت وجوه
المسلمين بالبشر والسرور بما أنعم الله عليهم من نصر مؤزر كريم.
هذه هي موقعة (عين
جالوت) التي تعد من أهم المواقع الحاسمة في تاريخ الاسلام.. وفي تاريخ العالم كله
.. فالتتار منذ خروجهم من موطنهم الاصلي لم يذوقوا طعم الهزيمة والإنكسار أبدا.
ولهذا أشاعوا الرعب واثاروا الذعر في العالم الإسلامي كله.
ويعترف المؤرخون
الأوربيون
ويعترف المؤرخون
الأوربيون عند التاريخ لهذه الموقعة .. بأنها لم تنقذ العالم الإسلامي من خطر
التتار المخرب المدمر فحسب .. بل أنقذت العالم المسيحي كذلك .. لأنه لم يكن في
أوروبا المسيحية وقتذاك ملك قوي يستطيع مقاومة التتار ومحاربتهم لو ظلوا على
انتصار اتهم المتوالية وتقدموا في اتجاههم الطبيعي نحو أوروبا.
ارتدت أكثر القبائل
العربية .. ومنهم ربيعة – التي كانت في منطقة (البحرين) فثبت قطبة بن قتادة
السدوسي .. فاتح البصرة (الخريبة) مع من ثبت من قومه على الإسلام .. فكتب العلاء
بن الحضرمي إلى من أقام على إسلامه من بكر بن وائل .. أن يعينوه على قتال المرتدين
حتى يعودوا إلى الإسلام .. فكان المثنى بن حارثة الشيباني على رأس الذين أعانوا
العلاء بن الحضرمي من بني شيبان في مهمته الشاقة .. إذ ضيق الخناق على المرتدين
واخذ الطريق عليهم.
ولقد كان لقطبة جهاد في
حرب الردة في منطقة (عمان) والخليج العربي فلما عادت للعرب الوحدة تحت لواء
الإسلام .. كان له جهاد مع المثنى بن حارثة الشيباني في منطقة (الخريبة) وهي منطقة
البصرة الحالية.
وبعث سيدنا أبو بكر
الصديق – خالد بن الوليد بعد انتهاء واجبه في حروب الردة إلى العراق .. وكان قطبة
مع رجاله في منطقة (الأبلة) فحل خالد في خيله على قطبة ورجاله. فقالوا: (أنا
مسلمون) فتركهم خالد .. وغزا قطبة على رأس رجاله مع خالد (الأبلة). قال قطبة: حمل
علينا خالد بخيله .. فقلنا: أنا مسلمون .. فتركنا.وغزونا معه (الأبلة) فقسمناها
بأيدينا.
فقد كان قطبة يغير في
ناحية (الخريبة) من البصرة على العجم .. فلما قدم خالد بن الوليد سنة أثني عشرة
الهجرية أعانه قطبة على غزو أهل (الأبلة) .. وحين وصل خالد إلى منطقة البصرة كان
بها قطبة من بكر بن وائل ومعه جماعة من قومه .. وهو يريد أن يفتح تلك المنطقة فقال
قطبة لخالد: (أن أهل الأبلة) قد جمعوا ليّ .. ولا أحسبهم امتنعوا مني إلا لمكانك).
فقال خالد: (فالرأي أن أخرج من البصرة نهارا .. ثم أعود ليلا .. فأدخل عسكرك
بأصحابي .. فأن صبحوك حاربناهم) .. وفعل خالد ذلك وتوجه نحو الحيرة .. فلما جن
عليه الليل أنكفأ .. راجعا حتى صار إلى عسكر قطبة وأصبح أهل (الأبلة) وقد بلغهم
انصراف خالد عن منطقة – البصرة .. فأقبلوا نحو قطبة .. فلما رأوا كثرة من في عسكره
مسقط أيدهم وانكسروا. فقال خالد: (أحملوا عليهم .. فأني أرى هيئة قوم قد ألقى الله
في قلوبهم الرعب) .. فحمل المسلمون عليهم فهزموهم وكبدوهم خسائر فادحة بالاموا
والأرواح .. إذ قتل قسم منهم وغرق في النهر قسم اخر .. ثم مر خالد بالخريبة ففتحها
وسبى من فيها .. وكانت (الخريبة) مسلحة للأعاجم.
وبقى قطبة مع رجاله في
جنوب العراق .. حتى بعث عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان سنة أربع عشرة الهجرية إلى
منطقة البصرة .. وكان بها قطبة يغير على تلك الناحية .. فكتب قطبة إلى عمر يعلمه
مكانه.. وأنه لو كان معه عدد يسير ظفر بمن كان قبله من العجم فنفاهم عن مكانهم ..
فكتب عمر إلى قطبة يأمره بالمقام والحذر .. ووجه إليه شريح بن عامر أحد بني سعد بن
بكر .. فأقبل إلى منطقة البصرة .. وترك بها قطبة .. ومضى إلى (الأهواز) فقتل شريح
هناك.
ولما وصل عتبة بن غزوان
إلى منطقة البصرة .. أقام فيها نحو شهر.. ثم خرج إليه أهل (الأبلة) فقاتلهم ..
وجعل قطبة وقسامة بن زهير المازني في عشرة فوارس وقال لهما: (كونوا في ظهرنا
ورائنا) ولكن المعركة بين المسلمين والفر سلم تطل كثيرا حتى انهزم الفرس .. فدخل
المسلمون (الابلة) فاتحين .. وأصابوا فيها متاعا وسلاحا ومالا كثيرا.
عبارة الجاهلية الحديثة
.. هي العدالة الدولية التي أضحت شعارا مرفوعا في وجه الدول العربية والإسلامية..
وهذا الشعار الجديد يطرح سؤالا .. لماذا لم تقدم الشريعة الدولية أسوأ مجرمي الحرب
سمعة إلى المحكمة؟
تنطلق بطاريات وصواريخ
ارض جو (سام) والمقاتلات الأمريكية في الأجواء العراقية .. وتقوم دوريات طائرات
بريطانية فوق شمال العراق وجنوبه في عمليات ثأرية .. في أعنف غارات جوية تهاجم نحو
20 طائرة حربية أمريكية وبريطانية مركز اتصالات الجيش وخلال الضربات الجوية .. فسر
الرئيس الأمريكي – الأمر بأن الرئيس العراقي صدام حسين لا يزال يشكل تهديدا ونحن
بحاجة لأن نبقيه في الحجر وسنفعل ذلك.
كلمة الحجر تقودني إلى
سؤال إلا وهو لماذا لا يكون السجن؟ كسلوبودان ميلوسوفيتش الذي مثل أمام المحكمة في
لاهاي .. بينما ينتظر عدد من المسئولين في رواندا المثول أمامها والذين هم في خلف
أسوار سجن أروشا بيتزانيا .. وتعد كمبوديا العدة لعقد محاكمة لمجرمي الحرب في حين
يواجه حسين هبري ترحيله إلى بلجيكا .. وهذا يعني انه بالأمكان توجيه الاتهام إلى
رؤساء دول في سدة الحكم بحجة تأهيلهم.. وأن لم يستجيبوا سيعاملوا كمنبوذين .. ومتى
ما ثبت أدانتهم في المحكمة الدولية .. سيرغمون على الوقوف أمم محكمة قضائية ..
واكبر دليل على ذلك وصف الرئيس الامريكي .. سجل صدام حسين الطويل من الفظائع ..
قصف الأكراد بأسلحة كيماوية .. إساءة معاملة أسرى الحرب من الحلفاء استخدام
الرهائن الغربيين بصفة دروع بشرية .. تعذيب وإعدام كويتيين وعراقيين – بأنه يثير
الاشمئزاز تماما.
وبعد أن طردت قوات
التحالف العراق من أراضي الكويت ولم يبد ثمة شكا في أن صدام حسين مجرم حرب .. غير
أنه لم تتقدم أي دولة لتحميله المسؤولية.
وبداية من عام 1994م ..
بدأ ديفيد شيفير مسؤول ملف جرائم الحرب في غدارة كلنتون إلى الرئيس العراقي صدام
حسين .. وعقب قيام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإقامة محكمتين خاصتين الأولى
لرواندا والثانية ليوغسلافيا السابقة عامي (1993-1994) كما يقول شيفير .. استقصت
وزارة الخارجية الأمريكية احتمال تشكيل محكمة مماثلة للتعامل مع النظام العراقي ..
إلا أن هذا الاتجاه تواجهه طرقا مسدودة .. ففي مجلس الأمن رفضت روسيا والصين
الانقياد مع الآخرين بسبب علاقتهما الاقتصادية مع العراق وأيضا شكوكهما في محاكم
حقوق الإنسان.. وفي واشنطون أتضح أن للبنتاغون رؤية قوية تخالف اقامة المحاكم
باعتبار أنها قد تقوم يوما بمحاسبة البتاغون نفسه .. وفي عام 1997 على حد قول
شيفير: رأت وزارة العدل الأمريكية أن قانون التقادم (الذي يحدد مدة معينة لتطبيق
القوانيين) سينتهي مفعوله في فترة زمنية وجيزة جدا بالنسبة إلى جرائم صدام حسين ضد
الأمريكيين .. مما يجعل مقاضاته في المحاكم الأمريكية أمرا متعذرا.
أن الجاهلية الحديثة
التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية .. شنت حربها على دولة العراق العربية
الإسلامية تحت دواعي امتلاكها أسلحة نووية .. فكان تخوف العالم إزاء ما فعلته
لتجريد العراق سلاحه النووي المزعوم .. فمنذ انتقال العالم من حقبة الحرب الباردة
بين الشرق والغرب وما صاحبها من سياق رهيب بين الولايات المتحدة الأمريكية
والاتحاد السوفيتي سابقا .. والتسابق نحو تطوير وأمتلاك الأسلحة النووية لتحقيق
التفوق الاستراتيجي في الميادين على الصعيد العالمي بحيث تكون – هي مركز التحكم في
انتشار هذا السلاح.
وفي ظل الأجواء
التوترية الشديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق .. نجد الأولى رأت في
هذا التدخل تجنب العالم خطر(التعددية النووية) مستشهدة في ذلك الأزمة المتفجرة قبلا
بين الهند وباكستان حول قضية كشمير التي بلغت زرتها في ابريل – مايو 1990 قمتها
وقد تحدثت أجهزة الاستخبارات عن "المواجهة النووية الأكثر خطورة في مرحلة ما
بعد الحرب العالمية الثانية).
لقد قرعت أمريكا جرس
الانذار في نزح السلاح ففي هذا الإطار قال الخبير بول روجرز في جامعة براد فورد
البريطانية: (من أن معاهدة "ستارت ح) لم تجعل العالم أكثر بعدا عن خطر
المجابهة النووية "بل حولت الكابوس النووي في اتجاهات جديدة "فالحروب
النووية الصغيرة المندلعة في اماكن نائية قد تصبح سمة من سمات صراعات القرن الواحد
والعشرين .. خصوصا أن الولايات المتحدة تتجه إلى تسليح (النظام العالمي الجديد)
بأسلحة نووية صغيرة يمكن استخدامها على نطاق ضيق في العالم الثالث.
هذا ما جعل أمريكا تشن
حربها الغير متكافئة على العراق بحجة منع انتشار الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة
الدمار الشامل .. وقد هيئة البنتاغون لهذه الحرب بتصريحات وزير الدفاع الأمريكي أن
ما بين (15 – 20) دولة في العالم الثالث يمكنها أن تكون قادرة على إطلاق صواريخ
باليستية من الآن وحتى نهاية القرن وأن نصف هذه الدول يمكنه أ يمتلك القنبلة
النووية وقد شدد على أهمية مضي بلاده قدما في مبادرة الدفاع الاستراتيجي وتوخي
الحذر في خفض الإنفاق العسكري على أعتبار أن ما يدعى بمردود السلام يتضاءل أمام
أهمية المحافظة على امن الولايات المتحدة فأن على واشنطون أن تعمل انطلاقا من مبدأ
(أننا ربما عشنا في عالم سيمتلك فيه عدد كبير من الدول أسلحة الابادة).
لتشهد العراق في العهد
الجاهلي الحديث أسوأ حالة إنسانية تمر بتاريخها الحافل بالكفاح .. في ظل استهدافها
المتواصل .. ها هي الآن ترفرف فيها الإعلام الأمريكية والبريطانية وبقية الدول
الحليفة.. والخرائط المرسومة مسبقا تحدد الهدف .. فأمريكا تركز على خيرات العراق
.. ولكن لماذا الاصرار على الأعظمية؟
الاجابة على هذا السؤال
أن الاعظمية تقع على جبهة ما يمكن اعتباره أفضل أمل لأمريكا بالنصر في العراق ..
حيث أنهم عملوا على تنظيف شوارعها من المقاومة المسيطرة عليها .. لتبدأ هذه
المرحلة في 4 سبتمبر بتطويق القوات الامريكية لهذه المنطقة التي تؤوي 300.000
عراقي أغلبيتهم من السنة وقامت الحواجز بإبعاد مليشيات الموت الشيعية وجمدت حركة
المقاومة السنية فيما تم تفتيش كل منزل وكل مبنى بحثا عن أسلحة وما يطلقون عليهم
بمتمردين .. وأعادوا الخدمات بعد سنوات من حربهم على العراق .. وتخطي بعض الأحياء
في العراق بستة ساعات من التيار الكهربائي بعد أن كانت تنعم به على مدار الساعة في
عهد الرئيس المخلوع صدام حسين.
المنظر في العراق بصورة
عامة أصبح منظرا مخيفا ومرعبا فمنذ بداية الحرب المدمرة لكل شيء.. وإلى ألان –
والأرواح تحصد بشكل يومي .. والآليات المدججة بالسلاح تجوب شوارعها والطائرات تحلق
في أجوائها.. وما نقصد منه – هو التركيز في تمييز الفرق بين المفاهيم والمصطلحات
لحروب أمريكا على الشعوب الإسلامية والعربية.. وفهمنا نحن لهذا المخطط الرامي إلى
أهداف من بينها بكل تأكيد النفط – كما يطلقون عليه الذهب الأبيض – خاصة وأن أمريكا
لا تستطيع العيش دون مفاقمة العجز في موازنتها.. ولكن هل تقبل الولايات المتحدة
خفض إنفاقها العسكري.. لكي تقوي اقتصادها.. هذا ما لا يمكن من خلال سعيها الدؤب
إلى السيطرة والهيمنة التامة على العالم .. وتقول في تحقيق هذا الأمر على القوة
العسكرية أكثر من الاقتصادية.
ماذا لو قلعت الإدارة
الأمريكية من حجم الإنفاق العسكري.. هل العجز المالي سيقادرها – قطعا لا – طالما
أن اللوبي الصهيوني يدفع بها إلى حافة الهاوية .. تارة بالتكنولوجية وتارة أخرى
بخوض الحروب .. فما أن أختفي الاتحاد السوفيتي من المسرح الدولي في أوائل
الستينات.. ظلت أمريكا تسيطر على العالم على مدى أربعة عقود من خلال نظام القطبية
الأحادية.. مما حدي ببعض المؤرخين والمحللون الأمريكيون الإسراع إلى تسجيل هذه
اللحظة التاريخية باعتبارها إعلانا عن تفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم..
وتبلورت مفاهيم: اللحظة الفريدة والعملاق الوحيد والأمة المفضي عليها بأن تقود
وتلخصت كل هذه المفاهيم في مفهوم عريض يقول أنه إذا كان القرن العشرون قرنا
أمريكيا فإن القرن القادم سيكون أمريكا كذلك.
ولكن 11 سبتمبر جاء
ليقلب موازيين ويضع نهاية عصر وبداية عصر جديد ليس عصر السيطرة الأمريكية بل عهد
العربدة الأمريكية.. وما حصل في أفغانستان ومن ثم العراق يمثل نموذجا لعقدة
الولايات المتحدة على أن تتصرف بالعالم كيفما تشاء وتسير به نحو مصالحها ولو كان
ذلك على حساب آخرين وازدادت رغبة أمريكا في لعب دور جديد في العالم عبر تفعيل
العديد من التحالفات – بهدف تأمين استقرار النظام العالمي الجديد.
ومن هذا الفهم
الجاهلي.. رأت الإدارة الأمريكية بأن هناك دول عربية وإسلامية بها خلل استراتيجي..
يجب عليها معالجته ولو استدعى ذلك تدخلها عسكريا كالذي حد تماما في أفغانستان
والعراق ولكن ماذا تريد بمثل هذه التدخلات؟.. لا شك أن الشرق الأوسط ذو تأثير بالغ
في العالم كله ضف إلى ذلك أنها مهد الديانات السماوية.. وفيها تقيم القوميات
والاديان والاعراق.. بجانب أنها محط أطماع الإمبراطوريات والمماليك منذ القديم..
وبالسيطرة عليها تكون أمريكا قد سيطرة على العالم بأثره.. ومن المعلوم أن الحدود
السياسية لهذه المنطقة الشرق أوسطية.. رسمت مع بدايات القرن العشرين.. عندما كانت
الهيمنة بريطانية.. كقائد للعالم الغربي لفرض خططه واهدافه على العالم الإسلامي
العربي ووضع نهاية للحروب الصليبية بإعلان
خضوع الشرق الأوسط بالكامل إلى النفوذ النصراني.. من خلال اتفاقية سايكس بيكو بين
بريطانيا وفرنسا – والتي على أثرها جرت ولادة أسس النظام الإسلامي والعربي القائم
حاليا في الشرق الأوسط.. فهذا النظام كان يحقق للغرب الهيمنة باقل القدرات
العسكرية وفي نفس الوقت يمنع ظهور أي قوة إسلامية تناهضت السيطرة الغربية
النصرانية بشتى أنواعها على الأمة العربية والمسلمة.
ولكن مع مرور الأيام
تبدل هذا الواقع.. فأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية في قيادة العالم الغربي..
ليصبح العالم العربي والمسلم اقل قدرة على الإمساك بزمام الأمور.. وبرزت الصحوة
الإسلامية من أجل التخلص من افرازات النظام العالمي الجديد في الوطن الإسلامي
والعربي.. ولكن 11 سبتمبر هزت الهيبة الأمريكية.. وانهالت الأجهزة الإعلامية
الأمريكية الصهيونية بحملة إعلامية ضاربة على الإسلام والعرب.. مما حدى بها إعادة
رسم خارطة الشرق الأوسط وكانت البداية بأفغانستان ومن ثم العراق الذي أنهكته
الحروب والاضطرابات وعمليات القمع طيلة مكوثه تحت قبضة نظام صدام حسين.. فما تخفية
وهاليز واشنطون.. وتل أبيب أزاء الشعب العراقي الجريح وسائر الشعوب الإسلامية
العربية المستباحة لا تحده حدود منذ أن وطأت أقدام الأمريكان الأرض الطاهرة(العراق)
قبل سنوات.. أفصح ذلك عن الفرضيات العديدة في كافة نواحي العالم.. فالحقيقة تقول
أن اختيارهم للعراق تحديدا.. قد تجاوز تلك الاستنتاجات المفصحة عن أن هدفهم
السيطرة على النفط.. وليس ما كان يروج إليه من اسلحة دمار شامل.. إنما المخطط
الحقيقي – هو تنفيذ خارطة طريقهم ضد الشعب الفلسطيني بتسهيل مهمة المقابلة لانشاء
دولتهم المزعومة.. هذا ما تلمسه في تصريحات الإدارة الأمريكية التي تستحوذ على
سياستها الخارجية إسرائيل من خلال اللوبي الصهيوني ومن خلفه اليهود.. وهذا ما كان
تلمح له أمريكا بين الفينة والفينة.. فالحقيقة – هي استهداف المسلمين والعرب.. وما
يؤكد ذلك ما أعلنه نائب الرئيس الأمريكي – الذي قال حرفيا: (أن الحصار الذي فرضته
أمريكا على العراق وإيران وليبيا والسودان – هو لحماية أمن إسرائيل كما أننا
لاحظنا الفرحة العارمة التي قوبل بها الهجوم الامريكي على العراق.. في تل أبيب..
وما يعزز ذلك أن الإسرائيليين وجواسسيهم يمرحون في العراق ويقومون بأعمال التخريب
والتدمير.. وتأتي صحة كل التوقعات بان الأيادي اليهودية وراء العبث بحاضر ومستقبل
العراق.
وبدا أن الجميع يعشقون
قصة ملك عراقي صالح يموت ولكن فقط بعد أن يعيد للجميلة زبيبة شرفها.. كانت المرآة
قد اغتصبت.. ففي 17 يناير.. شنت الولايات المتحدة حربا ضروس على العراق عام 1991
بحجة إخراجهم للقوات العراقية من دولة الكويت.. ولكن في نفس الوقت نجد الأمم
المتحدة تطالب بدخول أوسع إلى قصور صدام حسين وكان الرئيس الأمريكي أعلن أن العراق
جزءا من محور الشر.. وفي ظل هذه الاستهدافات الأمريكية توصل صدام إلى أن الأمم
المتحدة منذ عام 2000م تخلق في فجوة.. هي أن الصواريخ بعيدة المدى محظورة.. خاصة
إذا كانت مشحونة بأسلحة الدمار الشامل.. وفي هذا الإطار قال ديفيد كأي رئيس مجموعة
مسح العراق المكلفة بالعثور على اسلحة الدمار الشامل في العراق بعد الحرب.. قال:
أن صدام كان مهووسا بإقامة نظام قادر على إسقاط طائرات الشبح الامريكية.. وإنه
واصل تمرير الأموال للعلماء والضباط العسكريين الذين أدعوا أنهم طوروا تكنولوجيا
جديدة قادرة على تحديد مواضع طائرات الشبح وكانت الخطط عبارة عن مشروعات وهمية
وجدت بشكل أساسي في مخيلة المسئولين الذين يروجونها وكان صدام يهدي سيارات جديدة
للمخترع الذي يأتي بالفكرة الأكثر تعقيدا ازدادت السيارة فخامة وتشاطر العلماء
والمسئولين المنخرطون في برامج جنونية المكافآت أو ابتزوا بعضهم بعضا سرا لضمان
عدم انكشاف أمر برامجهم باعتبارها قشورا فارغة.
وكان المنشقون يتحدثون
عن مختبرات مخبأة تحت قصور صدام.. التقرير القومي ألاستخباراتي الذي مثل أفضل
التحليلات المتوافرة لواشنطون.. استنتج في العام 2002م.. أن العراق واصل برنامجه
لإنتاج أسلحة الدمار الشامل منتهكا قرارات الأمم المتحدة وقيودها.. وأنه استثمر
بشكل أكبر في الأسلحة البيولوجية وأن معظم المحللين.. اعتقدوا أنه كان يعيد بناء
برنامج الأسلحة النووية.. حتى أن الفرنسيين والألمان أمنوا بأن صدام كان يملك
أسلحة دمار شامل.. وجاءت المعلومات الاستخبارتية البريطانية تفاصيل الأسلحة
المخبأة في العراق.
قال كأي متلعثما أمام
لجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ.. لقد ظهر أننا ربما كنا جميعا مخطئين حسب
اعتقادي – وهو أمر يثير القلق كثيرا – ربما 85 بالمائة من عمل اللجنة أنه من
المحتمل عدم اكتشاف ألة على أن العراق كان يعمل على تطوير الرايسين السام وحذر من
الغموض الذي لم يتم حل ألفازه المحيط ببرامج العراق الاخرى لقد تم تدمير قدر كبير
من الأدلة ونهبها خلال الأيام الأولى من الحرب.. لكن عدم وجود الاثباتات في ذهني
لا ينبغي أن يعتم على العامل الأكبر.. لقد كان العراق فشلا استخباراتيا هائلا.
ويشير تقرير للجنة مجلس
الشيوخ الاستخباراتية يهاجم بشدة وكالة الاستخبارات المركزية(سي.أي.اية) بسبب
أخطاء في التقييم كبيرة إلى أن قدرة أمريكا على السيطرة على الأجهزة ذات
التكنولوجيا المتفوقة هي جزء من المشكلة ويشارك كأي اللجنة ذلك. لقد أصبحت
الولايات المتحدة تعتمد على ما يمكنها الحصول عليه من بعد إلى حد أنها لم تعد تقوم
بالعمل القذر البطيء والدقيق المتمثل في جمع المعلومات الاستخباراتية البشرية
أيضا. لكن ما ذلك إلى جزء من الحكاية .
التدافع لدحرجة الرؤوس
أبتداء.. فقد دعا المرشح الديمقراطي جون كيري لطرد مدير (السي أي أية) جورج تينيت
وثنى على ذلك السيناتور بوب غراهام الذي ترأس لجنة مجلس الشيوخ الاستخباراتية
أثناء التحضير لحرب العراق. ويدفع بعض المدافعين عن الحرب.. بان المحللين كانوا
يعتمدون على معلومات قديمة وتقول هذه الحجة بأن صدام كان يملك برنامج أسلحة سريا..
ولا بد أنه تخلص منه بعد أن تم إعادة استدعاء مفتشي الأمم المتحدة عام 1998م ولكن
ذلك لا يتطابق تماما مع الحقائق.. وما يؤكد ذلك ما قاله أعضاء لجنتين دراسيتيين
حكوميتين أمريكيتين استنتجا منذ عام 1998م أن التقارير المتعلقة ببرامج صدام
السرية استندت إلى شكوك وليس إلى بيانات حقيقية.
لم يكن ذلك مجرد رهاب..
فقد حاولت (السي أي اية) تنظيم انقلابات في العراق عام 1996م.. وكانت فرق الأمم
المتحدة مخترقة من قبل عملاء الولايات المتحدة وبريطانيا. وحين هاجم الرئيس
الأمريكي بيل كلنتون العراق في عملية ثعلب الصحراء بعد ذلك بعامين أصابت عدة
صواريخ أهدافا رئاسية محددة جدا بما فيها مكاتب صدام وكبير موظفيه وخلال السنوات
الأخيرة تحول بعض اقرب اقرباء صدام ضده بمن فيهم حسين كامل الذي انشق مع صهر اخر
وكشف عن كثير من أسرار أسلحة الدمار الشامل العراقية: (عاد المنشقان بشكل يصعب
شرحه إلى العراق.. حيث عمل صدام على قتلهما فورا).
ما إن غادر مفتشو الأمم
المتحدة العراق حتى أصبحت(السي أي أية) فجاة مجردة من مصدر أساسي للمعلومات (يسمى
كأي البيانات التي قدمها مفتشو أونسكوم بكوكايين السي أي أية الحجري).. ففي فبراير
2000. أعلن تبنيت أمام الكونغرس انه لم يكن لدى الولايات المتحدة إثباتات مباشرة
على أن العراق قد أعاد بناء برامج أسلحة الدمار الشامل. مع انه يجب أن ينظر إلى
هذا النوع من النشاط على أنه محتمل نظرا لسلوك (العراق) السابق ولانه حاول أيضا
شراء الكثير من المواد مزدوجة الاستعمال.
كان هنالك أجماع في
الاجتماع الأول لمجلس رامسفيلد للسياسات الدفاعية بعد 11 سبتمبر. بأن على الولايات
المتحدة أن تقضي على النظامين – افغانستان والعراق ونظر إلى أظهار القوة الأمريكية
ضروري وان صدام يشكل هدفا نموذجيا السرعة التي ترسخ بها هذا الموقف داخل البيت
الأبيض ليست واضحة.
وقال مسؤول في إدارة
الرئيس الأمريكي جورج بوش.. راقب هذه المسألة عن كثب: كانت المسألة إيديولوجية
فهؤلاء الناس اقنعوا أنفسهم بأن هذه ستكون حرب أسبوع واحد.. وستخرج قواتنا من
العراق بحلول شهر أغسطس وستذدهر الديمقراطية وسيعترف أحمد جلبي(المعارض المنفي
المفضل) لوزارة الدفاع الأمريكي بأسرائيل وسيعيش الجميع بعد ذلك في سعادة أبدية
وإذا لم تكن من الموافقين على ذلك.. فلا مكان بينهم وكل من يخالفهم لم يكن فقط
مجرد شخص يحمل رأيا مخالفا. بل كان يعتبر مخطئا إلى حد يجعله في عداد الأشرار .
إن السلوك العلني
للإدارة يؤكد هذا.. ويجعل من السهل على المرء أن يخمن مدى الضغط الذي تعرض له
الرجال والنساء العاملون خلف الكواليس.. ففي عام 2002 تجرأ لاري ليندسي كبير
المستشارين الاقتصاديين للرئيس بالقول إن تكلفة العمليات العسكرية في العراق
ستتراوح بين 100 و 200 بليون دولار في الوقت الذي كان فيه وزير الدفاع دونالد
رامسفيلد يقول أن التكلفة ستقل عن 50 بليون دولار – لقد خسر ليندسي وظيفته بسرعة
بعد ذلك.
وفي فبراير 2003 – أي
قبل عام واحد – وقبل أسابيع من الحرب. سئل أركان الجيش الجنرال إريك سي شيتسكي
خلال جلسة لمجلس الشيوخ عن عدد القوات التي يعتقد أنها ستلزم لبسط الأمن في العراق
بعد الحرب. فأجاب قائلا: سنحتاج إلى بعض مئات من الألاف. فنحن نتحدث عن السيطرة
بعد الحرب على رقعة جغرافية كبيرة بما فيها من التوترات العرقية التي قد تتسبب في
مشاكل اخرى وعليه فإن الأمر يحتاج إلى وجود أعداد كبيرة من القوات البرية للحفاظ
على الأمن وللتأكد من أن الناس يحصلون على الطعام والماء وغير ذلك من المسئوليات
العادية المرتبطة بإدارة وضع من ذلك القبيل.
حسنا لقد ظل عدد الجنود
الأمريكيين أقرب إلى مستوى 100 ألف الذي وعد به المسؤولون (أن لدى البيروقراطيين
في وزارة الدفاع عزائم حديدية) ولكن ليس هناك شك في انه كانت هناك حاجة ملحة لمزيد
من القوات. كما أنه لم يتم توفير بيئة أمنة ومطمئنة في العراق ومنذ البداية لم يتم
الوفاء بالمسوؤليات العادية الملقاة على عاتق المحتلين. فالحدود ليست أمنه وتركت
المدن لمرتكبي أعمال النصب.. وقتل أكثر من 500 أمريكي معظمهم خلال فترة الاحتلال
وتزيد التكاليف على بليون دولار في الاسبوع.
وانطلق رصاص مدافع
رشاشات الجاهلية الحديثة.. مما جعل العراق اسوأ مما كانت عليه مسبقا.. وخاصة في
الرمادي عاصمة محافظة الأنبار التي لا تستكين.. ففريق وينشيب والالاف الاخرين من
الجنود الأمريكيين يواجهون مدينة مليئة بمن يشكلون سلسلة خصوم – محاربو القاعدة
القدامى والبعثيون.. الذين يزرعون المتفجرات المحلية الصنع مما أصاب امال القوات
الأمريكية المسلحة بانسحاب سريع من مدينة المقاومة أو حتى التراجع إلى قواعدها
خارج البلدة.إن الهجمات كلميين 22 يوليو امر معتاد للسارجنت وينشيب ورجال ويبونز
كومباني 3 يرافو الذين يسيرون دورياتهم في المدينة بحثا عن متفجرات مزروعة على
جوانب الطرق يتراوح عدد العبوات المتفجرة المصنوعة محليا في كل يوم في شوارع
الرمادي بين (50 و100) حسب التقديرات العسكرية.
ما كاد جنود مشاة
البحرية ينغلبون على وقع مفاجأة التفجير حتى كان إطلاقا النار قد بدأ. إنه ما
يسميه مشاة البحرية بهجوم معقد: القنابل أولا.. ثم البنادق أمطر عشرة أو أكثر من
المقاومة العراقية مشاة البحرية بوابل من الرصاص من ثلاث جهات وأطلق اللانس
كوربورال أما رنيدر غريوال 24 عاما الرصاص وركض نحو موقع جديد وهو يصرخ لقد
أصبته!.. دخل بضعة من رجال وينشيب منزلا قريبا لزوجيين مرتعبيين. ضمت المراة طفلا
يصرخ إلى صدرها واخذت تقول تكرارا بصوت مرتفع: (إن شاء الله!.. أن شاء الله ) فقال
الجندي الأول مارك بيتشت وهو ينهض من وراء حاجز على السقف ليطلق النار من رشاشه
بلا رحمة أو رأفة – من نوع أم 16.. يريد هؤلاء قتلي.
ذهب ستيفن غرين إلى
العراق وهو يتوق لقتلهم جميعا..فهو شخص يحب الوحدة ووقع يفرط في تعاطي الخمر
والمخدرات.. وتغير مزاجه مع بدء مهمته بقيادة وحدته – وهي فوج المشاة رقم 502 في
الخطوط الأمامية للمقاومة العراقية في مدينة المحمودية بالمثلث السني.. وفي صفحة
بموقع Myspace الالكتروني التي أطلق عليها اسما غربيا هو (أنا بنت صغيرة). أرسل
غرين رسائل إلى مايك قال فيها أنه شاهد أعضاء بشرية تتطاير في الهواء لم يكن ذلك
مثل ما يحدث في لعبة ريدفاكشن للفيديو المفضلة لديه. وكتب حسبما يتذكر مايك قائلا:
صديقي لا أستطيع عمل كل هذا. لقد كنت أعتقد أن قتل الناس سيكون أمرا طريفا لكنني
رأيت صديقي وهو يتعرض لإطلاق النار على وجهه ليس هذا شيئا جميلا.
وكتب بعد يوم عصيب يقول
أيضا: اللعنة على هذا. فكل مرة أصادق فيها شخصا جديدا يتعرض للقتل.
ما حدث لستيفن غرين في
العراق – هو انه بعد سبعة أسابيع من شريحه من الجيش بسبب ما وصفه الجيش بأنه
اضطراب في الشخصية. أعتقل غرين بتهمة أرتكاب جريمة مروعة ووفقا للائحة الإتهام
أغتصب غرين فتاة عراقية وقتلها وجميع أفراد أسرتها وأتهم خمسة جنود اخرين أيضا في
الجريمة.
وهكذا هي الجاهلية
الأمريكية في العراق تعمل بطوال 16-18 ساعة يوميا بحيث يبدو مقر قيادة الحاكم
الأمريكي في العراق بحراسة مشددة في مجمع قصر صدام حسين القديم في قلب بغداد أشبه
بخلية نحل تضم أتباعه بدءا من الضباط العسكريين والمساعديين والمدنيين وصولا إلى
متعهدي الدفاع ومسؤلي وكالة الاستخبارات المركزية(سي أي أية) الذين يدخلون ويخرجون
باستمرار من مكتبة الصغير.. كما يتسنى للموظفيين الـ 3.000 في سلطة التحالف
المؤقتة السباحة في حوض صدام. لكنهم فيما عدا ذلك يعيشون في حالة تقشف. فالكثيرون
منهم ينامون في مهجع كبير بأسرة من طبقتين تخلط الرجال والنساء المقيمون في قاعة
القرارات الواسعة.
إن الافتقار إلى
الشرعية.. في تدخلهم في العراق والمجتمع الدولي على سواء.. أدى إلى هذه (الأزمة)
وجعل المحتل يسهر على سلامته بالرغم من اعتقال صدام في 13 ديسمبر.. فأن المقاومة
العراقية تواصل جهادها وتؤجج الكره العميق للأمريكيين والمتعاونيين معهم الأجانب
والعراقيين.. فمعدل الهجمات بواقع 35- وهو تقريبا عدد الهجومات نفسه. الذي كان يقع
يوميا في اسوأ شهر قبل إعتقال صدام حسين. وبالنسبة إلى العراقيين المتعطشيين
للرؤيا التي وعدهم بها الرئيس الامريكي بعد نحو سنوات من الفوضى.. فأن الأمور تجري
ببطء وعنف شديدين في ظل سيطرة الجنود الأمريكيين الذين يستطيعون اعتقالهم عشوائيا.
فأن الحاكم الأمريكي بالعراق منشغل بما يسميه أسرع برنامج لتدريب الشرطة في
التاريخ (85.000 متدرب جديد في سنة).
لكن في غضون ذلك خلقت
عمليات القتل والاذلال وانقطاع التيار يوميا شعورا لدى العراقيين بان الأمريكيين
أفسدوا الأمور.
إلى جانب التعذيب
وطريقة الاستجواب الذي يتضمن تقييد السجين على ظهره فوق طاولة وسكب الماء في أنفه
بغرض خلق شعور بالفرق لاجباره الاعتراف مذعورا.. وهذا السلوك اللاأنساني تتبعه
وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.. وطرق أخرى كالذي حدث بالضبط في سجن أبو
غريب ويرى بعض كبار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين أمثال جون ماكين وجون وأرنر
وليندسي غراهام.. أن يجب خطرها بوضوح ضمن قوانيين جديدة.. لقد أقترحت إدارة الرئيس
الأمريكي بوش مشروع قانونها الخاص لإعادة تعريف معاهدات جنيف التي تملي قوانيين
الحرب من أجل الحفاظ على حق وكالة الاستخبارات المركزية في استعمال بعض الاساليب
الأكثر قسوة لكن حتى وزير الخارجية السابق كولين بأول تساءل عما إذا كان موقف
الإدارة قد يدفع العالم إلى التشكيك في الاسس الأخلاقية لحربنا ضد الإرهاب.. مما
أثار موجة غضب وسط العراقيين.. خاصة وأن ممارسات سجن أبو غريب فيها انتهاكات حقوق
الإنسان اللا اخلاقية.. وفي بلد يعود تاريخه إلى الاف السنين وحيث الشرف كل شيء..
لهذا كانت المرارة واضحة بعد فضح زيف الأمريكان بالاغتصابات التي ارتكبوها في سجن
أو غريب وما خفية في السجون والمعتقلات الأخرى لا يقل فظاعة.. لذلك تجد المقاومة
العراقية شديدة البأس ضد سيطرة الولايات المتحدة وحلفائها على وطنهم الطاهر الذي
دنسوه منذ أن وطأة أقدامهم أرضه.. مما حدى بالقاتلين التمسك بأسلحتهم إلى أن يندحر
العدو إلى غير رجعة.
الباب التاسع
الخارطة الجديدة
للمنظمة الإسلامية والعربية
ويبقى السؤال الأخطر:
ما هي أهم ملامح الخارطة الجديدة في المنطقة الإسلامية والعربية من قبل الجاهلية
الحديثة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية المدارة باللوبي الصهيوني.. فالتفاصيل
الأساسية لا شك أنها مغيبة عن المسلمين والعرب.. فالنظام العربي والإسلامي في نظر
أمريكا استنباط هذا التغير من خلال تتبع ما يرسمه الاستراتيجيون ومراكز البحوث
والدراسات المؤثرة في السياسة الخارجية الأمريكية ور؟؟؟؟؟؟؟؟؟ في الشرق الأوسط
إسرائيل.
وتبدو الأطروحات
الأمريكية حول الدول المؤقتة والتسريبات المستمرة والسيناريوهات المطروحة لضرب دول
عربية وإسلامية.. أولى الإشارات لهذا النظام العربي والإسلامي الجديد الذي تريده
أمريكا في المنطقة.. وفي هذا الإطار يرى ويميز بريجينسكي أن الهدف القصير المدى أنه
الهدف الذي يدعم القوى الجيويوليتكية السائدة علي الخريطة العامية. ويستهدف هذا
الدعم تكريس النفوذ الأمريكي مع التركيز علي قارتي أوربت وآسيا وعلي أوليات العمل
السياسي والدبلوماسي بهدف منع ظهور أي تحالف معاد يمكن أن يتحدى الزعامة الأمريكية
أما الهدف المتوسط المدى فهو يرتكز حول ضرورة توجيه السياسات الأمريكية للتحالف مع
شركاء استراتيجيين لها يمكن من خلال دور القيادة الأمريكية أن يشكلوا نظاما للأمن
أكثر تعاوناً في قارتي أوربا وآسيا وفي الشرق الأوسط.
أما الهدف الطويل المدى
فهو الهدف الذي يسعى إلي إيجاد قاعدة من المسؤولية العالمية المشتركة التي تلعب
فيها الولايات المتحدة الدور القائد والشركاء البارزون علي هذا المستوى هم في
الجانب الغربي فرنسا وألمانيا والهدف المركزي في هذه المرحلة هو توسيع رأس الجسر
الأوربي الديمقراطي.. وفي الجانب الشرقي الصين التي أصبحت تشكل للولايات المتحدة
أهمية محورية متصاعدة وتعتبر المشاركة الصينية ضرورة لتكون الاستراتيجية الأمريكية
العالمية: وذلك من خلال تحقيق إجماع سياسي صيني أمريكي.
وبالطبع فإن إسرائيل هي
المرشحة للقيام بالدور الأكبر في تلك المنظومة الأمنية حيث سمح حلف الأطلنطي
لافرايم هلا رئيس المخابرات الإسرائيلية أن يشارك في اجتماع قيادته في بروكسيل- هو
الذي قدم وعداً علنياً بأن تتكفل إسرائيل بمنع مساعي دول في الشرق الأوسط. ضرب لها
مثلاً: بإيران وليبيا والعراق وسوريا. بامتلاك أسلحه الدمار الشامل.. مطمعا وعده
بتحذير من الإرهاب الإسلامي وهجماته الانتحارية التي تمثل خطراً جسيما علي دول
الحلف.إلي أنه سيقوم هو الأخر بضربات عسكرية اجهاضية فوق تخوم الإقليم ولكنها
ستكون لصالح الحلف. أكثر من كونها لصالح إسرائيل.
وفي سياق آخر كتب شيمون
بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي كتاباً بعنوان(تعميم المستقبل) تحدث فيه عن شرق
أوسط جديد فيه عمالة عربية رخيصة.ومال الخليج ونفطه.. وموارد ومياه!وكل ذلك تحت
إدارة صهيونية كاملة وهيمنة إسرائيلية إمبراطورية يضمنها تفوق نوعي وكمي في السلاح
والتكنولوجيا والدعم الغربي مع تغيب كامل لحق أهل المنطقة في أراضيهم ومواردهم
وثرواتهم.أما الفلسطينيون فقدم لهم بيريز في كتابة دولية منزوعة السيادة؟؟؟؟؟؟؟؟
تابعه لإسرائيل تماماً. ومن ثم مخلب لها إن لزم الأمر حين يحاول بعض المقاومين في
تلك الإمبراطورية الإسرائيلية الاستقلال أو ما شابه ذلك.
وفي مقال نشره الآن
وودز- وهو مفكر غربي تلقى أراه رواجاً كبيراً علي مستوى النخبة السياسية في
الغرب.. قال فيه أن الشرق الأوسط لن يستقر إلا إّذا أصبحت أقلياته من يهود وأقباط
واكراد وغيرهم متساوين في الحقوق مع الأغلبية الساحقة من العرب والمسلمين.
هذا المشروع يجد له صدى
واسع من خلال التهديد والتلويح بتغيير القيادات العربية غير المستجيبة للمشروع
الأمريكي أو التي تبدي نوعاً من المعاكسة للتوجيهات الأمريكية.. مما يؤكد ضياع
القوة.. لتقسيم البلاد وتصبح مكان مطمع من قبل من كان يخشونها بالأمس ويحسبون لها
ألف حساب وحساب وفقد الإنسان المسلم والعربي أمنه وطمأنينة وجاءته الضربات من عدوه
ومن صديقه وترمي(المؤامرة في مجملها) إلي تفريغ الإسلام من جوهره والحيلولة دون
عودته إلي منابعه وإلي منهجه الأول البسيط الميسر البعيد عن التعقيدات الفلسفية..
فالفكر الإسلامي من حيث أنه يرتكز في مهمته الأساسية في العمل علي العودة بالإسلام
إلي منابعه وإلي أحالته وبساطته والتماس مفاهيمه من القرآن والسنة.
والمتأمل
لسورة البقرة تأملاً جيداً سيجد فيها كل ما هو فيه عظمة وعبرة لمن يعتبر لقوله
تعالى: (الم {2/1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
{2/2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {2/3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ
وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {2/4} أُوْلَئِكَ عَلَى
هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {2/5}
إ)L
(القرآن الكريم يحضر خندقاً عميقاً بين السلم واليهودي وبين الإنسان وأعداء الله
.. بل من بداية الكتاب الكريم إلي خاتمته تجد عشرات المرات إدانة اليهود ووصفهم
بالمغضوب عليهم.
إنهم عصاه المولى عز
وجل والمتجاوزون لتعاليمه.. وهم قتلة الأنبياء وعباد العجل الذهبي.. والرافضون
للانصياع إلي تنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى.. وهم الخونة لأنفسهم وذريتهم وحرفوا
في كتبهم.. والمشترون بآيات الله ثمناً.. والجبناء في مقابلة أعدائهم.
والقرآن الكريم..وهو
يحفر الخندق العميق.. ليكشف ما يغمرون من خيانة وغدر وجبن والوا عنق الحقيقة
لتحقيق أغراض فطروا عليها.. وفهم سائد لديهم- وهو الاستعلاء والأنانية.. وتجرئهم
علي خالق السماوات والأرض وأنبيائه الذين كرمهم علي ساير البشر بأن فهمهم برسالته
السماوية.. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ إلي ذلك سوء أخلاقهم في التعامل مع عامة الناس.
بينما يمضي القوى
الجبار ويضع بين يدي المسلمين آياته البينات دليلاً وبرهاناً يحذر المسلمين في كل
زمان ومكان من خيانة وغدر اليهود وتحضهم من مكرهم الذي تزول منه الجبال.
ليأتي عصر الرسالة
المحمدية.. لكي يعكس علي مدى التاريخ الإسلامي ما أفصح عنه القرآن الكريم حول
اليهود ما يمكن أن يفعلوه دون تورع أو خوف.. ولكن كتاب المولى عز وجل لا يأتيه
الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
فما من نهج أو خطة أو
دسيسة أو خيانة أو ممارسة لا أخلاقية ملتوية تستهدف ضرب الإسلام وتفكيك دولته
وعرقلة حركته إلا واستخدمها اليهود.. ومضوا صوب هدفهم باستخدام كافة الوسائل
المتاحة وغير المتاحة.. ولعل حشدهم للطاقات العسكرية وتأليب الأعداء والخصوم
ومحاولة عكس صورة سيئة عن الإسلام ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.. ومقتله من
قبل أجدادهم في فترة مضت.. ما إلا تأكيداً علي أنهم يخططون إلي سحقه من علي الوجود
ولكن هيهات أن يتحقق لهم مآربهم.
وكان رد الرسول صلى
الله عليه وسلم – القائد موازياً تماماً للفعل اليهودي نفسه. قدير أعلي كشف تآمرهم
ومعاقبتهم وقتلهم أو إجلائهم من الأرض التي يحيطون فيها.. وكان عليه أفضل الصلوات
والسلام.. رغم ما سردته كله من خصال غير حميدة.. تجده كلما وجد لديهم هامشا
للتعايش مع المسلمين.. مهما كان ضيقاً.. يمنحهم الفرصة الكاملة من أجل الاستمرار
والعمل والبقاء.. كالذي فعله مع يهود خيبر ووادي القرى وتيماء بتركهم في أماكنهم يزرعون وينتجون
ويشاركون دولة الإسلام ثمار جهدهم هذا.. وكالذي فعله مع يهود أقصى الشمال من بني
جبنة ومقنا كما تشهد بذلك العصور السمحة التي كتبها لهم فيما أورد نصوصها(أبن سعد)
في طبقاته الكبرى و(الطبري) في تاريخه و(أبن هشام) في سيرته و(الواقدي) في مغازيه
و(البلازري)في انسابه وغيرهم.
ولكن دائماً اليهود تجدهم- هم البادئين
بالمكر والخبث والخيانة والعدوان.. والبحث عن عدو بصورة دائمة.. الأمر الذي أخطر
سيدنا عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) زمن خلافته إلي أن يصدر أمره المعروف والمشهود
بإجلائهم عن جزيرة العرب.
وعلي مدى التاريخ
الإسلامي منذ بدايته وحتى اللحظة الماثلة أمامنا.. الغدر اليهودي يأخذ منحنى أخر
من خلال استهدافهم بناء الأمة الإسلامية وما من ثغرة إلا وقاموا باستقلالها لكي
يبثوا سمومهم.. ويتذكر المسلم حركة (أبن اليهودية) عبد الله بن سبأ.. مررواً
بمؤامرات الدونمة في سالونيك ضد الخلافة العثمانية وخلعهم السلطات عبد الحميد
الثاني(رحمة الله عليه) الذي وقف موقفاً بطولياً نادراً وفريداً في تاريخ الدولة
الإسلامية- وهو يحمي الدولة الجريحة(فلسطين)من مخططاتهم الإستيطانية رغم الإغراءات
الاسطورية المقدمة إليه من اليهود آنذاك الوقت.
فقد ظل حزب الله يقدم
كل مظاهر التضحية بالمقاومة في الحروب الإسرائيلية المتصلة.. وهذا يؤكد أنهم
يعملون بقاعدة(العطاء أكثر من الأخذ).. أي أنهم حاربوا الأنانية وحدوا من شهوات
وغرائز السلطة.. وأبسط معنى لتضحيتهم هو أنهم أحبوا الناس كما يحبون أنفسهم( لا
يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). والظروف التي تمر بها لبنان.. بل الأمة
الإسلامية ككل الآن في حاجة إلي مثل المقاومة البنانية التي تعبي الجهود كلها
لاستنقاذ الوطن المفقود والشرف السليب.
ولكن ماذا نقول أنهم
اليهود الذين هم أشبه بيهود بني النظير وبني قريش في هزيمتهم في بدر وإغواء الشطان
لهم ثم تخليه عنهم.. وغزوة بدر كانت في اليوم السابع عشرة من رمضان في السنة الثانية
للهجرة الشريفة.. حيث دارت رحاها وعدد المسلمين كان ثلاثمائة وثلاثة عشر مقاتلاً..
لما كان بحوزتهم الإسلام خفيف وسبعون بعيراً وفرسان.. وفي المقابل كان جيش
المشركين تسعمائة وخمسين وسبعمائة بعير ومائه فرس وسلاح كثير.. فالتقت القوتان
بماء بدر وراء المسلمون جيش عدوهم فلجئوا إلي الله عز وجل – واستغاثوا والقوا
بأمرهم إليه.. فاستجاب لهم وأمرهم بالملائكة ؟؟؟؟؟؟؟؟ وقاتلوا معهم ونصرهم الله
علي عدوهم نصراً عزيزاً- (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من
الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من
عند الله إن الله عزيزاً حكيم).
والمستعرض لمعركة بدر
يحس لها بمنزلة خاصة ويدرك أن التاريخ أودع فصولها سرا تكتنفه الهيبة والرهبة
وجعلت من أدوار القتال فيها موعظة ودروس وعبر خالدة في ذاكرة التاريخ بصورة عامة
والإسلامي خاصة.. وهاهي تجدد ما بقى في الدنيا القتال بين الحق والباطل وصراع بين
الظلام والنور.. ويشعر قائدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة فيلجأ
إلي الله سبحانه وتعالى مستنجزاً وعده ولما كان يوم بدر نظر الرسول(ص) إلي
المشركين وهم نحو الألف وإلي أصحابه وهم ثلاثمئة وبضعة عشر رجلا ثم أستقبل القبلة
ومد يده وجعل يهتف اللهم آتني ما وعدتني.. اللهم أنجز ما وعتني.. اللهم إن تهلك
هذه العصبة من أهل الإسلام.. فلن تعبد في الأرض وما يزال يهتف بربه ماداً يديه حتى
سقط رداؤه عن منكبيه وحتى نزل الوحي مطمئناً.. سيهزم الجمع ويولون الدبر وما ظنك
بموقعه تكون الخصومة فيها في الله ويكون القتال فيها بداية لسلسة من المعارك يحتدم
النزاع فيها بين الخير والشر وتمتد المعارك الإسلامية في فارس والروم وحتى اللحظة
في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان وغيرهم لا تحسب الصلة بينهما وبين بدر
مقطوعة.. أنها صلة النسب بين الأصل ونتائجه ومن هذه المعركة.. كلما انتهت معركة
قامت أختها.. لقد فرضت الموقعة علي المسلمين فرضاً وفوجئوا علي غير استعداد يتحدى
صناديد قريش وأعوانهم من اليهود.. وأبطالها لهم.. ولم يكن بدء من قبول هذا التحدي
وواجه النبي(ص). الموقف بما يتطلب من إيمان وثقة غير أن كثير من المسلمين
تساءلوا.............؟
إذ كيف يواجه هذا العدو
الذي لم يستعد لهّ؟!
(كما أخرجك ربك من بيتك
بالحق وأن فريقاً من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون
إلي الموت وهم ينظرون).
ولكن القدر كان يدفع
الأمور إلي مجراها الذي أعده إعداداً محكماً: فها هو ذا قد جمع بين الفريقين علي
موعد)( ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا). (وما
هو ذا يغري كليهما بالأخر ويجعله يرى عدده ضئيلا قليلاً)( وإذ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ إذ
التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وإلي
الله ترجع الأمور)( وهاهو يبعث الشيطان لينفخ الغرور في أتباعه وليصبح بينهم) لا
غالب لكم اليوم من الناس وأني جار لكم)- وها هي الأمور تتطور بسرعة عجيبة في معسكر
الإيمان.. فيتتابع المهاجرون علي الموت: لا نقول لك كما قال قوم موسى- فأذهب أنت
وربك فقاتلاً إنا هاهنا قاعدون). ولكن نقاتل عن يمينك وشمالك ومن بين أيديك ومن
خلفك وكان في وسع الأنصار أن يتحللوا من هذه المعركة.. فإنهم إنما عاهدوا
الرسول(ص) علي حمايته في بلدهم ومنعته ما دام بينهم. فإذا خرج في حرب هجومية فليس
له عليهم سبيل ولكن الأنصار لم يتحللوا وإذا زعيمهم سعد ن معاذ يقول: يا رسول الله
قد أمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق. وأعطيناك علي ذلك عهودنا علي
السمع والطاعة.. فأمضي لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضه
لخضناه معك ما يتخلف منا أحد وما نكره أن تلقي بنا عدونا وعدوك. إنا لصبر عند
الحرب. صدق عند اللقاء ولعل الله- عز وجل- أن يريك منا ما تقربه عينك فسر بنا علي
بركة الله- فما الذي حمل هؤلاء الأصحاب علي أن يقفوا هذا الموقف مع أن جذوة
المعركة وجوانبها المادية. لتجعل أشد الناس تفاؤلاً ينظر إلي أثارها من خلال غيوم
سود إنه الإيمان بالله الذي يضع أمر الله ورسوله في جانب والدنيا كلها في جانب
آخر. وأنه التسليم لله ورسوله مهما حذر العقل ونهت ظواهر الأشياء وإنها الثقة التي
لا تجادل في أن الموت في الله شرف.. لا يقل عن شرف النصر علي الناس وهيهات لمن
يحمل هذه المبادئ أن يذل أو يهزم.. أو يكون بعيداً عن تأييد الله ونصره. وهكذا
جرفت موجة الإيمان كافة عوامل التردد. وجاءت الساعة الرهيبة ودار القتال ومشي ملك
الموت يقطع رقاب الكفار وتنجست الرمال بدماء الطائفة التي آذت الله ورسوله. ووطئت
أقدام المسلمين حدوداً وجباهاً طالما استنكرت أن تستجد لله ورب العالمين.
للخروج من (الأزمة)
الآنية علي العالم الإسلامي العودة إلي التاريخ الإسلامي. وسيرة المصطفى(ص) لإيقاف
غلاة التطرف الصهيوني ودوافعهم الخبيثة التي يعاني منها العالم الإسلامي وخاصة في
فلسطين ولبنان التي هشمتها العدائيات الإسرائيلية المتواصلة.. والسعي الدءوب
الرامي إلي تفكيك هذه الدولة الإسلامية العربية بالعشوائية تكالباً من أهل الباطل
الذين ينفذون مخططاً يعكس طبيعة ما تتعرض له لبنان.. إلا أنها فشلت في حربها التي
دفع فيها حزب الله ثمناً باهظاً وهم ينصرون الحق ويتشجعون في الجهر به والدفاع
عنه.. ويقفون في وجه الباطل.. أنهم يحبون الحق ونصرته.
لعل حكمتهم في ذلك إقتداء بجنود الله المجاهدون في
سبيل الله من المهاجرين والأنصار والذين آتوا من بعدهم سائرين علي نفس النهج
والدرب.. وما إجلاء يهود بني النظير بعدما قذف الله الرعب في قلوبهم.. أكبر دليلاً
علي استسلامهم ودعوة للأبصار بالاعتبار بما جرى لهم.. فاليهود أتباع الشيطان
وإخوان المنافقين الذين رفضوا التسبيح لله.. ولكن الله أتاهم من حيث لا يحتسبوا..
فزلزل قلوبهم وحطم معنوياتهم مما جعل حصونهم المنيعة لم تعد تحجب عنهم ما أعده
إليهم المولى عز وجل من أجلاء المدينة.. ويشير أبن عباس رضي الله عنهما أن سورة
الحشر نزلت في يهود بني النضير.. وآيات السورة أربعة وعشرون آية.. وطبيعتها طبيعة
جهادية لأنها نازله في الجهاد وأجلاء اليهود.. وموضوعها موضوع الجهاد بين المؤمنين
والكفار لقوله تعالى:( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا
وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ
بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي
الْأَبْصَارِ َن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي
الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
وقد
كتب الله عليهم الجلاء عن المدينة فخرجوا ناجين بأرواحهم ولم يكتب القتل في الدنيا
علي أيدي المؤمنين.. وعدم قتلهم في الدنيا لا يعني بأي حال من الأحوال نجاتهم من
العذاب يوم القيامة.. فالله -سبحانه وتعالى- أعد لهم عذاب النار لكفرهم وإجرامهم.
وإخراج اليهود وقتها دلالة و‘شارة واضحة إلي أنه علينا أخراجهم من الأراضي
المحتلة- عام 1967.
ولا
يجوز مجرد الشك في كفر اليهود لقوله تعالي:(كفروا من أهل الكتاب)- فهم أهل كتاب
بالمفهوم التاريخي القديم ولكنهم حرفوا كتاب الله(التوراة) ولم يؤمنوا بالقرآن
الكريم(كلام الله) وأنكروا أن يكون سيدنا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم-
رسول الله ولم يدخلوا في الإسلام.
لقد
حشرهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم – الحشر الأول علي خطوات مرحلية:
-
أولاً: حشر يهود بني قينقاع في السنة
الثانية بعد غزوة بدر حيث أجلاهم إلي خيبر وغيرها.
- -ثانيا:حشر يهود بني
النضير في السنة الثالثة بعد غزوة أحد حيث أجلاهم إلي خيبر وغيرها أيضاً
-
ثالثاً: حشر يهود بني قريظة لما نقضوا
عهدهم مع الرسول الكريم(ص) وذلك في السنة الخامسة بعد غزوة الأحزاب- حيث قتل
رجالهم وسبى نساءهم وأولادهم.
-
رابعاً: حشر يهود خيبر في السنة السابعة
بعد صلح الحديبة حيث دمر الرسول صلى الله عليه وسلم سلطانهم وكيانهم فيها وجعلهم
عبيداً مزارعين.
-
خامساً: حشر اليهود وإخراجهم من الحجاز
والجزيرة العربية كلها. وكان في الفلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه.. حيث
أخرجهم إلي بلاد الشام.. ولم يبقى في بلاد الحجاز يهودياً واحد.
وافساد اليهود ظل ممتداً من ذلك الزمان إلي هذا الذي نعيشه
الآن.. المقرون بالعلوا الكبير وأنهم سوف يحشرون فيه الحشر الثاني..
فمعروف أنهم قبل أحتلالهم إلي الدولة الجريحة فلسطين كانوا
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ في بقاع الدنيا المختلفة.. وجمعوا من سائر البلدان المختلفة علي
يد(الوكالة اليهودية) ونظائرها من المؤسسات والمنظمات.. وآتوا بهم إلي فلسطين منذ
نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مازالت الهجرات اليهودية تتواصل بلا
أنقطاع.. وهذا الذي يتم يطابق قول المولى عز وجل:(وقلنا من بعد لبني إسرائيل
أسكنوا الأرض. فإذا جاء وعد الأخرة جئنا بكم لفيفاً).
أن الاستراتيجية اليهودية اليوم تشهد أنكسارات هامة
للاستراتيجية الصهيونية.. التي تدفع المنطقة الإسلامية والعربية باتجاه الحرب بغرض
إعادة تعديل التوازنات.. والنظرة وراء ذلك نظرة أمنية قتالية.. دال الأراضي
الفلسطينية المحتلة عام1967م وداخل الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة عام 1948م
مع التهديد بقصف شمال فلسطين وتوجيه ضربات لقوات حزب الله في الجنوب اللبناني
وهينظرية نقل المعارك خارج الأراضي المحتلة.. وما يحدث هو تطور أستراتيجي ولا شك
يحدث للمرة الأولى منذ ولوجهم إلي الأراضي الطاهرة. والتي لمجرد طرح فكرة قيامها
كدولة تحت ضربات المقاومة وفي ظل تواصل وتصاعد الإدارة الفلسطينية علي التحرر..
فإنه يمثل أنتصاراً(من حي المبدأ) وإن مقاومة هذا المشروع الصهيوني والأمريكي
بأوسلو ومدريد وغزة وأريحا يظهر مدى التراجع الصهيوني.
ثم يمتد هذا العداء للإسلام والمسلمين عبر التاريخ تاركاً
صوراً كثيرة من العدائيات المستحكمة حتى يومنا هذا.. وستستمر لانها تعود في جزورها
إلي الحروب الصليبية والأولى.. والتي بشر بها بابا من أصل فرنسي ومنذ الحمة الأولى
وحتى حملة لويس التاسع .. اضافة إلي حملة الأطفال بقيادة الراعي الفرنسي ستيفن..
ثم حملة نابليون علي مصر والشام واحتلال فرنسا بعد ذلك ما يقرب من ثلث العالم
الإسلامي متمثلاً في دول المغرب العربي ودول الغرب الإفريقي وجيبوتي.. وجزر القمر
وسوريا ولبنان.. وقد نهبت ثروات الأمة وسفكت دماء مئات الآلاف من المسلمين خلال
تلك الحروب ولا سيما في الجزائر.
ما إخفاق كافة المفاوضات العربية الإسرائيلية حتى اللحظة ما
هي إلا مماطلات.. فلفة الحواربين الطرفين.. فالجانب العربي يرتكز إلي أسس وسياسات
مرتبطة بالحقوق التاريخية والشرعية الدولية والإتفاقات والمعاهدات المبرمة بين
الطرفين في كامب ديفيد ومدريد وشرم الشيخ وغيرها.. أما الجانب الإسرائيلي فحديثه
ينصب في الوعد الإلهي وحائط المبكي وهيكل سليمان ويرتدى مفاوضوه القبعة اليهودية
أو الحاخامية ويتلقون الدعم الغربي النصراني بدعوى التراث الديني المشترك.. مما
أفرز إعلان الحكومة الإسرائيلية إقامة جدار فاصل بين الأراضي المحتلة عام 1967
والمنطق المحتلة عام 1948م- واضف إلي ذلك خطاب الرئيس الأمريكي حول السلام في
الشرق الأوسط في 25/6/2003م.. حيث عاش عقبة الشارع الفلسطيني- المزيد من الهموم-
هموم الحصار والتجويع- هم أخر في سبيل الحرب والاستقلال.. وهذا يقومون به بدافع
تنفيذ المخطط المنصب في مصلحة إسرائيل والذي لا يعطي المجال لفلسطين من التقاط
أنفاسه حتى لا تستمر الانتفاضة .
إن موضوع الإصلاح الداخلي بدأ فلسطينياً عام 1999م عندما قامت
مجموعة العشرين في بيان يطالب بإصلاحات داخلية.. وكان هذا البيان قد أيده ما يزيد
عن 200 شخصية فلسطينية حزبية ومستقلة وجاء البيان(الوطن ينادينا) ودعا إلي الإصلاح
الحقيقي ليعالج الفساد والإذلال والاستقلال وتجنب الشعب الفلسطيني الاستسلام
للمؤامرة وقد قوبل البيان بحملة قمع طالت من أيده ووقع عليه وتعرض الموقعون إلي
الإقامة الجبرية والتشويه السياسي وطالب البعض تقديمهم إلي المحاكمة.
تعد فكرة الجدار الفاصل فكرة تراثية توارثية فهي ليست جديدة
علي الشعب اليهودي ففي التوراة التي تجدها ملئة بالحديث عن اسوار أورشليم وأريحا
ومن ثم ظهرت فكرة الجيتو التي لا تختلف كثيراً عن السور الواقي.. وفي نفس الوقت
يجزم المجتمع الإسرائيلي بأن الجدار الأمني لن يضع حداً للعمليات الإستشهادية
والمثال الشاهد علي هذا حالات قصف المستعمرات الشمالية.. وخطف جنود الإحتلال في
المناطق اللبنانية التي كانت محتله ولم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الجدار الأمني.. وكل التجهيذات
الأمريكية والصهيونية لرصد تحركات المقاومة في جنوب لبنان وأنتهى الأمر في
الجدارإلي الإنهيار وخروج الجيش الإسرائيلي بشكل هذل.
فاو تمعنا وتأملنا ما يحدث آنياً في فلسطين ولبنان والعراق
وأفغانستان.. نتيجة حنمية لعدم عملنا بالإسلام الذي لم يترك شاردة ولا واردة إلا
أحصاها..وما وصلنا إليه من ضعف ما هو إلا نتيجة التقليد الأعمى.
وغاب عنا ما جاء به رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه
وسلم: (لا يكن أحدكم إمعه يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت ولكن أنفسكم
إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن تتجنبوا إساءتهم).
ينبقي للمسلم في كافة بقاع العالم وفي ظل ما يتعرض له.. أن
يتطلع إلي الإقتداء بالنبي(ص) في صورتها
المكتملةفي أدق صورها.. والبحث والتنقيب عن الكيفية المحققة للهداية لكل البشرية
وإدخالهم في النور واتباعهم للحق المبين.. كما بين سبحانه وتعالى: (فلعلك باخع
نفسك علي آثارهم إذ لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) ولقد كان من نعم الله سبحانه
وتعالى أن يقدم للبشرية النموزج الإنساني الذي يحقق له طريق الإسترشاد.. فكان
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم- الذي قال:(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)- بعد أن
حدد المؤدب فقال فيما روى عنه: (أدبني ربي فأحسن تأديبي).. وفرض الحق سبحانه
وتعالى علي كل مسلم أن؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وسعهلتتبع مواضع القدوة في حياة الرسول
الكريم(ص).. فقال جل شأنه: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله
اليوم الآخر وذكر الله كثيراً).
فالحق أبلج والباطل لجلج والطريق لاحب والصوى مشروعة..(قل
هذه سبيلي أدعوا إلي الله علي بصيرة أنا ومن أتبعني وسبحان الله وما أنا من
المشركين).
فهل حقق المسلمون ما أراده الله ؟ الإجابة تمليها أحوالهم
الآتية أنهم بعدواعن روح العبادات جميعا ولم يتوبوا إلي رشدهم.. وينفذوا وصايا
قرانهم الكريم.. فتفرقت بهم السبل ودب فيهم الضعف حاكو ومحكوم.. لهذا تجد قوى الشر
تزعزع قوى الخير بالإجتماعات والمؤتمرات الدولية.. وهذا ما نلمسه في مجلس الأمن
الذي سيخدم قانون وضعية تلك الدول العلمانية وما لا يدور في فلكها تستطيع إبقافه
ب(الإعتراض) أو ما يسمى بحق (الفيتو).
وفي غضون القرن التاسع عشر للميلاد كانت نزعات الالحاد تغلب
علي العقلية الغربية.. وأتجهوا بالبشرية في إتجاه يتنكر للدين والمحاولة الجادة
لتضيق تعاليمه السمحة.. ولما كانت الريادة لهم علي العالم يومئذ.. صبغوا الفكر
العالمي بهذه الفكرة الملئية بالضبابية وبالمقابل كان المسلون يعيشون في حالة
أندهاش وأستغراب أنستهم الرسالة التي أمنهم أليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
اننا بمنطق القرآن الكريم نرفض أن نعيش في العقلية المادية
العلمانية للقرن التاسع عشر.. فلا يوجد كتاب سماوي حث العقل علي النظر الصائب في
ملكوت الأرض والسماء.. يقول أنب عطاء الله السكندري هذه الحاسمة: (لا ترحل من كون
إلي كون فتكون كالحمار الرحى يسير والمكان الذي أرتحل أليه هو الذي أرتحل منه..
ولكن أرحل من الأكوان إلي المكون( وأن إلي ربك المنتهى). وأنظر إلي قوله صلى الله
عليه وسلم: (فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله فهجرته إلي الله ورسوله .. ومن كانت
هجرته إلي دنيا يصيبها أو أمرأة ينكحها.. فهجرته إلي ما هاجر أليه).. ويقول المولى
عز وجل: (والسماء بنيناها بأيد وانالموسعون. والأرض فرشناها فنعم الماهدون. ومن كل
شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون.. ففروا إلي الله أنى لكم منه نذير مبين.. ولا تجعلوا
مع الله إلها أخر أنىلكم منه نذير مبين) وأبن عطاء الله يرى أن العامة يترددون بين
مآربهم.. كحركة بندول الساعة لا تتجاوز موضعها علي طول السعي.. أو هم علي حد
تعبيره كحمار الرحل ينتقل من كون إلي كون.. والمكان الذي أرتحل إليه هو الذي أ{تحل
منه..لذلك لو حسنت معرفتهم بالله ما حجبتهم عنه رغبات مادية ولا معنوية.. بل لطفى
عليهم الشعور به.. وبما يجب له.. هذا الإطار يقول الشاعر أبي فراس الحمداني:
فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بين بينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق الترب تراب
وإذا كان الناس مندهشين عن الحق المحيط بهم.. فذك عمى تعود
عليهم وحدهم معرته.. وليتهم يرجعوا إلي كتاب الله العظيم.. والذي أشعر الناس بمعان
لو تمعنوها وتأملوها جيداً لما خدعوا بالحياة.. فقال سبحانه وتعالى: (هو الأول
والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام
ثمأستوى عاي العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما
يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعولون بصير)
الباب العاشر :
اللوبي الصهيوني ودوره
في المنطقة:
يتفرع الوطن الإسلامي
جغرافيا . على حسب التقسيم الاستعماري في الجاهلية الحديثة إلى أكثر من 50 دولة
قومية وأكثر من ألف طائفة بأصولها وفروعها
ومذاهبها.. وهذه الأخيرة تبتعد عن المجتمعات المنقادة وراء مجتمعات غربية
أمريكية صهيونية.. وهذه الطوائف الإسلامية تتصرف على أساس أن الدين الإسلامي وسنة
النبي الكريم (ص) مع اختلاف المسميات المختلفة سنية أو شيعية او وهابية.. والخ –
وكل جماعة من هذه الجماعات ترى أنها الأحق ولا تقبل بالأخرى.. والاختلاف بينها
نابع من تفسيرهم للإسلام والمعتقدات.. وفي أغلب الأحيان يدخلون في حالة إصتدام قد
يصل أحيانا إلى حد الاقتتال على سبيل المثال بدأت الخلافات بين شيعة العراق بعد
احتلال الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الوطن الجريح الذي انهكته الحروب المتصلة
في التاسع من أبريل 2003.. حيث لقي عبد المجيد الخوئي حتفه في مدينة النجف
والاتهام بمقتله طال جماعة الزعيم الشيعي الشاب مقتدي الصدر.
الدولة الإسلامية – منذ
وهلتها الأولى بنزول الوحي سيدنا محمد (ص).. وكل من ينتمي اليها لا يعرف فكرة
الانتماء إلى التيارات الطائفية.. بل ينتمون إلى طائفة واحدة تحت رأية واحدة لا
يتدخل فيها عرق أو لون أو حدود جغرافية لوطنهم الإسلامي.. ليستمر هذا النهج الفريد
حتى بعد انتقال سيد البشرية (ص).. ليأتي بعده عهد الخلافة التي كانت تدير شؤون
الأمة المسلمة بأمتدادها الشاسع بتنصيب الولاة والأمراء والحكام والسلاطين من قبل
أمير المؤمنين.. ويمنحهم جزء من سلطاته ليديروا أمر المجتمع الواقع في دائرتهم
بالوكالة والرجوع للخليفة في كل كبيرة وصغيرة وأحاطته بما يدور في محيط ولايته..
ورغم ذلك يظل الولاء في البداية والنهاية إلى الإسلام والأمة والخليفة ولكتاب الله
وسنة الرسول الكريم (ص).. واختيار الخليفة يتم من خلال الشعب ولا يفرض عيهم كما
يتم الان في بعض الدول الإسلامية والعربية..ولعل اختيار سيدنا علي بن أبي طالب
"رضي الله عنه" ليتولى أمر الخلافة لاعتبار اتباعه.. أنه الخليفة الشرعي
سيدنا محمد (ص).. مما قسم وحدة الأمة الإسامية إلى أثنتين.. ومن هنا تأسست دولة
بني أمية معلنيين بذلك أنفسهم ملوكا يستندون سلالة سبقتهم في الحكم وراحوا إلى أن
أطلقوا على أنفسهم ألقاب خلفاء وسلاطين وأمراء المؤمنيين .
وبالتالي الانشقاقات
تواصلت وأصبحت أعمق من ذي أول بظهور ما يسمى "المفهوم الأوروبي للدولة
القومية" التي وضعت الحدود الجغرافية بسبب الجشع
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كارهابين أين ما حطوا
رحالهم.. ضف إلى ذلك الحملات الإعالامية المتصلة لتشوية صورة الاسلام ورسوله
الكريم (ص) في بلادهم بتصوير أن الدين الاسلامي – دين عنف ولم يكتفوا بذلك بل
راحوا إلى تدنيس كتاب الله – سبحانه وتعالى – وبهذا استطاعوا أن يجعلوا الدول
الاسلامية والعربية تدور في فلكها وتمويلها لتطحن بعضها بعضا محققة لهم بالنيابة
عنهم الأهداف المخطط لها بدقة متناهية أدت إلى انحدارهم من الأعلى إلى الأسفل
بالوقوف في حافة الهاوية.. فليس ثمة بارقة أمل.. لأننا منقسمين ونقوم بوعي أو بدون
وعي بنتفيذ أوامرهم ونقفل عن أوامر ديننا الحنيف.. الذي لم يترك معضلة إلا ووجد
لها الحل.. والله – العلي القدير – فجر لنا من باطن الأرض كنوز – كالذهب الأسود
"البترول" الذي لو كنا موحدين لأكفنا مهما بلغ عدد سكان الدول الاسلامية
والعربية.. ولن تجد فقيرا في هذه الأوطان لنضمن القوة للمجتمع في الداخل وقدرتهم
على صد كل ما هو مستورد من الغرب وأمريكا والصهاينة.. فالأموال تكنز للاستخدام
فيما لا يفيد.. أو وضعها في الخزائن والبنك الدولية مما يفقدها قيمتها بمرور
الزمن.
لا أدرى لماذا تعطل
العقل عن التفكير برغم كل هذا السرد المفصل.. فالمعضلات تتعمق وتتأزم ولا حل
لمشكلاتنا.. مع أن المولى – عز وجل – فضلنا على كافة خلقه وأنعم علينا بنعمة العقل
ورسم لنا طريق النور بإنزال القران الحكيم على رسولنا (ص) إلا أننا تركنا كل ذلك
جانبا.. مهتمين بما يصدره إلينا الغرب من كفر والحاد وفسوق.. ولا نبالي في
الانتقام من بعضنا البعض.. وكأنهم لا يعلمون أن هذا الطريق أجله قصير لأنه
استراتيجية أريد بها فرقة هذه الأمة المسلمة – المستسلمة الآن للغزو الفكري
والثقافي والإعلامي والعسكري.. لإرهابنا وزرع بذور الفتنة أكثر وأكثر مع المصالح
الذاتية التي تتقاطع مع المصالح العامة.. فهي معادلة تفتقر إلى التوازن وعدم
الاستغناء عن الأمة المسلمة فلا يخفي على أحد عدم الاهتمام والتواصل مع الآخر..
سياسيا وثقافيا واجتماعيا وفكريا.. ولعل القران العظيم يحثنا على هذا الفعل
والتعامل مع المسلمين في القضايا الأساسية في الحياة الإنسانية لقوله في محكم
تنزيله (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن
أكرمكم عند الله أتقاكم).
يمكن القضاء على الكثير
من أشكاليات هذا العصر الجاهلي الحديث بالقران الكريم وسنة الرسول العظيم (ص)..
والاسلام يؤمن بالاديان السماوية.. التي ليس لنا مطامع فيها ولا تنافس دنيوي..
لكنهم بمناسبة ودون مناسبة يسئون إلى الاسلام ونبيه سيد البشرية محمد (ص).. ورب
العالمين بين لنا الابتلاءات والمشكلات المعاصرة التي تواجه الأمة الاسلامية
كالتطرف والعنف على جميع المستويات.. كالتصفية العرقية والاضطهادات للأفراد أو
الجماعات أو الشعوب والتي أفرزت الكثير من المصطلحات كالأرهاب الذي أثمرت عنه
عبثية في أفغانستان والعراق وهدفها الاساسي احتلال البلاد واستعباد البشر الذين
كرمهم المولى – عز وجل – بان خلقهم احرارا.. لا يجوز استرقاقهم او استعبادهم..
لذلك ينبغي أن يتبنى الجميع نهجا وفهما وفكرا ايجابيا لا يخرج من الإطار الالهي
وما خطه رسول الله (ص) بعيدا عن الكراهية التي لم أجد لها رهانا أو دليلا واحد يدع
العالم الاسلامي والعربي بلا سلام اجتماعي.. فالاجيال الجديدة تظلم دون أن تفتقر
ذنبا.. ولكنهم اتوا في ظل الاستراتيجية الأمريكية المخططة لمشروع السيطرة على
الوطن الاسلامي العربي بنفس الفكرة القديمة المتجددة في عصرهم "الجاهلي
الحديث" تأسيسا للدولة الاسرائيلية لكي تكون محورا في النظام العالمي الجديد –
نظام "العولمة" والامبريالية.. الملموسة واقعا في المشهد السياسي
العالمي الذي أطل في العقد الاخير من القرن العشرين.
وهذا المشروع لا ينتهي
بأنتهاء الولايات المتحدة الأمريكية.. إنما هو متوقف على تطلعات اللوبي الصهيوني
الهادف إلى التقلقل اكثر في الوطن الاسلامي والعربي.. عملا بقاعدة فرق لكي تسود
مفاهيمك وأهدافك بدون أن تغير في معتقداتك وخياراتك الاستراتيجية.. كيف لا وهم
يقودون حملة إعلامية لسحب ايات قرانية تدعو إلى الجهاد من المناهج الدراسية..
فالمشروع بابعاده المتنوعة شكلا ومضمونا يرمي إلى المزيد من الهيمنة الأمريكية..
وأتاحت الفرصة لاسرائيل للدخول في النسيج السياسي والاقتصادي الإقليمي.. حتى يتيثر
للمشروع الصهيوني عمل التغيرات والتبدلات على حسب ما يتوافق ومخططهم الاستقطابي
الحاد الذي ينذر بالحروب وعواصف الاحتياجات وتحديدا من لبنان لموقعها الاستراتيجي
بين الشرق والغرب.
أن طغيان المفاهيم
الديمقراطية الليبرالية الغربية في الأوطان الاسلامية والعربية.. فرضت فرضا.. مما
اعادنا إلى عصر التنوير والاستعمار (الجاهلي الحديث) الصهيوني الغربي.. حيث لخصها
رجلهم المشهور سلامة موسى في العام 1923 عندما قال: (علة الأقطار العربية ورأس
بلواها أننا مازلنا نعتقد أن هناك مدينة غير المدينة الأوربية فلا نتقبل مباديء
البرلمانية والديمقراطية والاشتراكية وهذه مبادىء لم تعرفها اسيا أم الاستبداد
الاتوقراطي في الحكومة والدين والأدب والعلم مع أنها لب النجاح القومي).. لذا من
واقع المشهد الفلسطيني واللبناني نستوحي واجب التغيير في ادارة مجريات الأحداث
لايجاد طرق أفضل من الانجراف وراء فكرة أمركة المنطقة الاسلامية والعربية برمتها..
ولكن من واقع تجربتهم في العراق نستطيع القول بصريح العبارة أنه من الاستحالة أن
ينعم المستعمر بالأمان والسلام ولو استطاع أن يضع يديه على الأرض مواصلا أخفاقة
المسبق في فلسطين وأفغانستان وحتى لا يندم من يقفون خلف هذا المشروع في المستقبل
عليهم الكف عن ممارسة هذا الفعل لكي لا يكونوا كبش فداء يتخلى عنهم الأمريكان متى
ما حققوا هدفهم.. ولكم في الجلبي أسوة حسنة.
وهذا يقودنا إلى أن
مفهوم الحفاظ على الهوية تواجهه مفاهيم تدعو إلى الهدم.. لتكون الهوية الإسلامية
والعربية والعالم ككل.. هوية عالمية لا تفصلها عن بعضها بعض إلا الإدارة الأمريكية
بـ (العولمة) ووسائل اتصالها الحديث التي فيها المضار أكثر من المنافع حيث أنها
جلبت إلينا الاستعمار (الجاهلي الحديث) بالغلبة التكنولوجية والفكرية الخبيثة من
واقع المحرمات التي شوهة ثقافتنا الإسلامية بالدعوة للحريات الشخصية المبنية على
ثقافتهم المستمدة من حضارتهم وثقافتهم الاباحية لكل ما حرم الله – سبحانه وتعالى –
كالمؤتمرات الداعية لاباحة الاجهاض وسنه كقانون ملزم على مستوى العالم والقصد منه
الاسلام الذي يرفض مجرد التفكير في مثل ذلك: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً
بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين) – سورة
الأتنعام.
أليس ما يدعون إليه
العالم – هو واقعهم المباح تحت غطاء الخصوصية والسرية الشخصية ربطاً بين ما هو
حرام.. وما هو حلال.. الزواج الأنجاب الجنس (الممارسة الغير شرعية).. فهم يفرقون
في الفسوق بدواعي الحرية التي شرعت لهم الزواج المثلي.. والزواج العرفي..
والمعاشرة بالصداقة.. يودون بهذا تصدير هذه المحرمات إلى عالمنا الاسلامي والعربي
وتأطيرها في عقول النشء والشباب بالطرق الاعلامية المتواصل ليعلوا صوتهم للمطالبة
بالغاء القوانين المقيدة لنشاطهم الجنسي بحرية شخصية دون الوصاية من فرد أو جماعة
وكأنهم نسوا أن العلي القدير قد أحل لهم الزواج من المرأة بالصورة الشرعية لقوله
في محكم تنزيله: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وأمائكم إن يكونوا
فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى
يغنهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم
خيراً واتوهم من مال الله الذي أتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا
لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فأن الله من بعد إكراههن غفور رحيم).
هذه هي الحرية.. وهذه
هي الهوية التي يريدها الأمريكان للمرأة الاسلامية والعربية من واقع النمط
الأمريكي.. الذي لا يتوانى في فرض هويته.. ودحض هويتنا بكل ما تحمل من موروث وحضارة
وثقافة إسلامية ضاربة الجذور.. لذلك علينا أن نختزن شريعتنا الاسلامية السمحة
بقواعدها وأصولها الفقهية حتى لا ننساق وراء أهواءهم الدنيوية التي ترفع شعارات
براقة تكرر نفسها في قوالب استهدافية جديدة تقوم بها منظمات وجمعيات تستدر عطف
المرأة بعبارات المساواة مع الرجل والحرية في المعتقد والفكر.. وكلها حضارة الغرب
تطرح نفسها على أساس المحافظة على حقوق المرأة التي إذا انصاعت للثقافة التغريبية
تكون قد غيرت هويتها لذا عليها ان تتقفى أثر المرأة في العهد الإسلامي إبتداءاً من
زوجات الرسول الكريم (ص).. واللواتي التزمنا بقول الله – سبحانه وتعالى: (يا نساء
النبي لستن كأحد من النساء أن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض
وقلن قولاً معروفاً وقرن في بيوتكن ولا تبرحن تبرح الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة
واتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيراً وأذكرن ما يتلى في بيوتكن من ايات الله والحكمة أن الله كان
لطيفاً خبيراً).
لكي تواجه المرأة
المسلمة تحديات (العولمة) ولوبيها الصهيوني.. عليها التشديد على الانتماء والانجاز
التام والالتزام بالاقتداء بالقران الكريم وسنة النبي العظيم (ص) وتضحي مثلما فعلن
النساء الصالحات صبراً وعطاء.. حتى أصبحنا برغم مرور الزمن باقيات في ذاكرة
التاريخ الاسلامي.. بما يرضي المولى – عز وجل – والمشيء على هدى نهج السنة
المحمدية المطهرة.. لقوله – سبحانه وتعالى: (والمؤمنون والمؤمنان بعضهم أولياء بعض
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله
ورسوله أولئك يرحمهم الله أن الله عزيز حكيم) – وأيضاً يقول: (المسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات
والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين
والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً).
فإذا نظرنا في أبرز
الاطروحات في عصر (الجاهلية الحديثة) المسمى بالنظام العالمي الجديد في المنطقة
الاسلامية والعربية.. نجد أفكاره تحاول صبغ الصبغة القانونية على الانتهاكات التي
تقوم بها وتستند في ذلك على شعارات مدعومة بحملات إعلامية كثيفة بهدف الترويج
لفكرة استنساخ أمرأة جديدة ذات هوية لا تستمد لهويتها وخصوصيتها بموروثها وثقافتها
الدينية.. حتى يغيب عن هذه الأمة المسلمة ما تؤمن به – في شريعتها من القواعد
الأصولية الفقهية ومعاملاتها المشتقة من القران العظيم والسنة النبوية المطهرة..
فالحسابات السياسية خلال العقود الأخيرة بوجه أخص أفقدت الشعوب الإسلامية والعربية
قدرتها على التصدي لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية خاصة فيما تتعرض له
الدولة الجريحة التي ضربن فيها النساء مثال التضحية التي يجب أن تخجل الحكام
والرؤوساء والسلاطين والملوك والأمراء.. ففي السنوات من الانتفاضة عام 2000م –
وإلى ما يشاء الله – العلي القدير – أزهق الاسرائليين أرواح 5500 فلسطيني.. ضف إلى
ذلك قتلهم 260 بدواعي أسر الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط في 25-6 الماضي – ولأن
المرأة الفلسطينية عرفت على مدار جهادها الطويل.. خرجن للوقوف في وجه الابادة
الجماعية التي يمارسسها المحتل على بيت حانون في قطاع غزة مما أدى إلى قتل 45
فلسطينياً وأصابت 200 أخرين بالاضافة إلى تدمير منازلهم وهدف الطرقات وتجريف
أراضيهم.. والحملة الاسرائيلية الجائزة بعنوان (غيوم الخريف).. ورغم فظاظة الجنود
الاسرائيلين إلى أن المراة الفلسطينية التي هبت لنجدة الوطن واستنفاذ الشرف السليب
بعددية فاقت المئات منهن والمشهد المثير أن بعضهن أصطحبن أطفالهن ووقفن في وجه
الاليات العسكرية الحديثة من دبابات إلى أسلحة أخرى متنوعة.. لحجبهم عن الشباب
الفلسطيني المحتمى باحد المساجد.. ورغم إطلاق النار بلا رحمة أو رأفة عليهن.. لم
يتزحزحن قيد أنملة وكاهن خلقن للموت.. ليقتل منهن أمرأتين.. هما رجاء أبو عودة
وأنغام سالم (كلتاهما في الأربعين من عمرهما).
وبعد هذه الرؤية
القاتمة للواقع الاسلامي والعربي.. نجد بعض الدول العربية المدعية في نفس الوقت
إسلامية تقيم علائق دبلوماسية مع اسرائيل.. ضف إلى ذلك التحركات المستمرة من العدو
الصهيوني للتطبيع مع البقية الباقية ولعل بعضها يهرول نحوه ويمنحه شهادة حسن السير
والسلوك – وهو الذي يعتقل الوزراء والنواب وابناء الشعب الفلسطيني إلى جانب سفك
الدماء وتدنيس المقدسات وتهديد المسجد الأقصى المبارك ومع كل هذه الجرائم أعلن
وزير خارجية الكيان الصهيوني مبشراً بأن حوالي عشر دولاً عربية تعد نفسها لتطبيع
العلاقات مع إسرائيل.. وهذا الأمر يشكل خطراً على المنطقة الاسلامية والعربية.. بل
الأفريقية باعتبار أن بعضها ينتمي إليها جغرافياً.. وهي ليست ببعيدة عن المشروع
(الجاهلي الحديث) – فهو مشروع عالمي بدأ بتعاون اسرائيل مع بريطانيا.. ثم فرنسا..
ثم الولايات المتحدة الأمريكية.. وهذا الشيء يهدف إلى تعزيزها وتقويتها لتفتيت
العالم الإسلامي والعربي .. وهذا الشيء يهدف إلي تعزيزها وتقويتها لتفتيت العالم
الإسلامي والعربي هنا أين ما كان موقعه الجغرافي.. حتى تفتقد الدول ذات الطبيعة
المشتركة الالتفاف حول بعضها البعض .. حتى تستطيع إسرائيل بذلك الإبقاء علي فلسطين
داخل الحدود التي رسموها لوحدهم عام 1967م.. وفي هذا الإطار قال أول رئيس للكيان
الصهيوني بن غوريون عن ضرورة خلود دولة إسرائيل.. وأن تتعامل مع المسلمين والعرب
من خلال التشخيص لحالتهم النفسية وتلتمس نقاط الضعف فيها حتى تكون منفذ للولوج
إليهم وتفريقهم إلي جماعات أقلية وعرقية وطائفية تنشغل باشكالياتها الداخلية التي
لا تدع لها مجالاً للتفكير فيما يدور في المحيط من حولها ..وقد أوصى قبل أن يأخذه
الله _ سبحانه وتعالى _ الكيان الصهيوني بوضع استراتيجية مبينة علي النحو التالي:
-أولاً: تقوية الآلية
العسكرية حتى يتسنى لإسرائيل أن تكون القوة المهابة الرادعة القادرة علي حماية
أمنها.
-ثانياً: إقامة العلائق
الدبلوماسية والتحالفية مع البلدان ذات التأثير المحيط بالعالم العربي.. تطبيقاً
لسياسة شد الأطراف التي استهدفت ما عرف بحلف المحيط .. والدول المعنية بهذا
المشروع الخبيث_هي تركيا أولاً.. ثم إيران
ثانياً.. ثم إثيوبيا ثالثاً.ووفق هذه الاستراتيجية تعمل إسرائيل بشتى السبل علي
تعميق الشرخ القائم أصلاً بين الدول الإسلامية والعربية وإخوانهم الأتراك
والأفارقة والأخيرة تضم في معيتها دولاً مستهدفة في المخطط الصهيوني والتي قد يكون
لها تأثير في يوم من الأيام في القرار الدولي عبر منظومة الأمم المتحدة لما يوجد
فيها من ثروات اقتصادية مكتشفة وأخرى غير مكتشفة.. بلاضافة إلي أن الإحصاء السكاني
في لإسرائيل من خلال الدراسات يؤكد أن نسبة كبيرة.. إصولها إفريقية .. ففي الإحصاء
الممتد من العام(1948ـ1967) تلاحظ انخفاض توافد الأفارقة علي دول الكيان
الصهيوني.. ليقا من 15% إلي 17% لذا عملوا بقاعدة التفرقة بين العرب والأفارقة..
بالتحريض وتقديم يد العون عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً من خلال
المراقبين و الخبراء والمتابعين لما يحدث في القارة السمراء من صراعات قبلية تدعو
إلي التحرر ممن لا أدري ليدقوا بهذا المخطط له مسبقاً ناقوس الخطر.. بخلط الأوراق
علي أساس أن الصراع.. صراع عرقي بين العرب والمسلمين والأفارقة الاثنين.. مما اتاح
لها الفرصة لتغلغل في إفريقيا.. مع إقامة علاقات دبلوماسية مع 32 دولة إفريقية
منها الإسلامية الناطقة باللغة العربية.. والأخرى ما زالت تحتفظ بالإرث والثقافة
الاستعمارية وكل ذلك تحقق لإسرائيل في الوقت الممتد من العام(1956ـ 1977م).وذلك
بناء علي أبحاث ودراسات قام بها مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا التابع
لجامعة تل أبيب عام2003م.
الاتجاه إلي القارة
السمراء كان سهلا ًبالنسبة لإسرائيل نسبة لأحداث التي شهدها العالم دولياً
وإقليمياً.. منها انعقاد مؤتمر باندونغ في العام 1955م بغيابهم عنه ثم استغلال عدد كبير من الدول الإفريقية من
الاستعمار البريطاني والفرنسي في فترة الستينيات مما اتاح لهم فرص الانضمام إلي
عصبة الأمم المتحدة التي ذادت لهم قدرتهم التصويتية بجانب إنشاء منظمة الوحدة
الإفريقية في العام 1963م.. وجل هذه المسببات وغيرها جعلت إسرائيل تقود حملة
دبلوماسية واسعة علي إفريقيا حتى تمكنت في العام 1966م بأن تخلق علائق دبلوماسية في
معظمها.. وتسارع هذا الأمر أبان الحرب الباردة التي هزم فيها معسكر الشيوعية
والماركسية واللينينية في أعوام التسعينيات.. ليشهد العالم في ظل ذلك واقعاً
جديداً تسيطر عليه الولايات المتحدة الإفريقية وبدأت في التفكير في الانتشار
العسكري في إفريقيا علي قرار توزيع الأساطيل البحرية ومنها الأسطول السادس في
البحر الأبيض.. وهذا الشيء لا يخرج من مشروع إسرائيل الهادف إلي شق الضعف بين
العرب والأفارقة.. فالمخطط الأمريكي تديره وتحركه قوة اللوبي الصهيوني بواشنطون_
وهذا بدأ يتحقق من خلال دولتهم الإسرائيلية التي وجدوها في قلب المنطقة مرتبط
ارتباطاً وثيقاً بالبحيرات العظمى ومنابع النيل عموماً.. وهذا المشروع أصبحوا
يعملون له في العلن وتؤكده الدراسة التي قام بها موشي فوجي العميد السابق في جهاز المخابرات الإسرائيلية "
الموساد" .
والتي أوضح من خلالها-
بعنوان إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان نقط البداية ومرحلة الانطلاق.إن إسرائيل
قررت احتواء إفريقيا والانتشار في قلبها للاقتراب من السودان والاحاطة به ومن ثم
يتسنى لها الضغط علي مصر وتهديد بعدها الإستراتيجي الجنوبي.
ومن هنا علينا استدراك
الخطر المتمثل في النظام العالمي الجديد المطل في هذا العصر-عصر (الجاهلية
الحديثة).. الذي نحن لسنا في حاجة إليه لو عملنا بمنهج الإسلام في بناء المجتمع
الإسلامي.. وهذا النهج غاب عن بعض العقول والوجدانيات. لذلك نجحت محاولات اللوبي
الصهيوني. لزراعة الثوابت والمتغيرات والروح والمادة والعقل والقلب والدنيا والآخرة..رغم
ظهور بلاد إسلامية كثيرة.. كالثورة الإيرانية الإسلامية.. وثورة الإنقاذ الوطني-
وهي ثورة إسلامية تتولى مقاليد الحكم في جمهورية السودان وانتصرت المقاولة
الإسلامية الأفغانية علي معسكر الشيوعية السوفيتي ووصل حزب الرفاه للحكم في تركيا
وحركة حماس فازت بالانتخابات الفلسطينية وحزب الله حقق إنجازاً كبيراً بالانتصار
علي دولة إسرائيل في هجومها المتكرر علي لبنان.. وقبلاً المملكة العربية السعودية
بلإضافه إلي اندونسيا.....الخ
فالمجتمع الإسلامي
والعربي انعكست هويته وكافة ممارساته الحياتية من ما شرعه الإسلام للمجتمع بكل
نخبة الحاكمة والمحكومة.... فالتشريعات الإسلامية تتضمن بعداً واضحاً دينياً يحظى
باهتمام الإنسان المسلم وما انجذابه لاذعات القرآن الكريم بالمملكة العربية
السعودية والسودان إلي نشر الثقافة الإسلامية وتعميقها في نفوس هذه الأمة التي هي
أحوج إليها في هذا العصر المقدح في الجهل الذي اجتذب البعض من ضعاف النفوس
الانقياد وراء هذه المخططات الصدامة.. والمسيئة للإسلام ورسوله العظيم داخلياً
وخارجياً.. يفتضح الإعلام المخطط الواعي بهذا المشروع الصهيوني- والإعلام الغير
مخطط الذي ينجرف وراء إيقاع العصر ومواكبة التطور العالمي الجديد القائد الفعلي
إلي ما نحن فيه من" أزمة" تزداد عمقاً مع مرور الأيام.
وفي ضوء الواقع
الإسلامي والعربي الذي تعبث به النظريات والأفكار العالمية تمنحه أثر ذلك روح
العشوائية والتخطيط ومن لا تنجح معه بهذه السياسة تلجأ إلي استخدام القوة معه حتى
لا يفسد روح السلبية التي أتسمت بها أمم كثيرة. بل وتخلفت وانهارت كافغانستان
والعراق التي تشير الأرقام الإحصائية حولها- بأن عدد العراقيين الذين قتلوا منذ
الغزو الأمريكي في العام2001م بلغ 655 ألفاً – وفي قول أخر 795ألفاً والذين تزهق
أرواحهم يومياً يتراوح عددهم بين(50-60) شخص..هذا بالاضافة إلي أذكاء النعرات
القبلية بين أبناء الوطن الواحد.. مما استدعى عقد مؤتمر بمدينة جدة لتحريم قتل
المسلم لأخيه المسلم.. لتفقد ذلك أرض الرافدين قد ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ بالنسبة للبشرية ذات
المصير المشترك برغم اختلاف المذاهب مابين سني وشيعي.. وهذه العراق تتجه إليها
الأنظار منذ القدم.. حيث القي في ميائها سيدنا إبراهيم- عليه السام وشهد ابتلاع
الحوت لرسول الله يونس بن متى – عليه السلام- كما حفلت أراضيها بالمأساة الخالدة في ذاكرة التاريخ الإسلامي حينما قتل
الأمويون الأمام الحسين بن علي أبي طالب حفيد سيد البشرية – محمد(ص)- وأبن أبنه
فاطمة الزهراء .. ولم يكتفوا بذلك أنما راحوا إلي أبعد من ذلك ومارسوا سفك الدماء
في ذرية النور الحق(ص) حتى وصل عددهم إلي سبعين في كربلاء ومنعهم الخونة من أن
يتجرعوا ولو جرعة ماء من نهر الفرات.. حدث هذا عقب رحيل معاوية وفرض البيعة لابنه
يزيد الذي نصب عبيد الله بن زياد والياً للعراق علي الشيعة والإمام علي وقتل
قيادتهم المتمثلة في حجر بن عدي الكندي وبعد انتقال معاوية إلي الرفيق الأعلى ولحق
به زياد.. تولى السلطة يزيد حيث استعان بعبيد الله بن زياد وفي فترة تولية الحكم
في العراق حدثت الجريمة البشعة في كربلاء.
وهذه الواقعة نتجت من
رفض الإمام الحسين مبايعة يزيد أثناء أقامته وآل البيت في مدينة مكة المكرمة..
وحينما لم يجد العراقيون حلاً من تسلط
وجبروت يزيد وعبيد الله أرسلوا إلي الإمام الحسين يطلبون منه بالحاح شديد الحضور
إلي أرض الرافدين ليبايعوه.. فأرسل أليهم أبن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلي
الكوفة.. وما أن حط رحاله بها إلا واحتشدت الجماهير وارتفعت الأصوات والسيوف
تعبيراً عن مساندتهم ومبايعتهم للإمام الحسين.. وما أن شاهد مسلم هذا التأييد.. لم
يجد أمامه إلا أن يرسل إلي أبن عمه الإمام الحسين إلي أن يأتي إلي أرض دجلة
والفرات.. وبالفعل شد الإمام الحسين وآل البيت رحالهم من مدينة مكة المكرمة إلي
العراق.. لتنتظره المفاجأة بانعكاس الآية.. بأن جمع الأمويون المال من الشام والذي
اشتروا به زمم زعماء القبائل.. وعقب أداء فريضة صلاة العشاء توصل مسلم بن عقيل
بحسه وما لمسه من تفرقه في من هتفوا لحظة وصوله إلي العراق.. ولم يجد مكان يلوز
إليه إلا منزل عجوز آوته إلا أن أبنها سارع بتسليمه لجيوش الحاكم الأموي في
العراق.. فذجوا به من علي أعلى قصر الأمارة.. ليؤدي ذلك الفعل إلي كسر رقبته.
ثم أرسل عبيد الله جيشه
لمحاصرة الإمام الحسين وآل بيته في مدينة كربلاء.. فطلبوا منه الاستسلام إلا أنه
رفض.. واختار بديلاً له القتال..فقاتلهم- هو وأبناءه وأبناء شقيقه الحسن قتالاً
مستميتاً حتى سقط في معركته هذه سبعين شهيداً.. ولم يبقى من جراء هذه الواقعة إلا
النساء وطفل صغير مصاب الحمى يرقد بين أحضان عمته السيدة زينب بنت سيدنا علي بن
أبي طالب.. وهو يدعى زين العابدين بن الإمام الحسين وقد حفظ به العلي القدير ذرية
رسول الله الكريم عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم.. إلا أن قاتل أهله عبيد الله بن
زياد فكر في أن يلحقه بوالده وبقية آل البيت ولكن عمته السيدة زينب وقفت لهذا
المجرم بالمرصاد ودسته بين أحضانها.. قائله لهذا المتسلط أقتلنا معاً.
فأخلى سبيله قائلاً(من لم يمت بالسيف تقتله
الحمى). وحول هذه الابادة البشرية لآل البيت رضوان الله عليهم- يقال أن أبو العلاء
المعري تحدث عن هذه المعركة التي قتل فيها الإمام الحسين وأهله وعن اغتيال سيدنا
علي بن أبي طالب في 17 رمضان بمدينة الكوفة قبلاً.. حيث قال المعري وهو ينظر شغف
المغيب وضوء الفجر يرمزان لدماء الإمام علي وأبنه الإمام الحسين
وعلي الأفق من دماء
الشهيدين
علي ونجله شاهدان
فهما في أول الليل
شفقان
وفي أخر يأته فجران
فهرس المصادر والمراجع
الرقم
|
المصدر
|
الموضوع
|
1
|
القرآن الكريم
|
" كلام الله
" سبحانه وتعالي
|
2
|
السيرة المحمدية
|
سنة رسول الله (ص)
|
3
|
أبن كثير
|
تفسيره القرآن العظيم
|
4
|
الأمام ابن الجوزي
|
مؤلفه ( صفوة الصفوة
)
|
5
|
الأمام القرطبي
|
الإعلام 15 تحقيق د.
احمد السقا
|
6
|
أبن تيمية
|
أسلوب المعتزلة
|
7
|
الأمام الشاطبي
|
-
|
8
|
( الحسن البصري )
المارودي
|
إعلام النبوة
|
9
|
صاحب الشفاء
|
-
|
10
|
الدكتور / رؤوف شلبي
|
وكيل الأزهري السابق
|
11
|
الشيخ طه محمد
الغزالي
|
-
|
12
|
الشيخ طه الولي
|
نشأت وتاريخ الكتب
عند الاقدمين
|
13
|
الدكتور محمد سعيد
البوطي
|
نظرات في الأدب
والعربية والقرآن
|
14
|
الدكتور الخضري بك
|
-
|
15
|
محمد رجاء حنفي عبد
المتجلي
|
موقعة عين جالوت
|
16
|
الدكتور عبد المنعم
خفاجي
|
-
|
17
|
موقعة بدر
|
جريدة الدار
|
18
|
فتح مكة المكرمة
|
مجلة البيان
|
19
|
مقتل الأمام الحسين
|
جريدة الوفاق
|
20
|
أشعياء
|
-
|
21
|
سفر التثنية
|
ترجمة تفسيرية
|
22
|
الدكتور محمد حسن
سليم
|
مجلة منار الإسلام
|
23
|
أنجيل يوحنا
|
-
|
24
|
إدوارد سعيد
|
الثقافة الإمبريالية
|
25
|
إنجيل متي
|
-
|
26
|
أر مسترونج
|
سيرة النبي محمد ( ص
)
|
27
|
الزبور
|
-
|
28
|
الدكتور إبراهيم يوسف
|
الإدارة في الإسلام
|
29
|
دراسات تاريخية
إسلامية
|
مجلة العربي
|
30
|
سفر التكوين
|
-
|
31
|
اللواء الركن محمد
شيش
|
قطبة بن قتادة
|
32
|
جيدنز
|
عالم منفلت
|