الأحد، 6 مايو 2012

هجليج ومالآت ما بعد التحرير من جيش الحشرة الشعبية


   ابدي السودان  استعداده التام للعمل بالخطة الافريقية الداعية إلي عودة السودان والجنوب لطاولة الفاوضات من أجل إتمام عملية السلام الذي وقعته الحكومة السودانية مع متمردي الحشرة الشعبية أقصد الحركة الشعبية بقيادة الدكتور الراحل جون قرنق دي مبيور في يناير 2005 بضاحية نيفاشا والذي خلفه العريف سابقاً والفريق حالياً سلفا كير إلا أن القيادة الجنوبية المتمردة لم يعجبها وضع السلاح جانباً والركون إلي الإتفاقية التي شهدها العالم بأسره الشيء الذي استدعاها إلي ممارسة الإنتهاكات المتكررة في حق السودان الشمالي المفتري عليه إلا أن الإرادة السياسية كانت تتقاضي عن ذلك حتي لاتخلق جواً مغايراً لما توصلت إليه من إتفاقية أنهت بها اطول حروب القرن الافريقي.
وبما أن السودان يبحث عن الحلول بعيداً عن الحرب هاهو  أحمد كرتي وزير الخارجية السودانية يبعث برسالة إلي جان بينغ رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي يوم الأحد الماضي معلناً من خلالها ترحيب بلاده بخطة الإتحاد الأفريقي ولم تخلو  الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية من إتهام دولة الجنوب الوليدة  بالاعتداءات  المتكررة على الأراضي السودانية المتاخمة للحدود بين البلدين ، وهو الأمر الذي قاد المشير عمر البشير رئيس الجمهورية  إلي إعلان حالة الطوارئ  في مناطق تتعرض للهجوم بصورة مستمرة من جيش (الحشرة الشعبية) وهي  "السلام " و "الجبلين " وآخريات.
 وبينما تسعى الامم المتحدة التوصل الى اتفاق لتعديل مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة وتأمل دول مجلس الامن التصويت عليه نهاية الاسبوع تدرس الصين معارضة فرض أي عقوبات على الخرطوم وجوبا ان لم يوقفا الصراع.
ولا يخفى على أحدٍ تعقيدات الوضع السوداني، فالتوازنات الدقيقة بين دولتي الشمال والجنوب هشة وتحمل في طياتها بزور النزاع القابل للانفجار مالم تعمل كلا الدولتين على تدعيم مسيرة التعاون، لمنع تكرار المواجهات العسكرية حيث تسعى كلا الحكومتين الى مواجهة التحديات الداخلية وترسيخ الاستقرار فيما التنافر حول اقتسام ايرادات النفط نقطة محورية في تأجيج الصراع الذي يجعل القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة والصين طرفا فيه للحفاظ على مصالحها النفطية.
هذا ما يفسر الصراع الحاد في منطقة هجليج التي يسعى كل من الطرفين السيطرة عليها لما تشكله من ثقل اقتصادي ومركزي في انتاج وتصريف النفط حيث تنتج ما يقارب 60 الف برميل يوميا كما تضم محطة معالجة علاوة على محطات الضخ للانابيب الناقلة الى موانئ البحر الأحمر، علماً بأن هذه المدينة النفطية المحررة مؤخراً بواسطة قوات الشعب المسلحة وقوات الدفاع الشعبي والقوات النظامية الأخري لاتندرج في إطار المناطق المتنازع عليها ولم يتم تضمينها في إتفاقية السلام الشامل الموقع في وقت لاحق بين السودان والحشرة الشعبية ومنطقة هجليج منطقة سودانية شمالية بما لايدع مجالاً للشك من قريب أو بعيد لذلك لاتدخل من ضمن الملفات الساخنة والمتعلقة بالمصالح النفطية المتداخلة بين البلدين مهما كان خاصة وأنها تتركز فيها الحقول النفطية على خطوط التماس بين الدولتين.
هذا النزاع الذي بدأ في ظل العمل على اتفاقية السلام في العام 2005م لم يحسم القضايا العالقة نسبة إلي تعنت الحشرة الشعبية في الوصول بهذه الملفات إلي حلول ناجزة تصب رأساً في مصلحة البلدين فالتفاوض والحكم الانتقالي في السنوات الماضية خلف معارك في منطقة توريت وابيي من ناحية اخرى فإن المركبات العرقية والدينية والاثنية المتنوعة في دولة الجنوب  ساهمت في تأجيج الخلاف  علي  ابيي و و جنوب كردفان (جبال النوبة) وولاية النيل الأزرق وهي ومناطق سودانية شمالية مليار في المائة بالرغم من زعم الحركة الشعبية عكس ذلك لكي لاتلتزم بالإتفاقية التي في اطار ظن الجميع أنها ستحسم النزاع نهائياً؛ غير ان البروتوكولات التي وُقعت انطوت على نصوص هلامية يكتنفها الغموض تعتمد على ما سمي "بالمشاورات الشعبية لتقرير المصير" ؛ وذلك من خلال ايجاد سلتطين تشريعيتين تؤمنان الترتيبات القانونية والادارية لذلك ودمج الجيش الشعبي في اطار مساعدة دولية ، مما ترك الباب مفتوحا على الصراع الذي انعكس في ابيي من خلال التنافس بين قبائل دينقا نقوك الجنوبية وقبائل المسيرية التي توالي حكومة الشمال مما احال الملف الى محكمة لاهاي الدولية التي قررت فيه عام 2009 اعادة ترسيم الحدود؛ وهو مالم يلتزم به الحركة الشعبية التي تتقلد السلطة في دولة الجنوب الجديدة الامر الذي ادى الى نشر قوات فصل اثيوبية باشراف الامم المتحدة.
وفيما شهدت الاشهر الثلاثة المنصرمة تجاذبات سياسية ومعارك عسكرية حادة ادت الى عدم انعقاد القمة بين البشير والمتمرد سلفاكير في ابريل الماضي وذلك لاحتلال جيش الحشرة الشعبية علي مدينة هلجليج السودانية الغنية بالنفط ،هذه الامور وضعت كافة الاطراف مجدداً امام ضرورة تسوية مشتركة للتعاون في الشأن النفطي وعدم الانزلاق مجدداً نحو الحرب التي لا تلق تشجيعًا خارجيًا من القوى الإقليمية أو الدولية.
وهو ما تبلور فعلياً بالمفاوضات التي انطلقت في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا حيث تناولت الوضع الامني بالدرجة الاولى، وهدفت لنزع فتيل الازمة. وضمت وزير الدفاع السوداني عبدالرحيم محمد حسين ونظيره الجنوبي جون كونغ نيون ومسؤولون مدنيون وعسكريون كبار من الطرفين في اجتماعات مغلقة حيث ابقت مفاوضوالاتحاد الافريقي خارج قاعة الاجتماع. واعلن بعدها وزير الاعلام الجنوبي برنابا بنيامين ان الطرفين "مصممان على تجنب العودة للقتال" فيما اتهم الخرطوم بمواصلة قصف المناطق الحدودية.
اخيرا؛ فان الوضع السوداني سيبقى مضطربا مالم تعمل كافة الجهات على تحقيق نقلة نوعية في منهجية التفاوض، حيث لم يعد بالامكان الابقاء على انصاف الحلول في وقت تصطدم فيه الوساطة الافريقية بسدود التفاصيل المجزأة مما يضع الامور في حالة تتراوح بين اللاحرب واللاسلم.

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...