الحقيقة أن البعض يعتقد اعتقاداً جازماً بأنه يستطيع استعداء الآخرين الذين يخالفون الأفكار والرؤي حول مجريات الأحداث في المشهد السياسي الراهن دون التفكير في إعلاء قيمة الاختلاف حول وجهات النظر، والذي لا يفسد للود قضية طالما أنه يصب في المصلحة العامة، ولا يستند على أيدلوجيات سياسية، لذا يجب قبول الرأي والرأي الآخر حتى لا يضع كل واحد في مخيلته أي مسافة بينه والآخرين فيما جري وسيجري مستقبلاً، بل يجب أن يفكر بترو لتجاوز النقطة التي وصل إليها هؤلاء أو أولئك تواً، وعليه فإن الأشخاص الاستعدائين لا يحسون بما ترمي إليه أفكار أو وجهات نظر الاخرين، وذلك من واقع قراءتهم للأحداث المتسارعة بصورة سلبية، وبالتالي يكون ليس في مقدورهم إيصال الرسالة لمن جال في خاطره تحليلاً صحيحاً من حيث طرحه من الزاوية لا ينظرون إليها نظرة صائبة نسبة إلى أن المسافة بينه وبينهم متسعة اتساعاً (هائلاً).
إن أفكار الاستعداء المطلقة تهدم أكثر مما تبني، لأنها قائمة على فكرة لا تحترم عقلية المتلقي، ولا تتوافق مع الديمقراطية التي ينادي بها، وذلك منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي أفقد الجميع تنسم دعاش الحرية، السلام والعدالة، لذا السؤال الذي يفرض نفسه لماذا يسعى البعض إلى إعادة إنتاج الأفكار السالبة والأساليب الاستعدائية المكتسبة من النظام السابق، ونشرها عبر (العولمة) ووسائطها المختلفة ومن ثم مجالس المدينة، فهي بلا شك تكسب من ينتهجها عدواً جديداً، ولو كان مؤمناً ومتفقاً معهم حول الفكرة المنبثقة وفقاً للمعطيات السياسية الجديدة، والمنوط بها أحداث التغيير الحقيقي، والمؤسس على ما هو مقبول من حوار حول الوطن الكبير، بالإضافة إلى التمسك بالمبادئ، القيم والأخلاق الحافظة للمجتمع من الانزلاق إلى بؤرة اثنه.
قلما تجد من يدرك خطورة الاستعداء السياسي لمن يؤيدون فكرة التغيير في هذه المرحلة الحساسة والحاسمة من تاريخ السودان، لذا يجب أن يكون الاختلاف قائماً على المصلحة العامة، والنظرة المستقبلية للسودان، وليس المصلحة الشخصية القاصرة على الكسب الذاتي، والتي يسعي في إطارها البعض لتطويع ما يجري من أحداث لصالح أجندته، وعليه فإن على الجميع الاتفاق على خطاب إعلامي لا يبعد أي شخص حادب على الوطن من المشهد السياسي باستثناء النظام السابق.
يجب عدم استعداء الجميع بالخطاب الإعلامي الذي يتم من خلاله وصم المخالفين بما لا يتسم مع المرحلة القادمة، فهي مرحلة تتطلب تضافر الجهود عامة، وذلك من أجل ايقاف من يحاولون بشكل أو آخر سرقة الثورة الشعبية الشبابية، وفي هذا السياق أطل عدداً من الادعياء الانتهازيون، وبالتالي سلوكيات من هذا القبيل تنافي ما ترمي إليه الثورة التي لعب في ظلها أشخاصاً أدوراً مهمة، وأن كانت هذه الأدور واجباً وطنياً يمليه عليهم الضمير الحي، خاصة وأن الشعب السوداني صبر لتحقيق ما يصبو إليه بعد ثلاثة عقود من القهر، القمع، الظلم وسفك الدماء، وعليه فإن أي مرحلة من مراحل حكم البلاد تتطلب وجود معارضة قوية تراقب المشهد السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي والفكري، وذلك من خلال رقابة من يتقلدون المناصب حتى لا يتكرر سيناريو النظام البائد، والذي سبق وأن انتهج سياسة الاستعداء، بالإضافة إلى أنه اجتهد لإضعاف المعارضة السياسية وتشوية صورتها لدي الرأي العام، ووجه لها الاتهامات جزافاً، كما أنه اعتقل قياداتها المؤثرة، وفتح ضدهم البلاغات، وهي إجراءات تهدف لتكميم الافواه المبصرة للشعب السوداني بما يجري هنا وهناك.
ومما ذهبت إليه فإن نظرية التآمر أخذت حيزاً كبيراً في وسائط الإعلام الحديث ومجالس المدينة، وهو ما قاد إلى انتشار ثقافة الاستعداء، والتي أصبحت لا تفرق بين الصالح والطالح، وبالتالي لا تفضي في النهاية للديمقراطية، لذا يجب عدم التفكر وفق نظرية التآمر حتى لا تصبح بمرور الأيام جزءاً أصيلاً من الموروث السياسي في البلاد، وتجعل البعض يستقوي بها كلما وجد إنساناً خالفه الرأي أو وجهات النظر مستخدماً ضده المصطلحات التجريمية، وهي في رأي لغة العاجز، لأنها لا تتجاوز إدراكه المحدود للراهن السياسي، هكذا يحاول البعض ايصال رسائله بمفهوم مكشوف للعامة، وإذا نجحت فكرته فإن من يستهدفه يكونون أمام موقف لا يحسد عليه، وربما تتغير نظرة الناس له من واقع التعبئة السابقة، وعليه يصبح كالسرطان الذي يجب استئصاله حتى لا يستشري في الجسد، هكذا كل واحد لا يقبل الاختلاف مع الآخر في شأن عام، ويتمسك بوجهة نظره، ويري أنه إنساناً معصوماً من الخطأ، وتكون الحلول للإشكاليات المطروحة حاضرة لديه، ويرفض كل الحقائق الماثلة أمامه لعدم توافقها مع ظنه وشكه في الاخرين، بحيث يري أنه الأحق بالأتباع، وإما الآخرين فهم مجرد أشخاص يبحثون عن مصالح شخصية تتعارض مع أفكاره ووجهات نظره.
هنالك من يستخدم أساليب (الغمز) و(اللمز) للاستعداء الذي يثير به جدلاً أكثر مما أنه يفيد مفاهيم التغيير، وهي أساليب هدامة ولا ترسي دعائم البناء والتنمية لشعب عاني من ويلات السياسات الخاطئة ثلاثة عقود، وخلالها كان يدعو لاستعداء الخصم في المشهد السياسي، مما نتج عن سياسته عموماً البطالة، الفقر، العنوسة، الرشاوي والفساد، وحاق بالبلاد الدمار.
من المعروف أن الاستعداء يستخدم في الإطار ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ لحرمان الخصوم السياسيين من ممارسة نشاط يحققون من خلاله أجندات حزبية أو تنظيمة حققت لهم الاستفادة في فترة حكمهم المنزوع، وبالتالي فإن سلاح الاستعداء السياسي حق من الحقوق السياسية إلا أنه يجب عدم استخدامه ضد أي إنسان أخر خالفك الرأي، فالتعميم يكسبك خصوماً جدد ربما كانوا يقفون إلى جانبك لأحداث التغيير المنشود، ولا سيما فإنه يحتاج للتوافق على تخصيصه لشخصيات محددة يثبت تورطها في انتهاكات ضد إنسان السودان أو تمت إدانتها بإحكام قضائية أو ارتكبت جرائم أثناء الحراك الثوري الشبابي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق