..........
جلس إليه : سراج النعيم
.........
كشف سامي مبارك سنادة، الملازم بالاستخبارات العسكرية، المصور الخاص للرئيس الراحل جعفر محمد النميري اللحظات الأخيرة للإطاحة بحكم النظام المايوي، وذلك من خلال إماطة اللثام عما حدث في العاصمة المصرية (القاهرة) عقب عودته، والوفد المرافق له من الولايات المتحدة الأمريكية مباشرةً.
فيما اجاب سنادة على أسئلة طرحتها عليه حول ما دار بين الرئيس السوداني جعفر محمد النميري، والرئيس المصري حسني مبارك، ووزير الدفاع المصري ابوغزالة حول عودة النميري للخرطوم، ولمعرفة هذه الحقائق بالتفصيل، هيا نقلب صفحات وصفحات ملئية بالخفايا والاسرار التى تنشر لأول مرة منذ الإطاحة بنظام الرئيس النميري.
في البدء ماذا عنك اخي سامي سنادة؟
درست في مدرسة تلودي، ثم سافرت للدراسة في روسيا، وتخصصت في اللغة الروسية في العام 1975م، ومن ثم سافرت منها إلى الصين، والتحقت بجامعة (بكين)، وتخصصت في اللغة الصينية، ثم عدت للسودان، وبقيت لفترة، ثم شددت الرحال للكويت، وعملت فيها لمدة عام، ثم سافرت منها إلى بريطانيا، والتى دراست فيها التصوير والإخراج التلفزيوني في معهد (السينما البريطاني)، ومن ثم عدت منها إلى السودان، وعملت لفترة في مجال التصوير والإخراج التلفزيوني، والذي أصبحت في إطاره مصوراً خاصاً للرئيس نميري في العام 1982م، وكانت وظيفة المصور الخاص جديدة في رئاسة الجمهورية، وفيما بعد أصبحت ارافق النميري في رحلاته الداخلية والخارجية إلى أن تم إنهاء حكمه في العام 1986م، ثم ذهبت إلى مصر، واستقريت فيها، وخلال ذلك درست بعض الكورسات، ثم عملت في مجال التصوير والإخراج التلفزيوني في مصر، والتى انتقلت منها للإمارات العربية المتحدة، وعملت في استديوهات (عجمان) مخرجاً ومصوراً إلكترونياً، ثم عدت إلى السودان، واتجهت إلى العمل الخاص.
كيف تم توظيفك في وظيفة مصور خاص للرئيس الراحل النميري؟
عندما استقريت في الخرطوم التقطت صوراً للعاصمة السودانية، كما صورت بعض الأفلام الوثائقية القصيرة، وصادف أن شاهدها الرئيس النميري، فاعجب بها جدا، فما كان منه إلا أن طلب مني العمل معه في رئاسة الجمهورية، فسألته ماذا اعمل؟ فقال : (في مجالك الذي تخصصت فيه)، وبما أن العمل الذي اقترحه على في مجال دراستي وافقت دون تردد، وبدأت التجربة الجديدة في حياتي بالتدريب العسكري ضمن ضباط قوات الشعب المسلحة، وعندما انتهيت من التدريب تم توزيعي ضابطاً بهئية الاستخبارات العسكرية- قوات حرس الرئيس برتبة ملازم فني، كما نلت بعض الكورسات من الأمريكان حول أهمية المصور الخاص للرئيس، ومراقبة المصورين الأجانب، وكيفية التعامل معهم، خاصة الوفود الأجنبية القادمة للبلاد، وكنت ألتقي بهم، واخذ منهم المعلومات، وعلى إثر ذلك أصبحت ملماً بالإعلام الخارجي والداخلي الذي أمد في ظله الأجهزة الإعلامية بما لا تستطيع الوصول إليه من لقاءات يعقدها الرئيس.
كم استمريت في العمل مع الرئيس النميري؟
منذ أواخر العام 1981م إلى العام 1986م.
ماذا عن مرافقتك له في الزيارة الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية؟
جئنا من أمريكا إلى مصر، إذ هبطت بنا الطائرة الرئاسية في مطار القاهرة الدولي، وكانت مصر المحطة الأخيرة للرئيس النميري في حكم البلاد.
وماذا؟
بقى الوفد المرافق له في القاهرة حوالي (17) يوم، وما أن هدأت الانتفاضة في السودان قليلاً إلا واجتمع بنا الرئيس النميري، وطلب منا العودة إلى السودان، وكتب في هذا السياق خطاب للمشير سوار الدهب، وهذا الخطاب اطلعنا عليه في الاجتماع، ومن ثم دفع به إلى الياور الخاص به، وعلى خلفية ذلك ركبنا الطائرة من مطار القاهرة الدولي إلى مطار الخرطوم الدولي، وما أن هبطت بنا إلا وتم وضعنا في الحبس لمدة أسبوعين داخل هئية الاستخبارات العسكرية، وكان أن اجتمع بنا فارس حسني قائد هئية الاستخبارات، وعضو مجلس السيادة، وطلب منا كضباط مرافقين للرئيس النميري أن نأخذ إجازات عن العمل إلى أن تنجلي الأمور، ومن يرغب بالإستمرار في الخدمة بقوات الشعب المسلحة، فليستمر، ومن يريد إنهاء خدمته، فلينهيها، وفي تلك اللحظة رفعت يدي إلى قائد الاستخبارات العسكرية، وطلبت منه إنهاء خدمتي، فقال لي : (ابدا يا ضابط إلى أن نرى ما الذي يمكن أن يحدث فيما بعد)، وبعد ثلاثة أسابيع تلقيت إشارة تفيد بانني احيلت إلى المعاش، وكان أن اخليت طرفي من قوات الشعب المسلحة.
ماذا؟
عدت إلى الرئيس نميري في القاهرة بناءاً على رغبته، وبقيت معه في مصر ثلاث سنوات سكرتيراً خاصاً له، وخلال ذلك كنت ارافقه في كل تحركاته ولقاءاته، وبعد الثلاث سنوات طلبت منه بأن يسمح لي بالاغتراب نسبة إلى أن بقائي معه ليس فيه مرتب، ولا الرئيس النميري لديه مال كي يمنحني منه، وكان أن سمح لي، فاتصلت بقريبي مكاوي عوض مكاوي الذي يعمل مستشارا لحاكم إمارة عجمان، والذي بدوره وجد لي عملاً في استوديوهات عجمان الخاصة، وعملت فيها حوالي العامين، وبما انني لا أحب الاغتراب قمت بشراء أجهزة تصوير حديثة، ثم عدت إلى السودان في العام 1989م، وفتحت محلاً للإنتاج الإعلامي باسم (مجك)، كما عملت في مجالات أخرى عديدة.
ما هي ملاحظاتك في إدارة الرئيس النميري للحكم في البلاد؟
كان مهتما جدا بالعمل، والانضباط في المواعيد، وكان يساهر حتى الساعات الأولى من الصباح، أي أنه يظل مستيقظاً إلى أن يصلي الصبح، ومن ثم ينام ساعة أو ساعة ونصف، ويستيقظ بعدها للذهاب إلى العمل، والذي يعود منه إلى المنزل في الثالثة عصراً، ويتناول وجبة الغداء، ثم ينام حوالي ساعة أو ساعتين، ويستيقظ منه، وينخرط بشكل مباشر في المقابلات.
ما الذي كنت تستغرب له في برنامج الرئيس اليومي؟
كنت استغرب جداً من المجهود الذي كان يبذله في إدارة حكم البلاد، وعدم الإهتمام بصحته نهائياً، فهو كان يرهق نفسه بصورة غير طبيعية، خلاف زياراته الكثيرة جداً للاقليم السودانية، وهي زيارات مرهقة جداً، فلا يمكن أن تتصورها نهائياً، فحركة الرئيس النميري كانت حركة مستمرة، ورغماً عن ذلك لم نكن نمنحه إحساساً بأن برنامجه مرهقاً، لذلك دائماً ما يكون جالساً معنا، ويتجاذب معنا أطراف الحديث، كما أنه يحرص على تناول الوجبة معنا في الرحلات الداخلية والخارجية.
ما السبب الذي جعل الرئيس نميري يسافر إلى أمريكا في ذلك التوقيت؟
شد الرحال إلى الولايات المتحدة بإصرار من بعض الشخصيات التى خططت إلى نهاية حكمه، فالمخطط كان مخططاً كبيراً، وشارك فيه الكثير من الأشخاص، بالإضافة إلى الأمريكان، الروس والمصريين، فهؤلاء جميعاً عملوا على إنهاء فترة حكم الرئيس الراحل جعفر محمد النميري، ورغماً عن نجاح المخطط إلا أنه فشل في الاتيان بمن خططوا له، واستلم السلطة من هم ليسوا في الحسبان، ولم تكن الأحزاب مشاركة مشاركة فعالة في الإطاحة بنظام الرئيس نميري.
ما الذي جري في مصر بعد أن حطت طائرة الرئيس نميري في مطار القاهرة الدولي؟
لاحظت أن السلطات المصرية كانت مصرة إصراراً شديداً على عدم عودة الرئيس نميري إلى السودان رغماً عن أنه كان مصراً على العودة للخرطوم، وكان الرئيس النميري يرافقه الرئيس المصري حسني مبارك من قاعة (VIP) إلى سلم الطائرة السودانية ثم يعودا إلى القاعة، وهذا الأمر حدث ثلاثة مرات، وفي المرة الأخيرة استطاع الرئيس جعفر النميري أن يقنع الرئيس حسني مبارك بأنه لابد من أن يعود للسودان، فما كان منه إلا أن يتوجه إلى سلم الطائرة، إلا أن ابوغزالة وزير الدفاع المصري لحق به، وقال له بأن لديه معلومات استخباراتية تؤكد أن الرئيس الليبي معمر القذافي سيضرب الطائرة التى تقله إلى الخرطوم، وذلك مجرد ما أن تدخل الأجواء السودانية، وسبق هذه المعلومة بأن مطار الخرطوم الدولي مغلق من خلال وضع متاريس من العربات في (الرن وي) حتى لا تهبط الطائرة، عموماً الرئيس النميري أقنع ابوغزالة وحسني مبارك أنه لن يهبط بطائرته في مطار الخرطوم الدولي، وأنه لن يحلق في الأجواء السودانية المعروفة للسلطات الليبية، وما أن أقنع الرئيس المصري حسني مبارك ووزير دفاعه ابوغزالة تحركنا مباشرةً نحو سلم الطائرة، فطلب مني أن لا أدع الوفد المرافق لسيادته يركب الطائرة، وسمح لشخصي الضعيف، واثنين من الحرس الشخصي، وأثناء ذلك نزل الكباتن، وخلفهم ضابط في المخابرات العسكرية السودانية، وتحدثوا مع الرئيس النميري قائلين له : (يا سعادتك نحن كهئية طيران مدني ممنوعين من التحليق بالطائرة خاصةً إذا كان هنالك تهديد، وفي هذه اللحظة اقتنع الرئيس النميري، ثم سأل أين السيارات التى ستقلنا من مطار القاهرة الدولي إلى قصر الطاهرة، فتفاجأنا بأن السلطات المصرية كانت مجهزة السيارات مسبقاً، وكان أن عدنا إلى القصر، ومنه توجه الوفد المرافق للرئيس إلى الفندق، وعندما آتينا إلى الرئيس في اليوم التالي وجدناه نائماً، علماً بأننا دلفنا إلى قصر (الطاهرة) الساعة الثانية عشر ظهراً، وظل نائماً إلى صباح اليوم التالي، فيما ظل الوفد المرافق له منتظراً استيقاظه من النوم، إلا أنه ظل نائماً يوماً كاملاً، ثم واصل النوم 24 ساعة أخرى، أي أنه ظل نائماً يومين، وكان يذهب إليه الطبيب الخاص للاطمئنان عليه، وذلك على أساس أنه نائم بشكل طبيعي، وبعد 48 ساعة خرج إلينا مبتسماً، وهو يوجه لنا سؤالاً لماذا يبدو على وجوهكم البؤس، فقلنا له يا ريس من الشيء الذي يحدث في السودان، فقال : (أنا لأول مرة منذ 16 سنة أنوم من غير ما أكون شائل هم انني سأذهب للعمل غداً، فأنتم يفترض فيكم أن تذهبوا إلى أخذ راحة من العمل معي طوال السنوات الماضية، عموماً تجاذب معنا أطراف الحديث، وكأنه لم يحدث شيئاً في السودان، ثم عاد إلى غرفته، وبقي فيها حوالي 10 ساعات ثم خرج إلينا بخطاب طويل جداً، وهذا الخطاب من 16 صفحة، وهو موجه إلى المشير سوار الدهب، وطلب منا العودة إلى السودان، وتسليم أنفسنا إلى السلطات المختصة، وتسليم الطائرة إلى الطيران المدني، ثم سأل الياور علي أحمد علي عن الحسابات المالية الخاصة بالرحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية؟ فقال له : هذه لسته بالمنصرفات، وبعد الإطلاع عليها، وجه سؤالاً اخراً إلى الياور مفاده كم تبقى لديك من جملة المبلغ الذي تم أخذه من خزينة وزارة المالية؟ فقال له : أكثر من عشرين ألف دولار أمريكي، فقال له النميري : (سلم ما تبقى من النسريات إلى وزارة المالية، وأي ضابط يسلم عهدته إلى وحدته، وليكن في علمكم بانني طالبت من سوار الدهب بأن لا تتم مساءلة أي فرد من أفراد الوفد المرافق لشخصي في هذه الرحلة).
كم بقيتم في القاهرة بعد عودتكم من أمريكا؟
حوالي (17) يوم من تاريخ عودتنا من الولايات المتحدة، ثم ركبنا الطائرة من مطار القاهرة الدولي إلى مطار الخرطوم الدولي رغماً عن أن هنالك شائعة قوية جدا مفادها بأن الطائرة التى تقلنا داخلها قوات خاصة، وهذه القوات جاءت خصيصاً للإطاحة بالنظام الجديد في البلاد، لذلك عندما حطت طائرتنا رحالها في مطار الخرطوم الدولي تفاجأنا بأنه محروس بالدبابات، وعمل لنا طابور شخصية، كما كنا محاطين بعدد كبير من العساكر المدججين بالأسلحة، وهم جميعاً في وضع الاستعداد التام، عموماً تم اقتيادنا إلى بص، وهذا البص تحرك بنا إلى مدرسة الاستخبارات العسكرية داخل القيادة العامة بالخرطوم، وفيها تم حبسنا أسبوعين، ثم أطلق سراحنا، ونحن كضباط في الجيش اكملنا إجراءات نزولنا من الخدمة، وتم تسليمنا خلو طرفنا من قوات الشعب المسلحة.