وتتوالي القصص المؤثرة للمصابين بالإيدز داخل وخارج الرباط الشرعي (2)
.......................
لهذا السبب طردتني الطبيبة من المستشفي وأنا حبلي ولكن!!
جلس إليها : سراج النعيم
...........................................
وتتوالي القصص المؤثرة حول المصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) داخل وخارج الرباط الشرعي، والذي أصبح يشكل هاجساً كبيراً في المجتمع، لأن انتشاره لم يتوقف عند الشباب والمتزوجين، إنما طال حتى الاطفال الأبرياء، إلي جانب أن هنالك مصابين تزوجوا من مصابات، وانجبوا أطفالاً اصحاء كقصة (أم رامي) المتعايشة مع (الإيدز) منذ أكثر من خمس سنوات، والذي انتقل لها من زوجها، مما جعل قلبها يتقن الإنصات إلى المصير المجهول، دون أي ذنب تقترفه، سوى أنها متزوجة من رجل لم تكن تدري أنه مصاب بمرض (الأيدز)، إلا عندما اسعف إلي المستشفي، وصادف ذلك اليوم أنها كانت حبلي بمولودها في شهرها الخامس، ومن هنا أحست بثمة مشاعر سالبة، وبالتالي وقع عليها نبأ إصابتها بالداء كالزلزال، مما جعلها تبحث في الظلمات عن شخص يقول لها أن نتيجة الفحوصات خاطئة من وسط الوجوه التي تسلقتها الدهشة، ولكن لا حياة لمن تنادي، ومع هذا وذاك كانت تبكي وتبكي بحرقة شديدة، من واقع أنها وقعت في مشكلة أكبر منها بكثير، وكانت تتسأل بصوت متقطع الشهقات، ولم تكن تأبه بمسح دموعها المتساقطة بطرف ثوبها في محاولة منها لعكس حكايتها للناس حتى لا يقعون في مصيدة الأزواج المصابين بالإيدز.
وقالت : إذا سألتني ما هو الحل؟ سأقول لك أنه على الجميع أن يفحصوا فيروس مرض نقص المناعة (الإيدز)، قبل الأقدام على خطوة الأرتباط طويل الأمد.
ومن هنا دعونا ندلف لهذه القصة المثيرة والمؤثرة جداً ، والتي تحمل بين طياتها الكثير من التشويق، والذي قالت في إطاره : أنجبت مولودين بعد الإصابة بـ(الإيدز).
وعن كيف تعرفت على الإصابة بالإيدز؟ قالت : من خلال زوجي الذي كان مريضاً بالمستشفي، والذي أجريت له فحوصات شاملة، جاءت النتيجة أنها سليمة، فما كان من الأطباء، إلا وأشاروا علينا بإجراء فحص (الإيدز) الذي اثبت أنه مصاب بمرض نقص المناعة، في حين إنني كنت حبلى منه، مما استدعاني لإجراء الفحص أيضاً، وجاءت النتيجة إنني مصابة بالمرض، ما حدا بيَّ الدخول في دوامة لا غرار لها، وهكذا صدمت صدمة قوية بهذا الواقع الجديد، إلا إنني وبمرور الزمن بدأت أتعايش معه، ومن ثم أخذت الإرشادات التوعوية الخاصة بالحفاظ على مولودي الذي خرج إلى الدنيا سليماً من الإصابة بـ(الايدز)، وهكذا تأقلمت على الحياة الجديدة، وأنجبت الأبناء واحداً تلو الآخر.
وسألتني سؤالاً مفاجئاً، هل كنت ستعرف إنني مصابة بـ(الإيدز) لولا إنني قلت لك ذلك؟ فقلت : لا لأنه لا يبدو عليك المرض.
وأشارت إلي أنها تخشي أن يكون المصابين بالأيدز أكثر بكثير من الذين اثبتت الفحوصات إصابتهم بنقص المناعة المكتسبة، والذي لا يظهر على الإنسان، بقدر ما يظل ينهش في الجسد تدريجياً، لذلك أرى أنه يجب على الجميع إجراء فحص (الإيدز) من أجل ألا يتفاجأوا به كما حدث معي.
وتسترسل : بدأت تداعيات أكتشافي للمرض قبل سنوات وسنوات، حيث إنني تعرضت للإصابة به عن طريق زوجي.
وحول إحساسها بإصابتها بالأيدز قالت : تخيل أنه فجأة، وبدون مقدمات يقولون لك أنت مصاب بفيروس نقص المناعة، الذي لم أكن أعرف عنه شيئاً من قريب أو بعيد، سوى ما يتم تداوله في أجهزة الإعلام عن خطورته، حتى أنه كانت جارتي مريضة بـ(الأيدز)، ولم تكن تخالط أهل المنطقة، بقدر ما تتواصل معي بصورة مستمرة للدرجة التي سألوني فيها لماذا تزورك هذه المصابة بالأيدز كثيراً ؟ فما كان مني إلا أن رحلت من المنطقة حتى لا تطالني الشبهة بأنني مصابة بالفيروس الذي ينظر إليه المجتمع نظرة سالبة، لا تدع لنا مجالاً للكشف عن أنفسنا للعامة، فمثلاً لو ذهبت إلى المستشفي لخلع (ضرس) وقلت للطبيب أنك مصاب بـ(الأيدز) يرفض ذلك، في حين أنك إذا إلتزمت الصمت يخلعه لك كسائر المرضي الذين يلجأون إليه.
وتضيف : ومن هنا يتبين عدم الوعي بمرض نقص المناعة (الإيدز) رغماً عن مرور سنوات وسنوات على الإعتراف به رسمياً في السودان، وذلك في العام 2003م، حيث تعالت الأصوات المنادية بضرورة عدم نبذ المصابين، ولكن يبدو أن المشاهد التي عرضتها وسائل الإعلام آنذاك كان لها الأثر الأكبر في تعمق النظرة السالبة التي قادتني إلى الهروب من الحي المقيمة فيه، لأن جارتي المصابة تزورني حتى أن (يد الفندك) خاصتي تركتها لها إلى أن انتقلت إليّ العدوة من زوجي، وكنت كل ما ألم به عن الفيروس أنه مرض خطير، مرض قاتل، مرض يصيب الناس الذين يمارسون الجنس خارج مؤسسة الزواج، لكن الحمد لله.
وذهبت إلى نظرة الجيران والمجتمع قائلة : هل تصدق أنني أخفي عنهم ذلك بما في ذلك أهل زوجي ووالدتي قبل انتقالها إلى الرفيق الأعلى، أما بالنسبة لأبنائي فقد انجبت منهم قبل الإصابة بالإيدز ثلاثة، وبعدها انجبت إثنين بالإرشادات الطبية، وبالتالي هم غير مصابين ويدرسون ولا تواجههم أية إشكالية في تلقي الأكاديميات.
وبعثت برسالة إلي المجتمع قائلة : (من أوجب الواجبات أن ينظر إلي مرض الإيدز على أساس أنه مرض لا يختلف عن بقية الأمراض التي تصيب الانسان، ولا يوجد له علاج سوي المسكنات كـ(السكري) و(السرطان) و(الفشل الكلوي) والى آخره من الأمراض المختلفة التي تأتي للإنسان بإرادة الله سبحانه وتعالي، لذلك أتمني صادقة إزالة وصمة العار من حامل فيروس نقص المناعة، فكم إنسان يعتقد أنه صحيحاً معافى، وأكتشف الإصابة بالصدفة كالمريض الذي عرضتم أنتم قصته قبلاً، والذي تفاجأ به في الفحوصات الطبية التي أجرها للسفر إلي السعودية بغرض العمل في مجال التدريس بموجب عقد ابرم معه، وبالمقابل حينما يكشف مريض الإيدز عن نفسه، فإنه يكون ساهم في حماية المتعاملين معه من إنتقال العدوى لهم، وذلك بإستخدام (الحقن) و(المشارط) والخ من الأدوات الطبية التي يستخدمها الأطباء في علاج هذه الحالة أو تلك، فأنت إذا لم تنبه الجهات المختصة ستساهم في إنتشار فيروس نقص مرض المناعة المكتسبة في أوساط الناس الأصحاء، لأنه ينتقل عبر عدة طرق خلاف الممارسة الجنسية الأسرع من كل الطرق المغايرة، لذلك أرجو أن يجد مريض (الإيدز) المساعدة من كل الجهات المختصة التي يذهب إليها لقضاء معاملة ما في حياته اليومية، لأن الذي يعلن عن نفسه يعمد إلي أن لايصاب آخرين بانتقال العدوى إليهم منه.
وتشير إلى أن الإيدز لا يظهر على الوجه أو في الجسد حتي يتعرف عليه الناس بالظاهر بل هو في الدم الذي لا يمكن اكتشافه إلا وفقاً للفحوصات الطبية التي كانت قبلاً محصورة في معمل (استاك) فقط، إنما الآن أصبحت هنالك مراكز كثيرة لممارسة ذلك، فأنا مثلاً يمكن أن أفعل أي شيء دون أن يعرف أي إنسان أنني مصابة بالفيروس، لأننا قبل أن نقنن هذا المرض هنالك سيدات يعانين في المستشفيات من النظرة السالبة لهن باعتبار أنهن يحلمن فيروس المناعة المكتسبة، خاصة حينما يذهبن لانجاب أبنائهن حديثي الولادة وأنا واحدة من هؤلاء النسوة، إذ أنني ذهبت لهذا الغرض فما كان من الطبيبة، إلا وطردتني لأنني صارحتها بإصابتي بمرض الإيدز إلا أنه في الوقت الحاضر اختلف الوضع عن سابقه نوعاً ما، وذلك بالتوعية البرامجية التي يقوم بها المهتمين بشأن حاملي فيروس المناعة المكتسبة (الإيدز)، وأنا كنت قد عانيت معاناة كبيرة في عملية إنجاب طفلي الأخيرين وحينما طردتني الطبيبة توجهت إلى مستشفي آخر ولم أقول لهم أنني مصابة بـ(الايدز)، الشيء الذي جعلهم يستقبلونني، ومن ثم انجبت طفلي بصورة طبيعية، ولكن فيما بعد تدخل البرنامج الخاص بمرضي الإيدز وقام بمحاسبة الطبيبة.
ومن القصص التي تصب رأساً في هذا الإطار هو أن هنالك مستشفي رفض طبيبه خلع أضراس لمصابين بـ(الايدز)، فالأول منهما قال للطبيب أنني مصاب بفيروس المناعة المكتسبة، فما كان من الطبيب، إلا أن رفض خلع (الضرس)، أما الثاني الذي كان يراقب الموقف من علي القرب إلا وإلتزم الصمت ولم يفصح للطبيب عن إصابته بالمرض الأمر الذي قاد الطبيب الى ان يخلع له ضرسه.. ويعود الأول دون ان يتماثل للشفاء.
وسألتها هل أنتم كمرضي بالإيدز ليس لديكم مستشفيات خاصة بكم كالذي يتم بالضبط مع مرضي السرطان أو السكري؟ قالت: لا توجد مستشفيات خاصة بمرضي فيروس المناعة المكتسبة، بل لدينا مراكز تعمل من الصباح حتي الساعة الثالثة عصراً أي أن المصاب إذا تعرض لوعكة بعد هذا التوقيت يصعب استيعابه في المستشفيات الخاصة والعامة، لأنه إذا وجدت طبيباً متفهماً لحالة المرض تتم معالجتك، أما إذا حدث العكس، فإنه سيتم طردك لا محال، ففي الغالب الأعم تجد المتعايشين مع الإيدز يشكون من (وجع الضرس) والآلام في العيون وفي الأخيرة لدينا مريض يعاني من إشكالية في عينه الأطباء كل مرة يؤجلون له إجراء العملية الجراحية بدون أسباب منطقية علماً بأنه جاء من ولاية من ولايات السودان البعيدة وعلى هذا النحو إلي أن فقد نظره.
وتستطرد: اتمني في المرة القادمة أن أظهر في الصحيفة بعيداً عن التخفي الذي فرضه علىّ المجتمع من واقع نظرته السالبة لنا، لأنني لا أمانع في أن يعرف الجميع إصابتي بالإيدز الذي أعمل في ظله في خدمة المجتمع. ثانياً أتمني أن يتجه الفنانين والفنانات ومشاهير المجتمع إلينا وأن يرشحوا واحداً منهم لكي يكون سفيراً للنوايا الحسنة لمرضي الإيدز في السودان، فكل الأمراض الأخري المستعصية يوجد لديهم سفراء نوايا حسنة.