......................
افرزت الظروف الاقتصادية القاهرة طرقاً مختلفة للبيع أشبه بـ(الصدمة) منها طرقاً كانت محصورة في سيدات عاملات في المجال التجاري، إلا أن الغلاء الأشد من نوعه في البلاد دفع رجالاً إلي أن يلجأوا لذات الطريقة وطرق متعددة أخرى للبيع مثلاً (قدر ظروفك) أو البيع بـ(الكسر) وإلي أخرها من الطرق المستحدثة في ظل الأوضاع الاقتصادية المذرية، وهي تعرف (مجازاً) بالبيع بالأقساط المتناسبة مع ظروف المستهلك، وأصبحت رائجة في جميع انحاء السودان، بدلاً من شرائه سلعة كاملة، وذلك بعيداً عن الارتفاع الكبير في الأسعار في ظل تطبيق خطة اقتصادية قضت برفع الدعم عن المحروقات وتعديل سعر صرف الدولار الجمركي وإلي آخرها من الإجراءات والتدابير الاقتصادية.
من الملاحظ أن هنالك استغلال للظروف الاقتصادية رغماً عن (الصدمة) المفاجئة من بعض التجار الذين ينفذون زيادات علي سلع ربما تكون موجودة في مخازنهم قبل الارتفاع الجنوني لأسعارها، وبالتالي يختلف سعر المنتجات من محل تجاري إلي أخر، وكانت السلطات قد شرعت في إجراءات للحد من تأثير القرارات الاقتصادية، منها إقامة مراكز بيع مخفضة تعمل على توفير السلع الأساسية مثل (السكر)، (اللحوم الحمراء والبيضاء)، (الزيوت)، (الفول المصري) و(العدس) بأسعار أقل نسبياً من الأسعار في الأسواق، إلا أننا حينما نعقد مقارنة بينها وسالفتها نجد أن الفارق بسيطاً.
ولم يجد طلب عدد من المواطنين (المصدومين) تفعيلاً لدور الرقابة علي الأسعار وإلزام التجار بها، فلا يكفي وضع الديباجات علي السلع لأن البيع يتم وفقاً للأهواء الشخصية، وبالتالي أخذت الظروف الاقتصادية بعداً من الابعاد الصادمة للناس الذين يدفعون حتى علي مستوي المواصلات تعريفة مضاعفة من سائقي المركبات العامة بنسبة (100%)، وكل هذه (الفواتير) قادت إلي ظواهر سالبة في المجتمع، وبما أن (الفواتير) كثيرة فإن رب الأسرة أصبح لا يملك حتي قوت يومه، مما أدي بذلك أن تضيق به الأرض ولا يجد البعض منهم حلاً سوي الهروب أو الانفصال من الزوجات (الطلاق) بالتراضي أو اللجوء إلي المحاكم الشرعية، وهنالك من هاجروا بصورة شرعية أو غير شرعية للحصول علي حياة كريمة، وقد يضطرهم ذلك الواقع إلي العمل في مهن هامشية لم يسبق لهم العمل فيها.
من الملاحظ أنه كلما مزق رب الاسرة (فاتورة) تطل عليه أخري بـ(صدمة) قوية تشل تفكيره تماماً، وبالتالي كلما زاد دخله ارتفعت معه المصروفات اليومية، الأمر الذي يقود سيدات إلي مطالبة أزواجهن بمضاعفة المصروفات اليومية، وهكذا كلما مر يوم ترتفع معه الأسعار ويكبر في إطار ذلك السقف المحدد للمصروفات، ومع هذا وذاك تفاجئ الزوجة زوجها بأن (المصروفات خلصت).
ومما ذهبت إليه فإن هنالك شباباً يلجأون للهجرة أو التفكير فيها حتي يتمكنون من بناء مستقبلهم بالصورة المثلي رغماً عن أنهم يعلمون تمام العلم خطورة الخطوة المقدمين عليها، الأمر الذي ترك ﺁﺛﺎﺭاً سالبة، فالهجرة تعني فقدان (العقول)، (الخبرات)، (الكفاءات) و(الكوادر)، وقطعاً الهجرة تؤثر تأثيراً كبيراً في شتي مناحي الحياة، ولكن لماذا يهاجر الإنسان ولماذا يفكر الأخر فيها؟؟ الإجابة ببساطة شديدة تكمن في أنه يبحث عن توﻓﻴﺮ حياة إنسانية بأبسط ﻣﻘﻮﻣﺎتها، وهي بلا شك غير متوفرة له في بلاده، لذا تكون الهجرة لتحقيق ما لم يستطع تحقيقه في وطنه، وللهجرة في حد ذاتها دوافع ربما تكون سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية والخ.
ليكن في علم من ينتقدون المهاجرين أن لهم آمال وأشواق تعبر عن أفكارهم، وهذه الآمال والأشواق ترسم لهم خارطة طريق مستقبلهم فلماذا لا يسألون أنفسهم عن أسباب الهجرة، ولماذا السوداني مرغوباً من دول المهجر وبرواتب كبيرة جداً تلبي له كل رغباته المفقودة، وعليه كان من الضروري مناقشة أسباب الهجرة بصورة عامة، وهجرة العقول والأدمغة بصورة خاصة والأثر الذي تفرزه في المستقبل، ولكن هل فعلوا؟ لا لم يفعلوا ولم يشيروا إلي أن الظروف الاقتصادية الضاغطة، فهي اللاعب الرئيسي في الهجرة، وإذا لم يوضع حد لأسبابها فإن الهجرة ستستمر في نزف العقول والأدمغة والكفاءات والخبرات.