.....................
شاب (فاقد السند) يكشف أسباب رفض الفتيات الزواج منه
.....................
شابة تروي قصة انجابها خارج مؤسسة الزواج الشرعية
....................
وقف عندها : سراج النعيم
....................
تنطق (الدار) بالحقيقة المرة وتعريها نسبة إلى الواقع المؤلم، الواقع المرعب ـ المخيف، والذي نتطرق له بدون مساحيق أو رتوش لأنه يعبر عن أحاسيس ومشاعر عشاها الكثير من (الأطفال)، (النشء) و(الشباب) بكل صدق، وهي لحظات صعيبة جداً، والأصعب أن تكتب عن هذا المجتمع الزاخر بالمآسي، إذ أنه ملىء بأناس لم تعرفهم أو تعاشرهم، ولكنهم ليسوا غريبين عنا.
ولا أعرف ما سيكتبه قلمي عند الانتهاء من هذا الملف الشائك في ظل مجتمع ينبذ (مجهولي الأبوين) منذ اليوم الأول الذي تري فيه عيونهم النور، فكيف لا وهنالك من تم انجابهم خارج مؤسسة الزواج، ولا يعرفون من هو (الأب) أو (الأم) أو ما هي (الهوية)، فالمجتمع يطلق عليهم لقب (لقيط أو لقيطة)، فلماذا لا يسألون أنفسهم قبل ذلك ما ذنب هؤلاء في ذنب اقترفه غيرهم بالخطأ، فلم يكن بيدهم منع حدوث هذا الأمر، فلماذا لا تفهمون قصدهم من وراء عرضهم لقضاياهم، فأنهم يكبرون يوماً تلو الآخر، أي أنهم لم يعودوا أولئك الأطفال الهاربين من منزلهم بحثاً عن مأوى، وليس هم من أطفال (الشوارع) أو (المتشردين)، وإنما هم من تلك الفئة التي جارت عليها أمهاتهم وآباءهم بفعل محرم شرعاً وقانوناً وليتهم أكتفوا بذلك، بل قاموا برمي هذا الطفل أو الطفلة الذين أحبهم الله سبحانه وتعالي، فمن ينوب عنهم في الدفاع عن حقوقهم في العيش بصورة كريمة كسائر الأطفال الذين يتم إنجابهم داخل مؤسسة الزواج الشرعية، والتي ينعمون في ظلها بالتربية والتعليم، فكم من الأطفال الذين وجدوا أنفسهم عند قارعة الطريق كغيرهم من الأطفال الذين جاءوا إلى الدنيا بصورة غير شرعية، لأنهم إذا لم يجدوا من يحتضنهم بالتبني، فإنهم سيكونون أطفال ضعيفين يبكون من الجوع والبرد، وأمثال هؤلاء يجب أن نأخذهم ونطعمهم وندفئهم إلى أن يكبروا ويصبحوا شباباً على مشارف العشرين، هكذا يكبرون، ويدرسون أكاديمياً، فما أن يفقدوا ذلك إلا ويجدوا أنفسهم في حالة بحث دائم عن أمل، فهل يجدون الاستجابة من أم أو أب، فأنهم مثل غيرهم من الأطفال الذين يعانون من ظلم ونظرة المجتمع السالبة التي لا ترحم، وهكذا يكونون ضحايا تحت أقدام الأمهات، مما جعلهم يحملون مجموعة من الأشجان والأحزان المفرطة ألماً ونزفاً وقسوة، فهم يدركون تمام الادراك أنّ سنوات عمرهم الماضية ضاعت وأحداث حياتهم الحاضرة الطويلة والمرة وتطورات الأحداث في المستقبل هي جميعاً ليست غير دقيقة.
(أبي أمي أختي أخي وإلي أخره ممن تربطه بهم صلة الدم...)، واللقيط هو الطفل الوحيد الذي لم تقبل جبينه والدته أو والده ولم يباركا بمقدمه، واللقيط هو الطفل الوحيد الذي لا يحفل بتسميته أو يستحيل أن يسمى على جده، وهو من ألقته أمه في ظلمة الليل وزمهرير البرد، وهو لم يزل في يومه الأول أو ساعته الأولى، وهو ذلك الطفل الذي التهمت وجهه الكلاب في إحدى المزابل لأن أمه الرءومة قد مهدته جيداً، وهو الذي يبكي ويفرح، وهو الذي يشقى ويسعد، وهو الذي يتفوق ويخفق دون أن يحفل أحد بشعوره، وهو الطفل الوحيد الذي لا يسارع الخطى إلى المنزل حتى يشاهد أباه وأمه شهادة التفوق والنجاح وهو طفل بائس يعيش على هامش الحياة ، لذلك تكمن المشكلة الحقيقية في تعايش اللقيط الذي يبحث عن فقدانه لحنان الأمومة وعطف الأبوة، فالحالة النفسية والوضع الصعب في حكم المجتمع القاسي عليهم تجعلهم أكثر عدوانية، ومن استطاع كفالة هؤلاء فقد نال الأجر والثواب بالدنيا والآخرة، فاللقيط أو اللقيطة ليس لهم ذنب فيما حدث لهم !.
ومما أشرت إليه نجد أن هنالك مشاهير ونجوم مجتمع لجأوا إلى احتضان الأطفال (مجهولي الأبوين)، لعكس حالة إنسانية تشعرهم بـ(حنان) و(دفء) الأمومة الذي فقدوه، وأبرزهم المطربة حنان بلوبلو وسمية حسن وآخرين، وعليه فهم يشرفون إشرافاً تاماً على أولئك الأطفال ويستخرجون لهم الهوية الشرعية من السلطات المختصة، وبالتالي يصبحون ينتمون إلى الأسر الحاضنة، ومثل هذا العمل الإنساني يهدف لرفع معدل الرغبة في الاحتضان، وهذا المفهوم يمنحهم التواجد الشرعي بعد وصوله سن البلوع داخل الأسرة، ودائماً يفضل السيدة التي لم تنجب لأنها تستطيع أن تشبع غريزة الأمومة لديها، فالتبني يغطى احتياجات (الأم) و(الطفل) أو (الطفلة) بحيث يجدون منها (الحنان)، (الحب)، (الدفء) و(الرعاية) بعاطفة جياشة، وهي احاسيس ومشاعر يحتاجها أي طفل في الحياة.
من الملاحظ ازدياد الطلب على تبني (الأطفال مجهولي الأبوين)، وهذا يدل على أن المجتمع أصبح واعياً بأنهم لا ذنب لهم، وهذا الادراك مؤشر إيجابي يتيح لهم أن ينشأوا ويترعرعوا في أجواء أسرية تزيل عنهم وصمة المجتمع السيئة فيما يختص بالأسر المتبنية، إما في الوقت الحاضر فإن الانفتاح الذي شهده العالم من خلال (العولمة) ووسائطها أصبح الوعي أكبر إذ لعبت المعلومات دوراً كبيراً في زيادة نسبة الادراك لأهمية احتضان (الأطفال مجهولي الأبوين)، فهنالك الكثيرون الذين لا يحبذون اسم (اللقيط) ويطلقون عليهم مجهولي النسب أومجهول الوالدين ولا ذنب في كونه لا يعرف من أتى به إلى هذه الدنيا لكن حتى إن اختلفت التسميات والمصطلحات فإن الواقع واحد وهو واقع ينم عن ظاهرة اجتماعية صارت تؤرق بال كل ذي إحساس إنساني رهيف فما هي الأسباب الكامنة وراء التخلي عن فلذات أكبادنا ليسميهم المجتمع لقطاء؟ وما هي الآثار والعواقب التي قد يحدثها تواجد لقطاء في المجتمع؟
وفي السياق روت لي أحدي الشابات بعد أن أخذت نفساً طويلاً، ثم تنهدت بصوت مرتفع وهي تقول : القضية كلها قضية الخوف من وصمة العار الذي جعل والدتي تحبل بيَّ خارج رباط الزوجية الشرعي، والذي أوجدتني من خلاله وجلبت في ذات الوقت العار الذي عملت على تفاديه بأنانية لم تراع فيها المصير المحتوم الذي سأؤول إليه في المستقبل مهما طال هذا الابتعاد الذي منحت في إطاره (أسماً) غير حقيقياً لأنه الأسم الذي لم يمنحني إليه والداي الحقيقيين، وبالتالي لم أعد قادرة على استخراج الأوراق الثبوتية المتمثلة في الرقم الوطني وشهادة الجنسية وبطاقة لإثبات الشخصية وجواز السفر، كما أنني أفتقر إلى الكيفية التي أواجه بها المجتمع المحيط بيَّ لأن المجتمع لا يمتلك ثقافة الوعي بالاعتراف بالأطفال الذين ينجبون خارج مؤسسة الزواج، وهي التي تصب رأساً في رباط شرعي، والذي يجب أن تلعب فيه الأجهزة الإعلامية دوراً ريادياً لنشر هذه الثقافة، والبحث عن الحلول الهادفة لحماية الأطفال من القتل المعنوي، والقتل الفعلي بالتخلص منهم أحياء، وذلك للحيلولة دون استمرار تجاوز الشرع والقانون لأن الانقياد في هذا الجانب يجعل الأطفال مجهولي الأبوين يواجهون واقعاً مذرياً، وبالمقابل يكون المستقبل مظلم، وهذا الظلام يقودهم إلى المعاناة، كالمعاناة التي أعانيها في الوقت الحاضر، وهي المعاناة التي أفقدتني بشكل سافر حنان (الأبوة) وعاطفة (الأمومة)، والانتماء الأسري والنسب، ومما سلف ذكره كانت النتائج خروجي من الإنتماء إلى الأسرة، لذلك طرحت قصتي هذه حتى تكون درساً يستفاد منه في توصيل الرسالة التي توقف ممارسة الجنس بصورة خارجة عن الرابط الشرعي.
وأضافت : من خلال تجربتي استطيع القول أن الكثير من حالات الأطفال مجهولي الأبوين الذين ينجبون خارج إطار الزواج، وهي سبباً مباشراً في تفشي ظاهرة (اللقطاء) في المجتمع حيث أن الطرفان يتفاجأن بالحمل الطارئ، والذي ينكره في الغالب الاعم الأب غير الشرعي، مما يدفع الفتاة أو السيدة الضحية للتخلي عن (الطفل) بالإجهاض أو الانجاب وإلقائه في أي مكان خال، وهذا الشىء يتم في إطار العلاقات خارج رباط مؤسسة الزواج، مما يسفر عن ذلك منبت خصب للتناسل في المجتمع، والذي ما أن يطرق أذن الناس كلمة (لقيط) إلا ويتبادر للمخيلة أن هذا الطفل أو تلك الطفلة ثمرة علاقة آثمة.
وأردفت : وبما أنني عشت واقعاً مغايراً لما أأمل فيه، فإنني في حاجة إلى أيادي دافئة تحملني بين الذراعين نسبة إلي أنني أمشي نحو مستقبل رسمته لي والدتي بلا أخلاق بلا إنسانية، وذلك انطلاقاً من قوله تعالى في كتابه العزيز : (وأما اليتيم فلا تقهر)، بالإضافة إلى حديث الرسول صل الله عليه وسلم : (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)، وذلك للحيلولة دون ضياعي، فالخطأ لا يعالج بخطأ أكبر منه، وهو الشيء الذي حدا بمن رعاني أن يتجنب معرفتي بحقيقة (التبني) خوفاً علىّ من ردة الفعل، وذلك بعد مضي سنوات عمدوا من خلالها اخفائها عني، هكذا بقي المشهد بهذه الصورة وهو مشهد جميل في ذهني دون أن يبرحه قيد أنمله، ولكن هذه الصورة لم تدم طويلاً إذ اكتشفت بمحض الصدفة أنني نتاج ثمرة الخطيئة، فبدأت تسوء حالتي النفسية للدرجة التي أفكر فيها اتخاذ القرار الصعب جداً، وذلك لكي لا تطاردني النظرات السالبة في حلي وترحالي، وهي نظرات تخفي بين طياتها الأسئلة التي لا أملك لها الإجابة، والتي تجعلني أتواري خجلاً.
وفي ذات الإتجاه لم يتوقع الشاب (......) أن يكون في يوم من الأيام أسيراً للمخاوف والهواجس والقلق من المستقبل، والذي أضحى تتقاذفه في إطاره الظنون والشكوك، هكذا أصبح يعيش حياته منذ أن تم إبلاغه بأنه (مجهول الأبوين)، إلا أنه ليس له ذنباً فيما اقترفه غيره من جرم، المهم أنه ومع الانفتاح الذي يشهده المجتمع على ثقافات مغايرة وتنامى الوعي بما كان عليه الواقع فيما مضي، أصبحت النظرة السائدة لمن يخرج من دور الإيواء الخاصة بالأطفال (مجهولي الأبوين) أو من يعرفون بـ(فاقدي السند) نظرة سالبة، رغماً عن أنهم قد يكونون متسامحين مع أنفسهم، وهذا يعود إلى التأهيل الذي يتم لهم نفسياً، وعليه وضع مأساته المتمثلة في أنه مجهول الأبوين، ولم يكتشف هذه الحقيقة المرة إلا بعد وفاة والده بـ(التبني) وكان عمره آنذاك (14عاماً).
وقال : بدأت قصتي منذ أن كان عمري يوماً واحداً حيث أنني تخرجت من دار الإيواء (الأطفال مجهولي الأبوين)، وذلك قبل أكثر من (35عاماً)، إذ أخذني والداي بالتبني منها للعيش في كنفهما، فهما لا ينجبان وكنت معهما في غاية السعادة إلى أن توفى والدي، فما كان من والدتي بـ(التبني) إلا أن وضعت بين يدي حقيقة أنهما تبنياني من احدي الدور المهتمة بالأطفال (مجهولي الأبوين) الأمر الذي أضطرني للانتقال من منزلها إلى منزل الجيران الذي ظللت مقيماً فيه إلى أن أصبح عمري (18عاماً) بعدها اتجهت إلى أن أعمل عملاً حراً.
واستطرد : مشكلتي الأساسية تكمن في عدم إيجادي مأوي، فالمنزل الذي اقطن فيه بالإيجار، وهذا الإيجار أنهك ميزانيتي جداً، ولا أجد أي شخص يمكنه أن يساعدني كسائر الأبناء الذين لديهم آباء شرعيين يقفون إلى جوارهم ويوفرون لهم سبل العيش الكريم، ومع هذا وذاك تجدني محاصراً بنظرة المجتمع الذي ينظر اليّ نظرة سالبة باعتبار أنني (مجهول الأبوين) أو (لقيط) رمي به أبواه الحقيقيان في مكب من النفايات أو الطرقات العامة أو أمام باب أحد المساجد، ورغماً عن ذلك إلا أنني كنت محظوظاً كون أنني تبناني رجلاً فاضلاً لم يبح بسري إلا لزوجته وبعض أقربائه وعندما رحل عن الدنيا اكتشفت (السر) فلم يكن أمامي إلا الامتثال للأمر الواقع بالرغم من أنني أصبت بصدمة شديدة لم أستوعب معها الأمر، ولكن ليس باليد حيلة فأنا نتيجة نزوة وشهوة شيطانية عابرة بين رجل وامرأة لا أعرف أين هما الآن؟.
وتابع : ما الذنب الذي اقترفته حتى يعاملني الناس معاملة الإنسان الذي ارتكب جرماً، فكلما تقدمت لخطبة فتاة من الفتيات، أتفاجأ بالرفض فأسأل نفسي ما الذنب الذي جنيته؟!.
بينما كانت قناة (العربية) الإخبارية قد بثت تقريراً حول قرية (sos) المتخصصة في إيوا (الأطفال مجهولي) الأبوين ووقفت متأملاً مقطع الفيديو الذي يعكس زيارة القناة للقرية في وقت سابق. وظهر من خلاله مندوب قناة العربية يجري مقابلات تلفزيونية مع البعض من مجهولي الأبوين الذين عكسوا واقعهم من حيث نظرة المجتمع لهم مؤكدين أنها نظرة سالبة لا يولونها أي اهتمام.
وعبروا عن معاناتهم من وصمة المجتمع لهم في ذنب لم يقترفوه إلا أنهم يعملون من أجل أن ينصهروا في المجتمع الذي أصبحوا جزء منه ولهم حقوق يجب احترامها. ونفى البعض منهم إمكانية أن يعودوا إلى والديهم في حال أنهم ظهروا في حياتهم. وأشادوا بالدور الكبير الذي تقوم به إدارة القرية اتجاههم مشيرين إلى أنها لم تقصر معهم نهائيا. وفي ذات السياق أظهر مقطع الفيديو الدكتورة أميرة الفاضل متحدثة في تقرير قناة العربية الإخبارية قائلة : يجب تسهيل الزواج عند الشباب من أجل التخلص من الظاهرة.