..................
قم للمعلم وفـه التبجيـلا
كـاد المعلم أن يكون رسولا
من أكثر القصص الإنسانية المثيرة والمؤثرة قصة معلماً كان يدّرس فى مدرسة للبنات بالصف الثالث بالمرحلة الإبتدائية بمنطقة من المناطق الريفية بمدينة من مدن ولاية الجزيرة آنذاك، وصادف أثناء تلقي التلميذات للتحصيل الأكاديمي عبره وجود طفلة جميلة ويكسوا وجهها البراءة تجلس بالقرب من نافذة الفصل (الشباك) من أجل أن تبيع لرفيقاتها (اللقيمات) بالإنابة عن والدتها التي كانت تمر بوعكة مرضية فى ذلك اليوم ورغماً عن أن الطفلة سالفة الذكر بلغت سن الالتحاق بالسلم التعليمي إلا أنها لم تفعل نسبة إلى ظروف أسرتها القاهرة (اقتصاديا) والتي لا تسمح لها بتلقي التعليم كسائر البنات اللواتي هن فى سنها، ومع هذا وذاك توفى والدها الذى ترك خلفه بالإضافة إليها أربعة أشقاء وهى أكبرهم، لذا وجدت نفسها مضطرة لأن تساعد والدتها فى الحياة المعيشية من خلال مهنتها البسيطة.
وفى غمرة انشغالها بالبيع فى المدرسة مرت بها السنين دون أن تلتحق مع رفيقاتها بالسلم التعليمي، وذات يوم من الأيام كان المعلم الإنسان يدرس فى الصف الثالث مادة (الرياضيات) التي وجه فى إطارها سؤالاً إلى التلميذات محفزاً لهن بجائزة لمن تجيب عليه، فلم تستطع أى تلميذة الوصول إلى الإجابة الصحيحة، وعلى إثر ذلك ظل المعلم ينتظر من تفكر فى سؤاله جيداً ثم ترفع يدها للإجابة إلا أنه تفاجأ بأن هنالك (بنتاً) صغيرة تجلس بجوار (الشباك) تؤشر بإصبعها فى استحياء وهى تقولِ : (أستاذ.. أستاذ.. أستاذ.. أستاذ...)، فما كان من المعلم إلا وأن يمنح بائعة (اللقيمات) الصغيرة فرصة للإجابة، فكانت المفاجأة فى أن إجابتها صحيحة مائة فى المائة، عندها وجه لها المعلم سؤالاً هل سبق لك الدراسة؟ قالت : لا الأمر الذى جعله يراهن على نبوغها أكاديمياً، وعندما عرض أمرها على مدير المدرسة والمعلمين اتفقوا معه فيما ذهب إليه، ومن ثم تكفل هو برعايتها والالتزام بنفقات دراستها من مرتبه البسيط الذى كان يجنيه وقتئذ، وبما أن تلك التلميذة كانت نابعة تم الحاقها بالصف الأول ابتدائي مستمعه فى بادئ الأمر لتتعلم، وهكذا أصبحت تستمع من الأول عبر (الشباك) لكل الحصص ثم أجمعوا على نبوغها فتم أخطار والدتها بذلك حتي تفسح لها المجال لتلقي التحصيل الأكاديمي فيما تقوم ببيع (اللقيمات) شقيقتها الصغري ووافقت والدتها على الفكرة وبالفعل أصبحت شقيقتها تداوم على العمل بينما واصلت هي الانتظام فى الدراسة وكانت المفاجأة فى أنها جاءت الأولى، وعلى هذا النحو مضت إلى أن انتقلت إلى المرحلة المتوسطة، وفى هذه المرحلة الحساسة غادر المعلم الذى كان يتكفل بنفقات تعليمها البلاد مغترباً فى احدى الدول النفطية، ولم يكن هناك وسيلة اتصال وقتها، ومرت الأيام والشهور والسنين ومع هذا وذاك كبر أحد أشقائها الذى اتجه للعمل فى عربة كارو لبيع الماء فى المنطقة، ومن خلالها أصبح يصرف على الأسرة وعلى شقيقته الطالبة إلى أن امتحنت الشهادة السودانية والتحاقها بالجامعة، وهكذا انقطعت علاقتها بالمعلم الذى اغترب اثنى عشر عاماً، إلا أنه عاد فى إجازة لأرض الوطن، ولديه إبن زميل بدولة المهجر يدرس بذات الجامعة فى كلية الطب طلب منه أن يرافقه للجامعة وبما أن المعلم ليس من نفس المنطقه التى تسكن فيها الطالبة الراسخة فى ذهنه سأل عنها وأسرتها، فأكدوا له أنهم رحلوا من المنطقة إلى الخرطوم ولا يعرفون عنهم شيئاً، المهم أنه وأثناء مرافقته لابن زميله للجامعة كانت المفاجأة غير المتوقعة نهائياً، حيث أنه مكث بعضاً من الوقت فى كافتيريا كلية الطب، فإذا بإحدى الطالبات على قدر عال من الجمال تنظر إليه بشوق شديد لدرجة أن ملامح وجهها تغيرت، مما جعله يندهش ويسأل نفسه لماذا تنظر الىّ هذه الطالبة؟ وعندما لم يجد إجابة اضطر لأن يوجه سؤاله لابن زميله فى دولة المهجر، يا ابني من هذه الطالبة؟ فرد عليه قائلاً : إنها بروف الدفعة فى السنة السادسة والأخيرة، فما كان منه إلا أن يسأله هل تعرفها ياعمو؟ فرد عليه قائلاً : لا ثم أضاف لكن نظراتها الى تخبئ فى باطنها أشياء كثيرة، ولم يخطر بباله أن تكون الطالبة الجامعية هي الطفلة التى تركها قبل اثنى عشر عاماً، وظلت الطالبة توجه نظرها إليه وعندما تأكدت من أنه معلمها الذى انتشلها من بيع (اللقيمات) توجهت نحوه وقامت بمعانقته وهي تبكى بصوت عال الأمر الذى لفت إليها الطلاب والطالبات الذين كانوا حضوراً فى الكافتيريا، وظل ذلك المشهد قائماً لدقائق وكانت الدموع تتساقط مدراراً منها دون أن تأبه بها للحظة واحدة وخنقتها العبرة حتى أصبحت عاجزة عن الكلام فتمت تهدئتها ومن ثم تمالكت نفسها قائلة للمعلم هل تذكر التلميذة بائعة (اللقيمات) فى المدرسة؟ فقال لها : هل هي أنت؟ قالت : نعم فأنت من تسببت فى التحاقي بالمدرسة وصرفت عليّ من حر مالك حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، وذلك بفضل الله سبحانه وتعالي ومن ثم رعايتك واهتمامك وموقفك الإنساني الفريد، ودعته والذين معه ومجموعة من الزملاء إلى منزلها أسرتها بعد أن أخطرت والدتها واشقائها بالمعلم الإنسان الذي وقف معهم، وكان سبباً رئيسياً في تغيير مجرى حياتهم، واحتفلت به الأسرة احتفالاً كبيراً وكانت مناسبة فرح كبيرة، وقال المعلم في كلمته : (أول مرة أحس أنني معلم إنسان، لذا فالتحية والتقدير لمعلمي بلادي فى كل زمان ومكان).
قم للمعلم وفـه التبجيـلا
كـاد المعلم أن يكون رسولا
من أكثر القصص الإنسانية المثيرة والمؤثرة قصة معلماً كان يدّرس فى مدرسة للبنات بالصف الثالث بالمرحلة الإبتدائية بمنطقة من المناطق الريفية بمدينة من مدن ولاية الجزيرة آنذاك، وصادف أثناء تلقي التلميذات للتحصيل الأكاديمي عبره وجود طفلة جميلة ويكسوا وجهها البراءة تجلس بالقرب من نافذة الفصل (الشباك) من أجل أن تبيع لرفيقاتها (اللقيمات) بالإنابة عن والدتها التي كانت تمر بوعكة مرضية فى ذلك اليوم ورغماً عن أن الطفلة سالفة الذكر بلغت سن الالتحاق بالسلم التعليمي إلا أنها لم تفعل نسبة إلى ظروف أسرتها القاهرة (اقتصاديا) والتي لا تسمح لها بتلقي التعليم كسائر البنات اللواتي هن فى سنها، ومع هذا وذاك توفى والدها الذى ترك خلفه بالإضافة إليها أربعة أشقاء وهى أكبرهم، لذا وجدت نفسها مضطرة لأن تساعد والدتها فى الحياة المعيشية من خلال مهنتها البسيطة.
وفى غمرة انشغالها بالبيع فى المدرسة مرت بها السنين دون أن تلتحق مع رفيقاتها بالسلم التعليمي، وذات يوم من الأيام كان المعلم الإنسان يدرس فى الصف الثالث مادة (الرياضيات) التي وجه فى إطارها سؤالاً إلى التلميذات محفزاً لهن بجائزة لمن تجيب عليه، فلم تستطع أى تلميذة الوصول إلى الإجابة الصحيحة، وعلى إثر ذلك ظل المعلم ينتظر من تفكر فى سؤاله جيداً ثم ترفع يدها للإجابة إلا أنه تفاجأ بأن هنالك (بنتاً) صغيرة تجلس بجوار (الشباك) تؤشر بإصبعها فى استحياء وهى تقولِ : (أستاذ.. أستاذ.. أستاذ.. أستاذ...)، فما كان من المعلم إلا وأن يمنح بائعة (اللقيمات) الصغيرة فرصة للإجابة، فكانت المفاجأة فى أن إجابتها صحيحة مائة فى المائة، عندها وجه لها المعلم سؤالاً هل سبق لك الدراسة؟ قالت : لا الأمر الذى جعله يراهن على نبوغها أكاديمياً، وعندما عرض أمرها على مدير المدرسة والمعلمين اتفقوا معه فيما ذهب إليه، ومن ثم تكفل هو برعايتها والالتزام بنفقات دراستها من مرتبه البسيط الذى كان يجنيه وقتئذ، وبما أن تلك التلميذة كانت نابعة تم الحاقها بالصف الأول ابتدائي مستمعه فى بادئ الأمر لتتعلم، وهكذا أصبحت تستمع من الأول عبر (الشباك) لكل الحصص ثم أجمعوا على نبوغها فتم أخطار والدتها بذلك حتي تفسح لها المجال لتلقي التحصيل الأكاديمي فيما تقوم ببيع (اللقيمات) شقيقتها الصغري ووافقت والدتها على الفكرة وبالفعل أصبحت شقيقتها تداوم على العمل بينما واصلت هي الانتظام فى الدراسة وكانت المفاجأة فى أنها جاءت الأولى، وعلى هذا النحو مضت إلى أن انتقلت إلى المرحلة المتوسطة، وفى هذه المرحلة الحساسة غادر المعلم الذى كان يتكفل بنفقات تعليمها البلاد مغترباً فى احدى الدول النفطية، ولم يكن هناك وسيلة اتصال وقتها، ومرت الأيام والشهور والسنين ومع هذا وذاك كبر أحد أشقائها الذى اتجه للعمل فى عربة كارو لبيع الماء فى المنطقة، ومن خلالها أصبح يصرف على الأسرة وعلى شقيقته الطالبة إلى أن امتحنت الشهادة السودانية والتحاقها بالجامعة، وهكذا انقطعت علاقتها بالمعلم الذى اغترب اثنى عشر عاماً، إلا أنه عاد فى إجازة لأرض الوطن، ولديه إبن زميل بدولة المهجر يدرس بذات الجامعة فى كلية الطب طلب منه أن يرافقه للجامعة وبما أن المعلم ليس من نفس المنطقه التى تسكن فيها الطالبة الراسخة فى ذهنه سأل عنها وأسرتها، فأكدوا له أنهم رحلوا من المنطقة إلى الخرطوم ولا يعرفون عنهم شيئاً، المهم أنه وأثناء مرافقته لابن زميله للجامعة كانت المفاجأة غير المتوقعة نهائياً، حيث أنه مكث بعضاً من الوقت فى كافتيريا كلية الطب، فإذا بإحدى الطالبات على قدر عال من الجمال تنظر إليه بشوق شديد لدرجة أن ملامح وجهها تغيرت، مما جعله يندهش ويسأل نفسه لماذا تنظر الىّ هذه الطالبة؟ وعندما لم يجد إجابة اضطر لأن يوجه سؤاله لابن زميله فى دولة المهجر، يا ابني من هذه الطالبة؟ فرد عليه قائلاً : إنها بروف الدفعة فى السنة السادسة والأخيرة، فما كان منه إلا أن يسأله هل تعرفها ياعمو؟ فرد عليه قائلاً : لا ثم أضاف لكن نظراتها الى تخبئ فى باطنها أشياء كثيرة، ولم يخطر بباله أن تكون الطالبة الجامعية هي الطفلة التى تركها قبل اثنى عشر عاماً، وظلت الطالبة توجه نظرها إليه وعندما تأكدت من أنه معلمها الذى انتشلها من بيع (اللقيمات) توجهت نحوه وقامت بمعانقته وهي تبكى بصوت عال الأمر الذى لفت إليها الطلاب والطالبات الذين كانوا حضوراً فى الكافتيريا، وظل ذلك المشهد قائماً لدقائق وكانت الدموع تتساقط مدراراً منها دون أن تأبه بها للحظة واحدة وخنقتها العبرة حتى أصبحت عاجزة عن الكلام فتمت تهدئتها ومن ثم تمالكت نفسها قائلة للمعلم هل تذكر التلميذة بائعة (اللقيمات) فى المدرسة؟ فقال لها : هل هي أنت؟ قالت : نعم فأنت من تسببت فى التحاقي بالمدرسة وصرفت عليّ من حر مالك حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، وذلك بفضل الله سبحانه وتعالي ومن ثم رعايتك واهتمامك وموقفك الإنساني الفريد، ودعته والذين معه ومجموعة من الزملاء إلى منزلها أسرتها بعد أن أخطرت والدتها واشقائها بالمعلم الإنسان الذي وقف معهم، وكان سبباً رئيسياً في تغيير مجرى حياتهم، واحتفلت به الأسرة احتفالاً كبيراً وكانت مناسبة فرح كبيرة، وقال المعلم في كلمته : (أول مرة أحس أنني معلم إنسان، لذا فالتحية والتقدير لمعلمي بلادي فى كل زمان ومكان).