....................................
يصر البعض علي إختلاف درجاتهم التعليمية، الثقافية والفكرية علي فرض وجهات نظرهم علي الآخرين، ولو كانت تندرج في إطار الخطأ، وينظرون وفقها للأشياء من زاوية ضيقة جداً، هكذا ينحنون ذلك المنحي، ولا يسألون أنفسهم لماذا يحاولون فرض وجهات نظرهم المغايرة للصواب، رغماً عن أنهم وكلما انجرفوا وراء هذا التيار يصلون إلي حقيقة واحدة لا ثان لها، هي أنهم يمضون بلا هدي أو دليل يقودهم نحو الطريق الصواب، الأمر الذي يخلق بينهم وأخوتهم هوة عميقة جداً، بالسعي إلى تقليل المكانة والإستهزاء بالآخرين، أي أنهم يصرون ويصرون علي أفكارهم إصراراً شديداً، وكأنهم يقول لمن يحاورهم : (نحن صاح)، و(أنتم خطأ)، وبالتالي ﻣﻦ ﺣﻘنا الإفتاء، أو التصريح، أو توجيه النقد لوحدنا في هذا الأمر وفقما ﻳﺤﻠﻮ لنا.
وفي كثير من الأحيان تكون وجهات النظر ﺩﻛﺘﺎﺗﻮﺭﻳﺔ نسبة إلي أن أصحابها يمتلكون الجاه أو السلطة، وفي أحايين أخري تلعب تلك الآراء السالبة دوراً كبيراً في ﻃﻤﺲ الحريات، ووأدها في مهدها، لذا السؤال الذي يفرض نفسه لماذا إختلاف الرأي يفسد للود قضية؟ هل لأن واقع (حرية رأي) يفهم لدي الكثير من الناس خطأ، وليس للمختلف معهم إستعداد للاستماع للآراء المخالفة لوجهات نظرهم، مما يعبر صراحة عن (ﺿﻴﻖ ﺃﻓﻖ)، وتعدي واضح علي حقوق الآخرين، وبالتالي فرض الرأي علي الآخرين يمثل جريمة، وإنتهاك صريح للحريات، إلي جانب أنه يلوث العقول بالأفكار المنافية للحقيقة والتي يعمد في ظلها البعض إلي وضع أنفسهم موضع (المقدسين)، وكأنهم أناس ﻻ يجوز أن تخطئهم العين المجردة، ﻭعليه يمنحون ﻣﻦ يتفق معهم في الرأي (ﺍﻟﺠﻨﺔ) ومن يختلف مهم (النار).
إن الإختلاف في وجهات النظر أمراً طبيعياً إذا لم يخرج من سياقه، وكاذب كل من ينكره، لأنه يحدث حتي في نطاق الأسرة الواحدة، الشيء الذي يستوجب توعية هؤلاء أو أولئك بهذه الحقيقة التي يسعي أصحابها إلي إخفائها لشيء في نفس يعقوب، لذا علينا مكافحتهم من خلال تضمين الإختلاف في الآراء في المناهج التعليمية ابتداءً من ﺍﻟﻤﺪرسة وحتي الجامعة، بالإضافة إلي بث ثقافة الإختلاف حول وجهات النظر، والتأكيد علي أن الإختلاف فيها لا يفسد للود قضية، لأنه من المؤسف حقاً أن يتحول إختلاف الرأي إلي (عنف)، أو يصبح (جريمة) يصعب تداركها.
من الملاحظ أن معظم الخلافات تحدث لإصرار طرف علي فرض رأيه علي الآخر، ويتطور ذلك إلي أن يصبح (ﻗﻄﻴﻌﺔ) لعدم وصول الطرفين لإتفاق يفضي علي الأقل لتقريب وجهات النظر، إلا أن البعض الذي يدعي المعرفة في كل شيء يفرض وجهات نظره، لذلك السؤال هل تربيتنا قائمة علي ﻓﻜﺮﺓ الإنتصار وعدم تقبل الهزيمة وتعددية الآراء، واتاحت الفرصة للأشخاص للمشاركة في الحوارات الدائرة؟، إذا استطعنا الإجابة فإنه لن تكون هنالك آراء احادية، وسنفسح المجال للتعددية، حتي لا تكون مقولة إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية مجرد شعار يقال ولا يطبق، ومن ثم تتحول وجهات النظر إلي قضايا، صراعات ونزاعات تستخدم فيها كل المفردات المقللة من مكانة الآخر، ومع هذا وذاك يستحال تقبل آراء الأغلبية، وعليه فإن الأصل في هذه المسألة هو حرية الرأي ما لم تمس اربعة خطوط حمراء هي (ﺛﻮﺍﺑﺖ ﺍﻟﺪﻳﻦ)، (ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﻃﻦ)، (ﺍﻹﺑﺎﺣﻴﺔ) ﻭ(ﺍﻟﺘﺸﻬﻴﺮ).
هنالك بعض شذاج الأفق يستغلون (حرية الرأي) من أجل تنفيذ أجندة لصالحهم، ويتجذر ذلك السلوك كلما صمتنا وتكتمنا عليه لتتفاقم الأزمة، لذلك لابد من إستيعاب فكرة أن الإختلاف في وجهات النظر شيء طبيعي، وأنه ظاهرة إنسانية وجدت القابلية من سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والصحابة والعلماء من بعده، إذ قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (ﻻ ﺧﻴﺮ ﻓﻴﻜﻢ إن ﻟﻢ ﺗﻘﻮﻟﻮﻫﺎ، ﻭﻻ ﺧﻴﺮ ﻓﻴﻨﺎ إن ﻟﻢ ﻧﺴﻤﻌﻬﺎ).
فيما بعث في إطارها إبن العباس برسالة موجهاً من خلالها سؤاله إلي ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﺛﺎﺑﺖ حول ميراث الأم مفادها : (أﻳﻦ ﺗﺠﺪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻟﻸﻡ ﺛﻠﺚ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ من الميراث)؟، ﻓﺮﺩ ﻋﻠﻴﻪ (ﺯﻳﺪ) رداً بليغاً ﺩﻭﻥ ﺗﻘﺮﻳﻊ ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺇﺛﺒﺎﺕ قائلاً : (ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻧﺖ ﺭﺟﻞ ﺗﻘﻮﻝ ﺑﺮﺃﻳﻚ، ﻭﺃﻧﺎ ﺭﺟﻞ ﺃﻗﻮﻝ ﺑﺮﺃﻳﻲ).
بينما هنالك عبارة من العبارات راسخة في ذهني مفادها : (ﺇﺫﺍ رغبت في مصادقة شخص يخلو من الاخطاء، فإنه لن تجد إلا أن تصادق نفسك، ولن تخلو أنت منها)، وهذه العبارة تترجم حقيقة أن الإنسان سيظل يصيب ويخطيء إلي قيام الساعة، وبالرغم من ذلك يستغل المساحات التي تفردها له (ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ) ووسائطها المؤطرة لثقافة ﺇﺻﺪﺍﺭ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ جزافاً بشكل احادي، جعل الإختلاف في وجهات النظر (فيروساً) انتشر في أوساط الناس لدرجة أن من يفرضون آرائهم أصبحوا كالقضاء يصدرون الاحكام ناسين أو متناسين أن القضاة ثلاثة قاضيان في النار، وقاض في الجنة، رجل قضي بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فاهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاض قضي بالحق فذاك في الجنة)، (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب، لا نفضوا من حولك).