.....................
أم أحمد : نعيش كالخفافيش في الظلام خوفاً من وصمة المجتمع والأسرة
.....................
جلس إليهم : سراج النعيم
......................
أم مزن : تفاجأت بالإصابة بفيروس المناعة المكتسبة بعد الطلاق بشهرين
بما أن فيروس المناعة ( الإيدز ) في تزايد بنسب كبيرة، رأيت أن أواصل الروايات المخيفة والمرعبة جداً حول المصابين بمرض المناعة المكتسبة (الايدز)، الذي استطاعوا أن يتعايشوا معه، وهم ينزفون ندماً علي الأخطاء التي وقعوا فيها وقادتهم إلي هذا المصير المجهول الذي يحمل بين طياته الكثير من الغموض. وأكثر ما حز في نفسي قصة ابواحمد الذي قال : الرغبة التي تسيطر علينا جميعاً لدرجة نسكب معها الدمع كلما خلونا لأنفسنا هو النكران الذي يمارسه علينا المجتمع الذي ما أن يعلم بعض من أعضائه بإصابة أحدنا بمرض الايدز، إلا وينفرون منا، لذلك نمارس إخفاء المرض حتى في نطاق الأسرة خوفاً من النظرة السالبة التي يرشقوننا بها، وإن كنا نود التعايش معهم دون ارتداء الأقنعة، ولكن كيف؟ هذا السؤال بسيط إلا أن الإجابة عليه صعبة جداً رغماً عن التعايش الذي تأقلمنا في إطاره، إلا أنه وللأسف الشديد نجد أنفسنا منبوذين بصورة قد تقودنا للتخلص من حياتنا فكم مريض بالايدز انتحر وكم... وكم... وكم، لأنه لا يمكن أن نستمر في الحياة مثل (خفافيش الظلام) حتى لا يكتشف أي إنسان حقيقتنا، بالمقابل الكثير منا يعيش بين أهله وزملائه في الدراسة والعمل دون أن يعرفوا أنه مصاب بـ(الإيدز).
ويضيف : هكذا المشاهد المرتسمة في الأذهان تأخذ حيزاً كبيراً في عوالمنا التي تفرض علينا طرح الأسئلة الصعبة جداً وهي بلا شك تحمل في معيتها العديد من علامات الاستفهام، ومن بين تلك الأسئلة هل ساهمت الأجهزة الإعلامية في التأطير لهذه الأفكار السالبة التي أدت في النهاية إلي إبراز الصورة المغايرة للمرضي المتعايشين مع فيروس المناعة المكتسبة؟ وهل في الإمكان أن يجدوا من يحتضنهم في المحيط الأسري أو في المجتمع بصورة عامة باعتبار أنهم يمكن أن يكونوا فاعلين في المجتمع الذي خرجوا من رحمه أصحاء ولكن الأقدار وحدها التي وضعتهم في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر.
فيما قالت أم مزن المتعايشة مع فيروس المناعة المكتسبة : بدأت تداعيات قصتي مع داء الايدز من خلال تجربة مريرة ومؤلمة في نفس الوقت فلم أكن أدري بأن زوجي مصاباً بالفيروس ولكن كانت تدب بيننا الكثير من الإشكاليات التي تطورت بمرور الزمن ولم اعد احتمل من قريب أو بعيد ذلك الواقع الذي لم أألفه قبلاً فما كان مني إلا وطلبت منه الطلاق فرفض رفضاً باتاً إلا أنني أصريت اصراراً شديداً على فكرتي لأنني لاحظت أنه ينشيء علاقات غير شرعية وعندما طرقت هذا الباب كثيراً لم يجد أمامه بداً سوي الاستجابة، وانتقلت مع أبنائي للعيش في منزل الأسرة الكبيرة وما أن مرت أربعة أشهر علي استلامي قسيمة الطلاق إلا وانتقل هو للرفيق الاعلي، ومن ساعتها والناس تبعث لي بالرسائل السالبة التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه مصاب بمرض الايدز ومن ثم انتشر الخبر في المنطقة التي كنا نقيم فيها، هكذا إلي أن علمت أسرتي، الشيء الذي جعلني أحس آنذاك أن الأرض تميد بي ولم أكن أدري ماذا أفعل؟ لأن قواي في تلك الأثناء انهارت تماماً وبالتالي عمدت إلي تكذيب الخبر ولكن لا حياة لمن تنادي فالنظرات مازالت كما هي لم تتغير قيد أنملة لذلك قررت أن استجمع قواي ومن ثم أتوجه مباشرة إلي أي مركز من مراكز فحص الايدز لعمل التحاليل الطبية وبالفعل ذهبت إلي هناك وأخذت عينة من الدم وقالوا لي عليك الإتيان للنتيجة بعد أسبوعين من تاريخه وبالمقابل انتظرت هذين الأسبوعين اللذين مرا عليّ كأنهم أعوام لا حصر لها ولا عد وفي الزمان والمكان المحددين عدت إلى المركز الذي ظهرت فيه النتيجة المؤكدة أنني مصابة بمرض المناعة المكتسبة (الإيدز).
وتسترسل : لا يمكنك أن تتصور الحالة النفسية التي دخلت فيها وأنا أتلقي خبر إصابتي بالفيروس حينها شعرت بأن الدنيا أظلمت في عيني ولم اعد قادرة علي الوقوف علي أقدامي الأمر الذي اضطرني إلي أن أجلس علي الأرض اعزي في نفسي علي هذا المصير المجهول ومع هذا وذاك كنت أتسأل في غرارة نفسي ماهي ردة فعل الوالدة حينما أخطرها بهذه الحقيقة عموماً توكلت علي الله سبحانه وتعالي وتوجهت ناحية أمي وقمت بمصارحتها بذلك فما كان منها إلا أن رفضتني وطلبت مني مغادرة منزل الأسرة الكبيرة فوراً، وأثناء ذلك النقاش الممزوج بالبكاء وصمتني شقيقتي الصغرى بالعار عليهم مما قادني للعيش في عزلة عن العالم المحيط بي داخل غرفة بالمنزل الذي تركه لنا زوجي السابق وهناك عملت علي نسيان والدتي وشقيقتي بالرغم من أنهما كانتا تخافان عليّ خوفاً شديداً قبل أن اخبرهما بإصابتي بمرض الايدز الذي كان في إمكاني إخفائه عنهما المهم أنني بدأت ألملم أشتات نفسي إلى أن اتخذت قراراً بضرورة التحليل لأبنائي الثلاثة، الذين جاءت نتيجة التحاليل الطبية لتؤكد أن فيروس المناعة المكتسبة (الايدز) لم يصل إليهم، فحمدت الله العلي القدير كثيراً ومن ثم صليت صلاة شكر علي هذا الكرم الرباني.
وتستطرد : ومما ذهبت إليه قررت أن أعمل في إحدى المؤسسات لكي أستطيع الإنفاق على نفسي وأبنائي الذين يدرسون في مراحل دراسية مختلفة وكان أن وفقت في عملي الذي لا يعلم عنه أحداً شيئاً في الشركة التي أعمل بها منذ عامين وخلال دوامي مجيئاً وذهابا تعرفت علي منظمات تعمل في المجال الإنساني وبالأخص في نطاق مكافحة الايدز وهي الجهات التي بدأت توفر لي الدواء الذي تحسنت في ظله حالتي الصحية كثيراً ، تخيل أنني لم أفصح عن إصابتي بداء الايدز فهل كان في استطاعتك معرفة ذلك الإجابة في غاية البساطة لا لأن الفيروس لا يظهر إلا في الدم لذلك يعود الفضل بعد الله سبحانه وتعالي للمنظمات الإنسانية التي لعبت دوراً ريادياً في التأقلم والتأهيل والمساعدة وهي الأشياء التي جعلت مني هذه الشخصية الناجحة في حياتها الخاصة والعامة ووفقاً لذلك أوكلت لي مهام كبيرة في العمل، ومن خلال هذه المنظمات والجمعيات العاملة في مجال مكافحة الايدز استطعت التعرف على مجموعات كبيرة من المتعايشين من الجنسين مع الفيروس.
وهمست في أذني قائلة بصوت خافت مليء بالحزن العميق : هل تصدق أن الإحساس الذي يخالجنى في تلك الأثناء هو التفكير في زوجي الذي كنت أتمنى صادقة أن يكون علي قيد الحياة حتى أسأله ما الذنب الذي اقترفته في حقك لكي تنقل لي هذا الداء؟.
وتابعت : الإجابة بالنسبة لي ظاهرة وهي أنه ظلم نفسه قبل أن يظلمني معه ثم صمتت برهة والدموع تتساقط من عينيها دون أن تأبه بها وهي تقول : لا أخفي عليك سراً إذا قلت لك أنني في حاجة إليه حتى يقاسمني هذه الظروف المحيطة بى من كل حدب وصوب بغض النظر عن حالته الصحية المتسبب فيها المرض المسمي فيروس المناعة المكتسبة (الايدز) لأنه علي الأقل سوف يؤازرني في هذه المحنة.
وتسترسل : وبمرور الزمن كبر الأبناء نوعاً ما فما كان أمامي بداً سوي إخبارهم بحقيقة إصابتي بداء (الايدز) حتى لا يعلموا بذلك من شخص أخر ويسبب لهم شرخاً في حياتهم من واقع وصمة المجتمع لنا، كما أنني وضحت لهم الكيفية التي انتقل لي بها، ما قادهم إلي مطالبتي بمسامحة والدهم عما اقترفه في حقي، أما أطفالي الصغار فمازلت اخفي عنهم المرض لأنني بصراحة لم استطع مواجهتهم بحقيقة مرضي حتى الآن.