الأحد، 17 نوفمبر 2019

الدولة العميقة في السودان.. نظرة من الداخل


نظام الرئيس المخلوع عمر البشير همش أقاليم السودان بلا استثناء
التوظيف خارج الولاء لا يتجاوز الـ(20%) من التزكيات القيادية
من الملاحظ أن البعض من السواد الأعظم يتداول مصطلح (الدولة العميقة) على أساس أن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير مكن نفسه من السلطة بتوظيف الموالين له بالولاء وليس المؤهل والكفاءة خلال الثلاثة عقود الماضية، والتي مارس فيه أصنافاً من الظلم، والذي لم تشهد له البلاد مثيلاً، وذلك منذ استقلال السودان من الاحتلال البريطاني، والذي لم ترق فيه قطرة دمٍ واحدة، مما يؤكد أن ما فعله نظام المعزول عمر البشير من قمع، قهر، بطش، أذلال، إهانة، ظلم، سفك للدماء، لم يحدث على مر تاريخ البلاد، والتي لم تنعم يوماً واحداً بالأمن والسلام، والأكثر تضرراً أجيال الشباب الذين لم يحظوا بتقلد المناصب السياسية أو الوظائف في المؤسسات، الشركات والمصارف الحكومية العامة العاملة في مجالات مختلفة، بالإضافة إلى التجنيد في القوات النظامية والأجهزة الأمنية الأخري، إذ أن التوظيف في منظومة الدولة العميقة لا يتاح لغير الموالين للنظام السابق الذي يزكي قياداته من يرون أنه لا يخرج من سياق سياسة التمكين، والتزكية تؤكد تعميق فكر (الهيمنة) على مقاليد السلطة في البلاد، وبالتالي لا يتم التوظيف خارج نطاق الولاء للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وإذا حدث ذلك فإنه لا يتجاوزن الـ(20٪)، وأمثال هؤلاء يتم تعيينهم بعد تفحيص وتمحيص من الأجهزة الأمنية، ومع هذا وذاك فإن الوظائف المعنية ليست مؤثرة في القرار النهائي، هكذا ظل النظام البائد ينتهج ذلك النهج منذ تقلده حكم البلاد في العام 1989م، وبالتالي لا ينكر وجود الدولة الأيدلوجية العميقة إلا إنساناً مكابراً بدليل أن الترقيات للوظائف لا تخضع لمعايير ومقاييس، وكل ما هو مطلوب هو الولاء بنسبة (80٪)، ورغماً عن أنه يتم الإعلان لتلك الوظائف وتجري بعض المعاينات إلا أنها تندرج تحت غطاء إيهام الرأي العام بأن الإجراءات تمضي في الإطار الصحيح، ولكن الحقيقة المستسلم لها هي أن شاغل الوظيفة يكون قد عين فيها قبل الإجراءات ، أي أن الإعلانات والمعاينات للوظيفة مجرد شكليات لا أكثر، وربما الكثير منا خاض تجارباً من هذا القبيل.
عموماً يجب منح الاقاليم السودانية المهمشة شمالاً، جنوباً _شرقاً، غرباً ووسطاً مناصباً في السلطة المركزية حتى تتاح لهم فرصة خدمة مناطقهم ومدنهم، خاصة وأن ديدن نظام الرئيس المخلوع عمر البشر كان قائماً على سياسة (تهميش) كل ما لا يتوافق مع توجهاته وخططه في إدارة الدولة الأيدلوجية العميقة، والتي جعلت من الموظفين تجاراً استفادوا من مناصبهم الرفيعة، وعليه فإن تلك السياسات الاقتصادية كانت فاشلة بمعني الكلمة، وأدت إلى استشراء (الفساد) بصورة سافرة، وحتى لا ينكشف أمره للرأي العام كان يتم التضليل من خلال بعض الأجهزة الإعلامية، هكذا صنع النظام البائد من مسانديه أبطالاً من ورق هش، وهؤلاء الأبطال لا يعدون كونهم سوي خائنون، وإذا لم يفعلوا الخطيئة فإنهم مهددين باغتيال الشخصيات من خلال بث الشائعات المغرضة.
فيما نجد أن الناس (زهجت) من بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية من واقع أنها تمضي بإنسان السودان على هدي الأنظمة الديكتاتورية التي أن لم تستجب لخنوعها فإنها تسلط على من يخالفها وجهات النظر بعض الارزقية من أجل تشويه الصورة، وذلك من خلال الوسائط الإعلامية الحديثة، ومن ثم يجعلونك مسخرة وسط الناس، وهو ذات النهج الاقصائي الذي اتبعه نظام الرئيس المعزول عمر البشير، والذي ظل يكرس له خلال ثلاثة عقود، مما نتج عن ذلك الجهوية، العنصرية والقبلية، وفي ظل ذلك الواقع المذري ليس مطلوباً منك سوي أن تمتلك بعضاً من المال والقنوات الإعلامية الحديثة لكي تحقق الريادة على من يفقونك علماً، فكراً، خبرة وتجربة.
إن نظام الرئيس المعزول عمر البشير لعب دوراً كبيراً في طمس الهوية، الثقافة، واللهجات، وزيف التاريخ ووسع دائرة الخلافات القبلية، مما أدي إلى ارتفاع صوت النعرات العرقية التي أدت إلى استيطان الاستبداد بين أبناء الوطن الواحد، والذين كان يفترض فيهم أن يلعبوا أدواراً تاريخية في تنمية وتطوير البلاد التي تستحق منهم تمييزاً إيجابياً في المرحلة القادمة، وذلك من أجل تعويض الشعب السوداني عما حاق به من ظلم، تهميش، إذلال، إهانة وسفك للدماء.
فيما تتطلب المرحلة القادمة الإحساس بما خلفه نظام الرئيس المخلوع عمر البشير من خلال دولته العميقة التي يتقلد وظائفها من تتم تزكيتهم، وهو أمراً يرونه طبيعياً، وبالتالي فإنهم كانوا يمعنون في الظلم والتسلط، وكانوا يضللون الناس بالشعارات البراقة والأكاذيب على مدي ثلاثة عقود، وهي الأعوام التي كانوا يتجهون في إطارها دون حياء أو خجل، فلم يشهد فيها الشعب السوداني عدلاً أو مساواة، بل يستمع للكذب يوماً تلو الأخر، وخلال تلك الفترة كان نظام الحكم يدار عبر وجوه محددة، هي وحدها التي تتبادل المناصب، أي أنهم يتقاسمون السلطة والثروة فيما بينهم، وما تبقي من فتات السلطة والثروة يمنون به على الشعب السوداني، مما جعله ينتفض ضد تلك السياسات الظالمة، والتي يتخوف من تكرارها على مستوي بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية، فهم جميعاً ينظرون للمصلحة الشخصية، لذا يجب أن نعول كثيراً على التغيير جذرياً وليس جزئياً حتي نتخلص من هؤلاء أو أولئك الذين يعملون على أن يجعلوا أنفسهم (المرؤوسين)، والشعب السوداني (المهمش)، ناسين أو متناسين أن الشباب ضحوا بدماءهم، وكانوا وقوداً للثورات التحررية، فلماذا يحاول البعض تجاوز هذه الحقيقة، ويسعون للوصول إلى كرسي السلطة، فلولا إرادة الشعب السوداني لما وصلتم إليها في ظل النظام البائد الديكتاتوري الذي جعل من البلاد بؤرة للصراعات، النزاعات والحروب.
إن النظام البائد ومن خلال سياسته استطاع أن يقسم المجتمع السوداني إلى طبقتين طبقة ثرية ثراء فاحش، وطبقة فقيرة فقراً مقدعاً، وعليه قضي تماماً على الطبقة الوسطي التي كانت تخلق نوعاً من التوازن، وبالتالي فقد المجتمع ذلك التوازن،، ومن ثم عمد نظام الرئيس السابق عمر البشير إلى إذكاء روح التمييز بين أعضاء المجتمع، ويتضح ذلك بجلاء في اللقاءات الجماهيرية والمناسبات الخاصة والعامة، فإذا صادف واجتمعت بأي منهم يتخالجك احساس بأنهم ليسوا من نفس كوكبك، وأنهم من فصيلة نادر وجودها في الحياة، وعلى ذلك النحو كانوا يختزلون الوطن في حيز ضيق جداً، وعليه فإن الدولة ينطبق عليها ما ذهب إليه نابليون : (أنا الدولة)، لذا يجب تفكيكها والقضاء على القبلية والجهوية، وأن يلتف الجميع حول ما يعلي من شأن المصلحة العامة المحققة لما يصبو إليه الشعب، وأن نقف ضد من يعمل على الاسترزاق من خلال المناصب، والتهميش شمل السودان عموماً، خاصة بعد أن رفع شعارات الحرية، السلام والعدالة، وهي أن نفذت واقعاً فإنها قادرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية.
مما ذهبت إليه فإن من أوجب الواجبات الإعتراف بالفشل الذريع في المرحلة الماضية نسبة إلى أنها كانت مبنية على الشعارات غير المطبقة على أرض الواقع، والتي كانت تشهد أقوالاً وليس أفعالاً، وقطعاً هي بعيدة عما شرع من دساتير وقوانين تهدف إلى السيطرة على مقاليد الحكم وحماية النظام من خلال أفكار تدعم المصلحة الشخصية، وتبعد من يرتكب الخطيئة عن المساءلة والمحاسبة، مما خلق زعزعة، نزاعات، صراعات وحروب أبرزها الحرب التي شهدها جنوب السودان منذ الاستقلال، ومن ثم إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م للإحساس بالتهميش، والذي ليس محصوراً فيما ذهبت إليه، بل هنالك الشمال، الوسط والشرق، وهي أقاليم لا تقل في معاناتها عن سابقتها إلا أن البعض يسعى إلى التقليل والتقزيم من التهميش الشامل، فالسودان بصورة عامة يعاني من التهميش، الألم والمرارات، فالظلم طال كل ارجاء البلاد، لذا يجب عدم الانجراف وراء الشعارات.
ومما ذهبت إليه يجب أن تفضي المفاوضات بين المجلس العكسري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير إلى تشكيل حكومة مدنية تحقق آمال وأشواق الشعب السوداني الذي عاني ما عاني، وبالتالي هو في انتظار ما تسفر عنه المفاوضات حول الوثيقة الدستورية التي يتم بعدها التحضيرَ لاستكمال كل الترتيبات المتعلقة بالاتفاق السياسي، والذي يبحث بنود الوثيقة التي تبحث الإعلان الدستوري.


ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...