الأحد، 17 نوفمبر 2019

سراج النعيم يكتب : ضياع الهوية وفساد الأخلاق


مما لا شك فيه فإن العولمة ووسائطها المختلفة تربط بشكل شبه يومي التواصل في كافة مناحي الحياة، وبالتالي أصبحت تسيطر سيطرة تامة على المعاملات على المستويات المحلية والعالمية ، ويتم توظيفها بصورة إيجابية لخدمة المجتمعات الغربية ، ولكن في معظم دول العالم الثالث تستخدم في الإطار السالب الذى قادها للتأخر عن التطور والمواكبة سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً وفكرياً، إذ أنها أضحت وسيلة للتهديد والوعيد وتصفية الحسابات الشخصية دون مراعاة للقيم والأخلاق غير المنفصلة عن الديانة الإسلامية، فالمفهوم الذى أصبح سائداً هو نشر البوستات عبر (الفيس بوك) و(الواتساب) وتوزيع الاتهامات من خلالها جزافاً وربما دون اسانيد تؤكد صحة ما ذهب إليه هذا أو ذاك، وهو الاتجاه الذى أوقع الكثيرين تحت طائلة قانون جرائم المعلوماتية.
إن الدول العظمي المنتجة لـ(العولمة) ووسائطها عملت على احتواء الدول الفقيرة ببث ثقافتها المغايرة أن شئنا أو أبينا وذلك من خلال ممارسة ضغوطات في النواحي الاقتصادية ، وبالتالي فإن الإمبريالية العالمية تبرر الاستخدام السالب، وتبني تفسيره وقراءته على الصراع الدائر حول الثقافات، خاصة وأنها تدعم استراتيجياتها وايدلوجياتها في دول العالم الثالث التي تعاني من نظرة مصالح الدول العظمي سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً وفكرياً، وعليه فإن التركيز مرتبط ارتباطاً عميقاً بالعولمة التي أضحت مسالة مركزية تحظي بالتفاف جماهيري ، مما حدا بها أن تصبح وسيلة إعلامية سهل التعامل معها وجاذبة إلا أن الاستخدام السالب أفقدها تلك القيم الإنسانية، وكلما تطورت العولمة ووسائطها المختلفة تسفر عن ظواهر سالبة تقود إلى تلاشي عادات وتقاليد وإرث وتراث على مدى الحراك التاريخي الذي شهد صراعات حضارية وثقافة وفكرية لتحقيق إطماع للدول العظمي. وذلك منذ انهيار المعسكر الاشتراكي، والذى على إثره سيطر القطب الواحد على العالم، وأصبح يحركه كيفما يشاء وكيفما يريد، لذا يستوجب الأمر التكاتف والتعاضد للوقوف في وجه الأخطار والتحديات الجسام المهددة للإنسانية بالفقر المدقع والمرض، وهي كلها ناتجة عن (العولمة) ، والتي تأتي إلينا من الدول العظمى وترمي من ورائها للسيطرة التامة على عقول وأفكار النشء والشباب، وذلك من أجل بث ثقافاتها وأفكارها وإعادة تسويقها بما لا يتناسب معنا.
تبقي العولمة تفرز إفرازات تجعل الإنسان في دول العالم الثالث مستهلكاً لها، وشغوفاً بها، وذلك يعود إلى عجز قنواتنا الفضائية والإذاعات والصحافة من الوصول إلى تفاسير مقنعة لمفهوم العولمة ، وكل ما يتحدثون عنه هو أنها غولاً اقتصادياً، ثقافياً وفكريا يقضي على كل ما هو مرتبط بالإنسانية، وحينما نفكر في التطور والمواكبة لا نعرف كيف نستفيد منها لتصب في صالحنا رغماً عن المخاطر التي تبثها وتنشرها (العولمة) ، وهي دون أدني شك تتطلب اتخاذ كافة التدابير الاحترازية لمكافحة الظواهر السالبة والاستفادة منها فيما يفيد الناس والمجتمع وذلك من خلال تطوعيها لصالح إنسان دول العالم الثالث، وأن لا نعمل على الترويج للثقافة والأفكار الغربية غير المناسبة معنا، ومع هذا وذاك سهولة اقتناء الهواتف الذكية واستخدامها بالتطبيقات الإلكترونية التي تركت تأثيرها البالغ في شتي مناحي الحياة بحكم الوضع الاستثنائي الذى تركن له المجتمعات التي أصبحت شبه مستقلة أو أن شئت قل إنها محتلة ثقافياً وفكرياً على مدى سنوات، ولكي نرتقي إلى مستوى التحدي لابد لنا من اتباع إجراءات إسعافية وعاجلة جداً من أجل مكافحة الظواهر السالبة، وتطوير القدرات والمهارات في الاتجاه الإيجابي المزود لروافد المجتمع بما يلزمه من الاستفادة من التطور التكنولوجي من خلال مقاومة الثقافات والأفكار القائدة إلى الإغراق فيما هو غير مفيد.
يجب عدم منح من يستخدمون العولمة محفزات تجعل من ذلك العالم جاذباً بما يتعارض مع ثقافتنا، أخلاقنا قيمنا، عاداتنا وتقاليدنا، لذا يجب استخدامها بحيطة وحذر شديدين، وتعزيز وتفعيل دور الرقابة الأسرية لدرء الآثار السالبة على الأبناء، بالإضافة إلى تحفيز وسائل الإعلام للتوعية من مخاطرها والحد من ترويجها للثقافات والأفكار الغربية، خاصة وأنها في دول العالم الثالث مبنية على تنفيذ الاجندات الظاهرة والخفية، وهي متعددة الأشكال، الأهداف والخطط المؤدية إلى صراع الحضارات والمصالح الغربية التي بدأت بعض الدول العظمي ترجمتها على أرض الواقع، وتوسيع رقعة الحروب وانتشار العنف والإرهاب، وهي سياسات تدعو إلى حرمان هذا العالم المغلوب على أمره من أي إرادة ذاتية أو قرار مستقل.
إن (العولمة) ووسائطها المختلفة قادت إلى إفساد الأخلاق مما نتج عن ذلك حدوث الفوضى والتفكك الأسري والاجتماعي، بالإضافة إلى ضياع الهوية، وموجة التبعية للثقافات الغربية التي حولت مجمتعاتنا إلى مجتمعات أوروبية مما نجم عن ذلك شرخاً متزايداً للاستقطاب الغربي الحاد، واتباع ما ينتجه من ثقافات وأفكار دون رؤية أو هدف أو مضمون.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...